شارك في التقرير: علا عطالله، محمد هلال.
تفترش مئات الفتيات والنساء في قطاع غزة ساحات وصفوف المدارس التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”، وتحولت تلك المدارس إلى مراكز للإيواء بفعل الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة لليوم الـ 14 على التوالي. وتنعدم في تلك الأمكنة الحياة الطبيعية المعتادة والروتين اليومي، الذي يفعله الآخرون في كل مكان في العالم؛ نتيجة استمرار جيش الاحتلال الإسرائيلي في انتهاك معايير حقوق الإنسان، ممارسًا العقاب الجماعي على سكان غزة، ضاربًا حصارًا شديدًا على سكان القطاع، يشمل قطع الكهرباء والمياه والوقود، وممارسة التهجير القسري لسكان شمال القطاع إلى جنوبه، مع الاستمرار في منع دخول المساعدات الدولية إلى القطاع.
معاناة صامتة
معاناة صامتة تتعرض لها الفتيات والنساء هناك، وتمثل لهن وجعًا جديدًا. الشابة سارة لم تتخيل في يومٍ من الأيام أن تكون “الفوط الصحية” ضمن الأشياء العزيزة التي سيكون الحصول عليها أشبه بمعجزة، سارة التي فضلت الاكتفاء باسمها الأول تبلغ من العمر 18 عامًا، تقول إنها شعرت بالخجل الشديد لطلب مثل هذه المستلزمات. وتضيف سارة لـ”مواطن“، وهي واحدة من بين عشرات اللواتي يعشن فترة الحيض (الدورة الشهرية) في مركز الإيواء: “قد يبدو الأمر ترفًا، لكنه ليس كذلك، الأمر يتعلق بحياتنا النفسية والصحية”.
على مقربة منها تجلس سيدة في الثلاثينات من عمرها قالت إنها اضطرت لوضع قطعة من القماش. وتضيف السيدة التي فضلت عدم الكشف عن اسمها لـ”مواطن“:” فقدنا في هذه الحرب كل شيء؛ حتى الخصوصية والتفاصيل الصغيرة”. كما أشارت إلى أنها هربت من القصف العنيف رفقة أطفالها دون أن تأخذ حتى ملابسها، وتستدرك السيدة الثلاثينية: ” لم أكن أعتقد أننا سنمضي كل هذا الوقت في الخارج، نحتاج إلى أشياء خاصة كالمستلزمات الصحية ومسكنات الألم والملابس الشتوية للأطفال وللنساء”.
لم أتخيل في يومٍ من الأيام أن تكون "الفوط الصحية" ضمن الأشياء العزيزة التي سيكون الحصول عليها أشبه بمعجزة
وتغلق المحال التجارية أبوابها خوفًا من القصف في ظل تعرض أكثرها للتدمير جراء الغارات المتتالية؛ فيما تشكو الصيدليات ومحلات البيع من نفاد الكثير من المستلزمات والمواد الضرورية. والمدارس التي تضم في أروقتها آلاف النازحين والهاربين من قذائف الموت، يشكو الجالسون فيها من البرد؛ حيث تنخفض الآن درجات الحرارة بشكل ملموس.
الفوط الصحية ليست رفاهية
بحسب الجهاز المركزي الفلسطيني للإحصاء؛ يعيش في قطاع غزة 2.2 مليون نسمة، تُشكل النساء من بينهم 49%، ما يتجاوز المليون امرأة، أغلبهن- اعتمادًا على إحصاءات أعمار النساء الفلسطينيات يحتجن للفوط الصحية.
أوضحت الدكتورة سها خليفة أخصائية طب العائلة في مستشفى الأمل للنساء والتوليد في الأردن عن تأثير نقص المستلزمات النسائية التي تتعرض لها المرأة الغزاوية بسبب الحرب والحصار المفروض على المدينة من قبل الاحتلال؛ أن عدم توفر الفوط الصحية للنساء وكبار السن يزيد من احتمالية الإصابة بالتهابات الجلد والتقرحات؛ خصوصًا مع عدم توفر أقمشة كافية وعدم توفر الماء الضروري لبقاء الأقمشة نظيفة؛ فعدم القدرة على التغيير المتكرر للمواد المستخدمة بدلاً من الفوط الصحية، أو عدم القدرة على تغيير الفوط لنقصها يؤدي إلى التهابات وفطريات جلدية وحساسية، كل هذا يجعل إدخال المستلزمات النسائية أمرًا ضروريًا وليس رفاهية.
وأضافت “خليفة” لـ”مواطن“: أن الآثار الصحية والنفسية لنقص الفوط الصحية سيئة؛ خصوصًا وأن المشاكل الصحية التي تؤدي إليها تأتي بالتزامن مع التهابات البول، التي يتعرض لها السكان بسبب الجفاف ونقص المياه، الجفاف الذي يؤدي بدوره إلى مشاكل كبيرة؛ منها التهابات الكلى، وعند فئة الحوامل قد يؤدي إلى الطلق المبكر والولادة المبكرة للحوامل وزيادة فرص حمى النفاس.
كما طالبت نساء في مراكز الإيواء وناشطات على مواقع التواصل الاجتماعي المنظمات المعنية بحقوق المرأة الضغط على الدول لمساعدة السيدات والفتيات في غزة، والعمل على توفير مستلزماتهم الخاصة؛ مثل منتجات النظافة الشخصية، والفوط الصحية. ولا تتوفر لهن في مراكز الإيواء أية مظاهر لأدنى ملامح الحياة العادية والبسيطة داخل المناطق التي تكدست فيها العوائل.
النساء هنّ الأكثر تضررًا من الحروب
وكشف صندوق الأمم المتحدة للسكان في فلسطين عن وجود 50 ألف امرأة حامل في قطاع غزة، لا تستطيع الحصول على الخدمات الصحية الأساسية؛ فمن بعد آلام الولادة يستمر دم النفاس من أربعة إلى ستة أسابيع، وقد يطول لاثني عشر أسبوعًا؛ مما يستلزم استخدام فوط صحية بكثافة أكبر.
وأضاف الصندوق في بيان على منصة “إكس” (تويتر سابقًا): “50 ألف امرأة حامل في قطاع غزة لا تستطيع الحصول على الخدمات الصحية، 5500 منهن سوف يلدن خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول الجاري”. وأكد الصندوق أن هؤلاء النساء “يحتجن إلى رعاية صحية وحماية عاجلة”، وحث جميع الأطراف على “التقيد بالتزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان”.
عدم توفر الفوط الصحية للنساء وكبار السن يزيد من احتمالية الإصابة بالتهابات الجلد والتقرحات؛ خصوصًا مع عدم توفر أقمشة كافية وعدم توفر الماء الضروري لبقاء الأقمشة نظيفة
وقال مدير الصندوق “دومينيك ألين” في مقابلة مع شبكة “سي إن إن” الأمريكية، ونشرت على منصة “إكس”:” إنّ “نظام الرعاية الصحية نفسه في غزة في وضع حساس؛ إنه يتعرض للهجوم، وهو على شفا الانهيار”. وأضاف أنّ “هؤلاء النساء الحوامل، اللاتي نشعر بقلق بالغ بشأنهن، ليس لديهن مكان يذهبن إليه”.
مساعدات عالقة
مع بداية العقاب الجماعي الذي تمارسه سلطات الاحتلال على قطاع غزة، توافدت آلاف الأطنان من المساعدات الإنسانية العاجلة، من الدول الصديقة والداعمة للقضية الفلسطينية، إضافة لبعض المنظمات الدولية إلى الجانب المصري من معبر رفح شمال سيناء، لكن سلطات الاحتلال ترفض فتح المعبر حتى الآن، كي تمر المساعدات الإنسانية العاجلة لمليوني إنسان يعيشون تهجيرًا قسريًا مع قطع للغاز والمياه والكهرباء؛ ما ينذر بكارثة إنسانية كبرى.
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، ظهرت دعوات من بعض الناشطين والمؤثرين، لافتة النظر لأهمية اشتمال المساعدات الإنسانية على الفوط الصحية للنساء والمستلزمات الطبية، بدورها أكدت هبة راشد المؤسسة والمديرة التنفيذية لمؤسسة “مرسال” عبر تغريدة على موقع “إكس” بأن المساعدات اشتملت بالفعل على الفوط الصحية.
وتواصلت “مواطن” مع الشيماء الإمام، المديرة التنفيذية لمؤسسة “أبشر” الخيرية، العالقة مع المساعدات الإنسانية العاجلة في معبر رفح منذ أيام، والتي أكدت لنا أن أول بنود المساعدات التي عملوا على جمعها هي الطبية؛ ومن بينها حفاضات وألبان الأطفال، الإسعافات الأولية الضرورية، والفوط الصحية التي لا تقل أهمية عن الطعام والشراب.
وأضافت “الإمام”: الفوط الصحية اخترنا إحضار علامتين تجاريتين وليست واحدة فقط مع تنوع الأحجام، كي تتناسب مع جميع المراحل العمرية. وبسؤالها عما يحتاجونه، أجابت: كل ما نحتاجه أن يُفتح المعبر كي تمر المساعدات لأهلنا في غزة.
مهما كان حجم المساعدات العالقة على الجانب المصري من معبر رفح كبيرا، لكن الاحتياج الضروري لمئات الآلاف من نساء غزة للفوط الصحية سيتجاوز أضعاف مجموع المساعدات المقدمة حتى الآن؛ خاصة مع ندرة المياه وانقطاعها؛ ما يشكل مخاطر صحية على حياة النساء وعلى صحتهن العامة.