“لم يعد التطرف مقبولًا في المملكة العربية السعودية، ولم يعد يظهر على السطح؛ بل أصبح منبوذًا ومتخفيًا ومنزويًا، ومع ذلك سنستمر في مواجهة أي مظاهر وتصرفات وأفكار متطرفة”.. هكذا تحدث ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان في تشرين الثاني/نوفمبر 2020 حول استراتيجية بلاده لمواجهة الإرهاب والتطرف، واليوم تؤكد تقارير ودراسات أن المملكة قد قطعت شوطًا لا يستهان به في مجال مكافحة الإرهاب للوصول إلى هدف صفر إرهاب.
بعد سنوات من الاتهام الصريح للمملكة بدعم الإرهاب، بدت الخطوات خلال العقد الماضي تسير نحو مواجهة حاسمة، لعل أبرز ملامحها تقويض نفوذ رجال الدين المتطرفين داخل البلاد، والإصلاح الدعوي على نطاق واسع في ضوء خطة شاملة لتجديد الخطاب الديني، ووضع جماعة الإخوان المسلمين على قوائم الإرهاب، وغيرها العديد من الإجراءات التي عدت خطوات واضحة نحو تحول جذري في السياسات السعودية تجاه تنظيمات التطرف.
السعودية على قائمة الدول الداعمة للإرهاب
وضعت المفوضية الأوروبية، السعودية على قائمة الدول “عالية المخاطر”؛ فيما يتعلق بتمويل الإرهاب وغسل الأموال؛ في شباط/فبراير 2019، لترد الثانية أسفًا لهذا القرار: “رغم إقرار المملكة العديد من التشريعات والإجراءات ذات العلاقة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، بهدف الحد من المخاطر المرتبطة بتلك الجرائم، نأسف لقرار المفوضية الأوروبية”.
كما تعرضت المملكة للعديد من العمليات الإرهابية التي يصفها المحلل السياسي السعودي صالح السعيد لمواطن، بأنها وحشية؛ فيما يعتبر مدير مركز دراسات اللاعنف والسلام محمد صفر، أن بلاده كانت على مدار تاريخها فريسة للتنظيمات الإرهابية، وأنها ليست مسؤولة دعم الإرهاب، كما تدعي بعض الجهات.
ومع هذا لم تسلم البلاد من الهجمات إرهابية منذ سبعينيات القرن الماضي، مرورًا بموجة الإرهاب في التسعينيات، والتي ظلت متفرقة وفردية حتى عام 2005، الذي شهد سلسلة من الهجمات الكبرى الأخرى التي ارتكبها تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، منذ عام 2015.
بحسب الوثائق السرية الخاصة بالولايات المتحدة الأمريكية التي نشرها موقع ويكيليكس؛ فقد قامت هيلاري كلينتون عام 2009، بتوجيه نقد شديد اللهجة للسعودية بسبب اتهامات تمويل الإرهابً.
كما واجهت تهديدات إرهابية جديدة من تنظيم داعش، واستهدف مسلحو داعش التجمعات والمساجد الشيعية، بالإضافة إلى المسؤولين والأجهزة والممتلكات السعودية.
نما هذا التوجه بشكل كبير مع ظهور الجهاد الأفغاني، رغم أنه تلقى دعمًا كبيرًا من أمريكا والسعودية، لكن بعد نهاية مهمته، انقلب هؤلاء على من ساندهم ودعمهم، ومن هنا أصبحت السعودية ضحية للإرهاب وادعاءات تمويله، وفق صفر.
من جهته يرى الخبير الأمني والاستراتيجي السعودي الدكتور فواز كاسب العنزي، أن استراتيجية المملكة بمواجهة الإرهاب اعتمدت على أكثر من عامل: الأول هو العامل التاريخي؛ فمنذ تأسيس السعودية على يد الملك عبد العزيز آل سعود، انتهجت قيم التسامح والتعايش والإخاء بين جميع الديانات.
ويضيف لمواطن: “إن الوسطية غلبت على النهج السعودي، رغم ذلك مرت المملكة بفترات اشتدت خلالها موجة الإرهاب، ونُفذت العمليات على يد أبنائها الذين تم التغرير بهم وخداعهم باسم الدين، من جانب بعض المنظمات الإرهابية السياسية”.
ويكمل، “نجحت المملكة في تحجيم موجة الإرهاب تلك، كما عملت على تصحيح الفكر وتفنيد الفكر المتطرف خلال العقدين الماضيين، وشاركت بشكل واسع ضمن الجهود الإقليمية والدولية الرامية لمكافحة الإرهاب والتطرف، وقدمت دعمًا معلوماتيًا وماليًا سخيًا بهذا الصدد”.
السعودية في مرمى نيران الإرهاب
أظهر تقرير صادر عن مركز الاتصال الدولي بوزارة الإعلام السعودية أنه في الفترة من 1979 إلى 2017، أصبحت المملكة العربية السعودية هدفًا لنحو 841 هجومًا إرهابيًا، وعنيفًا أودى بحياة أكثر من 3000 قتيل، بينهم 333 من أفراد الأمن.
خلال هذه الفترة، تم الإبلاغ عن مقتل 695 إرهابيًا مشتبهًا به (في مداهمات أو عقوبة الإعدام)، وإصابة 346 آخرين، وسجن المئات.
وأشار التقرير أيضًا إلى نجاح قوات الأمن السعودية في إحباط 223 هجومًا إرهابيًا. ولم تقع الهجمات الإرهابية داخل المملكة فحسب؛ بل استهدفت أيضًا السفارات السعودية ومسؤوليها في الخارج. بالإضافة إلى وقوع ما لا يقل عن 22 هجومًا إرهابيًا ضد كيانات سياسية ودبلوماسية وتجارية واقتصادية سعودية في الخارج.
“منذ أول عملية إرهابية في 1996 وبشكل متزايد حتى عام 2017، يكاد لا يمر عام بدون عملية إرهابية؛ بل وصل الحال إلى عملية إرهابية في كل ربع عام أو أقل؛ بل إنه بين عام 2012 و2017 وصل هؤلاء الإرهابيون إلى داخل المقرات الأمنية نفسها. ومنذ منتصف عام 2017”. حسب ولي العهد السعودي.
والذي أضاف إنه، بعد إعادة هيكلة وزارة الداخلية وإصلاح القطاع الأمني، انخفض عدد العمليات الإرهابية في السعودية إلى ما يقارب الـصفر عملية إرهابية ناجحة، باستثناء محاولات لم تحقق أهدافها البغيضة”.
وبحسب العنزي، تسعى السعودية من خلال تنسيق الجهود المحلية والدولية لتحقيق أفضل النتائج في مجالات مكافحة الإرهاب، وتحرص على تنشيط مراكز الفكر والأبحاث داخل المملكة لمواجهة الفكر المتطرف، وتقديم صورة صحيحة عن الإسلام من شأنها دحض رواية المتطرفين.
وضمن الجهود المهمة التي تقوم المملكة لمواجهة التطرف، مراجعة وتنقية المناهج التربوية، وأيضًا يحرص الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد السعودي على متابعة إجراءات وآليات مواجهة التطرف في البلاد على قدم وساق، بحسب الخبير السعودي.
ويضيف، أن السعودية تقود التحالف الإسلامي، لمواجهة التطرف اعتمادًا على ثلاثة محاور رئيسية؛ فكريًا وإعلاميًا واستراتيجيًا.
إرهاب في قلب الحرم
أعلنت وزارة الداخلية السعوديةً في 24 من حزيران/يونيو 2017 إحباط مخطط إرهابي كان يستهدف الحرم المكي، ونجحت في تنفيذ عملية أمنية استباقية، حالت دون تنفيذ المخطط.
وبالعودة إلى عام 1979، هناك واقعة مشابهة؛ استولى فيها عشرات المسلحين على الحرم المكي، بقيادة موظف بالحرس الوطني السعودي اسمه جهيمان بن محمد العتيبي، مدعين ظهور المهدي المنتظر، وذلك إبان عهد الملك خالد بن عبد العزيز.
وهزت العملية العالم الإسلامي برمته، من حيث موعدها؛ (أول يوم في القرن الهجري الجديد 1400)، ومن حيث عنفها فقد تسببت بسفك للدماء في باحة الحرم المكي، كما أودت بحياة بعض رجال الأمن.
بعدها بعقد في موسم حج 1989، وقع انفجاران بمنطقة الحرم المكي، الأول كان في أحد الطرق المؤدية للحرم، والثاني كان فوق الجسر المجاور للحرم مباشرة، ونتج عن الانفجارين وفاة شخص واحد وإصابة ستة عشر آخرين، بحسب وزارة الداخلية السعودية وقتها.
هل دعمت السعودية الإرهاب؟
بحسب الوثائق السرية الخاصة بالولايات المتحدة الأمريكية التي نشرها موقع ويكيليكس؛ فقد قامت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون عام 2009، بتوجيه نقد شديد اللهجة للسعودية بسبب اتهامات تمويل الإرهابً.
وذكرت كلينتون أن “متبرعين من السعودية هم المصدر الأقوى، لتمويل الجماعات الإرهابية السنية”، وأضافت في مذكرة حكومية: “إنه تحدٍ دائمٌ، أن نحاول إقناع المسؤولين السعوديين بمعالجة هذا الأمر على اعتبار أنه أولوية إستراتيجية”.
وأوضحت الوزيرة الأمريكية أن “تنظيم القاعدة، وحركة طالبان، وجماعة لشكر طيبة، ربما تمكنت من جمع ملايين الدولارات من مصادر سعودية، وفي العادة خلال موسم الحج، وأثناء شهر رمضان”.
وأشارت إلى أن “الإصلاحات المتعلقة بتجريم تمويل الإرهاب، وتقييد تدفق الأموال إلى الخارج من جمعيات ومنظمات خيرية مقرها السعودية، كانت فعالة، لكنها لم تغطِّ على نحو متساوٍ المنظمات ذات الفروع المتعددة”.
وفي تفسيره لاتهامات السعودية بدعم الإرهاب، يعتقد الكاتب ياسين مشربش، المتخصص في شؤون الإرهاب، أن في الماضي كان هناك أشخاص ينقلون باستمرار، مبالغ ضخمة من المال، في حقائب سفر تصل إلى معسكرات إرهابية، أو في معسكرات تدريب الإرهابيين في أفغانستان وباكستان، لكن السلطات السعودية ليست مسؤولة، حد قوله.
والذي يضيف: “إنها شبكة من الجمعيات الخيرية التي يساء استغلالها بشكل واضح للغاية في بعض الأحيان دون علم السلطات”. لكنه يوضح أيضًا، أن بعض المسؤولين يتعمدون غض البصر عن هذا الأمر.
وبسؤاله عن اتهام السعودية بالإرهاب خلال فترات ماضية، يقول العنزي: “جاء هذا الاتهام من جانب بعض الهيئات غير المنصفة، والتي وظفت مثل هذه التصنيفات كنوع من الضغط على المملكة لخدمة مصالح وأجندات، واستغلت في ذلك بعض الأسماء من السعوديين المقيمين في الخارج، والذين ينتمون لجماعات متطرفة، ولا دخل للمملكة بذلك”.
لكن الإشكالية بحسب الباحث والأكاديمي السعودي محمد صفر، تتمثل في أن السعودية لم تكن أبدًا منشأ للفكر المتطرف، مثلاً الفكر المرتبط بجماعات التكفير والهجرة أو فكر التيارات التكفيرية والإرهابية المتطرفة، التي نشأت وتفرعت من جماعة الإخوان لم تكن فكرًا سعوديًا، لكن السعودية احتضنت هذه الجماعات بعد تعرضها لتضييقات أمنية في بلدانها في إطار صراعات بين المشاريع القومية والإسلامية.
"موقف السعودية لم يتغير من جماعة الإخوان؛ فهي ومن دستورها الإسلامي ترفض منهج جماعة الإخوان، الذي يحض على الخروج على الدولة ومعاداة مؤسساتها".
واستغلت التيارات المتطرفة الحاضنة السعودية، وبدؤوا بنشر فكر متطرف، والتغلغل داخل المؤسسات التعليمية والثقافية والاجتماعية، وكان لهم تواجد كبير جدًا؛ خصوصًا ما يسمى بالتيار السروري (السلفي الإخواني).
ويكمل، لكن مرحلة الجهاد الأفغاني هي نقطة مهمة جدًا فيما يتعلق بربط السعودية بالإرهاب، باعتبار أن المملكة قد دعمت المجاهدين لمواجهة المد السوفيتي نحو الدول الإسلامية؛ خاصة أن السوفيت كانوا يخططون لاحتلال باكستان وجزء كبير من (المياه الدافئة) بما يهدد مصالح المنطقة.
ويضيف، لم تكن السعودية يومًا دولة إرهابية ، ولم تتبنَ مشروعًا أو فكرًا إرهابيًا، كما أنها لم تمثل تهديدًا للمنطقة أو العالم من خلال المليشيات، لكن ما حدث هو توظيف الجماعات المتطرفة للحاضنة السعودية للانتشار والتوغل، فضلاً عن استغلال التمويلات المقدمة لهم للانتشار على نطاق أوسع.
كذلك يقول المحلل السياسي السعودي صالح السعيد لمواطن: “إن بلاده لم تدعم يومًا الإرهاب، ولم تتبنه، ولكن ألصقت هذه التهم بها من جانب الدول التي أنشأت الإرهاب والفكر المتطرف ودعمته بغرض تبرئة ساحتها”.
ويستطرد، على النقيض من ذلك، سعت السعودية منذ نشأتها إلى خنق الإرهاب، وقد كانت هدفًا للعديد من العمليات الإرهابية، واليوم تقف التجربة السعودية كإحدى أهم تجارب مواجهة الإرهاب والفكر المتطرف، واليوم تقدم السعودية تنسيقًا مع العديد من دول العالم للمساهمة في هذا الملف.
ماذا تغير في رؤية المملكة للإخوان المسلمين؟
في السابع من آذار/ مارس عام ٢٠١٤ أعلنت السعودية رسميًا جماعة الإخوان المسلمين تنظيمًا إرهابيًا، ضمن أول قائمة من نوعها تضم عددًا من المنظمات داخل وخارج المملكة.
وشملت القائمة، التي أعلنتها وزارة الداخلية السعودية آنذاك، تنظيم القاعدة وفروعه في جزيرة العرب، واليمن، والعراق، والدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش”، وجبهة النصرة في سوريا، وحزب الله في السعودية، وجماعة الحوثي.
ويشير محمد صفر، إلى أن المملكة قدمت الكثير للإخوان على مدار أزماتهم التاريخية، ولم يكن هدف المملكة حينها سياسيًا؛ بل إنسانيًا وإسلاميًا، لكن لم تكن مخططات الإخوان الخاصة بزعزعة الاستقرار قد اتضحت بعد، لكن انكشفت مؤخرًا مخططات التنظيم الرامية لإثارة الفوضى والتحريض على الأنظمة العربية؛ فضلًا عن عدم الالتزام بأية ولاءات للوطن والولاء للتنظيم وأجندته فقط.
ويرى صالح السعيد، أن موقف السعودية لم يتغير من جماعة الإخوان؛ فهي ومن دستورها الإسلامي ترفض منهج جماعة الإخوان، الذي يحض على الخروج على الدولة ومعاداة مؤسساتها، كما ترفض العمل لصالح أجندة، دون الالتزام بقيم الدولة والمواطنة، بهدف مصالح حزبية ضيقة، لا تتفق مع مقتضيات الأمن القومي.
جهود مكافحة الإرهاب
توالت جهود المملكة، عبر السنوات الماضية، وأثنى ومؤخرًأ، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب والمدير التنفيذي، لمركز الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، فلاديمير فورونكوف في كانون الأول/ديسمبر، على دور المملكة، واعتبرها رائدة في مجال مكافحة التطرف على المستويين المحلي والعالمي.
وطالب، بمواصلة الجهود في هذا الصدد، لأن التطرف مازال يشكل تهديدًا، ولا توجد دولة محصنة ضد الهجمات الإرهابية.
وإذ التزمت المملكة بالحملة العسكرية في العراق وسوريا، وعملت على محاربة البنية التحتية الاقتصادية لداعش ومنع تدفق المقاتلين الأجانب من الحدود، وساهمت المملكة في دعم الاستقرار، وإعادة إعمار البنى التحتية للخدمات الرئيسية العامة في المناطق المحررة من داعش.
وأعلنت في يناير 2019 فرضها الرقابة على 12 نشاطًا ماليًا يُستغل في الخفاء لدعم الجماعات الإرهابية بالأموال، مثل: الأنشطة الخيرية، والخدمات التي تُقدم في قطاعات الإقراض والتمويل، إضافةً إلى القطاعات المصرفية وما يتبعها من حوالات مالية، وإصدار البطاقات الائتمانية واستبدال العملات الأجنبية.
و انضمت السعودية يوم 21 حزيران/ يونيو 2019 إلى منظمة مجموعة العمل المالي كأول دولة عربية؛ نظير جهودها في محاربة تمويل الإرهاب.
كما قدمت السعودية في كانون الثاني/يناير 2023 دعمًا بمبلغ ثلاث مائة ألف دولار أميركي، لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، وذلك ضمن مشروع تطوير الاستراتيجية العربية لمكافحة الإرهاب وخطته التنفيذية، وأنشطته المقررة.
استراتيجية المواجهة
أكد وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، خلال كلمة ألقاها في الثامن من حزيران/يونيو، بمناسبة انضمام المملكة لرئاسة مجموعة التركيز المعنية بالشأن الإفريقي لمواجهة مخاطر تنظيم “داعش”، أن المعركة ضد التطرف والإرهاب تتطلب من الجميع بذل جهود إضافية لكسب العقول والقلوب، ليس فقط عبر الأدوات الإعلامية والثقافية والتربوية مع أهميتها الفائقة؛ لكن أيضًا عبر تقديم نموذج عملي حي لوجود مستقبل أفضل قائم على التسامح والانفتاح والتنمية المستدامة والازدهار.
وفي هذا الصدد، ينوه فواز العنزي إلى أن استراتيجية ٢٠٣٠ لمواجهة الإرهاب، خرجت من رحم التنمية السياسية التي تبناها الملك سلمان وولي العهد، بهدف قيادة العالم الإسلامي والعربي، في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف والسير نحو سلام دائم.
ويوضح مدير مركز دراسات اللاعنف والسلام، محمد صفر: “إن بلاده أقرت استراتيجية مكافحة الإرهاب، التي اعتمدت على ثلاثة محاور رئيسية:هي المواجهة الفكرية، وتجفيف منابع التمويل، وتحجيم النشاط فضلًا عن تعزيز منظومة التشريعات لتحقيق مواجهة أكثر حسمًا”.
ويضيف، انتهجت السعودية، أسلوب مواجهة الفكر بالفكر أولًا، وعملت على تفنيد ومجابهة الفكر المنحرف والمتطرف من خلال المواجهة الفكرية وتحجيم نشاطاته، وإغلاق مراكزه ومنع شيوخه ودعاته من الظهور، ومن ناحية أخرى تأسيس مراكز، ودعم شخصيات لتقديم الإسلام وتعاليمه بصورته المعتدلة والصحيحة، والتأكيد على مفاهيم السلام والتسامح والعدالة.
ويمكل حديثه بأن، في إطار المواجهة أسست الرياض أيضًا مراكز مختصة لتتبع مصادر تمويل الجماعات المتطرفة داخل البلاد وخارجها بالتعاون مع المؤسسات المعنية، في مقدمتها الأمم المتحدة، وهذا أثر بشكل كبير في تجفيف منابع تمويل هذه الجماعات الإرهابية والمتطرفة، ووجدنا العديد من المراكز أغلقت داخل السعودية وخارجها.
وعن الجانب التشريعيً يقول؛ “أصدرت المملكة حزمة تشريعات لضبط عمليات التبرع للمؤسسات التابعة لتلك الجماعات، كما وضعت قوانين للتتبع والمراقبة على الأنشطة والبرامج التي تتبعها تلك الجماعات”.
ويرى الباحث السعودي صالح السعيد: “إن المملكة استخدمت إجراءات غير تقليدية في محاربة الإرهاب والتطرف، بداية من برامج الوقاية، مرورًا بإعادة التأهيل، وذلك بعدما تبين استحالة القضاء على الإرهاب والفكر المتطرف اعتمادًا على المواجهة الأمنية فقط”.
أثمرت الاستراتيجية السعودية لمواجهة الإرهاب، بحسب محمد صفر عن نتائج إيجابية إلى حد كبير، ونجحت في تجفيف منابع التمويل وتحجيم النشاط، ويبقى الآن الاستمرار من أجل اجتثاث جذور الفكر المتطرف بشكل نهائي، بالتعاون والتنسيق على المستوى الدولي والإقليمي، والعمل على تنفيذ خطط تجديد الخطاب الديني وفق رؤية المملكة 2030.
خاتمًا، تخطو السعودية بخطوات ثابتة ومحسومة نحو مواجهة شاملة مع الإرهاب، بهدف الوصول إلى (صفر إرهاب) داخل المملكة؛ فضلًا عن محو كافة الاتهامات السابقة للملكة بالتورط بدعم بعض الكيانات.
ويبدو أن المملكة متحمسة لمواجهة الإرهاب بشكل حازم، وتبنت استراتيجية طموحة بهذا الصدد، وحتى الآن تبدو المواجهة السعودية شاملة وعميقة، وتعتمد ليس فقط على الآليات الأمنية والعسكرية؛ بل معالجة الفكر بالفكر، مع ذلك تحتاج المملكة أيضًا للمزيد من الجهود؛ خاصة على المستوى الفكري لاجتثاث جذور الفكر المتطرف بشكل نهائي.