لم تكد صورة الشرق الأوسط الجديد تتبلور مع اقتراب توقيع اتفاق التطبيع بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل، حتى أتت الحرب على غزة لتغيّر المشهد الإقليمي، الذي كانت إدارة بايدن ترسمه من خلال التعاون مع دول الخليج والهند وأوروبا حول مشروع الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا المعروف بـ “إيميك”، The India Middle east Europe economic corridor، والذي يهدف الى ربط الهند بأوروبا عبر الشرق الأوسط.
أُسدل الستار عن المشروع خلال قمة العشرين في سبتمبر الماضي، التي عُقدت في نيودلهي– الهند، والتي أفضت الى توقيع كلّ من السعودية والاتحاد الأوروبي والهند والإمارات وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والولايات المتحدة مذكرة تفاهم حول إنشاء ممر تجاري، لم تقدّم فيها الدول المشاركة التزامًا ماليًا أو أية تفاصيل إضافية حول كيفية التمويل؛ إلاّ أنّ المشروع حمل معه أبعادًا تجاوزت الاقتصاد لتصل إلى الجيوسياسة.
يشمل المشروع ممرين منفصلين؛ الشرقي يربط ميناء موندرا الهندي على الساحل الغربي بميناء الفجيرة، ثم يستخدم خط السكة الحديد عبر السعودية والأردن لنقل البضائع عبر حاويات موحدة إلى ميناء حيفا الإسرائيلي. والثاني، هو الممر الغربي الذي يربط ميناء حيفا بموانئ مختلفة؛ مثل مرسيليا في فرنسا وموانئ أخرى في إيطاليا واليونان.
الهدف المعلن للمشروع هو تحقيق الفوائد الاقتصادية؛ لا سيّما خفض التكلفة وزيادة سرعة شحن الحمولة، فضلًا عن عملية نقل سلسلة للنفط والغاز الطبيعي والهيدروجين السائل النظيف، بالإضافة إلى كابلات الألياف الضوئية لتعزيز الاتصال الرقمي، وكان هذا واضحًا في تصريحات ممثلي الدول المشاركة، وأبرزهم تصريح رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين التي قدّرت نسبة انخفاض تكلفة النقل إلى ما يقارب 40%.
أما الأهداف غير المعلنة فقد برزت في مقدمتها – وفق الكثير من التحليلات – رغبة الولايات المتحدة الأمريكية في توسيع نفوذها في المنطقة، وقطع الطريق أمام المشروع الصيني “مبادرة الحزام والطريق“، وبحسب ما أوضحه الدكتور صادق الركابي مدير المركز العالمي للدراسات التنموية في المملكة المتحدة خلال حديثه لـ”مواطن”: ” فإن الولايات المتحدة الأمريكية ترغب في أن ترى الممر الاقتصادي قائمًا بأسرع وقت، كونه يحقق لها تقدمًا استراتيجيًا؛ خصوصًا في الحرب الروسية الأوكرانية؛ حيث ستكون أوروبا قادرة على استيراد الهيدروجين النظيف من الخليج العربي، بهدف إضعاف قدرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على استخدام سلاح الطاقة للضغط عليها، كما أن واشنطن بحسب الركابي ستكون أقرب للأسواق الآسيوية من خلال شركاتها المتواجدة في المنطقة وأوروبا، وهذا سيسرع من سلاسل الإمداد ويقلل التكلفة، بالاضافة إلى أنه سيكون نواة لتحالفات تجارية وسياسية أكبر في السنوات اللاحقة”.
وعلى الرغم من أنّ فكرة الممر الاقتصادي (إيميك) ليست المحاولة الأولى التي تسعى لتغيير خريطة توازن القوى في الشرق الأوسط؛ فوفقًا للدكتور صادق الركابي كان يُنتظر أن ينعكس تنفيذ الممر الاقتصادي على خارطة العلاقات السياسية والاقتصادية بين دول الخليج العربي وإسرائيل، كونه يمر عبر موانئها؛ ما يستوجب وجود تعاون إداري وتجاري إلا أن الحرب على غزة والتشدد الكبير لحكومة نتنياهو عرقل ذلك، لإصرار الدول العربية وتحديدًا السعودية على وجوب إقامة دولة فلسطينية.
تحديات عديدة
تواجه المشروع عدة تحديات ترتبط بجغرافية الممر، وطريقة نقل البضائع وكلفة النقل، نظرًا لتغير الطرق بين بحر وبر، والتحميل والشحن أكثر من مرة، وغيرها من التفاصيل اللوجستية التي شغلت المحللين بعد إطلاق فكرة المشروع مباشرة، ولكن برز تحديان أساسيان في تحديد مصير المشروع.
أما الأهداف غير المعلنة للممر- وفق الكثير من التحليلات - رغبة الولايات المتحدة الأمريكية في توسيع نفوذها في المنطقة، وقطع الطريق أمام المشروع الصيني "مبادرة الحزام والطريق"
أولًا: تغلغلت الصين في صميم مشاريع واستثمارات الدول الأوروبية والأفريقية والخليجية، وخصوصًا في مجالات البنية التحتية والمرافئ، وهي الركائز الأساسية التي يعتمد عليها الممر(إيميك)، وبالتالي تظهر صعوبات مرتبطة بقدرة الدول المشاركة في الممر على الاستغناء ولو جزئيًا عن المشاريع الصينية، والتي تسعى الولايات المتحدة جاهدة للحدّ من نفوذها الاقتصادي والمتوسع نحو العسكري والسياسي؛ خصوصًا بعد الوساطة بين إيران والسعودية في العام الماضي. ثانيًا: تعدّدت التحليلات التي تربط هجوم طوفان الأقصى بتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، وتحديدًا من خلال مشروع الممر الاقتصادي باعتباره مبادرة تعاون اقتصادية، ستعمل على ازدهار إسرائيل في مقابل تهميش القضية الفلسطينية.
من هنا يطرح هذا البحث مجموعة من العوائق التي قد تُفضي إلى وأد المشروع في مهده أبرزها: تعليق التطبيع بين السعودية وإسرائيل.
تعليق التطبيع بين السعودية وإسرائيل
وفقًا للدكتور صادق الركابي؛ فإنّ الممر الاقتصادي الهندي الأوروبي يواجه حاليًا معضلة كبرى نتيجة “لأن المملكة العربية السعودية هي عنصر أساسي في مشروع الممر، ولكنها ليست مضطرة للقبول به لأنه حاجة أوروبية وإسرائيلية أكثر من كونه حاجة خليجية”؛ الأمر الذي يفترضه الخبير الاقتصادي نائل الجوابري معتبرًا “أن أحد أسباب تحرك حماس ضد الاحتلال الإسرائيلي في 7 من أكتوبر، هو إفشال تطبيع السعودية مع إسرائيل، وعرقلة مشروع الممر الهندي الأوروبي”.
في المقابل ينفي الباحث جان لوب سمعان المتخصص في مجال الشؤون الاستراتيجية لمعهد الشرق الأوسط في جامعة سنغافورة الوطنية هذه الفرضية، مذكّرًا بالحروب الأربع السابقة بين حماس وإسرائيل، ومستشهدًا بتصريحات مسؤولين في حماس حول أنّ التخطيط للهجوم بدأ قبل سنتين من المناقشات حول موضوع التطبيع بين السعودية وإسرائيل”، مضيفًا أن “السبب الرئيسي للهجوم هو التوتر الداخلي بين الحكومة اليمينية والفلسطينيين من جهة، والمنافسة بين حماس والسلطة الفلسطينية من جهة أخرى”.
وعلاوة على هذا يؤكد الباحث سمعان لـ”مواطن” أن السعودية لم ترفض مبدأ التطبيع، وظهر هذا عبر تصريحات المسؤولين السعوديين؛ إلًا أنّ الاستمرار في عملية التفاوض مرهون بالتقدم في تسوية الوضع في غزة، وبسبب مواقف نتنياهو المتطرفة ورفضه تأسيس دولة فلسطينية، وإعلانه إيقاف التطبيع مع السعودية؛ فلا يمكن الكلام عن مصير مشروع الممر بشكل واضح، ولكن على المدى المنظور فإن وجود نتنياهو على رأس الحكومة والتحديات التي تواجه إجراء انتخابات في إسرائيل، ستبقي الباب في الشرق الأوسط مفتوحًا أمام كل الاحتمالات العسكرية، وبالتالي التهديدات الأمنية ستقف عائقًا أمام أي مشاريع اقتصادية ترتبط بالبنية التحتية”.
التهديدات الأمنية
يقع ميناء حيفا على بعد ١٤٠ كيلومترًا من جنوب لبنان، وهو نقطة أساسية في الممر، ولكنه معرّض لأي هجوم عسكري من حزب الله، وبالتالي فإنه يفرض على أي شركة تسعى للاستثمار فيه خوض المخاطرة؛ خصوصًا في ظل ضبابية الرؤية لما قد تؤدي إليه الحرب على غزة من نتائج.
وكما لفت الباحث “سمعان” إلى أن “استمرار الصراع بين القوات الإسرائيلية وحماس في غزة وحزب الله في جنوب لبنان، يعتبر مسألة أمنية مهمة بالنسبة لتطوير بنى تحتية جديدة، ولاستعمال ميناء حيفا، على اعتبار أنّ استهداف البنى التحتية الإسرائيلية البحرية لم يكن وليد الحرب الحالية؛ فقد كان تهديدًا سابقًا، وسيبقى حاضرًا معرقلًا الاستثمارات المحتملة لــ”إيميك””.
يفسّر وائل عواد الخبير في العلاقات الدولية والشؤون الآسيوية، أنّ نجاح هكذا مشاريع اقتصادية مرهون باستتباب الأمن والاستقرار، لذلك عندما تريد أن تستثمر بأكثر من 300 مليار دولار لمثل هذه المشاريع عليك أن تحقق الأمن والاستقرار”.
ووفق الباحث جان لوب سمعان فإنه “من الصعب على المدى القريب تنفيذ هذا المشروع بدون تقدّم في مستوى الوضع الأمني في المنطقة، وهو ما لم يكن في حسبان “بايدن” وإدارته في البيت الأبيض، عندما ركزوا على الجدوى الاقتصادية والتنمية، متناسين التوترات القائمة بين الفلسطينيين والإسرائيلين، وحاليًا التصعيد بين حزب الله وحماس وإسرائيل”.
سيطرة الصين
لا يتوقف التهديد الأمني عائقًا أمام الممر الهندي، بعد أن أكّدت تقارير صينية ارتفاعًا في استثمارات الشركات الصينية داخل إسرائيل، وبحسب نشرة “تشاينا بريفننغ”؛ فإن إجمالي الاستثمار الأجنبي الصيني المباشر في إسرائيل بلغ نحو 14.28 مليار دولار في العام 2021، وهو مستوى قياسي، ولكن بعد العام 2022 قلّصت الصين استثماراتها في إسرائيل بسبب الضغوط الأميركية على تل أبيب.
إنّ رغبة الولايات المتحدة بالتصدي لمشروع الحزام والطريق عبر مشروع الممر الهندي، وضعها أمام تحديات يصعب التغلّب عليها؛ فقد برز نفوذ الصين بشكل واضح في دول الخليج؛ خصوصًا في مشاريع البنية التحتية؛ سواء كان ذلك في ميناء أبوظبي أو ميناء حمد في قطر، أو مدينة الحرير في الكويت؛ ناهيك عن العقود التجارية مع شركة هواوي.
فقد تجاوزت قيمة التجارة بين الصين والسعودية أكثر من 106 مليارات دولار أميركي في عام 2022، ما يمثّل نحو ضعف قيمة التجارة بين الولايات المتحدة والسعودية، واكتسبت الصين نسبة 20 % في محطة بوابة البحر الأحمر، وهو أكبر ميناء في السعودية. ومع ذلك فإن مشاركة السعودية في الممر الهندي يدل على أنهّا لا تريد تقييد يديها بتحالف حصري، بالإضافة إلى ان برود علاقتها مع الولايات المتحدة الأمريكية لا يعني موتها، وبالتالي قد يعيد الممر من ناحية الشراكة الاقتصادية بعض من الحرارة إلى العلاقة مع الولايات المتحدة التي تسعى جاهدة الى استعراض نفوذها في الشرق الاوسط.
وفي نفس السياق فقد تجاوزت قيمة التجارة غير النفطية بين الصين والإمارات العربية المتحدة 72 مليار دولار أميركي في عام 2022 فقط، وقد استثمرت الصين بالفعل في العديد من الخطط الإنمائية، ومنها مشروع “الاتحاد للقطارات“، الذي يربط مدينة الفجيرة في الشمال الشرقي بالمنطقة الواقعة عند الحدود مع السعودية. بالاضافة إلى ذلك فإنّ المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة أعضاء في مجموعة البريكس+، وكلا البلدين مشاركان في منظمة شنغهاي للتعاون.
أهمية عُمان الجيوسياسية
تحظى عُمان بأهمية جغرافية بسبب موقعها بالقرب من مضيق هرمز، الذي يعتبر أحد أهم الممرات الملاحية للنفط والغاز الطبيعي المسال، وطموحات الصين في السلطنة ليست وليدة اللحظة الراهنة؛ بل أدت الجهود الثنائية بين البلدين الى علاقات دفاعية وعسكرية؛ فبحسب وكالة بلومبيرغ؛ فإن مسؤولين عسكريين صينيين ناقشوا مع نظرائهم العمانيين خطط بناء قاعدة عسكرية بسلطنة عمان، ما يمثل تحديًا للولايات المتحدة، التي تشرف قيادتها المركزية على القوات المتمركزة في المنطقة، بما في ذلك الكويت والبحرين وقطر والسعودية والإمارات.
وبالتالي فإن وجود قاعدة صينية في عُمان يفتح المجال أمام بكين الى استكمال المنشأة العسكرية الخارجية الأخرى الموجودة في دولة جيبوتي، والتي تعتبر مركزًا لوجستيًا مهما للصين. وبحسب وكالة بلومبيرغ؛ فإن الصين تريد بناء مزيد من المرافق اللوجستية العسكرية الخارجية في المنطقة، بما في ذلك الإمارات ودول أخرى في آسيا؛ مثل تايلاند وإندونيسيا وباكستان، هذه التحليلات الصحفية يحصرها البحاث جان لوب سمعان تحت عناوين القيل والقال قائلًا: “حتى الآن لا يظهر أي تواجد عسكري صيني على أرض الواقع”.
لا يقتصر نفوذ الصين على دول الخليج؛ فميناء بيرايوس اليوناني وهو الأهم في الممر والأكبر في شرق أوروبا، والذي ستصل إليه الحمولة من ميناء حيفا؛ فإن شركة الشحن الصينية “كوسكو” هي صاحبة الحصة الأكبر في الميناء منذ عام 2016، بعد أن باعتها الحكومة اليونانية ثلثَي الحصص؛ الأمر الذي يخوّلها اتخاذ القرار بشأن مستقبل الميناء، هذا ما يؤكّده فيجاي براشاد هو مؤرخ هندي: “بدت محاولة عزل الصين وهمية، لأن الميناء اليوناني الرئيسي في الممر ــ في بيرايوس ــ تديره شركة الصين للشحن البحري”.
وعلى الرغم من سطوة الصين على هذه الدول الأساسية في الممر، نجحت الولايات المتحدة في الضغط على إيطاليا للانسحاب من مشروع طريق الحرير الصيني، وقد أعلنت رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني خلال قمة العشرين انسحاب إيطاليا رسميًا من المشروع، والتي سبق أن صرّحت للصحافيين بأن القرار الذي اتخذته الحكومة السابقة بالانضمام للمشروع كان “خطأ فادحا”.
موقف تركيا من الممر
تتمتع تركيا بموقع جغرافي يجعلها صلة الوصل بين أوروبا وآسيا، وتعتبر ممرًا تجاريًا اساسيًا لحركة النقل والبضائع، ولذلك فإن استبعاد تركيا عن خريطة الممر وإمكانية تقليل الحاجة لمرور البضائع عبر أراضيها دفع أردوغان إلى إعلان رفضه الشديد لــ “ايميك”، بعد نشر إدارة بايدن لمذكرة التفاهم، مصرّحًا بشكل رسمي ” لا يوجد ممر تركيا ليست فيه”.
وفي مقابلتنا مع الدكتور صادق الركابي فسّر اللغة القوية التي تحدث بها أردوغان عن (لا ممر بدون تركيا) بمعان كثيرة، توحي بأن أنقرة ترى في الممر الاقتصادي تهديدًا لمصالحها، أو أنها تريد أن تكون شريكًا فيه بشكل أو بآخر؛ خصوصًا أنها طالما رغبت أن تكون صلة وصل تجارية بين أوروبا وآسيا؛ ما يعزز من دورها السياسي، ويزيد من نفوذ شركاتها، وقد يكون هذا ممكنًا لو تم العمل على الوصل بين طريق التنمية والممر الاقتصادي من خلال العراق، ولكن هذا الأمر يحتاج إلى تنسيق عالي المستوى، ومشاركة في الاستثمارات من كل الأطراف.
من الصعب على المدى القريب تنفيذ هذا المشروع بدون تقدّم في مستوى الوضع الأمني في المنطقة، وهو ما لم يكن في حسبان "بايدن" وإدارته في البيت الأبيض، عندما ركزوا على الجدوى الاقتصادية والتنمية، متناسين التوترات القائمة بين الفلسطينيين والإسرائيلين، وحاليًا التصعيد بين حزب الله وحماس وإسرائيل.
ووفق الباحث جان لوب سمعان: “تركيا تجد نفسها مؤهلة أكثر من غيرها باعتبارها ممرًا يربط آسيا وأفريقيا وأوروبا، وبالتالي استعانت تركيا بالتهديدات الأمنية التي تواجه البنية التحتية في إسرائيل كحجة لها لإعادة النظر بعملية الربط التجاري التي يقدمها المشروع، متجاهلًا دور تركيا كممر للطاقة العالمية، وتحديدًا نفط وغاز روسيا وأذربيجان وكثير من دول آسيا الوسطى”.
ولا تقتصر مخاوف تركيا على الجانب الاقتصادي؛ فبحسب عاطف أوزبي، رئيس التحرير ومؤسس الصحيفة التركية الإلكترونية haberdeger.com، “إنه لا يمكن أن نتوقع من تركيا أن تتجاهل هذا المشروع (IMEC) أثناء مروره عبر المياه المتنازع عليها (إلى اليونان)، معتبرًا أن تركيا تعد واحدة من أكبر القوى العسكرية في المنطقة، ولا يمكن تطويق سواحلها في البحر الأبيض المتوسط، مؤكّدًا أن تركيا تستطيع الدفاع عن حقوقها البحرية”.
في المقابل قال عمير أنس، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة يلدريم بيازيد في أنقرة: “إنّ مشروع الممر لا يهدف إلى استبعاد أية دولة، بما في ذلك تركيا، العضو الوحيد في غرب آسيا في الناتو”. وقال إن تركيا تحاول أيضًا توسيع الاتصال العابر للحدود الوطنية عن طريق الطرق والسكك الحديدية والبحر. ولذلك، لا يوجد سبب يدفع أنقرة إلى تجاهل مشروع IMEC الطموح، “نظرًا لعلاقات الثقة مع معظم أعضاء الممر بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، يجب على تركيا أن تسعى للانضمام إليه في المستقبل. وقال أنس: “إن أردوغان يسعى بنشاط إلى إقامة شراكة مع البريكس ومنظمة شانغهاي للتعاون والآسيان وغيرها من المجموعات الآسيوية، وهو ما يعد علامة على اهتمام بلاده المتزايد بأن تصبح جزءً من الاقتصادات الآسيوية ونموها”
تأثيرات الممر على قناة السويس
تعتبر قناة السويس أكثر الطرق المائية رواجًا بين آسيا وأوروبا، ولذلك أعلن العديد من الخبراء المصريين أن أكثر من 80% من حركة التجارة العالمية تمر عبر طرق النقل البحري، لأنها أقل تكلفة؛ بحيث يكون مسار الرحلة بالكامل بحريًا، بينما تزداد التكلفة في عملية النقل المتعدد؛ حيث تكون عمليات الشحن والتفريغ على مرحلتين برية وبحرية، وهذا ما تفسّره خريطة الممر الهندي الأوروبي عبر الشرق الأوسط، وبالتالي فإن الممر لن يكون له تأثيرات مباشرة على القناة.
وفيما يغيب الموقف الرسمي من الممر شركة WWCS المملوكة لرجل الأعمال المصري هشام حلمي، أعلنت عن اتفاقية مشروع جسر بري يصل بين الإمارات وإسرائيل يمر عبر مصر، ليمتد من ميناء جبل علي في الإمارات، مرورًا بالأراضي السعودية، إلى مينائي حيفا وإيلات في إسرائيل، ثم إلى موانئ بورسعيد والعين السخنة، الأمر الذي يعتبر لبنة أولية في مشاركة مصر في هذا الممر.
الهند بين إيران وإسرائيل
أصبحت العلاقة بين الهند وإسرائيل قوية جدًا بعد الحكومة القومية الهندوسية وعلى رأسها “مودي”، الذي يعرف بموقفه المعادي للمسلمين، وبالتزامه بالموقف الأمريكي على الرغم من كل التغيرات التي أحدثها في ثوابت السياسة الخارجية الهندية، وبالتالي فإن علاقته مع إيران تتّسم بالفتور، على الرغم من استمرار الهند رسميا المشاركة في تطوير ميناء تشابهار رغم موقفها المنزعج من تصريحات المسؤولين الإيرانيين حول إمكانية ربط تشابهار بميناء جوادار القريب في باكستان. كذلك تلتزم الهند بالعقوبات الأمريكية التي تستهدف الدول المستوردة للنفط من طهران، وهذا ما سبب توتر العلاقة بين الحكومتين الهندية والإيرانية .
في مقابل النأي بالنفس عن السياسة الإيرانية؛ فإن دوائر السياسة الهندية تركّز على ثلاث دول خليجية كشركاء سياسيين رئيسيين لها: الإمارات العربية المتحدة وعمان والمملكة العربية السعودية. وقد تعاونت كل من أبوظبي ومسقط بالفعل مع نيودلهي بشأن مبادرات استراتيجية مهمة؛ مثل مكافحة الإرهاب والتعاون البحري. ومع توقيع الهند والمملكة العربية السعودية على اتفاقية في أكتوبر الماضي لتشكيل مجلس شراكة استراتيجية يرأسه رئيس الوزراء مودي والملك سلمان بن عبدالعزيز، سيكون تنظيم أول مناورة بحرية سعودية هندية في مارس المقبل مؤشرًا جديدًا في هذا المجال.
ختامًا، تظهر التوترات السياسية التي لا تتوقف في منطقة الشرق الأوسط، أن أي مشاريع اقتصادية استثمارية مرهونة بخفض التصعيد وإيجاد حلول عادلة للصراعات القائمة، وأولها حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي والحصول على حقوقه المغتصبة، ولا يمكن تجاهل هذه القضية من خلال الالتفاف حولها باتفاقيات تطبيع وحشد الجهود الدبلوماسية تحت عناوين اقتصادية.