بعد الإعلان الأمريكي عن مشاركة البحرين في التحالف العسكري، للتصدي لسيطرة الحوثي على مضيق باب المندب، ومنع بعض السفن الإسرائيلية من المرور فيه، عبرت العديد من الأصوات البحرينية عن رفضها لمشاركة بلادها في هذا التحالف. والذي ينظر له على أنه تحالف من أجل رفع حصار الحوثيين على حركة الملاحة الإسرائيلية، والذي فرضه كنوع من التصعيد جراء استمرار عدوان الكيان المحتل على غزة.
ويضم التحالف الدولي كلاً من الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والنرويج وإسبانيا والبحرين وجزر السيشل؛ تحت مسمى المبادرة الأمنية متعددة الجنسيات، والتي أعلنت الولايات المتحدة عن أن هدف تشكليه هو تعزيز حرية الملاحة في البحر الأحمر، ومواجهة المخاطر القائمة. والبحرين، البلد العربي الوحيد المشارك في هذا التحالف الدولي، كما أنها تضم الأسطول الأمريكي الخامس، بالإضافة إلى قاعدة عسكرية بريطانية دائمة على أراضيها.
وطالبت عدة منظمات حقوقية بضرورة الإفراج عن شريف، باعتبار أن ما قاله لا يتعدى كونه موقفًا سياسيًا، وتعبير عن حرية الرأي، ليس به مساس بالقانون ولا يتعارض مع أمن البلاد.
تغريدات مزعجة للسلطات
تقول لمواطن، الناشطة الحقوقية البحرينية فريدة غلام، وهي زوجة شريف، إنه قد تم توقيفه على خلفية مجموعة من التدوينات المناصرة لغزة، والرافضة للتطبيع مع الكيان الصهيوني، كذلك رفض انضمام البحرين للتحالف الدولي لحماية الملاحة البحرية في اليمن، وكلها كتابات لا تخرج عن سياق حرية التعبير عن الرأي.
بينما أوضحت الحكومة البحرينية لصحيفة نيويورك تايمز إنه محتجز بتهمة دعم منظمة إرهابية محظورة، دون توضيح ماهية تلك المنظمة.
وقال شريف في تغريدة على موقع إكس: “إلى جميع أصحاب الضمائر الحرة في البحرين، صادرت الحكومة قرارنا، ودخلت حلفًا عدوانيًا لفك الحصار البحري عن الكيان الصهيوني، الذي يرتكب مجازر يومية ويحاصر ويجوّع شعبنا في غزة وفلسطين، لكن أحدًا لا يستطيع أن يصادر ضمائرنا وانتمائنا العربي والإسلامي والإنساني، وحقنا في الدفاع عن أشقائنا”.
وغرد أيضًا: “لماذا تُقدم حكومة البحرين (غير المنتخبة) نفسها كمحلل شرعي للتحالف الأمريكي لفك الحصار الذي فرضه اليمن على موانئ الكيان الصهيوني المغتصب، دون أي اعتبار لموقف الشعب البحريني المناصر بقوة لشعبنا الفلسطيني المحاصر الذي يذبح في غزة ، أو لمخاطر هذا القرار على الأمن والاستقرار الوطني والقومي”
وأضاف: “من المعيب أن تصبح سياستنا الخارجية، ومواقفنا المتعلقة بالسلم والحرب والتحالفات الدولية، مرتبطة بما تريده أمريكا”.
ونددت جمعية الوفاق، وهي كيان سياسي معارض بارز حلته الحكومة في وقت سابق، قائلة: “إنه يجعل البحرين “شريكًا مباشرًا في سفك الدماء الفلسطينية”. وخرجت دعوات للتظاهر ضد الحكومة، ودشن عدد من الناشطين البحرينيين وسم #بحرينيون_ضد_التحالف، معبرين عن رفضهم للتحالف.
اعتقال إبراهيم شريف يعد استمرارًا لمسلسل القمع؛ فقد سبق اعتقاله وبقي في السجن سنوات، لمجرد أنه عبر عن فكر لا يتفق مع رأي الحكومة.
وعلق لمواطن سياسي بحريني تحفظ على ذكر اسمه، أن تغريدات شريف أثارت السلطات، بسبب وصفها بغير الشرعية، وأنها لا تمثله، وهو ما يعد من مطالب الحراك البحريني، في فبراير 2011 تزامنًا مع ما يعرف بالربيع العربي، إذ طالبت الجموع بأن تكون الحكومة منتخبة من الشعب، بدلًا من التعيين من قبل الملك، وهو ما قبول بالقمع في حينه، وسيقابل بالقمع في كل مرة يعاد الإشارة له.
تضامن واسع
وأثار خبر اعتقال إبراهيم شريف حالة تضامن واسعة بين البحرينيين، ودشن وسم على منصة إكس #الحرية_لإبراهيم_شريف نشر به مئات التغريدات التضامنية تطالب بالإفراج عنه، وكف أيدي السلطة عن النشطاء والحقوقيين.
ويقول لمواطن، رضي الموسوي السياسي البحريني، والأمين العام السابق لجمعية وعد، “إن إبراهيم شريف يعد واحدًا من الأكثر نشاطًا بين السياسيين المعارضين في البحرين، منذ قرابة نصف قرن من الزمن، وقد دفع أثمانًا باهظة نتيجة مواقفه الثابتة إزاء القضية الوطنية والقومية، ومنها ترحيله من الولايات المتحدة التي كان يدرس في جامعاتها عام 1980، واعتقاله أكثر من مرة، وأطولها سجنه خمس سنوات في العام 2011، على خلفية الأزمة السياسية التي عصفت بالبحرين، وما تزال تبعاتها قائمة.
ويضيف الموسوي عن شريف: “هو المناضل القومي المدافع عن القضية الفلسطينية باعتباره ينتمي إلى تيار تعود أصوله لحركة القوميين العرب، وهو جمعية وعد، التي تم حلها في العام 2018 كجزء من عملية التجريف السياسي المعارض في البلاد”.
كذلك يشير إلى أن مسألة توقيفه مستغربة؛ فكل مكونات الشعب البحريني تقف بصلابة مع غزة ومع أهل فلسطين، ويعتبر البحرينيون القضية الفلسطينية قضيتهم منذ أن اندلعت ثورة العام 1936، وقد أرسلوا مقاتلين في العام 1948 لمواجهة العصابات الصهيونية المدعومة حينها من الانتداب البريطاني.
ويكمل، في غمار ذلك كان إبراهيم شريف والمناضلون البحرينيون يخوضون معركة الاستقلال الوطني ضد الاستعمار البريطاني، وقد انقضى بالفعل عام 1971 بانسحاب الاستعمار من البلاد ومن إمارات الخليج العربي.
ويقول سيد أحمد الوداعي، مدير المناصرة في معهد البحرين للحقوق والديمقراطية (BIRD)، لمواطن “الحكومة البحرينية تريد أن تجعل من إبراهيم شريف عبرة، وهو ليس الوحيد الذي ينتقد قرار البحرين بالانضمام إلى الأمريكان”.
وينوه إلى أنه في حال توجيه التهم المعلنة إليه؛ فإنه سيواجه عقوبة السجن لمدة 10 سنوات، بناءً على ادعاءات كاذبة، لقد مارس حقه في حرية التعبير ويجب إطلاق سراحه فورًا.
كذلك كتب البرلماني البحريني السابق، ورئيس منظمة سلام للديمقراطية وحقوق الإنسان، جواد فيروز: “الأستاذ إبراهيم شريف القيادي البحريني المعارض يستحق كل الدعم والتضامن لموقفه المشرف والبطولي في دعم القضية الفلسطينية عامة، وما يجري في غزة خاصة، ويجب التكثيف من الضغط الشعبي وحملات المناصرة للمطالبة بالإفراج عنه قبل إحالته إلى المحكمة وسجنه”.
الأستاذ ابراهيم شريف القيادي البحريني المعارض يستحق كل الدعم والتضامن لموقفه المشرف والبطولي في دعم القضية الفلسطينية عامة وما يجري في غزة خاصة ويجب التكثيف من الضغط الشعبي وحملات المناصرة للمطالبة بالإفراج عنه قبل إحالته إلى المحكمة وسجنه لا سمح الله pic.twitter.com/sLNaUcetal
— Jawad Fairooz (@JawadFairooz) December 21, 2023
وعلقت الناشطة بمجال حقوق الإنسان صفاء الخواجة: “مواصلة احتجاز إبراهيم شريف شاهدًا على النية بمواصلة قمع الحق في حرية التعبير بلا توقف، وإسكات صوت كل منتقد سلمي لسياسات حكومة البحرين.
وغرد السياسي والنقابي العمالي يوسف الخواجة، “لم نكن نتصور أن يأتي يوما نحاكم فيه لنصرة فلسطين، ورفضنا التعاون مع العدو الصهيوني بما يساعده على التمادي في إجرامه وعدوانه!”
وامتد التضامن خارج حدود البحرين، إذ أعلن كل من الكاتب الكويتي أنور الرشيد، وعبد الهادي السنافي، الأمين العام للمنبر الديمقراطي الكويتي، والسياسي المصري حمدين صباحي، والصحفي اللبناني بيار أبي صعب، بالإضافة لشخصيات حقوقية وسياسية عديدة أخرى.
تعرض السياسي البحريني إبراهيم شريف
— م.عبدالـهـادي الـســنافي 🇵🇸🇰🇼 (@a_alsanafi) December 20, 2023
للتوقيف بسبب تغريدة على منصة x بسبب
موقفه المناهض للتطبيع .
نتضامن مع السيد إبراهيم بحقه بإبداء الرأي ونتمنى الإفراج عنه ، كما أتمنى من دول الخليج
تنفيذ قرارات قمة الرياض الداعمة للحق
الفلسطيني والتي صادقت على قراراتها دول الخليج ومايحدث… pic.twitter.com/x5fcjW0riG
كما خرجت مظاهرات يوم الجمعة 22 ديسمبر/كانون الأول، في البحرين تندد بالمشاركة في التحالف الدولي، وتعبر عن التضامن مع القضية الفلسطينية، كما عبر بعض المتظاهرين عن التضامن مع إبراهيم شريف.
التضامن مع بوشريف في اعتصام (لا تحالف لا تطبيع) اليوم، وتأكيد على المطالب الشعبية بالغاء التطبيع وعدم الانضمام إلى أية تحالفات مشبوهة وتحت اية مسميات كانت، من شأنها مساعدة الإحتلال والإضرار بمصلحة اهلنا في فلسطين #بحرينيون_ضد_التحالف #بحرينيون_ضد_التطبيع #الحرية_لإبراهيم_شريف pic.twitter.com/iwa8O3nVSl
— فريده غلام (@Farida_Ghulam) December 22, 2023
السلطة تشدد قبضتها
وفتح القبض على إبراهيم شريف جدلًا واسعًا حول ملف الحقوق والحريات في البحرين، وهو موضوع محل نقد العديد من المنظمات الحقوقية، التي ترى إنه يشهد تراجعًا ملحوظًا في ضوء تضييق متعمد على حقوق المواطنين من جانب السلطات مؤخرًا، وتوسيع آلة القمع ضد النشطاء والكتاب والمفكرين.
إلى ذلك تقول لمواطن الصحفية البحرينية، ونائبة الأمين العام السابقة، للإسكوا خولة مطر، إن وضع حرية التعبير في البحرين تضاءل بل انحسر خلال العشر سنوات الماضية، ربما منذ عام 2011 بشكل أكثر تحديدًا، ورغم أن حرية التعبير لم تكن مُصانة قبل هذا التاريخ، ولم يكن هناك التزام من جانب السلطات بالقوانين والاتفاقيات الدولية الخاصة بحق التعبير، إلا أن الأوضاع قد ازدادت سوءًا بعد عام 2011.
توقيف إبراهيم شريف يشكل انتكاسة لحرية الرأي والتعبير التي كفلها الدستور البحريني، والميثاق الوطني الذي صوت عليه البحرينيون بأغلبية غير مسبوقة (98.4%).
وتضيف، أنه بمرور الوقت تحول الرأي الآخر أو المختلف بمجرد كتابة تغريدة، يمكن أن يعرض صاحبه للمساءلة القانونية والسجن، وأصبح التعبير عن الرأي، جريمة يُعاقب عليها الكتاب وغيرهم من النشطاء أو المؤثرين.
وترى مطر، أن اعتقال إبراهيم شريف يعد استمرارًا لمسلسل القمع؛ فقد سبق اعتقاله وبقي في السجن سنوات، لمجرد أنه عبر عن فكر لا يتفق مع رأي الحكومة السائد، وها هو الآن يتم توقيفه بتهم واهية أخرى، وهي في حقيقتها تغطية على السبب الرئيسي الذي يستفز حكومة البحرين، وهو أن الشعب البحريني ضد التطبيع مع الكيان الصهيوني.
وتشير، إلى أن الشعب عبر عن رفضه لاتفاقيات التطبيع، ويطالب الحكومة بطرد السفير الإسرائيلي في البحرين وإلغاء الاتفاقية، إلا أن الشعب يكتب ويصرخ ويغرد دون أن تنتبه الحكومة، وتؤكد أن ما كتبه إبراهيم شريف واعتقل بسببه، ليس سوى تعبير عن وجهة نظر الشعب البحريني الرافض لسياسات التطبيع مع إسرائيل.
الملف الحقوقي
وللبحرين تاريخ طويل من القمع السياسي المتلاحق، بداية 2011 و2012 ، جراء الاحتجاجات الشعبية، التي اندلعت بالتوازي مع التظاهرات، والتي عرفت بالربيع العربي.
وحظرت الحكومة البحرينية، ما بين 2012 و2017، جمعية الوفاق، التي تُعتبَر حزبًا سياسيًا بقيادة شيعية، وحققت أكبر نجاح انتخابي من أي حزب آخر في ظل الدستور البحريني الحالي. وحزب المُعارَضة أمل، الذي كان ينافس جمعية الوفاق على كسب أصوات الناخبين الشيعة، وجمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد). كما مُنِع أعضاء هذه الأحزاب السياسية من تقلُّد أي مراكز قيادية لدى منظمات المجتمع المدني.
في يونيو/حزيران 2017، تاريخ إغلاق السلطات صحيفة الوسط المستقلة، أصبحت جميع القنوات التلفزيونية، ومحطات الراديو والصحف في البلاد؛ إما موالية للحكومة، أو خاضعة مباشرةً لإدارتها. حد وصف منظمة العفو الدولية.
ويشار إلى وجود 1400 سجين سياسي في البحرين من إجمالي عدد السجناء، الذين تتراوح أعدادهم ما بين 3200-3800، كما جاءت البحرين في مرتبة متدنية فيما يخص القمع (التعذيب أو القتل السياسي)، وهي إحدى النقاط في مؤشر التقدم الاجتماعي بدرجة من 0.33؛ إذ تشير درجة (1) إلى حرية كبيرة، وصفر إلى حرية منخفضة.
وكانت البحرين قد وقعت في أكتوبر/تشرين الأول عام 2020، اتفاقية التطبيع مع إسرائيل، لتصبح واحدة من ست دول عربية في معسكر التطبيع الرسمي، وعقب إعلان التطبيع منذ أكثر من ثلاث سنوات، دشن هاشتاج #بحرينيون_ضد_التطبيع على موقع (X)، والذي ما يزال نشطًا حتى اليوم. كما شهدت البلاد تظاهرات شعبية مطالبة بطرد السفير الإسرائيلي، وإلغاء اتفاقية التطبيع، جراء العدوان الأخير على غزة.
ويرى القيادي السابق في حركة وعد، رضي الموسوي، إن توقيف إبراهيم شريف في هذا الوقت الذي تشتعل فيه البحرين تضامنًا مع غز،ة ومع شعب فلسطين، يعتبر ضربة لفعل الدعم والتضامن الذي يقوم به الشعب البحريني بمختلف فئاته ومكوناته، وقد تجلى ذلك في تشكيل المبادرة الوطنية البحرينية لمناهضة التطبيع مع العدو الصهيوني.
وتضم الجمعية، الغالبية الساحقة من مؤسسات المجتمع المدني، بما فيها الجمعيات السياسية والنقابات العمالية والاتحادات النسائية؛ حيث أصدرت آخر بياناتها ومواقفها رافضة الزج بالبحرين في تحالف يحمي الكيان الصهيوني، ويكون ضد أهل غزة، الذين يواجهون حرب إبادة جماعية وتطهيرًا عرقيًا لم يشهد له التاريخ الحديث نظيرًا. وفقًا للموسوي.
ويؤكد، على أن توقيف إبراهيم شريف يشكل انتكاسة لحرية الرأي والتعبير التي كفلها الدستور البحريني، والميثاق الوطني الذي صوت عليه البحرينيون بأغلبية غير مسبوقة (98.4%)، بعد أن زجت المعارضة بكل جماهيرها وأنصارها بالتصويت بنعم للميثاق في فبراير 2001.
ويختم بأن: “الاعتقال ينتهك حقوق الإنسان، التي نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمعاهدات الدولية ذات الصلة، الأمر الذي يوجب الإفراج عن المناضل إبراهيم شريف”.
جاء اعتقال إبراهيم شريف ليسلط الضوء على الملف الحقوقي المتأزم داخل البحرين، ليؤكد على الحاجة المُلحة للعمل المنظم من أجل كف أيدي السلطة عن حرية التعبير، وتخفيف القبضة الأمنية الصارمة على المعارضة، ذلك فضلًا عن تزايد حالة الاستياء في البحرين بشأن العلاقات الدبلوماسية للحكومة مع إسرائيل. فهل تشهد البحرين تطورًا في مسائل الحقوق والحريات، وتصبح الحكومة أكثر قربًا للمواقف الشعبية وتعبيرًا عنها؟