أثار خبر زيارة وفد من حماس، موسكو خلال الحرب الإسرائيلية على غزة، تساؤلات حول كواليس وأسباب الزيارة، وأعلنت موسكو أنها زيارة تتعلق بملف الرهائن الروس المحتجزين بغزة، وتزامن لقاء وفد حماس، مع زيارة أخرى لنائب وزير الخارجية الإيراني علي باقري لموسكو.
“وعلى الرغم من العلاقات الجيدة بين روسيا والسلطة الفلسطينية (بالضفة)؛ فقد فضلت روسيا التعامل مباشرة مع حماس، بسبب هدف الحرب المعلن للقضاء عليها، وبحكم العلاقات المتداخلة لروسيا في الشرق الأوسط؛ خاصة مع إيران وسوريا، وباعتبار حماس حليفًا استراتيجيًا لحلفاء روسيا بالمنطقة”. تقول لمواطن، الباحثة السياسية الفلسطينية رهام عودة.
فما الدور الذي يمكن أن يلعبه الدب الروسي في الصراع العربي الإسرائيلي، وإمكانية دخوله على الخط في مواجهة المصالح الأمريكية والغربية في منطقة الشرق الأوسط؟
روسيا والقضية الفلسطينية
تجمع روسيا وإسرائيل علاقة تاريخية قوية، وكان يهود روسيا أول من شارك في تكوين دولة الاحتلال الإسرائيلي، خلال موجات الهجرة الأولى ليهود العالم إلى فلسطين، في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.
“خاصة أن تصريح المندوب الروسي ساهم في تسليط الضوء الجرائم الصهيونية، وأدى إلى تعرية الاسرائيليين قانونيًا أمام العالم” وفق حديث الإعلامي الفلسطيني، ومراسل قناة RT عربية في بروكسل، سامح رمضان، لمواطن.
تحاول روسيا أن تقدم نفسها للعالم العربي والإسلامي في صورة مختلفة، عن الولايات المتحدة الأمريكية، وأنها تقف مع الحق الفلسطيني وترفض الحرب في غزة.
وجاءت زيارة وفد حماس لتعكس حالة التقارب مع الدب الروسي، كما لا يمكن قراءة ما شهده مطار داغستان تجاه الطائرة التي كانت تحمل إسرائيليين من غضب وهجوم على ركابها، بعيدًا عن تطور الموقف الروسي تجاه الشعب الفلسطيني، وحركة المقاومة، وعلى الرغم من محاولات روسيا التنصل من المسؤولية عما حدث في المطار الداغستاني، والزعم بأن ما حدث كان مؤامرة من أوكرانيا لإثارة أزمة بين روسيا وإسرائيل والغرب من ورائها.
إلا أن واقعة المطار دفعت إسرائيل لتجاهل الأخيرة المطلب الروسي بإجلاء رعاياها من مناطق الحرب في غزة، وصرح السفير الإسرائيلي بأن إقرار قائمة إجلاء المواطنين الروس عن قطاع غزة، قد يستغرق أسبوعين، وهو الأمر الذي أثار دهشة الخارجية الروسية، ووصفته المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا بأنه “غير مقبول”.
ومنذ حرب أوكرانيا فهناك تطور ملحوظ في السعي الروسي للتقارب مع البلدان العربية والإسلامية، وتوطيد العلاقات معها، وهو ما بدا واضحًا في رد الفعل الروسي من أزمة حرق صفحات من القرآن، أمام البرلمان السويدي في ستوكهولم، عندما قام الرئيس بوتين باحتضان مصحف أمام كاميرات الإعلام.
ويسعى بوتين للظهور مؤخرًا بمظهر محبب للمسلمين؛ سيما وأنهم يمثلون ما يقرب من 15% من الأمة الروسية، مع الأخذ في الاعتبار الدول الإسلامية في داغستان والشيشان، وغيرها من الجمهوريات الإسلامية في الاتحاد الروسي، ويشكّل المسلمون أغلبية السكان في سبعة أقاليم روسية، هي إنجوشيا، والشيشان، وداغستان، وقبردينو- بلغاريا، وقره شاي -شركيسيا، وبشكيريا، وتتارستان، إلى جانب شبه جزيرة القرم.
وتحاول روسيا أن تقدم نفسها للعالم العربي والإسلامي في صورة مختلفة، عن الولايات المتحدة الأمريكية ودول الغرب المنحازة لإسرائيل، وأنها تقف مع الحق الفلسطيني وترفض الحرب في غزة.
وعقب وقوع الانفجار في مستشفى المعمداني في غزة، الذي راح ضحيته المئات من الأبرياء، طالبت موسكو إسرائيل وشركاءها في الغرب بتقديم صور بالأقمار الصناعية لتأكيد عدم تورطها في هذه الجريمة.
كما انتقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دعم الغرب للحرب الإسرائيلية في غزة، وقال إنها أظهرت فشل سياسة واشنطن في الشرق الأوسط، وهو انتقاد يكشف مغزاه في تقديم روسيا كوسيط أكثر عدلًا، وبديل لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة.
ويؤكد لمواطن، الكاتب الفلسطيني والمحلل السياسي د. كاظم ناصر، على أهمية الدور الروسي بالمنطقة، قائلًا: “إن الوقت مازال مناسبًا لدور روسي إيجابي، في صالح القضية الفلسطينية، مع الأخذ في الاعتبار وجود تأثيرات سلبية تمثل ضغوطات على موسكو لإثنائها عن هذا الدور، مثل المنظمات الصهيونية والحرب الأوكرانية بجانب ضغوط الدول الغربية”.
المكاسب الروسية من حرب غزة
لا ينفصل الموقف الروسي من حرب غزة عن الحرب الدائرة في أوكرانيا، والتي ساهمت انشغال الغرب عن دعم أوكرانيا، وتحول الدعم العسكري والمساعدات إلى إسرائيل، وهو ما أعرب عنه الرئيس الأوكراني زيلينسكي في حديث متلفز.
وتستغل روسيا الأحداث فيما يتعلق بموازين القوى، أو ما يرتبط بصرف الأنظار عن معاركها التي تخوضها على الأراضي الأوكرانية. وفي خضم الحرب الإسرائيلية على غزة، اتخذت روسيا العديد من القرارات والمواقف الحاسمة؛ منها إلغاء المصادقة على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، تعبيرًا عن تحفظها على السلوكيات الغربية، واعتبار أنها تهدد أمنها بما يعمق خلافاتها مع الغرب، ومن يدعموهم بما فيهم إسرائيل، بشكل قد يؤدي لتباعد المسافات لصالح المقاومة الفلسطينية.
ويقول الباحث الروسي ديمتري بريجع، لمواطن: “روسيا لها سياساتها بالشرق الأوسط، والتي تتنافس فيها مع العالم الغربي، كما أن لها مواقف مختلفة تجاه حرب غزة. وفيما يتعلق أيضًا بالصراع العربي الإسرائيلي؛ فهي تدعم في كل مكان حل الدولتين، وتنادي منذ بداية الحرب بوقف إطلاق النار، وإدخال المساعدات”.
ويضيف: “إن لروسيا تحركات في المناطق التي تشهد تواجدًا إيرانيًا؛ سواء مع حزب الله في لبنان، أو مع الحوثيين في اليمن، أو في العراق وسوريا، وأعتقد أنه بعد انعقاد الانتخابات الرئاسية في روسيا مارس القادم، سيكون هناك الكثير فيما يتعلق بالملف الإيراني”.
وحول استفادة روسيا المباشرة من أحداث غزة في حربها مع أوكرانيا، يقول د. آصف ملحم، مدير مركز جي إس إم للأبحاث و الدراسات (موسكو) لمواطن: “إن علاقات روسيا مع بلدان الشرق الأوسط في مسار تصاعدي مستمر منذ أكثر من عقد، و خير دليل على ذلك هو قبول طلب ثلاث بلدان عربية هامة، مصر و السعودية و الإمارات، للانضمام إلى بريكس، وحرب غزة عامل إضافي في تعزيز الجهود الروسية للقضاء على الهيمنة الأمريكية في العالم”.
وأضاف ملحم: “إن الأزمة الأوكرانية بدأت تشكل عبئًا كبيرًا على الدول الغربية، حتى قبل بدء الحرب في غزة، وبالتالي ستترك الحرب في غزة عواقب مباشرة على أوكرانيا، تتمثل في إعادة تركيز انتباه العالم على حرب جديدة، وإعادة توجيه جزء من المساعدات العسكرية والمالية لإسرائيل.
ويشير إلى أن الرئيس الروسي، لا يفصل بين الملفين، الصراع في أوكرانيا، والصراع العربي الإسرائيلي حسب تصريحاته الإعلامية، كما يوضح أن خجل المواقف العربية وتشتتها؛ بمعنى عدم وحدة الموقف، سيكون دائمًا عاملًا مقوّضًا لأي جهود روسية في هذا الملف.
هل تنتصر روسيا للقضية الفلسطينية؟
يقول مدير مركز جي إس إم للأبحاث و الدراسات: “على الدول العربية أن تقود الجهود و المبادرات الرامية إلى إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، وللاستفادة من الموقف الروسي، الذي يمكن أن يكون داعمًا لهذه الجهود، بالإضافة إلى حماية الموقف العربي لصالح القضية في مجلس الأمن”.
إلا أن الباحثة الفلسطينية رهام عودة لا ترى أن لروسيا تأثيرًا كبيرًا على الحرب في غزة، وتفسر ذلك بأن التورط في الحرب الأوكرانية أضعف الموقف الروسي، وقسم العالم إلى طرفين؛ أحدهما معسكر غربي يدعم أوكرانيا ضد روسيا بقيادة أمريكا و الاتحاد الأوروبي، ومعسكر به الصين، مع دول شرق أوسطية مثل سوريا و إيران يدعم روسيا، وهو ما يجعل الموقف الروسي غير مؤثر على داعمي إسرائيل من الغرب.
وكشفت تقارير صحفية عن قيام روسيا بمد حزب الله بأسلحة حديثة؛ مثل صاروخ ياخونت الروسي المضاد للسفن، حتى يتمكن من التصدي للبحرية الأمريكية.
كما يستبعد الباحث الروسي أن تكون هناك فاعلية مؤثرة على الأحداث في غزة في ظل التصميم الإسرائيلي المدعوم بالقوى الغربية على استكمال الحرب، وأشار إلى أنه بعد انتهائها، بغض النظر عن المنتصر فيها، يمكننا الحديث عن تغيير في السياسة الدولية؛ سيما في ظل هيمنة الدول الغربية عليها، واحتمالات تكرار نموذج سيناريو فشل السياسة الغربية حينما دخلت العراق، وقبلها أفغانستان، وكذلك التدخل الدولي ضد سوريا.
ومع غياب الأثر السياسي المباشر في الصراع وحرب غزة بالنسبة لموسكو، دفعت التخوفات الأمريكية من محاولات العبث الروسي بأمن إسرائيل والمصالح الغربية عن طريق إيران ووكلائها، انتقامًا من حرب أوكرانيا، التواجد بحاملتي طائرات وغواصة نووية في منطقة الشرق الأوسط، محاولة ردع سيناريوهات نشوب حرب إقليمية.
وجددت الولايات المتحدة إعفاء العراق من التزام العقوبات لمدة 120 يومًا، ما يسمح بدفع 10 مليارات دولارات لإيران مقابل تصدير الكهرباء. وأشارت تحليلات سياسية، على أنها صفقة مقابل الصمت الإيراني عما تفعله إسرائيل.
فيما خرج الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، يؤكد عدم علم محاور المقاومة في لبنان والعراق وسوريا -حد تعبيره- بشأن عملية طوفان الأقصى قبل تنفيذها، محاولًا طرح المسؤولية عن إيران الحليفة الروسية، والمتهمة بإشعال الوضع في المنطقة.
وكشفت تقارير صحفية عن قيام روسيا بمد حزب الله بأسلحة حديثة؛ مثل صاروخ ياخونت الروسي المضاد للسفن، حتى يتمكن من التصدي للبحرية الأمريكية بالمنطقة؛ خاصة وأن الحزب يفتح جبهة قتال تخفف الضغط على حركة المقاومة الفلسطينية حماس.
على الرغم من الموقف الروسي، والذي يبدو في ظاهره مناصرًا جدًا للغزيين وحركة “حماس”، كما أنه أثار غضب الإسرائيليين، إلا أن التعقيدات السياسية وتكافؤ موازين القوى، ألزمت روسيا بالدعم لكل موقف مناهض لسياسات الغرب؛ خاصة أن كان هذا الموقف يصب بطريقة مباشرة في خدمة ملف ساخن بالنسبة لموسكو؛ مثل حرب أوكرانيا.
Thank you for your sharing. I am worried that I lack creative ideas. It is your article that makes me full of hope. Thank you. But, I have a question, can you help me?