تمر اليوم الذكرى الثالثة عشر لانطلاق الحراك الشعبي البحريني في 2011 الذي خرج فيه عشرات الآلاف من البحرينيين/ات للشارع من أجل حكومة منتخبة، ومحاربة الفساد واستقلالية القضاء، وإيقاف سياسة التمييز، وليس هذا الحراك بجديد على الساحة السياسية البحرينية، التي عادة ما تثور لمطالبات سياسية واقتصادية معينة، أو محاربة المستعمر طوال العقود الماضية.
لكن حراك 2011 أنتج حتى اليوم الآلاف من المعتقلين/ات والمحكومين/ات، وتراجع في الحريات والحقوق، ومنها حق التجمع السلمي الذي تحميه المادة ٢١ من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
ويعرفه المقرر الخاص المعني بحرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات على أنه “مكوّن أساسيّ للديمقراطية”، ويشمل “الحق في التجمع السلمي، والحق في عقد الاجتماعات والاعتصامات والإضرابات والتجمعات والفعاليات والاحتجاجات؛ سواء عبر الإنترنت أو في الحياة الواقعية”.
عبد النبي العكري لمواطن: "منع التظاهر أثر على الوضع الحقوقي بشكل سلبي، لأن التظاهرات هي إحدى وسائل التعبير عن المطالب، وهو أحد أوجه انتهاكات حقوق الإنسان، وحقوق المواطن السياسية والمدنية".
كما تؤكد الأمم المتحدة على أن هذا الحق يشمل الحق في حرية تكوين الجمعيات، وحق الأفراد في التفاعل والتنظيم فيما بينهم/ن للتعبير الجماعي عن المصالح المشتركة، وتعزيزها والسعي إلى تحقيقها والدفاع عنها. ويشمل أيضًا الحق في تشكيل نقابات عمالية.
ويعدّ تشكّل حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات أداة لممارسة العديد من الحقوق الأخرى التي يكفلها القانون الدولي، بما في ذلك الحق في حرية التعبير والمشاركة في إدارة الشؤون العامة.
ولكن هذا الحق -الذي يجب أن تحترمه الدول المنضمة للأمم المتحدة والموقعة على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية- ينتهك في الكثير من البلدان بدلًا من أن تحميه وترعاه.
ومنعت البحرين التظاهر في العاصمة المنامة منذ ٢٠١٣ بموجب مرسوم بقانون، ويستثني الاعتصامات أمام المنظمات الدولية، ويشترط لتنظيمها الحصول على إذن كتابي خاص من رئيس الأمن العام، كما حظر المرسوم “تنظيم المظاهرات أو المسيرات أو التجمعات التي تقام أو تسير بالقرب من المستشفيات أو المطارات، أو المجمعات التجارية أو الأماكن ذات الطابع الأمني، وخوّل وزير الداخلية بتحديد هذه الأماكن والإعلان عنها”.
كما أن أغلب طلبات الترخيص أو الأذن بإقامة التظاهرات التي تم تقديمها منذ العام ٢٠١٤ قد تم رفضها من قبل السلطات الأمنية، أو لم يتم البتّ فيها، وتم التعامل معها أمنيًا بالاعتقالات والغازات المسيلة للدموع وغيرها.
حق أساسي
تقول لمواطن ابتسام الصائغ رئيسة الرصد والتوثيق في منظمة سلام للديمقراطية وحقوق الإنسان: “حرية التجمع السلمي هو حق من حقوق الإنسان الأساسية، والذي يجب أن يتمتع به كل إنسان في الدول التي تدعي الديمقراطية دون أن يتعرض مستخدمو/ات هذا الحق لأي شكل من أشكال الاستهداف أو القمع”.
وتضيف: “غيبت البحرين أي تجمعات تطالب بحقوق المرأة والعمال وحقوق الطفل؛ فجميعها غير مسموح بها، لا يمكن اليوم الخروج في تظاهرة لتحسين الأوضاع في البلد تحت أي عنوان سياسي، اجتماعي، حقوقي أو إنساني”.
وتكمل: “يتظاهر أهالي المعتقلين/ات بالقرب من السجن في بعض الأحيان لمطالبات معينة وللاحتجاج على وضع معين، ولكن يتم اعتبار هذا التجمع تهديدًا أمنيًا ويتم تهديد الأشخاص المشاركين/ات بالاعتقال، وبالفعل يتم نقل بعض منهم لمركز الشرطة لفتح تحقيق حول وجودهم/ن في المكان”.
ويقول دافن كيني، باحث متخصص في شؤون البحرين والكويت والإمارات العربية المتحدة في منظمة العفو الدولية: “الحق في التجمع السلمي ضروري للمجتمعات، للتأثير على سلوك حكوماتها، إلى جانب الحق في حرية التعبير؛ فإن التظاهر السلمي هو الطريقة التي يسعى بها الناس سلميًا إلى تغيير ما تفعله حكوماتهم، وبدون ذلك تصبح القدرة على خلق ضغط سلمي من أجل التغيير الإيجابي محدودة للغاية، مما يجعل الحياة السياسية أكثر عرضة للصراع والتطرف”.
أما الحقوقي البحريني عبد النبي العكري فقال: “قانونيًا؛ التظاهر ليس ممنوعًا، ولكن يجب إشعار أقرب مركز للشرطة بتنظيم التظاهرة، ولكن السلطات تطالب اليوم بأخذ ترخيص للتظاهرات وليس الاكتفاء بالإشعار”.
ويستطرد: “ومنذ ٢٠١٣، منعت السلطات التظاهر في العاصمة المنامة، بالإضافة لمنع التظاهر أمام العديد من المرافق، كالوزارات والإدارات العامة؛ حيث أصبح من الصعب جدًا التظاهر؛ فبقي التظاهر ممنوعًا خلال السنوات الماضية بسبب التضييق، حتى تظاهرة الأول من مايو (عيد العمال)، والتي تعتبر احتفالية، تم منعها أيضًا”.
ابتسام الصائغ لمواطن: "علينا تذكير الحكومة بأن وجود الشرطة في التجمعات هو لحماية المتظاهرين وليس للاعتداء عليهم/ن وتهديدهم/ن، ولتيسير طريقهم/ن".
ويضيف لمواطن: “حق التجمع السلمي هو حق منصوص عليه في العهد العالمي لحقوق الإنسان، والمواثيق الدولية التي وقعت عليها مملكة البحرين، وهو حق أساسي لأنه طريقة تعبير الناس عن مطالبهم/ن وتفاعلهم/ن مع بعضهم البعض، والبث في قضاياهم، وإلغاؤه ومنعه يؤثر تأثيرًا كبيرًا على ممارسة المواطنين/ات لحقوقهم/ن وتنتهكها، وتنتهك القوانين الدولية والمحلية والدستور، وهو وضع مؤسف”.
ويوضح: “منع التظاهر أثر على الوضع الحقوقي بشكل سلبي، لأن التظاهرات هي إحدى وسائل التعبير عن المطالب، أو الاستنكار أو الاحتفال، وهو أحد أوجه انتهاكات حقوق الإنسان، وحقوق المواطن في البحرين السياسية والمدنية”.
استهداف المتظاهرين/ات
عشرات الأشخاص الذين قضوا أو يقضون عقوبات طويلة بالسجن بسبب مشاركتهم/ن في تظاهرات أو الاشتباه في مشاركتهم/ن، وهو أمر جعل من ضريبة التظاهر أن تكون غالية الثمن على الكثيرين.
ووصفت هيومان رايتس ووتش ذلك: “تستغل السلطات قوانين جائرة لتقييد حرية تكوين الجمعيات بالرفض التعسفي لطلبات التسجيل، والإشراف التدخلي على الجمعيات المستقلة.
كما تستولي الحكومة على الجمعيات التي ينتقد قادتها مسؤولي الحكومة وسياساتها، وتحلها بإرادتها المنفردة تقريبًا، وتفرض القيود المشددة على قدرة الجمعيات على جمع الأموال وتلقي التمويل الأجنبي، وذلك في تقريرها المكون من 87 صفحة، “التدخل والتقييد والهيمنة: القيود المفروضة على حرية تكوين الجمعيات في البحرين”.
وتشير الصائغ؛ لمواطن: “لا تسمح البحرين بالتجمع بأي شكل من الأشكال، وانقطعت أغلب التجمعات منذ حوالي تسع سنوات، وأغلب ما يحدث اليوم هو تجمعات شعبية تخرج تحت عناوين مطلبية، استكمالًا للمطالب التي انطلقت منذ ١٤ من فبراير/شباط ٢٠١١ وتؤكد عليها”.
وتؤكد: “أغلب المشاركين في هذه التجمعات يتعرضون لاستهداف والتحقيق والاعتقال والمحاكمة، والمنع من السفر والوضع على القوائم السوداء، ويتعرضون إلى التعذيب، ولا تنظر المحاكم إلى شهادات تعذيبهم/ن ويتم محاكمتهم/ن محاكمات طويلة، ويتم تحويل قضاياهم/ن من قضايا سياسية أو التعبير عن الرأي إلى قضايا جنائية أو إرهابية فقط لتقييد هذا الحق”.
وأضافت: “أن منع التظاهرات في العاصمة -وهي منطقة حيوية ومركزية للتظاهرات، جعل العديد من التظاهرات تخرج “بطريقة غير مرخصة في القرى ولا تأخذ إذنًا، ولكن المشاركين/ات في هذه المسيرات يقلون يومًا بعد يوم”.
“وتختلف الأعداد المشاركة حسب العنوان الذي يتم الخروج فيه، والجهة الداعية للتجمع، ولكنهم/ن يتعرضون للاستهداف والتحقيق، وتوقيع التعهدات بعدم المشاركة في التظاهرات، وهو نوع من التضييق على هذا الحق، حتى السجناء الذين يتم الإفراج عنهم تحت بند الأحكام البديلة والسجون المفتوحة، يمنعون من المشاركة في أي تجمعات سلمية”. حسب الصائغ.
وبيّنت أن تأثير هذا المنع كبير على المجتمع البحريني: “لاحظنا تقلصًا في عدد التظاهرات، وعدد الجماهير المشاركة في هذه التظاهرات خوفًا من الاعتقال والاستهداف، وما زلنا نرصد ونشهد اعتقالات واستهدافًا لأطفال في بعض الأحيان ويتعرضون للاعتقال والتعذيب وسوء المعاملة والاختفاء القسري والحرمان من التعليم والصحة؛ فقط لأنهم متهمون بالمشاركة في تجمعات تحت عناوين مختلفة، لاحظنا أن هناك من يعتقد أن المشاركة تحمل معها ضريبة كبيرة”.
مظاهرات غزة
سمحت السلطات في البحرين ببعض التظاهرات والتجمعات التي تناصر القضية الفلسطينية، وتستنكر الحرب على غزة، شارك فيها الآلاف من مختلف مكونات المجتمع البحريني، عن ذلك تقول الصائغ: “على الرغم من السماح لبعض التجمعات والتظاهرات بالخروج دعمًا لفلسطين واستنكارًا للحرب في غزة، إلا أنه يتم تقييدها وتعطيلها”.
وتضيف: “لدرجة أن العدد الذي يشارك فيه لا يمثل الأعداد الكبيرة التي تود المشاركة وتؤيد الطرح، بسبب الموافقة المتأخرة؛ حيث لا يتمكن المنظمون/ات من التحشيد والإعلان المسبق بوقت كافٍ، وهو نوع من المضايقات التي تتعرض له التجمعات، كما أن بعض الجهات تقدمت للحصول على ترخيص بالتجمع ولا يتم الموافقة عليه”.
ويعلق لمواطن، دافن كيني: “لم تقم البحرين حتى الآن بإلغاء القانون الذي يحظر بشكل قاطع جميع التجمعات السلمية غير المعتمدة في العاصمة (مرسوم قانون رقم ٢٢ لسنة ٢٠١٣)، لذا؛ فإذا كانت تسمح بحدوث احتجاجات في المنامة اليوم، فهذا قرار سياسي وليس قرارًا قانونيًا. ويدل هذا على أن الحكومة لا تزال تنظر إلى الحقوق باعتبارها مسألة يتم تحديدها وفقًا لمصالحها السياسية، وليس كمبدأ قانوني أساسي”.
ويرى العكري، أن السماح لبعض التجمعات والتظاهرات من أجل غزة: “جاء لضرورة الحدث، ولأن الناس في مختلف أنحاء العالم تتظاهر من أجل غزة، فلم يبق هناك مجال للمنع”.
استمرار المطالبات
“يجب أن يكون لنا كمدافعين/ات عن حقوق الإنسان الحضور مجددًا بشكل أكبر في التظاهرات والتجمعات، والعمل من أجل الضغط على إلغاء كل القيود التي تمنع هذا الحق، لأن من المهم أن يعبر الناس عن آرائهم، لأنه لا يمكن أن تكبت السلطة حق الناس في التعبير، ولكن المطلوب من السلطات أن تسمعهم/ن؛ خصوصًا وأنها وقعت على الاتفاقيات الدولية وأباحت هذا الحق وفقًا للقانون، ثم تراجعت ووضعت قوانين جديدة لتقييد هذا الحق”. قالت الصائغ.
وتكمل حديثها: “علينا تذكير الحكومة بأن وجود الشرطة في التجمعات هو لحماية المتظاهرين وليس للاعتداء عليهم/ن وتهديدهم/ن، ولتيسير طريقهم/ن”.
ختامًا، تخرج تظاهرات هنا وهناك رافعة شعارات سياسية أو اقتصادية أو حقوقية، ولكن أعدادها لا تتجاوز العشرات في أحسن الحالات، كون أغلبها غير مرخص، ويتم التعامل معه أمنيًا بشكل مباشر أو في وقت لاحق، عبر الاستدعاءات والتضييقات وعبر التحقيقات، وهو ما يجعل واحدًا من أهم الحقوق الأساسية للإنسان تحت التهديد والقمع، وهو ما تمارسه السلطات في البحرين منذ سنوات.
ويبقى السماح لمظاهرات مناصرة للقضية الفلسطينية بالخروج؛ بادرة أمل على أن تسمح لمزيد من التظاهرات وتخفيف التضييق على هذا الحق الأساسي.
Wonderful web site Lots of useful info here Im sending it to a few friends ans additionally sharing in delicious And obviously thanks to your effort