يُعدّ الاستفزاز واحدًا من محفزات الكتابة ولاقضايا المرأة استفزاز أكثر من منصة إعلامية تابعة لجهة أوروبية لم تذكر مقتل خمسة عشر ألف امرأة وطفل في غزة، وبعد أربعة أشهر من الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، تحاول أن تعطي لنفسها لمسة حقوقية بفيديو لراقصة مصرية، يُقال إنها تعرضت للمساءلة بسبب حركاتها “الإباحية” وتعريها الزائد عن الحد المسموح.
يُعدّ الاستفزاز واحدًا من محفزات الكتابة، ولا استفزاز أكثر من منصة إعلامية تابعة لجهة أوروبية لم تذكر مقتل خمسة عشر ألف امرأة وطفل في غزة، وبعد أربعة أشهر من الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، تحاول أن تعطي لنفسها لمسة حقوقية بفيديو لراقصة مصرية، يُقال إنها تعرضت للمساءلة بسبب حركاتها “الإباحية” وتعريها الزائد عن الحد المسموح.
تريدنا المنصة وغيرها من المنصات الأوروبية أن ننسى التخاذل والنفاق والكذب الذي مارسته لمدة أربعة أشهر؛ كانت تقف فيها موقف المتفرج على المذابح التي يتعرض لها الفلسطينيون، وأن نبدأ معها من أول السطر من جديد، باعتبارها منابر لحقوق الإنسان، ونتناسى الواقع الذي عايشناه وأدركنا من خلاله أن الحقوق التي تدافع عنها تعتمد على نوعية الإنسان وعرقه ونوعية المعتدي أو عرقه أو دينه.
يجب أن تدرك هذه المنصات أن ذاكرتنا هذه المرة راسخة، وأننا لن نسمح لها بإعطائنا دروسًا عن حق امرأة في التعري، بينما تُقَطَّع أجساد خمس عشرة ألف امرأة إلى أشلاء في غزة، حتى وإن أردنا الدفاع عن المرأة الراقصة؛ فليكن في منصات إعلامية محترمة أثبتت لنا أن اهتمامها بالحقوق اهتمام جامع، منصات أثبتت لنا مصداقيتها ومهنيتها، خسرت بموجبه دعمًا كبيرًا، لاختيارها الوقوف إلى جانب الحق ودفاعها عن المظلوم.
الأمر يتعلق باختيار المنصات التي نتحدث فيها ونظهر كنسويات عربيات عليها، وعدم تقديم هدايا مجانية لمنصات إعلامية أثبتت نفاقها وكذبها، ثم أن تعاطينا مع الأحداث فيجب أن يكون منطقيًا ومراعيًا للأولويات تبعًا لتأثير تلك الأحداث على حياة النساء
John Doe Tweet
الغريب أن تترك تلك المنصات المفلسة كل انتهاكات حقوق الإنسان، وتبحث عن راقصة لم تراع القانون المصري الذي ينظم هذا العمل المشروع؛ بل وتضع حدودًا لثيابه وحركاته بين المسموح والممنوع من أردية، وما تكشفه أو تحجبه بقوانين ولوائح تنظيمية، وتأتي تلك المنصات بهذا الأمر وكأنه حدث جلل وتعدٍ على حقوق النساء في ارتداء ما شئن كما لو كانت تلك المنصة تهتم أصلاً بالمرأة العربية أو تعيرها أي اهتمام.
من الردود التي لاحظتها على من ينتقد تعاطي المنصة مع الراقصة ولم تذكر شيئًا في نفس الوقت عن معاناة الفلسطينيات: لماذا لا نتحدث عن الأمرين معًا؟ وأقول ردًا على تلك الملاحظة: ليست الفكرة في الحديث عن كل حقوق النساء والدفاع عن كل ما يمسهنّ، لكن الأمر يتعلق باختيار المنصات التي نتحدث فيها ونظهر كنسويات عربيات عليها، وعدم تقديم هدايا مجانية لمنصات إعلامية أثبتت نفاقها وكذبها، ثم أن تعاطينا مع الأحداث فيجب أن يكون منطقيًا ومراعيًا للأولويات تبعًا لتأثير تلك الأحداث على حياة النساء، لا يمكن مثلًا أن أقارن بين تأثير القتل والقنص بأي نوع آخر من الانتهاك في هذا الوقت بالذات، ومن المهم أن نناقش الأمور حسب الأهمية، وفي المنصات الإعلامية التي تُعنَى بحقوق المرأة كلها وليس بأجزاء منها، حسب جنسية من ينتهك تلك الحقوق.
نحن اليوم في مواجهة مع بعض الجهات التي ادعت لسنوات طويلة الاهتمام بالمرأة العربية والسعي لتحريرها ورفع الظلم عنها، بينما اعتبرت قتل خمسة عشر ألف امرأة وطفل أضرارًا جانبية لا تستعدي ذكرها في منصاتها الإخبارية من الأساس، وعلينا إن كنا نؤمن بحقوق النساء فعلاً أن نرفض تدخل تلك الجهات في شؤوننا، تمامًا كردة فعل على كرامتنا المهدرة كنساء عربيات لم يتم التعامل معهنّ كبشر لهنّ حقوق متساوية مع أي إنسان في العالم.
في الوقت نفسه يجب ألا ننكر أن التعاطي الأوروبي مع الحدث لم يكن موحدًا؛ بل إن لدول مهمة مثل إسبانيا والنرويج والدنمارك دورًا مهمًا في تسليط الضوء على معاناة الإنسان الفلسطيني في غزة، مواقف يُثني عليها، ويجب أن تقابل بثقة من الجهات الحقوقية التي تعنى بالمرأة.
لقد أظهرت لنا التغطية الإعلامية الغربية في الشهور الماضية، أن التعاطف مع المرأة العربية مشروط بكون الظالم عربيًا أو مسلمًا، مقتل امرأة على يد أخيها أو أبيها كان يُعدّ حدثًا كبيرًا عند تلك الجهات، تُفرغ له مساحات واسعة من التغطية، أما إجبار الرجل لزوجته على الحجاب فيحظى بتفاعلات وتنديدات وأيام تضامن طويلة، وهذا أمر جيد، لكن ليس إذا ما قورن بردات الفعل على ما هو أعظم وأخطر، مثل قنص النساء وهن يرفعن الراية البيضاء لم يمر حتى كخبر عابر، وسقوط العمارات على رؤوس الفتيات وتقطيع أجسادهنّ لأشلاء لم يلق اهتمامًا يذكر، وصعود الجرافات على بطون الحوامل لا يحتاج لتحقيقات صحفية، ولم يأت ذكره إلا في القنوات العربية أو بشهادات الشهود عبر السوشيال ميديا.
من لم يجد لديه ما يكفي من الشجاعة للوقوف مع المرأة مهما كان المعتدِي؛ فعليه أن يتنحى جانبًا إكرامًا لماء وجهه، أو ليتحدث في أمر آخر؛ فالمرأة ليست قضية من لا قضية له
John Doe Tweet
هل يعني هذا ألا نهتم بالمرأة التي تظلم من قبل الأخ أو الأب أو الزوج؟ بالتأكيد لا، هذا واجبنا وسنظل نحامي عن الفتيات اللواتي يتعرضن للعنف المنزلي، ونظل نحارب من أجل وضع قوانين منصفة تحسن من أحوال المرأة العربية، لكن دون أن نسمح لمن لا يرى المرأة العربية إنسانًا متساويًا في الحقوق مع المرأة الغربية، بأن يعطينا محاضرات عن حقوق المرأة؛ بل علينا أيضًا أن نوضح دور الاستعمار الغربي وابنه (الاحتلال الإسرائيلي) فيما وصلت له حال المرأة العربية اليوم، وربط رفع المعاناة عنها برفع المعاناة عن الشعوب المظلومة والمقهورة. إن الحديث عن حقوق المرأة كأمر منفصل حديث في القشور دون الوصول إلى عمق المشكلة، وهذا ما يجب أن تفهمه المرأة العربية وهي تدافع عن حقوقها في المساواة مستقبلاً.
قضية المرأة ليست منفصلة عن قضية الإنسان، المرأة هي إنسان أولاً، والذي يريد الدفاع عنها يجب أن يدافع عن حقها في الحياة وإن لم يجد لديه ما يكفي من الشجاعة للوقوف مع المرأة مهما كان المعتدي؛ فعليه أن يتنحى جانبًا إكرامًا لماء وجهه، أو ليتحدث في أمر آخر؛ فالمرأة ليست قضية من لا قضية له، وليست بابًا لتطهير الأيادي الملطخة بالدماء.
- الآراء الواردة في هذا المقال تُعبّر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة مواقف وآراء “مواطن”.