على الرغم من اتهامات التطبيع والانتهاكات العمالية التي يتعرضون لها، والمعاملة السيئة من الجانب الإسرائيلي، يعمل أكثر من 2000 مواطن أردني في إيلات ” أم الرشراش المحتلة”، منذ أعوام وفق بروتوكول ثنائي بين الأردن والجانب الإسرائيلي، وهو أحد نتائج اتفاق “وادي عربة” للسلام بين الجانبين، والذي وقع عام 1994.
وتهدف الاتفاقية إلى تحقيق سلام عادل ودائم وشامل في الشرق الأوسط، مبني على قراري مجلس الأمن 242 و 338 بجوانبها كلها، وإلى تنمية علاقات الصداقة والتعاون بين البلدين بحسب مبادئ القانون الدولي، التي تحكم العلاقات الدولية وقت السلم.
وفيما يتعلق بالجانب الاقتصادي، نصت المادة السابعة من المعاهدة صراحة على إزالة جميع أوجه التمييز التي تعتبر حواجز ضد تحقيق علاقات اقتصادية طبيعية، وإنهاء المقاطعات الاقتصادية، وأقرت بأن العلاقات بين البلدين ينبغي لها أن تسير على مبادئ انتقال السلع والخدمات بحرية، كما يدخل الطرفان مفاوضات بهدف التوصل إلى عقد اتفاقات تتعلق بالتعاون الاقتصادي، بما في ذلك العمالة.
وتسهل مهمة إرسال عاملين الى إيلات “أم الرشراش المحتلة” التي تقع على بعد خمسة عشر كيلومترات شرقي مدينة العقبة الأردنية، شركات توظيف أردنية؛ إذ تُشغل الأردنيين في مجالات متعددة تتنوع ما بين البناء والأعمال الفندقية و الزراعة والمنشأت الصحية.
انتهاكات عمالية إسرائيلية، وصمت أردني
يعتبر الاحتلال الإسرائيلي أن مشروع تشغيل الأردنيين في إيلات ” مشروع رائد”، في حين يرى خبراء أردنيون أن ذلك يعود لأسباب عدة؛ في مقدمتها أن أسرائيل تنتهك حقوق العامل الأردني، كما أن العمالة الأردنية عمالة رخيصة بالنسبة لهم، باعتبار أن الراتب الذي يتقاضاه الأردني في إيلات لا يقبل به العامل الإسرائيلي.
ويعزو الأمين العام السابق لوزارة العمل الأردنية حمادة أبو نجمة، أسباب تلك الانتهاكات لعدم وجود أي نوع من الترتيبات والاتفاقيات بين الأردن وإسرائيل، والتي تنظم حقوق العمال بشكل فعلي، هناك فقط ما يحكم تنقل العامل خروجه ودخوله لإيلات، أما حماية العامل وحقوقه؛ فهي تفاصيل غير منظمة، مما يؤدي الى اختلالات وانتهاكات.
ويحصل العمال الأردنيون في إيلات نهاية كل شهر على فاتورة براتبه، والضريبة التي يتم اقتطاعها بواسطة أصحاب العمل الإسرائيليين ليست ثابتة ويمكنهم التلاعب بها، ومن جهة أخرى تجبرهم الشركات الأردنية على دفع رواتبهم كعمولة أو تفرض شروطًا جزائية.
يخفي بعض العاملين في إيلات عن عائلاتهم حقيقة عملهم في إيلات، خوفًا من اتهامهم بالتطبيع وحفاظًا على سمعتهم، في مجتمع يعتبر التعامل مع الاحتلال خيانة لا تغتفر، ولكن ارتفاع معدلات البطالة، أجبرتهم على ذلك.
ويضيف لمواطن أن: “معظم الانتهاكات التي ترتكبها إسرائيل تجاه العاملين الأردنيين، والتي تتنوع ما بين إنهاء الخدمات دون مبررات قانونية، وظروف وساعات العمل الطويلة، وتقاضي رواتب شهرية أقل من الحد الأدنى المنصوص عليه في القانون الإسرائيلي، وهو القانون الذي يحكم عقود العمل، جميعها انتهاكات مخالفة صارخة لمعايير العمل الدولية “.
ويؤكد:” أن الاحتلال لا يحترم حقوق الناس، والأردن مسؤولة عن تلك الانتهاكات؛ خاصة أنها لم تقم بضبط الأمور والحفاظ على حقوق عمالها والدفاع عنهم”.
أما عن الحل فيرى “أبو نجمة” أنه من الأفضل أن تتوقف الأردن عن إرسال عمالتها، لأن هناك انتهاكات واضحة، ومصلحة الطرف الآخرهي المتحققة، وخاصة أن إسرائيل لا تحترم القوانين الدولية، حد تعبيره.
ووفق دراسة أجراها مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية بالتعاون مع مؤسسة فريدريش إيبرت الألمانية بعنوان: العمالة الأردنية في إيلات: “انتهاكات في الظل” أشارت إلى أن الانتهاكات الواقعة على العمال تتمثل في غياب التزام شركات التوظيف فـي الأردن بقانون العمل، والنسبة المخصصة للاقتطاع من الرواتـب، بالإضافة إلى غياب الحقـوق العمالية المتعلقة بالضمان الاجتماعي، وعدم التزام الشركات التي يعملون فيها بالحد الأدنى للأجور، عـدا انتهاكات أخرى تلخصت فـي معاملتهم كعمال مياومـة، بشكل مخالف لما تم الاتفاق عليه مـع شـركات التوظيف في الأردن، إلى جانب المعاملة السيئة التي يتعرضون لها من قبل المؤسسات التي يعملون فيها.
مضايقات تتزايد، مع العدوان على غزة
منذ الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول، ازدادت أوضاع العمال في إيلات سوءً، ويحكي لمواطن، محمد سعيد شاب أردني، يعمل في إيلات: “كان الوضع معقدًا، هم يحملون كراهية كبيرة تجاه العرب، بس الآن صار الوضع أصعب؛ ممنوع أحكي عربي، وممنوع أكون قريب من مكان فيه إسرائيليين، ولو تعرضنا للاستفزاز منهم لازم نظل ساكتين أو بنرد وبروحونا، بدخلو الإسرائيليين على إيلات ومعهم سلاح وكلاب، ونحنا بنتفتش ساعة قبل ما ندخل”.
ويضيف: “تغيرت أوضاعنا جدًا، صعوبة كبيرة في الدخول والخروج، تشديد كبير وتواجد أمني مكثف، كعاملين في إيلات صرنا نخاف من أي حركة ممكن نعملها، ببساطة نحن مهددون بالطرد بأي لحظة؛ خاصة في حال تطرقنا لما يحدث في غزة، أو قمنا بمشاركة بوستات تضامنية مع فلسطين”.
بينما يروي محمد جازان، عامل أردني في إيلات، قصة اثنين من زملائه، أحدهما شارك بوست تضامني على الفيسبوك عن المجازر في قطاع غزة، ليتم لاحقًا طرده دون إبداء أي أسباب، ولكن يرى محمد أن السبب واضح، ويقول” “كلنا عرفنا عشان البوست يلي نزلوا ع صفحته، وخاصة أنهم نبهونا من أول الأحداث ما نشارك شي، ولا نفتح الموضوع”.
ويحكي أيضًا قصة زميله الثاني، الذي شاركت زوجته بوست عبرت عن تضامنها ضد مجازر الاحتلال في القطاع، ليطرد هو الآخر من عمله، ويكمل مستهزئًا “لو عرفو عن مكالمتي معكم أكيد حنظم أصدقائي”.
بعد الأحداث الأخيرة في قطاع غزة، استغنت إسرائيل عن عشرات العاملين الأردنيين في إيلات دون أي اعتبارات لأية اتفاقات وقوانين عمالية دولية، ودون إشعار مسبق، فيما لم تتخذ السلطات الأردنية أي إجراء تجاه ذلك.
يؤكد محمود فراس، أردني يعمل في في إيلات أيضًا، ” انضميت لعشرات الأردنيين اللي تم تسريحهم بين يوم وليلة، أخبروني في إيلات أنهم أوقفوني عن العمل كما البقية، دون إعطائنا أي سبب واضح، سبق طردنا.. معاملة سيئة جدًا في الآونة الأخيرة، منذ أن بدأت الأحداث الأخيرة في غزة، وراتب الشهر الأخير ما أعطونا ياه”.
ولا ينكر سامر فرحان عامل في إيلات، حجم الضغط النفسي الذي يتعرض له، كما المئات الذين ما زالوا يعملون في إيلات: ” لم يتم تسريحي بعد، ولكن هناك شروط كثيرة؛ في مقدمتها ضبط النفس، وعدم التدخل فيما يحدث في فلسطين، في المقابل هم يتحدثون عن الأحداث، يعاملونا بإزدراء وبنظرات دونية، ضغط نفسي قاتل”.
يخفي بعض العاملين في إيلات عن عائلاتهم ومجتمعهم حقيقة عملهم في إيلات، خوفًا من اتهامهم بالتطبيع وحفاظًا على سمعتهم، في مجتمع يعتبر التعامل مع الاحتلال خيانة لا تغتفر، ولكن ارتفاع معدلات البطالة وندرة فرص العمل أجبرتهم على ذلك.
وفي النهاية عاد فراس العثمان، المطرود من عمله في إيلات، لعائلته في محافظة إربد شمال الأردن، وبدأ في البحث عن عمل في الأردن، براتب لا يصل لنصف الراتب، الذي كان يتقاضاه من عمله في إسرائيل.
ويقول لمواطن، محمد العبسي، منسق تجمع “اتحرّك لدعم المقاومة ومجابهة التطبيع”: “لا نستبعد أي انتهاكات جديدة في خضم الحرب على غزة، اليوم يواجه العامل الأردني سيناريوهين اثنين؛ الأول طردهم والتخلي عنهم، والثاني استغلالهم لغاية الحصول على معلومات منهم وتجنيدهم، وكثيرًا ما حذرنا من توظيفهم لغايات استخباراتية”.
وكان المكتب الإعلامي لـ”سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة” قد أصدر بيانًا في سبتمبر الماضي، بأنه “بناءً على مخرجات اتفاقية وادي عربة، وبعد اجتماع بين الجانبين، تمخض عنه زيادة أعداد العمال الأردنيين بنحو 1150 عاملاً أردنيًا، فضلاً عن 3200 عامل يعملون منذ سنوات سابقة في إيلات”.
كما أشار البيان إلى أن الجانبين بحثا اقتراحًا لبدء خطوط الطيران المباشر لزيادة أعداد السائحين لمنطقة العقبة، وتسهيل عبور الأفواج السياحية العالمية التي تستخدم مطار رامون.
أما بعد الأحداث الأخيرة في قطاع غزة، فقد استغنت إسرائيل عن عشرات العاملين الأردنيين في إيلات دون أي اعتبارات لأية اتفاقات وقوانين عمالية دولية، ودون إشعار مسبق، فيما لم تتخذ السلطات الأردنية أي إجراء تجاه ذلك، بينما بقي المئات يعملون هناك بصمت خاضعين للكثير من الشروط التي تتطلب منهم ضبط النفس، وعدم التدخل أو إبداء رأيهم.