من تغير المناخ إلى انقلاب المناخ.. عادات يومية تساهم في تدمير البيئة
ليست المصانع الكبرى واستخراج النفط وحدهما سببًا في التغييرات البيئية؛ فالكل يساهم بدرجة في كل الآثار التي نشهدها اليوم في حياتنا؛ فسيجارة واحدة يمكن أن تتسبب في نشوب حرائق خطيرة في مكان ما من العالم، وتدمير كائنات حية، وهو ما حذرت منه منظمة الصحة العالمية في تقرير تناول الأضرار الجسيمة للسجائر على ارتفاع حرارة الكوكب، بسبب البصمة الكربونية لهذه الصناعة، والتي تعادل خمس ثاني أكسيد الكربون الذي تنتجه صناعة الطيران التجارية سنويًا.
وتحتوي منتجات التبغ على أكثر من 7000 مادة كيميائية سامة، تتسرب إلى البيئة عند التخلص منها. وتزيد السجائر من تراكم التلوث البلاستيكي، وتحتوي مرشحاتها على مواد بلاستيكية دقيقة، كما تشكل ثاني أعلى أشكال التلوث البلاستيكي في العالم.
عادات يومية تدمر البيئة
ولا يختلف الأمر حيال استخدام مصابيح الليد الكهربية والشاشات المسطحة والمبردات والتكييفات، واستخدام أجهزة الكمبيوتر والإنترنت لفترات طويلة، وهو ما أكدته منظمة Concern Worldwide الإيرلندية على موقعها الرسمي في تقرير يتعلق بالسلوكيات البشرية المسببة لكوارث بيئية.
وأكد التقرير أن ترك أجهزة التليفزيون تعمل والإبقاء على الأضواء مفتوحة لفترات طويلة يزيد استهلاك الوقود الأحفوري، ومن ثم زيادة مخاطر إنتاج الغازات الضارة.
استخدام الأكياس البلاستيكية، يدمر البيئة البحرية حينما يتم إلقاء نفاياتها في البحر، وأن السلحفاة البحرية مثلاً، تأثرت جراء هذا السلوك، لأنها تبلع هذه الأكياس مع الكائنات البحرية الهلامية، التي اعتادت أن تتغذى عليها.
بينما استخدام الإنترنت لفترات طويلة، يضيف المزيد من ثاني أكسيد الكربون السام إلى النظام البيئي، تمثل نسبة 3.7% من انبعاثات الغازات الدفيئة في العالم، بما يساوي 1.3 مليار طن متري سنويًا، وهو ما يعادل تقريبًا إجمالي الانبعاثات السنوية للبرازيل وجنوب إفريقيا وتركيا مجتمعة، ويساوي الانبعاثات السنوية لصناعة الطيران قبل جائحة كورونا.
وأضاف التقرير أن مراكز البيانات والخوادم مسؤولة عن انبعاث كمية كبيرة من الغازات الدفيئة المرتبطة بالإنترنت، وقد تكثف بشكل خاص مع ظهور تقنية blockchain. وخلال عام تستهلك عملة البيتكوين، وهي العملة المشفرة الأكثر شيوعًا التي يتم تداولها عبر تقنية blockchain، طاقة أكبر مما تستهلكه دولة فنلندا على سبيل المثال، وهو ما يمثل زيادة في استخدام الطاقة بنسبة 1000% خلال خمس سنوات فقط.
كما أن زيادة الطلب على تناول اللحوم، يدفع إلى تربية المزيد من الأبقار والأغنام، والتي تسهم فضلاتها في زيادة نسبة غاز الميثان بمعدل 100 كجم تقريبًا من كل بقرة سنويًا؛ في حين أن عمر الميثان أقصر من ثاني أكسيد الكربون، إلا أنه أكثر ضررًا عندما يتعلق الأمر بارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي. وبحلول عام 2050 سيؤدي ذلك، حسب بعض التقديرات، إلى زيادة انبعاثات الغازات الدفيئة الناتجة عن إنتاج الغذاء بنسبة 60%.
وأجهزة مثل الثلاجات أو المبردات ومكيفات هواء وطفايات الحريق والشاشات المسطحة، ومصابيح الإضاءة الليد، تضر بالبيئة بشكل خطير، لاحتوائها على الغازات المفلورة، ويعد تأثير الاحتباس الحراري العالمي الناجم عن الغازات المفلورة أكبر بنحو 23 ألف مرة من تأثير ثاني أكسيد الكربون.
كما أثبتت الأبحاث أن مساحيق الغسيل ومنظفات غسالات الأطباق من أخطر الملوثات، نظرًا لاحتوائها على تركيزات عالية من الأملاح، وخاصة الصوديوم والبورون، ومن ثم فإن وصول هذه المياه إلى التربة الزراعية يلحق أضرارًا خطيرة بها وبمنتجاتها الزراعية، كما أن تسربها لأعماق الأرض يسبب تلوثًا خطيرًا للمياه الجوفية.
ويرى الخبير البيئي، والأستاذ بجامعة الكويت د.محمد الصايغ، أن السلوكيات الفردية والإنسانية يمكن أن تلعب دورًا كبيرًا في التسبب بالكوارث البيئية. ومن الأمثلة على هذه السلوكيات، تصريف النفايات الصلبة والسائلة بطرق غير ملائمة.
وكذلك المواد الكيميائية الضارة بشكل غير مسؤول يمكن أن يؤدي إلى تلوث الهواء والمياه، وكذلك استهلاك كميات كبيرة من الموارد الطبيعية مثل الوقود الأحفوري والمياه يزيد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري ويسهم في تغير المناخ.
ويضيف لمواطن: “التخريب البيئي بقطع النباتات والأشجار بشكل غير قانوني، يؤدي إلى فقدان التنوع البيولوجي، وزيادة في مستويات ثاني أكسيد الكربون في الهواء، كما يعد التنقيب عن المعادن والنفايات الصناعية بطرق غير مستدامة سببًا في تدهور البيئة”.
ويكمل قائلاً: “إن إدارة النفايات السيئة، مثل عدم إعادة تدويرها بشكل مناسب يزيد من الضغط على مكبات النفايات، ويؤدي إلى تلوث الأرض والمياه”.
يقول د. مجدي علام مستشار برنامج المناخ العالمي وأمين عام اتحاد خبراء البيئة العرب، لمواطن: “إن سلوكيات الإنسان تسببت في وقوع ظواهر غريبة لم نكن نسمع عنها، ولكنها أصبحت حقيقة لا يمكن التغافل عنها، وخلال الـ 500 عام الأخيرة لا نتحدث عن درجة حرارة؛ بل ندرس حجم الآثار السلبية التي وقعت على الغلاف الجوي منذ مئات السنين”.
المسؤولية البيئية
في دراسة علمية حديثة للباحثة نجاح شعبان الذيب، أكدت أن البيئة تتعرض للإساءة نتيجة تصرفات يقوم بها الأفراد، بسبب قلة الوعي وعدم إدراك مخاطر النتائج التي تأتي بها تلك السلوكيات.
وقالت الذيب إن هناك ممارسات يومية خاطئة للأفراد تسهم بشكل خطير في تلويث البيئة، منها اسـتخدام السيارات ذات المحركات القديمة التي تعمل على نشر بعض الأدخنة والغازات، والقيام بإلقاء الفضلات والقمامة في الروافد المائية؛ ما يؤذي الكائنات البحرية، ويخل بالتوازن البيئي في المسطحات المائية.
د. مجدي علام مستشار برنامج المناخ العالمي، لمواطن: "لقد تجاوزنا مرحلة التغير المناخي ودخلنا حقبة "الانقلاب المناخي"
وأكدت الدراسة على أهمية شعور الفرد بالمسؤولية تجاه بيئته، والحرص على اتباع السلوكيات الصحيحة للحيلولة دون زيادة المخاطر التي تهدد كوكب الأرض والحفاظ على التوازن البيئي فيه.
وهو ما يتفق معه، مستشار برنامج المناخ العالمي، بأن المسؤولية تقع على الجميع حكومات، وشركات عملاقة، وكذلك الأفراد بما يرتكبونه من سلوكيات يومية ضارة بالبيئة.
ويضيف لمواطن، أن استخدام الأكياس البلاستيكية، يدمر البيئة البحرية حينما يتم إلقاء نفاياتها في البحر، وأن السلحفاة البحرية مثلاً، تأثرت جراء هذا السلوك، لأنها تبلع هذه الأكياس مع الكائنات البحرية الهلامية، التي اعتادت أن تتغذى عليها، ما يعرضها لخطر الموت، وكانت النتيجة أنها أصبحت مهددة بالانقراض.
في دراسة للباحثة صالحة شعيب عثمان، رأت أن عدم الاهتمام بنظافة البيئة ساهم في انتشار سلوكيات بيئية سلبية، من بينها حرق القمامة داخل الأحياء السكنية، ورمي الفضلات في الأماكن العامة، وقطع الأشجار وغيرها من السلوكيات الضارة بالبيئة، التي تنتشر بين معظم أفراد المجتمع.
ويرى د. محمد الصايغ، أن التصرفات الجماعية غير المسؤولة؛ مثل التصويت لصالح سياسات بيئية غير مستدامة، أو عدم الالتزام بالقوانين البيئية يمكن أن تؤدي إلى تفاقم مشكلات البيئة، ويؤكد على خطورة عدم الوعي بقضايا البيئة وعدم المشاركة في جهود الحفاظ عليها، لأنه يؤدي إلى زيادة مستويات الاستهلاك والتلوث.
ويختم حديثه: “لا سبيل لتحقيق التنمية المستدامة، إلا بالتوعية بأثر هذه السلوكيات السلبية، وتشجيع التصرف المستدام والمسؤول على مستوى الفرد والمجتمع والحكومة”.
ويمكن تقليل ما يصل إلى 20% من انبعاثات الكربون العالمية، إذا اتخذ مليار شخص إجراءات عملية غير مضرة بالبيئة في سلوكياتهم اليومية. حسب مبادرة Count Us In.
من التغير المناخي إلى الانقلاب المناخي
شهدت الأرض العديد من الظواهر البيئية العنيفة، والمتمثلة في حالات التطرف المناخي من موجات الحر الشديد في فصل الصيف، مع شتاء أشد برودة مصحوب بثلوج في أماكن لم تألف ذلك الأمر.
إلى جانب العواصف والأعاصير التي اشتد تأثيرها في الفترات الأخيرة، ودخلت في نطاقها مناطق لم تكن فيها من قبل، وحدوث الجفاف المدمر للمناطق الممطرة، بينما تشهد مناطق أخرى تساقطًا للأمطار في غير مواعيدها الطبيعية، بجانب ذوبان للجليد بشكل يهدد بغرق مدن واختفاء جزر.
لو لم نتدخل خلال العشرين سنة القادمة بوقف حرق البترول والفحم وكل المحروقات؛ فستحدث كارثة في الكرة الأرضية، لأننا لن نستطيع استعادة الغلاف الجوي ونسب نقائه.
وتزايدت حدة مخاطر التقلبات المناخية عندما صاحبها ظاهرة احتراق الغابات، واشتعال الحرائق في العديد من البلدان بفعل الجفاف الشديد، وهو نفس الجفاف الذي قضى على الأخضر واليابس، وتسبب في حدوث مجاعات قتلت الملايين من البشر ودمرت المزروعات وأبادت الحيوانات بمناطق مختلفة من العالم.
كما أن تلك الكوارث البيئية لم تكن عشوائية مؤقتة؛ إنما هي نتائج حتمية متتابعة ومستمرة لجرائم بيئية على مدار سنوات طويلة، وكشف موقع The Caltech Science Exchange الأمريكي أن 97% من العلماء المتخصصين يؤكدون أن التغيرات المناخية الخطيرة التي نواجهها حاليا تعود إلى سلوك الإنسان.
ولم يكن من فراغ، أن يقول الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP26) إن كوكبنا الهش على شفير الهلاك ويعلن حالة الطوارئ لاقترابنا من كارثة!
ويعلق د. مجدي علام مستشار برنامج المناخ العالمي، لمواطن: “لقد تجاوزنا مرحلة التغير المناخي ودخلنا حقبة “الانقلاب المناخي”.
ويستطرد: “تغير مناخ مرحلة تكاد تكون انتهت الآن، وأصبحنا نترقب مرحلة أخرى؛ حيث إننا دخلنا مرحلة انقلاب المناخ، والفارق كبير بين المرحلتين؛ ففي المرحلة الأولى كان لدينا الأمل في الإصلاح، أما اليوم فقد أصبح هذا الإصلاح صعبًا جدًا بسبب زيادة التدهور البيئي”.
ويكمل، لو لم نتدخل خلال العشرين سنة القادمة بوقف حرق البترول والفحم وكل المحروقات؛ فستحدث كارثة في الكرة الأرضية، لأننا لن نستطيع استعادة الغلاف الجوي ونسب نقائه.
ويرى علام، أن التجارب العلمية الجديدة للسيطرة على المناخ، وتوجيه الرياح لإسقاط الأمطار من الأنشطة البشرية شديدة الخطورة على كوكب، الأرض نظرًا لنتائجها غير محمودة العواقب، وأضاف إليها ظاهرة الذكاء الإصطناعي، وما يمكن أن يحدثه من كوارث بيئية لو فقد الإنسان السيطرة عليه.
ختامًا، يجب أن نعلم أننا نعيش على أرض واحدة وكوكب واحد، عندما يصيبه أي ضرر فسوف ينعكس على الجميع، ومن ثم يجب علينا التعامل مع الأمر على أنه قضية حياة وموت للبشرية كلها، والإنسان الذي سيطر على الكوكب، بات مهددًا بالشقاء، وربما بالفناء.