لأول مرة في تاريخها، مثلت إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، بتهمة الإبادة الجماعية لشعب غزة، إثر الدعوة التي أقامتها جنوب إفريقيا نهاية ديسمبر/كانون الأول 2023، واعتمدت الدعوة على انتهاك إسرائيل اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، كما اعتبرت أن الهجوم الذي شنته حركة حماس، في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، لا يمكن أن يبرر ما ترتكبه إسرائيل من جرائم في قطاع غزة.
وجنوب إفريقيا وإسرائيل من الدول الموقعة على اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، العائدة للعام 1949، ردًا على مجازر الإبادة في حق اليهود خلال الحرب العالمية الثانية.
"إسرائيل تحاول التقليل من جوهرية التصريحات الداعية للإبادة، وهو أمر عالجه فريق جنوب إفريقيا بشكل مسبق عبر تقديم عدد كبير من التصريحات لمسؤولين إسرائيليين لا يمكن دحضها، أو اعتبارها زلة لسان"
ويحق لكل دولة موقعة ملاحقة دولة أخرى أمام محكمة العدل الدولية في حال الاختلاف على “تفسير أو تطبيق أو احترام” القواعد الهادفة إلى منع وقوع أعمال إبادة جماعية.
وأعربت أكثر من 50 دولة عن دعمها لقضية جنوب أفريقيا، وأعلنت منظمة التعاون الإسلامي، المكونة من 57 دولة دعم القضية، بالإضافة إلى جامعة الدول العربية.
جلسات الاستماع
قدم المحامون والخبراء من الفريق القانوني لجنوب إفريقيا أدلة تقر بأن الحملة العسكرية الإسرائيلية المستمرة منذ ثلاثة أشهر في غزة، تجاوزت الحرب مع حماس، وأن الهجوم الإسرائيلي يشمل جميع الفلسطينيين الذين يقيمون في القطاع.
وأعلنت محكمة العدل الدولية، الجمعة 12 يناير/كانون الثاني، اختتام جلسات الاستماع العلنية بشأن المحاكمة، وأشارت إلى أنها ستبدأ مداولاتها، وستُصدر قرارها في جلسة علنية يعلن عن موعدها في الوقت المناسب.
وتسعى جنوب إفريقيا من خلال هذه الخطوة إلى الحصول على أمر عاجل من أعلى هيئة قضائية أممية، بـ”التعليق الفوري للعمليات العسكرية”.
وعن جلسات الاستماع يقول لمواطن، رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان رامي عبده: “إن جنوب إفريقيا قدمت حقائق مدعمة بالدلائل، بينما قدم الاحتلال كلامًا مرسلًا وادعاءات بلا أسانيد؛ بل توجيهات ومشاهد مصطنعة أُعدت بشكل مسبق للمناورة ودعم الأكاذيب”.
وضخ فريق الدفاع عن الجانب الإسرائيلي، بحسب رئيس المرصد الأورومتوسطي، سلسلة أكاذيب مفضوحة ومتوقعة مسبقًا أمام محكمة العدل الدولية؛ إذ كرر مفردات ممجوجة استخدمها الاحتلال الإسرائيلي على مدار عشرات السنوات لتبرير كل الجرائم التي مورست بحق الشعب الفلسطيني منذ عام 1948.
وأضاف، “إسرائيل تحاول التقليل من جوهرية التصريحات الداعية للإبادة، وهو أمر عالجه فريق جنوب إفريقيا بشكل مسبق عبر تقديم عدد كبير من التصريحات لمسؤولين إسرائيليين لا يمكن دحضها، أو اعتبارها زلة لسان، بما فيها تصريحات لصناع قرار من رأس الحكومة ومجلس الحرب”.
ويعقب الباحث المختص بقضايا الأمن الإقليمي، محمد فوزي: “إن أهمية دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل بمحكمة العدل الدولية، تتعلق بجملة من الاعتبارات المهمة؛ أولها ما تمثله الخطوة على مستوى ممارسة المزيد من الضغوط الدولية على إسرائيل، بما يزيد من حالة العزلة الدولية لها”.
أما ثاني هذه الاعتبارات، حسب باحث قضايا الأمن الإقليمي، “يرتبط بالطبيعة الإجرائية لمحكمة العدل الدولية، والتي لا يوجد بها (فيتو) كما في مجلس الأمن الدولي؛ إذ يوجد في مجلس الأمن دول يمكن أن تشكل غطاء لإسرائيل، أما في محكمة العدل الدولية فلا يوجد لها أي تأثير على القضاة هناك”.
ويضيف لمواطن، اعتبار ثالث لأهمية المحاكمة، يرتبط بما تدفع به الدعوى وما شهدته من حيثيات على مستوى كشف الجرائم الإسرائيلية في قطاع غزة، بما يكون رأيًا عامًا دوليًا مناهضًا لإسرائيل.
ما القادم؟
بسبب استغراق أحكام محكمة العدل في بعض الأحيان لسنوات، خصصت جنوب إفريقيا الكثير من شهادتها، لإقناع المحكمة بإصدار حكم مؤقت، ويقول أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية، محمد عطاالله، “إن دعوى جنوب أفريقيا تعتبر من الدعاوى الاستعجالية فى المفهوم القانوني، وتهدف لاتخاذ تدابير عاجلة لمنع استمرار عملية الابادة الجماعية”.
وعن مدى قدرة المحكمة إلزام إسرائيل بقرار وقف الحرب أو أي قرار آخر يمكن أن تسفر عنه، يقول خبير حقوق الإنسان في الشرق الأوسط، فادي القاضي: “إن قرارات محكمة العدل الدولية، ملزمة لكافة الدول الموقعة على اتفاقياتها، بما فيها إسرائيل”.
لكنه ينوه، إلى تاريخ إسرائيل من عدم الالتزام بالقرارات الأممية، لعل أبرزها جملة القرارات التي اتخذها مجلس الأمن خلال الفترة الماضية بوقف إطلاق النار، مشيرًا إلى أن “الالتزام بات سلعة نادرة في فضاء السياسة الدولية”.
ويضيف لمواطن، “إن محكمة العدل الدولية ليست محكمة جنائية، يمكنها إرسال مذكرات توقيف أو توقيف المتهمين من المسؤولين، لكن دور محكمة العدل الدولية، هو أقرب للدور الفقهي لما يقوم عليه القانون الدولي”.
وتسعى جنوب إفريقيا إلى إقرار المحكمة باتخاذ تدابير مؤقتة، وتشمل 9 طلبات قدمتها للمحكمة، أهمها أن تلتزم إسرائيل بإيقاف عملياتها العسكرية في غزة، ومنع أي مؤسسة إسرائيلية من عرقلة وقف إطلاق النار.
ويوضح القاضي، إن إقرار التدابير المؤقتة، لا يعني انتهاء القضية، لكن ستستمر المناقشات والإجراءات للتحقق مما إذا كانت إسرائيل قد ارتكبت جرائم إبادة جماعية في غزة، وتلك الإجراءات تأخذ وقتًا طويلًا، على سبيل المثال، استمرت قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها البوسنة ضد جمهورية يوغوسلافيا السابقة، والتي استمرت لمدة 14 عامًا.
ويؤكد باحث قضايا الأمن الإقليمي، محمد فوزي، الذى أن الأحكام غير إلزامية للدول، ويوضح، “في حال لجأت الدول المتنازعة إلى الامتثال لقرارات محكمة العدل بهدف حل الخلافات فيما بينها تصبح إلزامية”
"لم تجرؤ أي وسيلة إعلام غربية بتغطية عميقة أو شاملة لمرافعة جنوب إفريقيا، وفي المقابل أفسحت مساحة واسعة لكلمة الدفاع الإسرائيلي"
ويضيف، “في حال قررت محكمة العدل الدولية أن إسرائيل انتهكت اتفاقية الإبادة الجماعية؛ فيمكنها أن تقرر إنهاء الاحتلال في غزة، بالاعتراف بالإبادة الجماعية، وتعويض سكان غزة عن خسائرهم، ولكن التحقيقات بهذا الخصوص تحتاج إلى سنوات”.
وأوضح لمواطن أستاذ القانون الدولي محمد عطاالله، أن محكمة العدل لا تملك آلية لتنفيذ قرارتها، لكنها تخطر الجهة التنفيذية وهي مجلس الأمن، بوصفه الجهاز التنفيذي لقرارات الأمم المتحدة، إلا أن هذا القرار يخضع إلى نظام التصويت المتبع فى مجلس الأمن وهو ما يعني إمكانية نقضه عن طريق استخدام حق الفيتو.
وفي بحثه عن الأحكام المؤقتة لمحكمة العدل الدولية، وجد الباحث القانوني ماتي أليكسيانو أن الدول تمتثل للأحكام في نصف الأحكام المؤقتة فقط.
ومع ذلك يشير ألكسيانو إلى أن هناك تأثيرات غير مباشرة؛ فقال: “إنهم يعلنون قيمًا معينة للنظام الدولي، ومن المهم بالنسبة للدول الأخرى وللمجتمع الدولي بشكل عام، إعادة التأكيد على هذه القيم وتلك الالتزامات على المدى الطويل”.
ويرى إنه إذا رفضت دولة ما الامتثال للأحكام المؤقتة الصادرة عن المحكمة؛ فإن ذلك يذكر بقية العالم بالجانب الذي يقفون فيه من هذا النظام الدولي، ويمكن أن يكون لذلك عواقب طويلة المدى على تلك الدولة.
إدانة إسرائيل، ماذا تعني؟
يرى الخبير الحقوقي، فادي القاضي “إن صدور قرار لصالح جنوب إفريقيا يعني الإقرار من جانب المحكمة بوقوع جريمة إبادة جماعية على يد إسرائيل وحكومتها وجيشها ومؤسساتها، وهذا أمر هام؛ خاصة أن إسرائيل وحلفاءها الغربيين يحاولون إنكار هذه التهمة على مدار الأشهر الثلاثة للحرب”.
ويضيف: “ستضع إدانة إسرائيل، الحكومات من حلفائها أمام موقف حرج؛ خاصة من هم أطراف في اتفاقية منع الإبادة الجماعية الخاصة بالمحكمة، والتي تقضي بأن كل من سلّح أو موّل أو قدّم أي دعم مادي أو أخلاقي لحملة الإبادة الجماعية يعد شريكًا”.
ويستطرد: “من الصعب على إدارة بايدن، أو أي حكومة تأتي بعدها في الولايات المتحدة، تبرير تقديم هذا القدر السخي من الدعم لإسرائيل؛ خاصة ما يتعلق بالدعم العسكري وإمدادات الأسلحة. إن جاء حكم ضد إسرائيل من محكمة العدل يقر بارتكابها جريمة الإبادة الجماعية”.
“من الناحية الأخرى ستفتح إدانة إسرائيل الباب واسعًا أمام مناصري القضية الفلسطينية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني بشكل أكبر في الأوساط الغربية، والتي ما يزال الرأي العام بها غير ملم بما جرى خلال الثلاثة أشهر الماضية من خراب وتدمير وقتل عشوائي للمدنيين”. حد قول القاضي.
ويختم بأن إدانة إسرائيل، تعني انهيار السردية التي يروج لها الإعلام الغربي بأن إسرائيل تمارس حقها في الدفاع عنها نفسها، وربما ظهرت أصداء المحاكمة مبكرًا، ولم تجرؤ أي وسيلة إعلام غربية بتغطية عميقة أو شاملة لمرافعة جنوب إفريقيا، وفي المقابل أفسحت مساحة واسعة لكلمة الدفاع الإسرائيلي في محاولة مستمرة لتزييف الحقائق.
قد يستغرق الحكم بالإدانة، أو عدم الإدانة سنوات، كما قد يكون للحكم العاجل المؤقت تبعات عدة، لكن المؤكد والثابت أن على أحد ما وقف هذه الكوارث الإنسانية، وهذا النزيف من الدماء.
Fantastic beat While you’re making modifications to your website, I’d like to know. How can I register on a blog website? I found the account to be really helpful. Though your programme presented a fantastic and straightforward concept, I was already aware of this to some extent.
I loved even more than you will get done right here. The overall look is nice, and the writing is stylish, but there’s something off about the way you write that makes me think that you should be careful what you say next. I will definitely be back again and again if you protect this hike.
Hi my loved one I wish to say that this post is amazing nice written and include approximately all vital infos Id like to peer more posts like this