يُشبه “النفط” السوري “الكعكة” التي وُزعت بطريقة، حرمت صاحبها من الاستفادة بها؛ ما جعله يقف على أبواب حكومته يستجدي منه قطرة، النفط الذي يشغل أهمية كبرى في حياة الأسر والعائلات السورية والتي تحتاجه للتدفئة والنقل وتلبية أبسط احتياجاتهم اليومية، ولا يجده المواطنون السوريون إلا من يملك منهم المال اللازم لشرائه من السوق السوداء بأثمان باهظة من كعكة النفط السوري التي يتقاسمها الغرباء من أطراف الصراع داخل الأراضي السورية.
وصل الإنتاج السوري من النفط، قبل الحرب التي بدأت في العام 2011، إلى 400 ألف برميل يوميًا. واحتلت سوريا المرتبة الرابعة والثلاثين في التصدير السنوي بين دول العالم، وواحدةً في المراتب الأولى بين الدول العربية. كان هذا الإنتاج كفيلاً لأن تسير سوريا بخطى ثابتة لاكتشاف موارد وآبار جديدة تسهم في تعزيز مكانتها النفطية والاقتصادية بين دول العالم، أمّا اليوم فيبلغ الإنتاج السوري في أفضل حالاته الـ 15 ألف برميل فقط، مسجلة تراجعًا جاوز الـ 97% من الإنتاج. وهنا برز دور الحليف الروسي والإيراني، لكن جاء دورهما تشغيليين تحت حدّ ما تحتاجه البلاد بما يلزمها. رغم كونهما دولتين نفطيتين من بين الأكثر إنتاجًا عالميًا.
عن هذا الدعم النفطي الإيراني الروسي يقول أستاذ الاقتصاد شاعر جوباني خلال حديثه لـ”مواطن“: “الجزرة والعصا، الحليف يريد أن يأخذ لا أن يعطي، ليسوا أولاد عمومتنا في الدم، ولكنهم شركاؤنا بهدف تحصيل المكاسب القائمة على المياه الدافئة لواحد منها والتمدد الأرضي لآخر؛ فعلامَ سيؤثر معهم إن متّ أنا أو أنت من الجوع؟”.
خسائر مليارية
في كلمة رسمية لوزير الخارجية والمغتربين فيصل المقداد، نهاية العام الفائت وفق ما نقلت عنه وكالة الأنباء الرسمية “سانا”: أنّ خسائر سوريا في القطاع النفطي خلال الحرب بلغت 115 مليار دولار أمريكي، أي أنّ سوريا خسرت كل عام نحو 10 مليارات دولار أميركيا خلال الحرب، ولتوضيح الرقم أكثر يمكن التذكير بأنّ الحكومة السورية قد أقرت الموازنة العامة لعام 2024 بحوالي خمسة مليارات دولار أميركي، أي أنّ مجموع خسائر الحرب من النفط وحده يعادل 23 ضعف ميزانية هذا العام. كما طالب لمقداد؛ في العام الماضي أمام الأمم المتحدة، بتعويض بلاده من النفط المسروق جرّاء الحرب وسيطرة الولايات المتحدة الأمريكية على منابعه الأم، مذكّرًا أنّ سوريا قبل ذلك كانت قد حققت الاكتفاء الذاتي.
سعت “مواطن“، إثر كلمة المقداد، للحصول على الوثائق البيانية التي يفترض أن تملكها الوزارات الحكومية، ولكنّ الأمر كان أكثر تعقيدًا، واقتصرت الإجابات على الشفوية، وبأنّها بيد وزارة الخارجية التي تتولى إعلانها بين وقت وآخر عبر الكلمات الرسمية في المحافل ذات نفس الطبيعة، أو عبر بياناتها التي أُحلنا للبحث عنها عبر موقعهم الرسمي وصفحتهم في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك. وكانت رئاسة مجلس الوزراء قد أشارت في شهر ديسمبر/ كانون الأول 2022 أنّ خسائر قطاع النفط في سوريا قاربت نحو 112 مليار دولار بسبب السرقات الأمريكية والاعتداءات الإرهابية.
أين يذهب النفط السوري؟
اتهمت الصين أمريكا صراحة بسرقة ما إجماليه 82% من النفط المستخرج في الأراضي السورية عبر قواعدها، وبمساعدة قوات سوريا الديمقراطية الكردية “قسد”، التي تسيطر على مناطق شمال وشرق سوريا. من هناك تنقل أمريكا النفط إلى العراق، ومن ثم باتجاهات واستخدامات أخرى بعد أن تحظى “قسد” بالحصة التشغيلية اللازمة لإدارة شؤونها. توافق دمشق على رواية بكين وتدعمها روسيا والصين ودول أخرى، ومعهم المجتمع الدولي الذي بإمكانه أن يلاحظ ذلك بيسر؛ فسوريا اليوم دون ما يقتطعه الأمريكيون منها لن تكون نفسها لو عادت تلك الأراضي التي هي أساسًا سلّة سوريا الغذائية، بما تتضمنه من قمح وحبوب شكّل غيابها أيضًا أزمات استراتيجية لدمشق.
من جهة أخرى تتموضع معظم آبار النفط والغاز المتبقية -وهي قليلة العدد نسبيًا في مناطق سيطرة الحكومة السورية- في محيط تدمر/ وسط سوريا (جزل – شاعر وغيرهما بكل تفرعاتهم)، وهناك يسيطر الروس على نسبة لا يستهان بها من الإنتاج وفق قاعدة قديمة غير معلنة تنصّ أنّ تحرير روسيا لهذه الآبار سيجعل لها نسبة من إنتاجها.
يقول “عمّار”، اسم مستعار لضابط سابق خدم في تدمر إبان المعارك هناك مع تنظيم داعش، وفضّل عدم الكشف عن اسمه، لما أرجعه لدواعٍ أمنية وعسكرية خاصة تتعلق بمخاطر الإفصاح عن معلومات غير مصرّح بها في السياق الذي يربط علاقة سوريا مع حلفائها على الأرض، في تفاصيل ميدانية معينة، خلال حديثه مع “مواطن“: “إن الدخول الروسي إلى سوريا عام 2015 لعب دورًا حاسمًا وفاصلًا ومحوريًا في إزاحة كفة السيطرة تجاهنا؛ حيث كانت داعش حينها تسيطر على ثلثي مساحة سوريا، وضمنًا النفط الذي استخدمته في تمويل عملياتها وهجماتهم على الجيش السوري أو غيره قبل أن تميل كفة الصراع بشكل جذري”.
ويتابع: “الروس لعبوا دورًا نهائيًا في السيطرة على السماء السورية، وانطلقوا منها جوًّا لإنهاء التنظيمات المتطرفة على الأرض، وكذلك تواجدوا كضباط وأفراد على الأرض وفي مناطق العمليات، ولكنّ السؤال المركزي؛ هل شاركوا كجيش نظامي في تلك المعارك؟
والجواب هو بنسبة أقل من بسيطة؛ فمن تولى مهمة خوض المعركة على الأرض هم مجموعات “فاغنر” الذين لعبوا دورًا كبيرًا وجوهريًا في استعادة حقول تدمر، ومن هذه النقطة رأوا أحقيتهم في استثمارها وفق عقود طويلة أو قصيرة الأمد، ودون أن نعرف ما هي النسبة؛ فهذا يعتبر من أسرار السيادة السورية بالنسبة للسلطة”.
كذلك تفعل إيران في النفط والغاز المتبقي من الكعكة بنسبة زهيدة، وكلا الأمرين بازغان حيال تلكما الدولتين يعرفهما كل سوريٍّ جيدًا، ولكن تلك الأمور بشكلها الشفاف تظلّ حبيسة “الأدراج” المظلمة، بما فيها من اتفاقات سرّية قد لا ترى النور قبل عقود.
قد تكون نسبة إنتاج تلك الآبار ليست مغرية لدول عظمى، ولكنّها على الأقل تؤمن طاقة إنتاجية قريبة ومرحلية وتشغيلية لقوات في محيطها، دون أن تكون محط أطماع استراتيجية؛ خصوصًا لروسيا التي امتلكت في سوريا المياه الدافئة عبر السيطرة على موانئها الساحلية قبل أن تغرق في المستنقع الأوكراني وتنشغل عن الملف السوري، الذي كانت تتولى التوريد إليه أحيانًا في بعض الجوانب؛ خصوصًا القمح والحبوب وما يلزم من الأساسيات بحدودها الدنيا. يبدو الأمر لإيران مختلفًا تمامًا؛ فالدولة الناشئة كقوة إقليمية عظمى تمتلك مشروعًا أوسع في سوريا، مشروعًا قدمت لأجله الآلاف من مقاتليها، وخاضت لأجله صراعات سياسية دولية وإقليمية، ولكنّ ذلك اندمج بجلّه في حصر الصراع العسكري وإبعاده عن مراكز المدن، مع استمرار تأمين احتياجات دمشق الغذائية والنفطية العامة، ولكن وفق صيغة غاية في التعقيد.
أمراء الحرب
يستمر الحديث عن ملف النفط، من سرقة فتاته في الداخل السوري، وصولًا للتوسع في الحديث عن العلاقة الشائكة غير المفهومة مع الدول الصديقة لدمشق، وطريقة تعاطيها مع أزمة شعب انتهى من كبرى معاركه عام 2018 (معركة دمشق – آخر المعارك الوازنة)، ومن يومها لم يرَ يومًا أبيض.
يسمح لصاحب السيارة أن يملأ سيارته بالوقود مرتين أو ثلاثًا فقط في الشهر لا أكثر
John Doe Tweet
ويهيمن حديث النفط ومشتقاته على الدوام على الشارع السوري في المؤسسات، وسائل النقل العامة والخاصة، الجلسات والأمسيات، ولكنّ كلّ ذلك يصطدم بأجوبة سلطوية مكررة على شاكلة: “حصار تاريخي غير مسبوق”. فيسأل سوريًّ آخر، لم هذا الحصار على سياراتنا والوقود يملأ الطرقات الرئيسية والفرعية؟ ولكن بأسعار تناسب شريحةً واحدة وضيقة، والشريحة تلك هي ما يصطلح على تسميتها: “أمراء الحرب”؟
خلال الشهر الفائت فقط رفعت حكومة دمشق سعر البنزين ثلاث مرات، حتى وصل اللتر الواحد منه إلى 9500 ليرة (ثلثي دولار أمريكي)؛ أي صارت (عبوة 20 لترًا) من محطة الوقود 190 ألف ليرة سورية (13 دولارًا أمريكيًا)، ويسمح لصاحب السيارة أن يملأ سيارته بالوقود مرتين أو ثلاثًا فقط في الشهر لا أكثر. هذا الوقود بكميته القليلة تلك من المستحيل نظريًا أن يكون منتجًا محليًا، لأنّ الكمية المطلوبة لتغذية محطات الوقود تحتاج استيرادًا، وسوريا محاصرة كما هو معلوم، لذا فأغلب الظن أنه قادم من طهران، وهنا تكمن المشكلة؛ فلتر الوقود في طهران سعره (10 سنتات)، ولكنه يصل لدمشق بـ (ثلثي دولار)، وبحسبة أخرى بالليرة السورية فإنّ 10 لتر البنزين في إيران ثمنهم (15 ألف ليرة سورية)، ونفس البنزين يكون سعره في سوريا (95 ألف ليرة سورية).
ويشير أحد المتابعين لملف الوقود لـ “مواطن“، وهو المهندس جبران إسماعيل لضرورة الانتباه إلى أنّ ذلك السعر المنخفض في إيران هو لبنزين عالي الجودة من صنف أوكتان 95 وأوكتان 98، بينما في سوريا فالبنزين هو أوكتان 90، وهو أردأ أنواع الوقود، ومع ذلك أغلى. ويضيف: “نلاحظ دائمًا مشاكل دورية وشهرية في مضخات السيارات لدينا، لأننا نستخدم وقودًا سيئًا للغاية خلاف ما في طهران وغيرها، هذا من جهة، ومن جهة أخرى؛ فإيران قادرة أن توصل إلينا المادة بجودة عالية وسعر مخفض للغاية، ألسنا في محنة؟ ألسنا أشقاء تشاركنا الدم؟”. ويكمل إسماعيل: “إيران لديها مشروع أوسع بمراحل من أن ترى سوريًّا شبعان، هي تريد نزاعًا واسعًا في نهايته مكاسب كبرى يجعل شعبها يعيش مرتاحًا، أما نحن فستتركنا عقودًا طويلةً قادمةً نستجدي نفسَ الهواء ولا نجده، لا حليف في هذه الحرب، هي معركتنا فقط”.
My cousin suggested this website to me. I am uncertain as to whether this post was written by him, as no one else knows as much about my problem. Your website is truly remarkable.
Hey, cool post You can check if there’s a problem with your website with Internet Explorer. Because of this issue, many readers will overlook your excellent writing because IE is still the most popular browser.
My cousin told me about this website, but I’m not sure whether he created this post because no one else understands my issues as well as he does. Thank you; you are very fantastic.