نشرت “مواطن” حوارًا مع جمعية التجديد الثقافية الاجتماعية في البحرين، حول الأطروحة الفكرية للجمعية باعتبارها تمثّل جهودًا في التجديد الديني، النابع من البيئة الشيعية، وتتلاقى بشكل كبير مع أطروحات التجديد في البيئة السنية. تطرق الحوار إلى الاتهامات التي يسوقها التيار التقليدي حول أفكار وحقيقة ونوايا الجمعية؛ حيث يرى أنّ الجماعة قامت على فكرة مخالفة للعقيدة، وهي أنّها امتداد للجماعة السرية التي سموها بـ”جماعة الأمر“، والتي يقولون إنّ مؤسسها (عبد الوهاب البصري) يمارس دور السفارة عن الإمام المهدي، في مخالفة واضحة للعقيدة الشيعية، بحسب قولهم.
نفت جمعية التجديد تلك الاتهامات، وحملت في الرد على التيار التقليدي، لكن عدة شهادات وصلت إلى “مواطن” ممن قالوا إنّهم كانوا أعضاء في “جماعة الأمر”، التي تمثلها جمعية التجديد اليوم، واعترفوا فيها بحقيقة ادعاء عبد الوهاب البصري لفكرة الاتصال ومقابلة الإمام المهدي وجهًا لوجه، ويقولون أنّ جمعية التجديد واجهة لجماعة الأمر. بجانب ذلك اتهموا أعضاء في الجمعية بممارسة العنف والإيذاء ضد من يريد الخروج عن الجماعة.
فما صحة ادعاءات كل طرف؟ وما علاقة جمعية التجديد بجماعة الأمر؟ ومن تكون جماعة الأمر؟
جمعية التجديد
تأسست جمعية التجديد الثقافية الاجتماعية وفق قرار رقم (62) لسنة 2001، الصادر عن وزارة العمل والشؤون الاجتماعية البحرينية، لتحقيق عدة أهداف؛ منها “دراسة وبحث كثير من مفهومات التراث في الفكر والفلسفة والمعارف والعقائد، والمشاركة في بلورة فهم يميّز بين ما هو أصيل وما هو تاريخي من تراث الأمة، بغرض إعطائها المفهوم الصحيح لها”. ولدى الجمعية “نظام أساسي” يتسق مع قانون الجمعيات والأندية الاجتماعية والثقافية والقرارات الوزارية ذات الصلة.
لكن لماذا النقاش المستمر حول الجمعية وحقيقة أهدافها؟ تحول هذا النقاش أحيانًا إلى أعمال عدوانية واتهامات متبادلة أمام القضاء، وعلى ما يبدو وفرت وسائل التواصل الاجتماعي، -خصوصًا منصة “إكس” الشهيرة في البحرين والخليج العربي- مساحة واسعة لا تهدأ لهذا النقاش، تعبر عن نفسها من خلال وسوم مثل (بدعة السفارة، وجمعية التجديد) وغير ذلك.
نعتمد في قصتنا المعمّقة على شهادات من عدد من الأعضاء السابقين في جمعية التجديد الثقافية الاجتماعية، وشهادات أعضاء يعرفون أنفسهم بأنّهم خارجون من “جماعة الأمر”؛ حيث يقولون إنّ جمعية التجديد واجهة لها، باعتبارها الطور الأحدث من الكيان الذي يُعرف في المجتمع البحريني بمسميات؛ مثل (بدعة السفارة، وجماعة الأمر)، والذي دخل في صدامات واسعة مع رجال الدين التقليديين، كانت لها آثار اجتماعية متعددة.
يُنسب إلى جماعة الأمر العديد من الاتهامات، وأساسها أنّها قامت كتنظيم سري في السجن في نهاية ثمانينيات ومطلع تسعينيات القرن الماضي، واستمرت مع خروج السجناء وحتى تأسيس جمعية التجديد وإلى اليوم. خلال مسيرة تلك الجماعة شهدت خروج العديد من الأعضاء والعضوات، وإعلان بعضهم ذلك وكتابة تجربتهم داخل الجماعة، وما قابلوه من رد فعل من الجماعة جراء ذلك.
أما جمعية التجديد فعبرت عن موقفها الرسمي في حوار سابق مع “مواطن”. سُئلت الجمعية بما يلي:
“وُجهت انتقادات عديدة إلى مؤسسي جمعية التجديد من خصومها من الشيعة، وعلى رأس تلك الاتهامات، انطلاق الجمعية من رؤية تهدف إلى التحضير لظهور الإمام المهدي”.
فجاء الرد بالقول: “ إن الغالبية الساحقة من الانتقادات تأتي من بعض مشايخ الدين، التي تسيس وتؤزم وتضر بالبلاد والعباد لتحصين مصالحها الخاصة، وتهدف لتنفير الناس من فكر جمعية التجديد بأكاذيب وافتراءات وقصص مختلقة، غرضها التشويه والتضليل والوقيعة، وحرف الأنظار عن البحوث والأفكار التي تقدمها جمعية التجديد، ولتغطية ضعف أدائها السياسي الفاقع، كزعامات متشددة أدخلت الناس في الوطن في عسر ومواجهات وآلام هم في غنى عنها، بدل تحفيز وعيهم ودفعهم للاستقلالية والانصهار في وطنهم“.
بالاستناد إلى شهادات أعضاء وعضوات سابقين في جماعة الأمر، يقولون إن جمعية التجديد واجهة لها؛ فما موقف الجمعية من هذه الشهادات؟ طلبت “مواطن” من الجمعية في رسالة عبر البريد الإلكتروني الرد على ما جاء في الشهادات؛ فردوا برسالة يرفضون فيها المشاركة ويرفضون تناول ذلك، ومن ضمن ما قالوا: “نحن نجلّكم ولا نتمنى لكم الانجرار لإثارات عقيمة لا علاقة لجمعية التجديد بها؛ بل هي صنيعة المتخلّفين المهووسين بعصبيات المذاهب وخرافاتها“.
من تكون جماعة الأمر؟
تعتمد المعلومات التالية على الشهادات التي حصلت “مواطن” عليها من العضو السابق في الجمعية، الطبيب علي رجب، ابن شقيق الحقوقي الشهير “نبيل رجب”، وابن شقيق الرئيس السابق لجمعية التجديد، رضا رجب. وكذلك من العضو المؤسس السابق في الجمعية، ياسر الجفيري، والعضوة السابقة، باسمة القصاب، إلى جانب “شهادة” من أحد المواطنين الذي كانت زوجته السابقة عضوة في جمعية التجديد وجماعة الأمر، وحاولت إدخاله في الجماعة.
وهناك مصادر إضافية من رجال الدين في المؤسسة العلمائية الشيعية من الذين تصدوا لـ”جماعة الأمر” منذ نشأتها في السجن، ثم جمعية التجديد منذ التدشين، وشهدت أروقة المحاكم جزءً من ذلك، لكن الاعتماد سيكون على شهادات الأعضاء السابقين.
يقول علي رجب: “وُلدت في رحم جماعة الأمر، وتتسم معرفتي بها بالتفصيل والعمق. ولهذا تأسست جمعية التجديد لأغراض استراتيجية وتمويهية للتجمع في رؤيتي، وأرى أن أدق وصف لها هو ما قاله المفكر العربي الكبير، عبد الجبار الرفاعي، الذي وصف مسمى التجديد الذي ترفعه الجماعة، بأنه “لافتة زائفة لجماعة نشأت في السجن؛ حيث يدّعي إنسان أحلامًا كما يرويها ويزعم أنه سفير للمهدي””.
إنّ ما يهم "حول عبد الوهاب البصري ليس المسمى الذي يُطلق عليه، لكن الدور الوظيفي الذي يقوم به؛ فسواء كان المسمى "سفيرًا" أو "باب المولى" أو "نيابة خاصة"؛ فلا يهم، لأنّ مهمة سفراء الإمام المهدي كانت اللقاء المباشر مع الإمام، وهو ما يدعيه البصري
John Doe Tweet
يلفت رجب إلى أنّ، الأدبيات والبرامج المعروفة عن جمعية التجديد تختلف تمامًا عن “لغتنا الداخلية في جماعة الأمر”. وتابع بأنّ الشخصية المركزية في الجماعة، والتي كان يُعرف داخلياً بـ”باب المولى”، بات يُسمى اليوم باسمه عبد الوهاب البصري أو الحجي، مضيفًا أن هدف جمعية التجديد هو التغطية على “سر الأمر”. وتابع في شهادته، بأنّ البصري رسخ في عقولهم أنّ التعليمات التي تصدر منه هي أوامر من الإمام المهدي، باعتبار أنّه على اتصال به وهي الفكرة الأساسية التي تشكلت الجماعة حولها. يقول رجب إن هناك نصّ جاء من البصري، يقول فيه إنّ ما يُنشر عبر الموقع أو يطبع من كتب ليس إلا “لحفظ الصفوة واتقاء شر الزمرة”.
أما العضو السابق ياسر الجفيري، الذي انشق عن الجمعية عام (2014) وأعلن عن ذلك في بيان عام (2022)؛ فهو من مؤسسي جمعية التجديد الثقافية الاجتماعية، وجاء اسمه رقم (27) في الأعضاء المؤسسين باسم (ياسر إبراهيم منصور إبراهيم). يقول إنّ ما يهم “حول عبد الوهاب البصري ليس المسمى الذي يُطلق عليه، لكن الدور الوظيفي الذي يقوم به؛ فسواء كان المسمى “سفيرًا” أو “باب المولى” أو “نيابة خاصة”؛ فلا يهم، لأنّ مهمة سفراء الإمام المهدي كانت اللقاء المباشر مع الإمام، وهو ما يدعيه البصري، وإن كان استلام الحقوق (فريضة الخمس) وإصدار الأحكام الشرعية فهو حاصل. يتابع “ما هي المهمة التي يقوم بها السفير ولا يقوم بها البصري حتى تنفي الجماعة ادعاءه السفارة”.
وحول اتّهام جمعية التجديد بأنّها واجهة لـ”جماعة الأمر”، قال الجفيري الذي كان من مؤسسي الجمعية، إنّ “هذا صحيح، جمعية التجديد هي الغطاء الرسمي للتنظيم السري المسمى داخليًا بحسب أدبيات الجماعة بالأمر الشريف، وهذه الجمعية هي امتداد لذلك التنظيم المليء بالخرافات والخزعبلات، وما تراه اليوم من أطروحات لهذه الجمعية أغلبها ملتقط من هنا وهناك تحاول فيه الجمعية التمظهر بالانفتاح الفكري والتجديد في الدين، وما هو إلا محاولة لوضع مساحيق المكياج على وجه التنظيم القبيح الذي عُرف بالأباطيل”.
وتابع الجفيري، بأنّ كافة إجراءات تأسيس هذه الجمعية من “جمع لبيانات الأعضاء المؤسسين وشرح لرؤية ومهمة الجمعية قبل التأسيس، دار في الجلسات المغلقة لهذا التنظيم وبإشراف وحضور قائد التنظيم وعقله المدبر، ولم يكن للأعضاء أي دور في صياغة رؤية وأهداف الجمعية إنما كان الجميع متلقيًا ليس إلا”. وأضاف “عندما أقول الجميع فأنا هنا لا استثني أحدًا من الأعضاء مهما بدا لك حجمه. الجميع منقاد من قبل العقل المدبر وقائد التنظيم السري، كما أنّ الجمعية نفسها صرحت في أكثر من بيان وكذلك في مرافعتها أمام المحكمة، في إطار اسطوانتها المشروخة أنها تعرضت للمضايقات منذ ثلاثة عقود بينما عمر الجمعية لم يتجاوز الواحد والعشرين سنة عندما صدرت هذه البيانات والمرافعة، وهذا دليل واضح وصريح يجب أن يقطع الشك باليقين عند جميع من يعتقد خلاف ذلك، وأن هذه الجمعية هي بالفعل امتداد لذلك التنظيم السري”.
ماذا تعني السفارة؟
ينتمي مفهوم “السفارة” و”السفير” في هذا السياق إلى عقائد المذهب الشيعي “الاثنا عشري“، الذي يؤمن بالأئمة الاثني عشر من أهل البيت، المنحدرين من نسل الحسين بن علي بن أبي طالب، وآخرهم الإمام محمد بن الحسن بن علي، المولود في 255 هـ. والمعروف بألقاب مثل (المهدي المنتظر، الحجة الثاني عشر، القائم، بقية الله الأعظم، صاحب الزمان). تذكر المصادر الشيعية أنّه عرف غيبتين أو احتجابًا عن الظهور والتواصل في حياته؛ الأولى منذ مولده أو بعد وفاة والده الإمام الحسن العسكري، واستمرت لمدة 70 عامًا تقريبًا، وكان له فيها أربعة سفراء يعملون كصلة بينه وبين عموم الشيعة. عُرف هؤلاء بالسفراء أو النواب، وكانت تلك فترة “النيابة الخاصة”، ثم بعد وفاة السفير الرابع بدأت الغيبة الكبرى في 328 هـ، والتي ستنتهي بظهور الإمام المهدي، وفق المعتقد الشيعي “الاثنا عشري“. ومع ابتداء الغيبة الكبرى “تقلّد الفقهاء من رواة أحاديث أهل البيت المرجعية والنيابة العامّة عن الإمام، وفي هذه الغيبة ذكرت المصادر للإمام عدّة مراسلات عُرفت بتوقيعات الناحية المقدسة مع عيون العلماء والمتقين من أعلام الشيعة، من ذلك ما جرى بينه وبين العالم الكبير الشيخ المفيد (338-413 هـ)، كما تواترت الأخبار بالتقائه واجتماعه مع كوكبة من المؤمنين الصالحين”.
أما عن مهام السفراء فكتب الشيخ صالح الكرباسي: “إنهم يشكِّلون حلقة الاتصال بين الإمام المهدي (عجَّل الله فرَجَه) وبين شيعته في مختلف الأقطار؛ فكانوا يحملون إليه رسائل شيعته ومحبيه وأسئلتهم، ثم يأتون إليهم بالجواب، ومن مهامهم أيضًا أنهم كانوا يستلمون الحقوق الشرعية ويحملونها إلى الإمام (عجَّل الله فرَجَه)، أو يتصرفون بها حسب ما تقتضيه المصلحة”. وحكم من يدعي السفارة بحسب الشيخ محمد السند هو “كل من يدعي النيابة الخاصة والسفارة بعد السفراء الأربعة رضي الله عنهم فهو كافر”.
وقد نفت جمعية التجديد في الحوار مع “مواطن” وجود اعتقاد بالسفارة أو النيابة الخاصة، كما فضلت الجمعية عدم التطرق إلى شخص “عبد الوهاب البصري” حين سُئلت عنه، ولا يوجد في موقع الجمعية على “الإنترنت” ما يشير إلى البصري من قريب أو بعيد، بحسب بحث الذي أجرته “مواطن”. لكن على النقيض حضر اسم “البصري” في الحوار الذي أجرته العضوة المؤسسة في جمعية التجديد رابحة الزيرة، مع “علي الديري” في مدونته الإلكترونية، عام 2001، وقالت عنه: “عبد الوهاب البصري أحد رجالنا الشرفاء، والذي لاكته الألسن لتحط من شأنه؛ فما استطاعت لما عرفنا عنه من خلق كريم وتواضع جمّ، ونكران للذات، وطاعة لله”. وتابعت: “لا ليس لديه أية خصوصية إلهية، بالمعنى الذي أفهمه، أي لا يملك طاقات غير طبيعية، ولا قدرات خارقة، ولا حتى كفاءات مميّزة، وليس بمعصوم؛ فهو كغيره من رجالنا؛ إنسان عادي بسيط، صادق شريف، أمين مؤتمن، خدوم مخلص”.
أما عن الاتهامات الموجهة له بأنّه ادعى السفارة فقالت “الزيرة”: “من ناحية أخرى أنا أعلم يقينًا أن رؤية الإمام (ع) لا تتطلّب تلك الخصوصيات التي ذكرتها؛ فقد تشرّف بلقاء الإمام (ع) مئات الأشخاص ممن لا يملكون تلك الخصوصيات ولا غيرها، ثم إن الإمام (ع) – حسب اعتقادي – حرّ، يختار من يلتقي بهم، وكيف ومتى، وهو صاحب القرار الأول والأخير؛ فلا يُملى عليه من قبل شيعته أو محبيه أو غيرهم”.
وأضافت أن “الإمام (ع) إذا اختصّ عبد الوهاب دون غيره برؤيته فهذا شأن من شؤونه الخاصة، وليس لي أن أبت في هذا الموضوع أو أُدلي فيه برأيي. فيداه مبسوطتان يفعل ما يشاء، ولا يُسأل عما يفعل”. وفي حوار لرئيس الجمعية السابق، رضا رجب، مع جريدة الأيام في 2008، قال عن عبد الوهاب البصري “أخ فاضل وكريم بخلاف التشويه المُفتّرى عليه بغرض التشويه الذي طالنا جميعًا، لحطنا في المجتمع ورمينا بالنقائص للصدّ عنّا والتهويل علينا”.
أُجريت هذه الحوارات في العقد الأول من القرن الحالي، بالتزامن مع ما شهدته البحرين من انفتاح بين السلطة والمعارضة، بعد فترة من الصراع والاعتقالات التي طالت الناشطين الشيعة في حزب الجبهة وحزب الدعوة، كما تزامنت مع شيوع استخدام الإنترنت بين سكان دول المنطقة، الأمر الذي سمح بقدر كبير من النقاش في تلك المرحلة بين جميع أطياف المجتمع. فضلًا عن ذلك شهدت تلك الفترة تأسيس جمعية التجديد، وانفتاحها على المجتمع، أو بمعنى آخر انتقال جماعة الأمر إلى مرحلة أخرى من العمل، وفق الشهادات السابقة الذكر.
من هو عبد الوهاب البصري؟
لم يُذكر اسم عبد الوهاب البصري ضمن المؤسسين لجمعية التجديد، لكن جاء في قائمة الأسماء “إيمان عبد الوهاب ملا أحمد البصري”، ومن المرجح أنّها ابنة مؤسس جماعة الأمر عبد الوهاب البصري، كما يقول خصومه عنه. يقول علي رجب عن البصري في شهادته لـ”مواطن” إنّه: “باب المولى عبد الوهاب البصري، الملقب بـ”الحجي” لغرض التمويه الأمني، والذي يشكل خط الاتصال الحيوي بيننا وبين الإمام المهدي، ينقل أوامر المهدي بانتظام؛ حيث يسيطر على جميع جوانب حياة أفراد الجماعة”.
ويقول عنه ياسر الجفيري، إنّ البصري ادعى لقاء الإمام المهدي، وبعد خروجه من السجن أدعى أنّه يلتقي الإمام وجهًا لوجه، ويلتقي بأصحابه الذين أسماهم “الأبدال”. وأشار إلى أنّهم داخل الجماعة يسمون التعاليم التي تصلهم من البصري بـ”الأمر الشريف” الذي جاء من الإمام المهدي إلى عبد الوهاب البصري.
وفي كتابها “كالتي هربت بعينيها“، تناولت باسمة القصاب قصة جماعة الأمر منذ التأسيس داخل السجن، واتفقت في المضمون مع شهادات العديد من الخارجين من الجماعة. ذكرت أنّ قصة تنظيم “الأمر” أو ما عُرف من قبل خصومه بـ”السفارة” تعود إلى العام 1986، حين كانت أجواء السجن في البحرين تشهد جدالات بين الفرقاء الإسلاميين، من تنظيمي حزب الدعوة ومرجعيتهم السيد محمد باقر الصدر ومراجع النجف الآخرين، والجبهة الإسلامية لتحرير البحرين ومرجعيتهم الثوري السيد محمد الشيرازي. كان البصري في ذلك الوقت سجينًا لكونه عضوًا في الجبهة الإسلامية، ثم بدأت الرؤى تأتيه، وتوالت بعد ذلك الأحلام، وأقنع البصري زملاء له بأنّه يرى الإمام المهدي في النوم، وبدأ في نقل التعاليم والأوامر، وحوله تشكلت النواة الأولى لجماعة الأمر، والتي شهدت انشقاقات عديدة منذ نشأتها حتى اليوم الحاضر.
أما عن دوره في التنظيم؛ فيقول الطبيب علي رجب، الذي خرج من الجماعة قبل أربع سنوات إنّه “يحدد لغة الخطاب مع الأفراد غير المشمولين بالاصطفاء المهدوي. ويدير الاحتياطات الأمنية اللازمة للتنظيم، وسياسات استدراج العواطف، وبناء شبكة العلاقات العامة والخاصة. أما على مستوى الأفراد فهو يتحكم في اختيار الزيجات، والموافقة على شراء المنازل أو السيارة، والموافقة على السفر السياحي، ونوع ومكان الدراسة، واختيار الوظيفة، وبناء الصداقات خارج التنظيم، واختيار الهويات وكل الجزئيات حتى تسمية الأبناء عند الولادة. علمًا أنه لا يقوم بذلك بمفرده بل من خلال شبكة من المسؤولين يعينهم بنفسه داخل التنظيم السري للجماعة“.
في داخل الجماعة، يتخذ التنظيم شكلًا هرميًا؛ في قمته يقف الإمام (صاحب الأمر)، يليه وكلاء الأمر، وهم خمسة أشخاص بينهم باب المولى، يتولى هؤلاء إدارة أمر الجماعة وتنظيم شؤونها، ويقع تحت كل واحد منهم مجموعة تشكل ما يشبه صفًا ثانيًا، وتحت كل واحد من الصف الثاني مجموعة أخرى، وهكذا تنازليًا حتى قاعدة الهرم
John Doe Tweet
بدورها، كتبت باسمة القصاب التي قضت 16 عامًا منذ تجنيدها في جماعة الأمر، وخرجت عام 2004: “لا يُدعى إلى هذا الأمر إلاّ الأخص، من يتوفر على مستوى من المؤهلات الشخصية والفكرية، وقوة تمكنه من حمل ثقل السرّ الذي تنوء به الجبال، لا يُرشح اسم إلا بعد ترشيحه بمصفاة الأمر مرات ومرات، تعميق المعرفة به والثقة والاختبار، قبل أنّ يأتي الإذن من (فوق) بدعوته”.
وتابعت في كتابها: “في داخل الجماعة، يتخذ التنظيم شكلًا هرميًا؛ في قمته يقف الإمام (صاحب الأمر)، يليه وكلاء الأمر، وهم خمسة أشخاص بينهم باب المولى، يتولى هؤلاء إدارة أمر الجماعة وتنظيم شؤونها، ويقع تحت كل واحد منهم مجموعة تشكل ما يشبه صفًا ثانيًا، وتحت كل واحد من الصف الثاني مجموعة أخرى، وهكذا تنازليًا حتى قاعدة الهرم التي تتسع كلما هبطنا”.
أما عن فكر التنظيم؛ فكتبت “القصاب” ووافقتها الشهادات: “النصوص والدروس والتوصيات والملاحظات والأوامر، كلها تمرّ من قمة الهرم إلى قاعدته بشكل متسلسل، النصوص المقدسة تصل إلى باب المولى عن طريق الرؤيا أو طرق أخرى لا نعلمها، ومنه إلى باقي الوكلاء الذين يتولون شرح هذه النصوص، ثم يقوم كل واحد منهم بإيصال ما هو مطلوب لمن هم أدنى منه في السلم الهرمي”.
الجدير بالذكر أنّ جميع الذين خرجوا عن جماعة الأمر، اتفقوا على أنّ عبد الوهاب البصري يستخدم ادعاءه الصلة بالإمام المهدي لكسب الأتباع، كأن يختص أحدًا من الأعضاء بنص من الإمام، يحدثه فيه عن شؤونه والتي قد تكون غير معروفة. علّل الجميع معرفة عبد الوهاب البصري أو من يكتب تلك النصوص بشؤونهم الخاصة، بشيوع فكرة التجسس بين الأعضاء على بعضهم بعضًا، ونقل المعلومات إلى القيادات التي ترفعها بدورها، وهو مصطلح تحدث الجميع عنه باسم “الرفع”.
لكن أين هو عبد الوهاب البصري اليوم؟ لا يظهر الرجل في واجهة جمعية التجديد، بخلاف أعضاء جماعة الأمر –وفق الشهادات– الذين يكتبون وينشرون في موقع الجمعية، ويشاركون في أنشطتها العلنية المتنوعة، ومنهم جلال القصاب الذي يعتبره ياسر الجفيري في شهادته، العقل المدبر لجماعة الأمر.
ما حقيقة الاتهامات؟
تجدر الإشارة إلى أنّ ما جاء في كتاب باسمة القصاب ومن قبل نرجس طريف، يتوقف عند فترة بعيدة نسبيًا في تاريخ الجماعة التي تمثلها جمعية التجديد اليوم. ولهذا فما قالته “القصاب” قد لا يكون موجودًا في الوقت الحالي، كما أنّ شهادة الدكتور علي رجب تعتبر الأحدث؛ خصوصًا أنّ أحداث إعلانه الخروج عن الجماعة لا تزال مفتوحة للنقاش بين البحرينيين على منصة “إكس”، ومنظورة أمام القضاء، وتأتي شهادة الجفيري بعدها من حيث الأحدث في الانفصال عن الجماعة.
يقول ياسر الجفيري الذي قضى 30 عامًا من حياته في جماعة الأمر: “في التسعينيات كانت هناك محاولات لاستقطاب المزيد من الأتباع يتم اختيارهم بعناية شديدة، أما ما بعد مرحلة فتح الجمعية وصولًا إلى يومنا هذا؛ فلا يمكن إدخال أي فرد بالغ للأمر المسمى شريفًا، والفئة التي يتم إدخالها في جماعة الأمر فقط هي التي تولد داخل الأمر”.
يتابع: “قد تتساءل عن السبب، وأقول لك إن رجلًا راشدًا أو فتاة لا يمكنهما تقبل ما تم استيعابه بشكل تدريجي على مدى ثلاثة عقود، هناك قواعد هدمت، وتم تشييد أخرى مكانها، ومسلمات نُسفت وأخرى تم قبولها مع الوقت. لا يمكن لأي فرد تقبل ما تقبله أفراد هذا الأمر، وطُبخ على نار هادئة خلال ثلاثين سنة عبر مسرحيات وادعاء تسديد الغيب ورفع ونصوص وعقوبات وترغيب وترهيب، وما إلى ذلك، لا يمكن أن يهضمه أي فرد من الخارج الآن بهذه السهولة”. أما عن الهدف فيقول: “هناك تسويق لفكر الجمعية وعمل دؤوب على استقطاب جماهير لفكرها دون طائل”.
لكن هل تتوقف القضية عند الخلافات الفكرية؟ يقول الدكتور علي رجب في شهادته: “تركت الجماعة بعد إخباري لهم بأنني غير مقتنع بفكرة باب المولى، فتعرضت للضرب ولصنوف أخرى من الإيذاء”. وتابع أنّ “ردة فعلهم على خروجي كانت محاولة لتشويه سمعتي والادعاء الكاذب أن الخلاف عائلي وليس مرتبطًا بالعقيدة السرية لجماعة الأمر، وممارستي لحقي في اختيار الخروج. أما تفسيري لردة فعلهم فهي متوقعة؛ لكونهم لا يملكون حجة أو تبرير لخروجي من التنظيم واختياري الكشف عن حقيقته“.
تذكر الشهادات ، أن الحياة الاجتماعية لأعضاء الجمعية (الجماعة) وفرت البيئة المناسبة لتقبل ممارسة الإيذاء على من يريدون الخروج من التنظيم.
John Doe Tweet
كما يذكر “رجب” أنّه شاهد بأم عينيه “احتجاز وتعذيب أعضاء قرروا الخروج، كما شاهدت أخي يتعرض للضرب والتعذيب بسبب إنكاره لفكرة الجماعة والجمعية”. قبل تناول ادعاء “التعذيب البدني”، تجدر الإشارة إلى أنّ العديدين من أعضاء جمعية التجديد أو جماعة الأمر، ينحدرون من عائلات محدودة، وبينهم علاقات نسب، لأنّ المجتمع نبذ كل من ارتبط بفكرة الجماعة والجمعية، وحدث تقليل في المصاهرة في النسب، وفق ما جاء في شهادات العديدين.
تذكر الشهادات السابقة، أن الحياة الاجتماعية لأعضاء الجمعية (الجماعة) وفرت البيئة المناسبة لتقبل ممارسة الإيذاء على من يريدون الخروج من التنظيم. حصلت “مواطن” على شهادة من مواطن بحريني لم يكن له صلة بالتنظيم (جماعة الأمر/جماعة التجديد)، وقال فيها إنّ الجماعة كانت السبب في صدور حكم من المحكمة بتطليق زوجته منه. مضيفًا أنّ زوجته قبل الزواج كانت عضوة في جماعة الأمر، وحصلت على موافقة قيادة الجماعة على الزواج، على أنّ تُدخلني فيها، لكنه لم يقتنع بفكر الجماعة بعد مناقشة العديد منهم، ولهذا أجبروا زوجته على التطليق منه، وذلك وفق شهادته.
علاوةً على ما سبق؛ شهدت ساحات المحاكم في البحرين العديد من القضايا المرفوعة ضد عبد الوهاب البصري وجمعية التجديد. قامت النيابة العامة بتقديم مرافعتها في قضية ضد عضوين في جمعية التجديد والجمعية حول قضايا عقدية خلافية. وشملت عريضة الدعوى اتهامات لجمعية التجديد بأنّها “جمعية ضالة ومضلة”، كما أرفقت النيابة العامة أقوال العديد من الأعضاء السابقين في جمعية التجديد، والذين اتهموا شخصيات في الجمعية بممارسة “نشاط إجرامي”، وذلك في مارس من العام الماضي.
وقبل أربعة عشر عامًا شهدت ساحات المحاكم قضية التشهير التي رفعتها العضوة السابقة في جماعة الأمر، نرجس طريف، ضد جمعية التجديد، والتي حكمت فيها محكمة التمييز ببطلان دعوى التشهير. كما أنّ منصة “إكس” المعروفة بـ”تويتر” سابقًا، تشهد سجالًا مستمرًا ونقاشات وحربًا إعلامية بين أعضاء في جمعية التجديد، وبين رجال الدين والجمهور العام من المواطنين الشيعة في البحرين.
إلى جانب ذلك؛ فهناك الردود الشرعية من رجال الدين الشيعة في البحرين والعراق حول جمعية التجديد أو جماعة الأمر كما يقول خصومها، وحول المؤلفات التي نشرتها جمعية التجديد. تثير مسألة التجديد لدى الجمعية سؤالًا، هو كيف تشكلت رؤية التجديد والإصلاح عند أعضاء الجمعية؟ أعلنت جمعية التجديد عن منهج التجديد بعد إنشاء الجمعية ببضعة أعوام، وخرجت في اسم “سلسلة عندما نطق السراة“، المطبوعة والمنشورة إلكترونيًا، ثم تتابع الإنتاج الذي يتوافق فيه جميع أعضاء الجمعية، وكأنّهم حلقات في رؤية مشتركة، يقومون بأدوارهم بانضباط ودأب شديد.
يقول العديد من رجال الدين الشيعة والأعضاء السابقين في جميعة التجديد، إنّ الجمعية هي مرحلة جديدة في مسيرة جماعة الأمر، ويرون أنّ مشروع التجديد الذي أعلنته الجمعية غير أصيل، وهو تجميع ونقل بصياغة جديدة للعديد من المؤلفات السابقة غير المعروفة جماهيريًا، وعلى رأسها مؤلفات العراقي “عالم سبيط النيلي”. ونشر الكاتب فرقان الوائلي كتابًا بعنوان “انتحالات الأدعياء – جمعية التجديد الثقافية أنموذجًا”، تحدث فيه حول ما سماها “انتحالات” جمعية التجديد الفكرية.
ومن جانب جمعية التجديد؛ فلم يثبت عليها شيء يتعلق بممارسة الإيذاء ضد من يخرج عن الجمعية، وما صدرت فيه أحكام قضائية بالسجن، كانت بحق عضوين (رضا رجب رئيس جمعية التجديد الثقافية وجلال القصاب رئيس الأبحاث بالجمعية)، بسبب ما جاء في مؤلفاتهم من نصوص وأقول مثّلت “تعديًا على العقيدة الإسلامية”. ووفق القضية المرفوعة من (النيابة العامة ووزارة الشؤون الاجتماعية والمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، بالإضافة إلى المحامي علي يحيى)، وهو ما أيدته المحكمة وعاقبت المتهمين بالسجن، وأُفرج عنهما بمرسوم ملكي في ديسمبر الماضي.
خلال العقود الثلاثة الماضية تعرض المواطنون الذين حُسبوا على جماعة الأمر لاستهداف كبير من المؤسسة الدينية وعموم المواطنين الشيعة، وصلت إلى حد المنع من المشاركة في الطقوس الدينية والاجتماعية، ورفض المصاهرة معهم، وأحيانًا التسبب في إيذاء بدني وغير ذلك. لكن التيار الديني انشغل عن جماعة الأمر بعد العام 2011 حين دخل في صراع مع السلطة، ومع هدوء الوضع عاد التيار الديني لمواجهة جمعية التجديد، لكن هذه المرة وضع رجال الدين “ضوابط” للتصدي للمحسوبين على جماعة الأمر أو جمعية التجديد، بحسب قولهم.
وأدى ما سبق إلى اصطفاف المجتمع الحقوقي في البحرين إلى جانب جمعية التجديد، ودفاعهم عنها طول الخط، وهو ما يصفه مراقبون بأنّه نجاح من الجمعية في اختراق المجتمع المدني، بسبب علاقات القرابة وغير ذلك. يقدم السجال الذي دار حول دفاع الناشط الحقوقي نبيل رجب عن جمعية التجديد – إيمانا منه بحقهم في التعبير والاعتقاد والبحث العلمي حسب تصريحه في حوار سابق له مع “مواطن”- مثالًا على ذلك التداخل؛ حيث طالبه ابن شقيقه الطبيب علي رجب بتشكيل لجنة للتحقيق في دعواه ضد شخصيات في جمعية التجديد وجماعة الأمر، التي قال فيها أنّه تعرض للإيذاء كما تعرض شقيقه للعنف البدني، علمًا أنّ نبيل رجب هو شقيق والد الطبيب علي رجب، وشقيق رضا رجب الرئيس السابق لجمعية التجديد.
Somebody essentially help to make significantly articles Id state This is the first time I frequented your web page and up to now I surprised with the research you made to make this actual post incredible Fantastic job