منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة، أصبح القتل والدمار والإبادة عنوان الحياة في القطاع، حتى الجماد لم يسلم من الأذى، يتعمد الكيان المحتل تدمير الهوية الفلسطينية ممثلة في البشر والشجر وحتى الحجر.
ولم يتورع الاحتلال عن تدمير الآثار والتراث الفلسطيني لطمس الهوية العربية والفلسطينية، وإذا كان قتل البشر العزل الأبرياء جريمة لا تغتفر؛ فإن تدمير الآثار لايقل خطورة عنه، لأنه بمثابة تضييع لحضارات إنسانية، ومسح لذاكرة تاريخ يخص كل البشر ويؤرخ لحياتهم عبر سنوات.
محاولة لحصر الدمار الحضاري
صدر العديد من البيانات المحذرة من خطورة الجرائم الإسرائيلية بحق الحضارة الإنسانية؛ منها بيان من المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، الذي أكد قيام الاحتلال الإسرائيلي بتدمير أكثر من 200 موقع أثري من إجمالي 325 موقعًا بالقطاع.
وتشمل عددًا مهمًا من الأماكن التاريخية النادرة والقديمة؛ من أبرزها كنيسة جباليا البيزنطية، ومسجد الشيخ شعبان، ومسجد الظفردمري في الشجاعية، ومقام الخضر في دير البلح، وموقع البلاخية -ميناء الأنثيدون- شمال غرب مدينة غزة القديمة.
بالإضافة إلى تدمير مسجد خليل الرحمن في منطقة عبسان في خان يونس، جنوب قطاع غزة، ومركز المخطوطات والوثائق القديمة في مدينة غزة، وكنيسة القديس بروفيريوس، ثالث أقدم كنيسة في العالم في حي الزيتون بمدينة غزة، والتي يعود تاريخ البناء الأصلي لها إلى عام 425م.
وجاءت مواقف منظمة اليونسكو غير متوافقة مع خطورة الوضع، ولم تتخذ موقفًا يرتقي إلى مستوى الحدث، على الرغم من أن فلسطين تتمتع بعضوية كاملة منذ عام 2011.
كما دمر أقدم مساجد غزة، وهو المسجد العمري في جباليا، والذي تحول إلى أنقاض تحت ضربات القصف الإسرائيلي، ويعود تاريخه إلى القرن السابع الميلادي. وقضى القصف الإسرائيلي في غزة أيضًا على حمام السمرة التاريخي، الذي شُيِّد في القرن الـ 14، والذي يعد آخر حمام عام أثري في مدينة غزة القديمة يعود إلى العهد العثماني.
واتهم منير أنسطاس المندوب الدائم لفلسطين لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، إسرائيل بتعمد استهداف نحو 200 موقع أثري وتراثي منذ بداية الحرب على غزة في أكتوبر/تشرين الأول، وأكد على علم قوات الاحتلال بإحداثيات تلك المواقع.
يقول لمواطن، مدير المكتب الإعلامي للمجلس العربي للاتحاد العام للآثاريين العرب، عبد الرحيم ريحان: “دمّر العدوان الإسرائيلي على غزة العديد من المواقع الأثرية والتاريخية؛ حيث تم تدمير تل رفح، وهو موقع أثري يعود إلى الفترتين اليونانية والرومانية”.
ويضيف: “قصف العديد من الكنائس؛ منها الكنيسة البيزنطية بجباليا 444م، وكنيسة العائلة المقدسة للاتينيين، والتي تعود إلى عام ١٨٦٩م، أسسها الأب جان موريتان في غزة، وأصيبت بتدمير جزئي بسبب قصف غير مباشر أدى لتشققات في الجدران والنوافذ، والكنيسة المعمدانية التي تأسست عام1882م من قبل جمعية الكنيسة الإرسالية التابعة لكنيسة إنجلترا”.
وبحسب ريحان فإن سلطة الاحتلال دمرت العديد من الآثار الإسلامية؛ منها ما لا يمكن ترميمه بسبب تدمير كلي، مثل الجامع العمري الكبير بغزة، والذي كان يعد تحفة معمارية على الطراز المملوكي، وجامع الشيخ سليم أبو مسلم فى بيت لاهيا، وبني منذ 600 عام ميلاديًا، ومنها ما تعرض لتدمير جزئي، مثل جامع الشيخ سعد ببيت لاهيا، الذي بني منذ 500 عام، وجامع كاتب الولاية، الذي يجمع طراز البناء المملوكي العثماني”.
وتابع: “إن العدوان طال آثارًا إسلامية مدنية؛ مثل قصر الباشا، وقد أنشئ في العصر المملوكي 1260م، وحمام السمرة العثماني، وهو على طراز مملوكي أسس قبل ثمانية قرون، ودائرة الآثار والمخطوطات التابعة لوزارة الأوقاف، والتي استهدفت بشكل كامل خلال قصف مباشر من طائرات الاحتلال لمسجد العباس، والذي يضم مكتبة العباس التاريخية، وتضم لوحات حجرية وبعض المخطوطات التاريخية، وقد أحرقت بالكامل وهي غير قابلة للترميم”.
كما تضررت مواقع أثرية أخرى بشكل غير مباشر، بأضرار جزئية ومازالت مهددة، كمقبرة الإنجليز، التي تعود إلى عام 1904، ومبنى بلدية غزة الذي يعود تاريخه إلى عام 1893، ومواقع أخرى لا تزال مهددة. ويوضح أنه جارٍ استكمال الحصر بالتواصل مع الجهات المعنية بالتراث في فلسطين، وبعدها سيتم إعداد تقرير فنى مفصّل عن سبل الإنقاذ والآليات والتمويل والتواصل مع جامعة الدول العربية.
جرائم تتحدى الاتفاقيات الدولية
يحتضن قطاع غزة آثارًا تعكس تواتر الحضارات على هذه الأرض، تنتمي للعصر الفينيقي وأخرى للروماني، ويرجع تاريخ بنائها إلى عصر ما قبل الميلاد. كما أعربت منظمة اليونسكو عن قلقها من استهداف المواقع التاريخية والأثرية، وطالبت بحمايتها.
وعلى الرغم من أن اتفاقية لاهاي لعام 1954، والتي تم إقرارها كرد فعل على الدمار الذي سببته الحرب العالمية الثانية لمواقع التراث الإنساني، والتأكيد على حرص المجتمع الدولي على إبعاد التراث الثقافي العالمي عن ويلات الحرب، وأن فقدان هذا التراث يمثل خسارة للبلد المستهدف بل لكل الإنسانية، إلا أنه لم تكن هناك ردود فعل قوية تجاه جرائم الاحتلال الإسرائيلي لتدمير وإبادة التاريخ الإنساني في غزة.
وأوضح مدير المكتب الإعلامي للمجلس العربي للاتحاد العام للآثاريين العرب، أن هذه الجرائم تعد مخالفة صريحة لسلطة الاحتلال في فلسطين لاتفاقية لاهاي 1954 لحماية الممتلكات الثقافية في حالة نزاع مسلح، وتتجسّد في المادة 5 من الاتفاقية تحت عنوان الاحتلال، والتي تلزم البلد المحتل بوقاية الممتلكات الثقافية والمحافظة عليها في الأراضي المحتلة.
ويكمل: “ويجوز وفقًا لأحكام المادة 6 وضع شعار مميز على الممتلكات الثقافية لتسهيل التعرف عليها، كما خالفت سلطة الاحتلال المادة 4 من الاتفاقية تحت عنوان احترام الممتلكات الثقافية، والتي تلزم بتحريم أي سرقة أو نهب أو تبديد للممتلكات الثقافية ووقايتها من هذه الأعمال، ووقفها عند اللزوم مهما كانت أساليبها، وبالمثل تحريم أي عمل تخريبي موجه ضد هذه الممتلكات”.
ويرى أن ما حدث من قصف للمواقع الأثرية والكنائس والمساجد وحرق المخطوطات، يشهد بتحدي سلطة الاحتلال لكل الاتفاقيات الدولية ومخالفة بنودها، وللأسف لم نر أى دور لليونسكو حتى الآن لتطبيق بنود هذه الاتفاقية مع استمرار الدمار والقصف اليومي وتدمير التراث الإنسانى فى غزة خاصةً، وفلسطين عامةً.
كما ندد السفير الفلسطيني في العراق، أحمد الرويضي بما يتعرض له الفلسطينيون شعبًا وحضارة من عمليات إبادة وتدمير ممنهج من قبل السلطات الإسرائيلية خلال الحرب الدائرة في غزة.
يزداد الوضع في غزة سوءً من كل المناحي؛ فلا أمان على الحياة، ولا توافر لأساسيات من طعام وشراب وسكن، بالإضافة إلى تراث يمحى كما تحمى العائلات بأكملها تحت القصف.
وأشار إلى تدمير ما يقرب من 60% من مبانيها بما فيها الأماكن الدينية والتاريخية والثقافية، وكل ما له صلة بالحضارة الإنسانية، وكأن المحتل يسعى لمحو كل الشواهد الأثرية التاريخية، وطمس الحقائق لإفساح الطريق لنشر الروايات الإسرائيلية الزائفة، والاستيلاء على تراث ليس من حقها.
لم تقتصر الجرائم الإسرائيلية في حق الآثار الفلسطينية على فترة الحرب الدائرة على غزة، وإنما تعود لسنوات بعيدة، ولم تكتف إسرائيل بالتدمير والتخريب؛ بل عمدت أيضًا إلى سرقة التراث.
وأكد المؤرخ الفلسطيني حسام أبو النصر، أنه “من عام 48 حتى 67 تم سرقة آثار فلسطينية، واتضح ذلك عام 67 في حفرية توسان، وسرقة موشي ديان لعدد من المواقع الأثرية في دير البلح”.
وأشار إلى “سرقة توابيت قدر عددها ب 50 تابوتًا، بعضها على الطراز الكنعاني الفرعوني، بالإضافة الى قطع أثرية فخارية، ونقلت إلى تل أبيب والمتاحف الإسرائيلية، ويتم التعامل معها على أنها آثار إسرائيلية، وهو ما اعترف به موشي ديان في كتابه اعترافات موشي ديان، كما أن هناك آثارًا مسروقة من الضفة الغربية وقطاع غزة معروضة في المتاحف الإسرائيلية”.
هل من إنقاذ؟
يقول لمواطن، محمد الكحلاوي رئيس اتحاد الأثريين العرب: “أرسل الاتحاد الوثائق والأوراق عن كل الآثار التي تم الاعتداء عليها للجهات المعنية، ونعول كثيرًا على أن تلعب مصر، ومعها الأردن وقطر دورًا في الوساطة، وتخفيف حدة الهجوم على مواقع الممتلكات الثقافية”.
وقال المؤرخ الفلسطيني، حسام أبو النصر أن هناك توثيقًا بالفعل الآثار المفقودة والموجودة، وتوجد في غزة مؤسسة بيت القدس للدراسات والبحوث الفلسطينية على مدار 20 عامًا، قامت بتوثيق جميع المواقع الأثرية، بما فيها الأماكن التي دمرت.
وأوضح أبو النصر أن المواقع الأثرية في فلسطين تقدر بـ 2000 موقع، إضافة إلى الآلاف من الأماكن التاريخية التي تمتد إلى الفترة الكنعانية ثم اليونانية والرومانية والبيزنطية والإسلامية، وحتى وقتنا هذا، وهي موزعة على القدس وفلسطين كاملة، ويوجد في غزة وحدها ما يُقدر بـ 400 موقع.
وأضاف: “تقدمنا بشكوى رسمية في بداية الحرب، من خلال إرسال تقرير بكامل المواقع التي تم استهدافها أثناء الحرب، ولكن للأسف لم يتح اليونسكو اتخاذ أية إجراءات واضحة تجاه ما يحدث في الأراضي الفلسطينية”.
ويرى مدير المكتب الإعلامي للمجلس العربى للاتحاد العام للأثريين العرب، أن خطوات الإنقاذ والحماية، مسؤولية السياسيين لتنظيم بعثات علمية للقيام بأعمال الترميم والصيانة في فلسطين، وتسهيل مهمتهم في الدخول إلى فلسطين وتأمينهم وحمايتهم للقيام بواجبهم القومي.
واختتم: “لن تتم أية إجراءات إلا إذا توقف العدوان تمامًا لتوفير الأجواء المناسبة لعمل أية بعثات، كما انتقد غياب دور المنظمات المعنية بالتراث مثل اليونسكو، منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، والألكسو، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، والإيسيسكو، منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة.
يزداد الوضع في غزة سوءً من كل المناحي؛ فلا أمان على الحياة، ولا توافر لأساسيات من طعام وشراب وسكن، بالإضافة إلى بيئة تدمر بالكامل، وتدفع كليًا للإقرار بعدم صلاحية الحياة، مع تراث يمحى كما تحمى العائلات بأكملها تحت القصف.
Simply wish to say your article is as amazing The clearness in your post is just nice and i could assume youre an expert on this subject Well with your permission let me to grab your feed to keep updated with forthcoming post Thanks a million and please carry on the gratifying work