أرجوك وفّر لي هذا الدواء!.. المرضى النفسيون في المغرب عالقون بين نقص أدويتهم في الصيدليات وغلاء أسعارها وقوانين تحظر استيرادها
يكشف هذا التحقيق عن نقص شديد في الأدوية الأساسية لعلاج المرضى النفسيّين، داخل الصيدليات المغربية. وإضافة إلى غلاء أسعارها بالنسبة للشريحة الأكبر من المغاربة، فإن استيرادها عن طريق الإنترنت مخالف للقانون، الذي يحظر بالمطلق بيع الأدوية خارج الصيدليات، ويفرض -في المقابل- توفير مخزون ستة أشهر من الأدوية.
لم يكن أيمن (اسم مستعار)، ذو التسعة والعشرين ربيعاً، يدري أن حياته ستنقلب رأساً على عقب؛ فهو التلميذ الذي كان يُحصّل نقاطاً مُشرّفة في مرحلة دراسته الابتدائية والإعدادية، وكان يحلم بمستقبل مشرق، لكنّه تحول فجأة إلى شخص عُدواني، يحادث نفسه طَوال الوقت، ينفعل مع نفسه على نفسه، يكره محيطه الصغير، بمن فيهم والدته -التي حاول قتلها، وفي مرة أخرى كان على وشك الانتحار- فضلاً عن حالة “الهلوسة” المتزايدة التي تنتابه بين الفينة والأخرى.
تروي رُقية (اسم مستعار)، أخت أيمن، بعضاً من معاناته: “كلما حاولنا تهذيب سلوكه باللجوء إلى مُختلف مَن يسمون أنفسهم شيوخاً ورُقاة، بحجّة أنه مصاب بمسّ شيطاني، كانت حالته النفسية تتفاقم؛ حتى إنه كان يترك المنزل ونضطر إلى البحث عنه، وتمكنا بصعوبة من إدخاله إلى مستشفى الرازي للعلاج النفسي، الذي كانت طاقته الاستيعابية قد وصلت لأقصاها”.
توالي الأرقام الصادمة
طيب حمضي، رئيس نقابة الطب العام في المغرب، يصف المعلومات المتعلقة بالتعامل مع الأمراض النفسية في المغرب بـ “الصادمة”، قائلاً: “لدينا تقريباً 350 طبيباً نفسياً فقط، يعني أن لدينا طبيباً واحداً لكل مئة ألف مواطن، ولدينا 6.64 سرير لكل مئة ألف نسمة، بمعنى أن لدينا سريراً واحداً لكل 15 ألف نسمة، وهو رقم ضعيف”. ويبدو أن حمضي أكثر تفاؤلاً من تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في المملكة المغربية حول الصحة العقلية الصادر في 2022، الذي يقول بوجود 6.2 سرير لكل مئة ألف نسمة. يشار إلى أن عدد سكان المغرب يتجاوز الـ 37 مليوناً وثمانمئة ألف نسمة.
ويكشف طيب حمضي، رئيس نقابة الطب العام في المغرب، عن أن 48.9 في المئة من المغاربة -ممن هم أكبر من 15 سنة- إما يعانون حالياً مرضاً نفسياً، أو سبقت لهم المعاناة من مرض نفسي؛ أي أن ما يُناهز 9.6 مليون مغربي مصابون بالأمراض النفسية، وهي النسبة الأعلى من المعدل العالمي. ويضيف “حمضي” بالقول: “ربع السكان في المغرب يعانون الاكتئاب، وتسعة في المئة يعانون القلق، وخمسة في المئة يعانون أمراضاً ذهانية، وواحد في المئة يعانون انفصام الشخصية، ما يعني أن العديد من المغاربة يعانون في صمت، ولا يستطيعون حتى العلاج”.
وهي ذات النسبة، التي يؤكدها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (مؤسسة رسميّة مغربيّة)، الذي أشار أيضاً إلى وجود نقص كبير في عدد الموارد البشرية (454 طبيباً نفسياً) والأسِرّة داخل مستشفيات ومراكز الصحة النفسية؛ ما يؤكد ضعف استثمار الدولة المغربية في منظومة الرعاية النفسية.
يبلغ عدد الأسِرّة في مستشفيات الطب النفسي نحو ألفين و431 سريراً فقط في عموم المملكة المغربية.
وبحسب إحصائية لمنظمة الصحة العالمية عام 2019، فإن شخصاً واحداً من بين كل ثمانية أشخاص حول العالم (970 مليون شخص حول العالم)، عانى اضطراباً نفسياً، وكان القلق والاكتئاب الشكلين الأكثر شيوعاً بين تلك الاضطرابات. وشهد عام 2020، ارتفاعاً كبيراً في عدد مَن يعانون اضطرابات القلق والاكتئاب بسبب جائحة كوفيد-19؛ فأظهرت التقديرات الأولية زيادة في اضطرابات القلق بنسبة 26 في المئة، واضطرابات الاكتئاب الرئيسية بنسبة 28 في المئة، خلال عام واحد فقط. ورغم وجود خيارات فعالة في مجالي الوقاية والعلاج، فإن معظم المصابين بالاضطرابات النفسية، لم يستطيعوا الحصول على رعاية صحية فعّالة.
الدواء: أسعار مرتفعة وشح بالأسواق
عدّت “دراسة الصحة العقلية وأسباب الانتحار بالمغرب”، الصادرة من المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في المغرب عام 2022، الأمراض النفسية ضمن الأمراض المزمنة؛ لذا فإن المرضى النفسيين يقعون بين فكي كماشة: نقص الدواء في السوق، وارتفاع سعره في ظل انتشار رقعة الفقر بينهم.
وأشارت دراسة أجراها “الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي (الكنوبس)”، خلال عام 2020، إلى وجود فوارق شاسعة في الأسعار بين السوق المغربي ونظيره الفرنسي فيما يخص 33 نوع دواء، بعضها كثير الاستعمال؛ ما يجبر المرضى على الرضوخ للفرق في السعر الذي قد يفوق 250 في المئة، كما هو الحال، مثلا، بالنسبة لدواء “ترافاتان” (TRAVATAN) المستعمل في علاج داء المياه الزرقاء، الذي يصيب العين.
رحلة البحث عن الدواء
مع نقص الأطباء النفسانيين، والمستشفيات والمراكز المتخصصة، والأسرّة أيضاً؛ فإن الحالات الأكثر من المرضى النفسيين قد لا تحتاج إلى الدخول للمستشفيات، فيما لو تناولت أدويتها بانتظام؛ وهنا تكمن المشكلة الرئيسية وهي: شحّ الدواء في الصيدليات المغربية.
رافقت معدّة التحقيق رقية في زيارتها لعشر صيدليات في مدينة الرباط، وواحدة في مدينة سلا، وثلاث بين مدينتي المحمدية وبوزنيقة، وهي مُجمل الصيدليات التي تحصل منها أخت أيمن على الدواء بين الفينة والأخرى. يعرف الصيادلة هناك حالة الشاب جيداً، ويتصلون برقية كلما توفّر الدواء للمجيء إليهم وشراء ما يلزم، بحسب الحاجة والقدرة.
على مدار شهري آذار/مارس ونيسان/أبريل من 2023، بحثاً عن الدواء المفقود، كانت هناك جُملة واحدة تتردد على مسامعنا من طرف الصيادلة وهي “الدواء غير مُتوفر حاليا، لكن وفّري المال حتى تستطيعين الحصول على أكبر كمية من العبوات، حين تتوفر”.
هذه الجملة كانت تشعل النار في قلب رقية، التي تقول: “أتذكر اتصال إحدى الصيدليات بي، فذهبت مُسرعة لأشتري الدواء، إذ بسيدة ميسورة أراها حصلت على 40 عبوة منه، على الرغم من أن الوصفة الطبية تُوصي لها بعدد محدد من العبوات”. وصاحب الصيدلية قال لي بلسان صارم: “كان يتوجب عليك توفير مال أكثر، كي أضمن لك الحصول على عبوات أكثر”.
تردف رقية: “لا أخفيكِ أنني أبكي كلما سمعت هذه الجملة، ومثيلاتها، لأنهم يُشعرونني بأني أتهاون، وأنا فعلا أعمل كل ما في وسعي للحصول على علب الدواء”.
قصص المعاناة
لم يكن من الصعب الحديث مع عدّة حالات مرضية، يتعذر عليها الحصول على أدوية عدد من الأمراض النفسية، غير أن الصعوبة كانت تكمن في حديث هذه الحالات بوجه مكشوف أو صوت مسموع، فوصل بهم الخوف حد اعتقادهم أن كشف الستار عن مشكلة انقطاع الدواء قد يأتي بنتائج عكسية عليهم، ويُصبح الوضع أكثر سوءاً. خاصة أمام قدرة الصيدليات على التحكم في عدد عبوات الدواء المشتراة، بعيداً عمّا توصي به الوصفة الطبية. وهو ما يعد سلوكاً “غير قانوني” لكنه يبقى مفيداً من وجهة نظر المرضى، لأنه يحميهم من العودة إلى نقطة الصفر.
تقول أمينة، وهي سيدة خمسينية: “لديّ حالتان مرضيتان في المنزل، حيث إن ابنتي تعاني انفصام الشخصية الحاد، فيما يعاني أخوها الأكبر الحالة نفسها بدرجة أقل حدّة؛ وبعد مسار طويل من العلاج النفسي داخل المستشفى، استطاع الأطباء تقليل جرعات الدواء لهما، فبدلا من حاجتي السابقة إلى ثلاث عبوات من “leponex” شهرياً، أصبحنا بحاجة إلى عبوتين فقط”.
تواصل أمينة حديثها لمعدّة التحقيق: “كل شهر ورزقه، مرّات تساعدني جمعية تتكفل بالأيتام في توفير الدواء، وأحيانا أقترض من أجل الحصول عليه، ومرّات عديدة يتوفر لي من قلب مستشفى الأمراض النفسية، نظراً لتعاطفهم مع حالة أبنائي”. وتطالب أمينة الجهات المعنية بضرورة تخصيص عدد من عبوات هذا الدواء المهم، الذي لا يتوفر دوماً في الصيدليات، للحالات الفقيرة.
مصير مجهول من دون الدواء
مع مرور الوقت، تعقّدت حالة أيمن فوصل إلى أقصى مراحل انفصام الشخصية وأقساها؛ إذ يخفي وراء صمته المطبق، استعداداً للقتل أو الانتحار أو التشرد. وفي هذه المرحلة، كان يتوجب عليه البقاء داخل مصحة بالقرب من مستشفى “الرازي” بمدينة سلا، لمُدة ناهزت خمسة وسبعين يوما.
حالات نفسية كثيرة اختفت على غفلة من أهلها، واستوطنت الشوارع، فكان مصيرها أسوأ من أيمن؛ إذ أُدرجت ضمن قائمة غير المعثور عليهم. عبر منصات التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، وغيرها من المنصات، تجد إعلانات يبحث أصحابها عن أشخاص مفقودين، مستعملين جُملة “المختفي يُعاني مُشكلة نفسية”.
يُصنف طيب حمضي، رئيس نقابة الطب العام في المغرب، الأدوية النفسية وفقاً للحالة المرضية: “نحن كأطباء نصنّف عدداً من الأدوية التي لها أهمية علاجية قصوى، وهي التي إن لم يحصل عليها المريض ستكون حياته في خطر، أو يؤدي غيابها إلى تعقيد مرضه أكثر، أو لا يوجد لها أيّ بدائل أخرى، وهذه النوعية من الأدوية إن غابت من الصيدليات حتما ستكون مشكلة كبيرة”، في إشارة إلى أدوية محددة خاصة بمرض انفصام الشخصية، والحالات العصبية المتطرفة، التي يصعب السيطرة عليها من دون الدواء.
يضيف حمضي: “المرضى النفسيّون في بداية علاجهم يتناولون أدوية كثيرة جداً، ومع توالي السنين -حين يصلون إلى حالة من التوازن- يُنقص الأطباء جرعات الأدوية، لكن إن نقص لديهم أي دواء أساسي في العلاج، فهنا -مع الأسف- يحصل لهم اختلال، ومضاعفات صحية”.
تصف رقية الحالة التي وصل إليها أيمن بـ”المُزرية”، قائلة: “حاجتي للدواء تتضاعف كلما طال أمد انقطاعه من الصيدليات، ما يجعلني أثق -لا إرادياً- في كل مصدر قادر على توفير عبوات الدواء”.
وأكد حسن عاطش، رئيس الغرفة النقابية لصيادلة فاس، في أحد التصريحات التلفزيونية، أن قطاع الأدوية يعاني الأمرّين بسبب بيع الأدوية خارج الصيدليات؛ ما يعد أمراً خطيراً لأنه يمس الدواء الذي يُعدّ الحلقة الأهم في العلاج.
القانون يقول… مَن ينفذ؟
القانون “17.04” بمثابة مدونة الأدوية والصيدلة، نصّ في المادة السابعة على أنه “يجب أن يكون كل دواء مصنع أو مستورد أو مصدر ولو في شكل عيّنات، موضوع إذن مسلم من طرف الإدارة، قبل تسويقه أو القيام بتوزيعه سواء بالمجان أو بمقابل، بالجملة أو بالتقسيط”؛ بمعنى أن عملية عرض الأدوية في السوق الوطنية وبيعها مؤطرة قانونياً، ولا تتمّ من دون رقابة.
كما حدّدت المادة “19” من القانون نفسه، الجهات المسؤولة عن صناعة الأدوية واستيرادها، وبيعها بالجملة وقامت بحصرها في “المؤسسات الصيدلية الصناعية”، التي عرّفتها الفقرة الثانية من المادة 74 من هذا القانون بأنها: “كل مؤسسة تتوفر على موقع للصنع وتقوم بعمليات صُنع الأدوية واستيرادها وتصديرها وبيعها بالجملة، وعند الاقتضاء توزيعها بالجملة”، وكذلك الصيدليات الموزعة بالجملة، وهي “كل مؤسسة تزاول الأنشطة المرتبطة بشراء الأدوية وحيازتها وتوزيعها بالجملة على الصيدليات ومخزونات الأدوية بالمصحات”.
وفي إطار تنظيم تسويق الأدوية وبيعها، نصّ هذا القانون بشكل صريح، في المادة “55” منه على أن “أماكن مزاولة مهنة الصيدلة هي الصيدليات ومخزونات الأدوية بالمصحات والمؤسسات الصيدلية”.
وبالرغم من أن القانون نفسه، لم يغفل عن تحديد الأحكام والعقوبات في الحالات التي يتمّ فيها بيع الأدوية بشكل غير قانوني خارج أماكنها الطبيعية المُحدّدة قانوناً، وهو ما جاءت به المواد “134” و”135″ و”136″ من القسم الرابع؛ إلا أن منع بيع الأدوية في الفضاء الرقمي (الإنترنت)، لم يرد بشكل واضح وصريح في متن النص القانوني المُؤطر لكل من الأدوية والصيدلة في المغرب.
وكان خالد آيت الطالب، وزير الصحة والحماية الاجتماعية، قد حذّر في وقت سابق، من خطر ظاهرة بيع وتسويق الأدوية، والمنتجات الصحية المزيفة على الإنترنت، بالقول: “الأمر بات يتعلق بظاهرة تنشط ضمنها العديد من الشبكات على المستوى الدولي والقاري؛ ما يشكل خطراً حقيقياً على بلادنا، إذا لم يتمّ الحسم فيها، والقضاء نهائياً عليها”. مشيراً إلى أن الوزارة تزاول مهامها المتعلقة بمكافحة كل أشكال الغش والتزييف، من خلال مراقبة الجودة والسلامة بجميع مكوناتها؛ بدءاً بتقييم الملفات مع إلزامية التكافؤ الحيوي بالنسبة للأدوية الجنيسة، وإجراء التحاليل المخبرية من طرف المختبر الوطني لمراقبة الأدوية، وصولاً إلى لجان التفتيش الصيدلي من طرف أطر مشهود بكفاءتها.
بالعودة إلى نص القانون “17.04” -الذي هو بمثابة مدونة الأدوية والصيدلة- نجد أن سنة صدوره هي 2006، أي بعد دخول الإنترنت إلى المغرب بنحو اثنتي عشرة سنة، بعد أن تنامت التجارة الإلكترونية في المغرب، حتى وصل حجمها إلى نحو 2.1 مليار دولار أميركي.
وفي ظل اتساع خطر ظاهرة بيع الأدوية عبر الإنترنت، تزايدت الحاجة إلى سن قانون جديد يُراعي التحوّلات المُجتمعية الجارية.
من جهتها، وجّهت النيابة العامة دورية، إلى الوكلاء العامين للملك لدى محاكم الاستئناف ووكلاء الملك لدى المحاكم الابتدائية، لدعوة الشرطة القضائية بالتنسيق مع المصالح الجهوية لوزارة الصحة، إلى رصد جميع أشكال البيع والتوزيع غير القانوني للأدوية، وإطلاع النيابة العامة على نتائج ذلك لاتخاذ ما يلزم قانوناً.
جهود المملكة في الحد من استيراد الأدوية عن طريق الإنترنت، لم تأتِ عبثاً، بل هي من منطلق “الحماية” من الأدوية المزيفة؛ الأمر الذي تؤكده منظمة الصحة العالمية بالقول: “الأدوية المزيفة تمثّل تهديداً متزايداً؛ إذ إن نمو تجارة الأدوية، ومن بينها مبيعات الدواء على الإنترنت، يفتح الباب أمام بعض المنتجات السامة”.
ورغم صعوبة تحديد حجم المشكلة بدقّة، إلاّ أن تحليلاً أجرته منظمة الصحة العالمية لمئة دراسة، في الفترة من 2007 إلى 2016، غطّت أكثر من 48 ألف عينة، كشفت عن أن 10.5 بالمئة من الأدوية في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل؛ إما مزيفة أو غير مطابقة لمواصفات الجودة. وحذرت المنظمة من هذه الأدوية؛ حرصاً على سلامة المستهلك من الأضرار الناتجة عنها.
نقص الدواء أبعد من المغرب
عام 2020، وتفاعلاً مع وضعية سوق الأدوية في المغرب، خاصة فيما يرتبط بارتفاع الأسعار والانقطاع المُتكرّر لعدّة أدوية مهمة من الصيدليات؛ أكد “مجلس المنافسة” ضرورة الإصلاح الجذري للإطار القانوني المنظم لسوق الأدوية في المغرب، واصفاً القانون الحالي بأنه “متعدد الأوجه ومُتجاوَز وغير مُكتمل”.
وزارة الصحة والحماية الاجتماعية أوضحت أن المشكلة ترجع إلى عدة أسباب، أهمها: “انقطاع تزويد المؤسسات الصناعية بالمواد الأولية المستعملة في صناعة الأدوية، وانقطاع المنتوج في البلد المُصنِّع أو مشكلة في جودة الدواء خلال تصنيع المنتوج المستورد، بالإضافة إلى الأدوية التي لا يوجد لها جنيس (نسخة طبق الأصل للدواء الأصلي، منخفضة التكاليف) مسوّق في المغرب”، مشيرة إلى أن “المؤسسات الصناعية المحلية المُصنِّعة للأدوية، ملزمة باحترام المخزون الاحتياطي للأدوية طبقا للمرسوم 02-263، بتاريخ 12حزيران/يونيو 2002، من أجل تدبير مرحلة الانقطاع، إلى حين تسوية الوضعية”.
وذكرت الوزارة أنها اتخذت مجموعة من التدابير، للحد من آفة انقطاع أو نفاد بعض الأدوية، أهمها؛ “تشجيع تسجيل أدوية مماثلة جنيسة جديدة لتوفير البديل للدواء المُحتكَر، ومراقبة دائمة ومتواصلة للمخزون الاحتياطي الشهري لأدوية المؤسسات الصناعية، ومواد الصحة التابعة لمديرية الأدوية والصيدلة من أجل استباق أيّ انقطاع يمكن تجنبه”.
32 سؤالاً برلمانياً: أين الدواء؟
على الرغم من خروج الحكومة المغربية بجُملة من التصريحات والتبريرات بخصوص انقطاع أو نفاد عدة أدوية من الصيدليات، إلا أن معدَّة التحقيق رصدت استمرار المشكلة، فيما تتوالى شكاوى المواطنين؛ وهو ما دفع مجموعة برلمانيين إلى التحرك، وإثارة الموضوع، وطرح العديد من التساؤلات على أعضاء الحكومة.
مروى الأنصاري، البرلمانية عن حزب الاستقلال، أشارت إلى تكرار حوادث انقطاع عدد من الأدوية في الصيدليات، خاصة تلك التي يتمّ استخدامها لمعالجة الأمراض المزمنة.
وارتباطا بالمشكلة نفسها، تساءلت سلوى البردعي، البرلمانية عن حزب العدالة والتنمية، عن مصير الأطفال المصابين بمتلازمة فرط النشاط وتشتت الانتباه، الذي يُعدّ اضطراباً نفسياً من نوع تأخر النمو العصبي، تقول البردعي: “الأطباء اليوم ببلدنا أصبحوا يشخّصون هذا المرض، لكن الإشكال يكمن في أن بلادنا لا تصنّع ولا تسوّق الدواء الذي يصفه الطبيب للمريض، الأمر الذي يضاعف معاناة المصاب وأهله، فإذا كانت بعض الأسر تلجأ إلى اقتنائه من البلدان الأوروبية؛ فالأمر لا يكون سهلاً وفي متناول كل الفئات الاجتماعية وكل الأسر المغربية”.
أما عن بيع الأدوية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تساءلت فاطمة الزهراء باتا، البرلمانية عن حزب العدالة والتنمية، بالقول: “أصبحت ظاهرة شراء الأدوية والمنتجات الصيدلانية، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تتنامى يوماً بعد يوم؛ إذ تحولت العديد من المنتديات الرقمية إلى صيدليات افتراضية لبيع وتسويق مجموعة من الأدوية… وهو الأمر الذي يخالف الضوابط القانونية المعمول بها في المغرب”.
أما بخصوص ارتفاع سعر الأدوية في المغرب، على خلاف عدد من الدول المجاورة، تساءل الشرقاوي الزنايدي، البرلماني عن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، قائلاً: “السياسة الدوائية تعرف إشكالات عديدة، من بين هذه الإشكالات غلاء الأدوية الأكثر استهلاكاً، خاصة الأدوية التي تُستعمل في علاج الأمراض المزمنة والمستعصية، كدواء مرضى التصلب اللويحي Ocrevus mg300، الذي يتجاوز سعره 50 ألف درهم (خمسة آلاف دولار أميركي)؛ ما يزيد من تكاليف ومعاناة المرضى، خاصة بالنسبة للفئات الفقيرة والمتوسطة، في حين يوجد هذا الدواء في بعض البلدان بثمن أقل من ألف درهم (مئة دولار أميركي)”.
تواصلت معدّة التحقيق مع عدد من البرلمانيين؛ لمعرفة مدى التفاعل الحكومي مع استفساراتهم وتساؤلاتهم الموجهة لوزارة الصحة، عن موضوع نقص الدواء عامة، وبشكل خاص المتعلق بالأمراض النفسية، وتجارة الأدوية عبر الإنترنت؛ لتتوصل إلى أن جُملة من الأسئلة تظل قيد الانتظار، أمام صمت تام من الجهات الوصيّة؛ من بينهم سؤالا فاطمة الزهراء باتا، وسلوى البردعي.
تقول باتا: “تمّ إرسال السؤال منذ ما يزيد على الشهر، للأسف لم نتلقَ جواباً إلى الآن”. وهو الجواب نفسه الذي أخبرت به البردعي، معدّة التحقيق، بالقول: “للأسف، ليس هناك جواب من طرف وزارة الصحة، رغم أن السؤال طُرح في 3 كانون الثاني/يناير 2023”.
تبقى رقية وعدد لا يمكن حصره ممن يعانون الأمراض النفسية، في ترقب وتدافع وسباق على الدوام؛ للحصول على الأدوية التي قد تُقلل خطر تدهور الحالات الصحية لذويهم، في انتظار فك الاشتباك -الذي أشار إليه “مجلس المنافسة” في تقريره لسنة 2020- بين الجهات الحكومية، لعل في ذلك حلاً للمشكلة.
أُنجز هذا التحقيق بدعم وإشراف من أريج – إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية.