في خطوة مفاجئة هزت المشهد السياسي الكويتي، أصدر أمير الكويت مشعل الأحمد الجابر الصباح قرارًا بحل مجلس الأمة، وتعليق العمل ببعض مواد الدستور، مبررًا ذلك بـ “أوقات صعبة” تمر بها البلاد. هذا القرار الذي أثار جدلًا واسعًا حول مدى دستوريته وتداعياته، يطرح تساؤلات جوهرية حول مستقبل العملية الديمقراطية في الكويت، وهل ستكون هذه الخطوة بداية لمرحلة جديدة، أم مجرد منعطف في مسار طويل ومعقد؟
ينص الدستور الكويتي على حالتين أساسيتين لحل مجلس الأمة: الأولى هي المادة (71) والتي تنص على أن: “للمجلس في حال عدم تمكنه من التعاون مع رئيس مجلس الوزراء أن يرفع الأمر إلى الأمير، الذي له أن يعفي مجلس الوزراء أو يحل المجلس؛ فإذا ما حل المجلس وصوت المجلس الجديد بالأغلبية على عدم التعاون مع نفس رئيس مجلس الوزراء، اعتبر معزولًا وتشكل وزارة جديدة.” والثانية هي المادة (107)، وتنص على أنه “للأمير أن يحل مجلس الأمة بمرسوم أميري مبين لأسبابه، ولا يجوز حله ثانية لذات السبب.”
وفي الحالة الأخيرة، لم يتم حل مجلس الأمة بناءً على طلب من مجلس الأمة نفسه، كما تنص عليه المادة 71؛ بل بمبادرة من أمير الكويت استنادًا إلى المادة 107، وقد برر الأمير قراره بوجود “أوقات صعبة كان لها انعكاساتها على جميع الأصعدة، مما خلق واقعًا سلبيًا”.
ويقول الدكتور محمد الفيلي أستاذ القانون الدستوري بجامعة الكويت لمواطن: “إن حلّ المجلس جاء نتيجةً لِما وصفه بـ “العبث المبرمج”، الذي مارسه مجلس الأمة السابق، ممّا أدّى إلى جمود سياسي وتعطل في مسيرة الإصلاحات.
كما يُؤكّد، على أنّ تعاون السلطتين -التشريعية والتنفيذية- بات ضروريًّا أكثر من أي وقت مضى لمواجهة التحديات التي تواجهها الكويت؛ ما يجعل حلّ المجلس خطوةً ضروريةً لكسر حالة الجمود وتحقيق التعاون المنشود.
أسباب الحل وتعطيل الدستور؟
برر أمير الكويت قراره بوجود “أوقات صعبة كان لها انعكاساتها على جميع الأصعدة، مما خلق واقعًا سلبيًا”.وقال في خطاب متلفز: “أمرنا بحل مجلس الأمة، ووقف بعض مواد الدستور لمدة لا تزيد عن أربع سنوات، يتم خلالها دراسة جميع جوانب المسيرة الديمقراطية”. وينص الأمر الأميري على أن الأمير ومجلس الوزراء سيتوليان اختصاصات مجلس الأمة (السلطة التشريعية) في هذه الأثناء.
وبحسب د. مختار غباشي: يعني حلّ المجلس غياب المُشرّع لفترة زمنية قد تُعيق إصدار القوانين وتطوير التشريعات، كما يمنح حلّ المجلس صلاحيات واسعة لأمير الكويت فيما يتعلق بإصدار القوانين وإدارة الدولة خلال فترة تعطل عمل المجلس.
أشار مراقبون إلى أنّ حلّ المجلس جاء نتيجةً لِما اعتبرُوه “تعطّل التعاون” بين مجلس الأمة والحكومة، ممّا أدّى إلى “شلل” في العمل الحكومي، كما اتّهم مراقبون بعض النواب بِممارسات “خاطئة” و”مُسيئة” أثّرت على سير العمل الديمقراطي.
وعبّرت بعض الدوائر السياسية عن تأييدها لقرار حلّ المجلس، مشيرة إلى أنّ ذلك “سيُتيح الفرصة لإجراء إصلاحات ضرورية”؛ فيما اعتبر بعض النواب أنّ حلّ المجلس يُمثّل “انقلابًا” على الديمقراطية، وأنّه يُعيق مسار الإصلاحات.
وفي اليوم التالي لحل البرلمان أعلنت الحكومة الكويتية تشكيل ثاني حكومة في عهد أمير البلاد مشعل الأحمد الجابر الصباح، والأولى بعد قراراته بحل مجلس الأمة وتعطيل بعض مواد الدستور.
وذكرت وكالة الأنباء الكويتية أن مرسومًا أميريًا صدر بتشكيل الحكومة الجديدة برئاسة أحمد عبد الله الأحمد الصباح، وتضم 13 وزيرًا. وعلى المستوى الشعبي عبّر بعض المواطنين عن قلقهم من أنّ حلّ المجلس قد يُؤدّي إلى تراجع الحريات، وتقليص دور الشعب في اتّخاذ القرار، عبر التدوين على موقع إكس.
وكتبت الناشطة السياسية د. خديجة جعفر، الأمين العام لتجمع الولاء الوطني منتقدة قرار تعطيل الدستور: (لأن الدستور الكويتي صمام أمان الدولة، لا يوجد حر يقبل بتعطيل مواده).
وقال المدون منصور أحمد محارب: “ التعذر بالوضع الإقليمي لتسويق تعطيل الديمقراطية غير مبرر؛ فالحكم الفردي والديكتاتورية هما سبب دمار الدول وليس الديمقراطية”.
التعذر بالوضع الاقليمي لتسويق تعطيل الديمقراطية غير مبرر ،فالحكم الفردي والديكتاتورية هي سبب دمار الدول وليس الديمقراطية #الدستور_الكويتي pic.twitter.com/S6QDvPY9rt
— منصور احمد المحارب (@MALMUHAREB) November 12, 2017
يُوضح هنا د. محمد الفيلي، أستاذ القانون الدستوري بجامعة الكويت، أن قرار وقف العمل ببعض مواد الدستور ليس وليد اللحظة؛ بل له سوابق مشابهة في تاريخ الكويت؛ حيث تم وقف العمل بالدستور جزئيًا في عامي 1976 و 1986.
يستطرد: “إنه خلال عام 1976 تم وقف العمل ببعض مواد الدستور مؤقتًا، مع إسناد مهمة التشريع للسلطة التنفيذية. وقد جاء ذلك في إطار مراجعة الدستور تمهيدًا لتعديله، قبل العودة للدستور الأصلي بعد أربع سنوات. كما أنه في عام 1986 تم تعليق العمل بالدستور بشكل جزئي، مع تشكيل مجلس نيابي محدود الصلاحيات سمي المجلس الوطني”.
ينص الأمر الأميري الأخير -وفق الفيلي- على تعطيل بعض مواد الدستور المتعلقة بوجوب إعادة انتخاب مجلس الأمة وأسلوب حله، وبناءً على القرار تم حل مجلس الأمة بمرسوم أميري، الأمر هنا يمثل الإرادة المنفردة للأمير، أيضًا ينص الأمر الأميري على تشكيل لجنة من الفنيين لوضع مقترحات لتعديل الدستور، تُعرض على مجلس الوزراء ثم على الأمير، ليُقرر بعد ذلك؛ إما الاستفتاء الشعبي أو إعادة انتخاب مجلس نيابي.
أثارت عملية حل مجلس الأمة جدلًا واسعًا حول مدى دستورية هذا القرار. يرى بعض المختصين أن القرار دستوري، وأن أمير الكويت يتمتع بسلطة واسعة لحل مجلس الأمة؛ خاصة في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد. بينما يرى آخرون أن القرار غير دستوري، وأن الأمير قد تجاوز صلاحياته.
من جهته يقول د. مختار غباشي نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية لمواطن: “إن حل مجلس الأمة الكويتي يُعدّ حقًّا من حقوق أمير الكويت المُنصوص عليه في الدستور، وقد شهدت الكويت حلّ مجلس الأمة 11 مرة منذ عام 1962، كان آخرها في 11 مايو 2024. وعادةً ما يلجأ أمير الكويت إلى حلّ مجلس الأمة أو استقالة مجلس الوزراء عندما تعطل المسيرة السياسية بسبب الخلافات بين المجلسين.
وبرر وزير الإعلام الكويتي الأسبق سامي النصف بقوله: “حل مجلس الأمة (البرلمان) له عدة إشكاليات؛ منها التعدي على صلاحيات أمير الكويت والنطق السامي للأمير واختيار الوزراء”، بحسب ما نقلته عنه شبكة سكاي نيوز.
واعتبر النصف، أن حل مجلس الأمة قد جاء بسبب “التعدي على صلاحيات أمير البلاد وحتى النطق السامي للأمير، وقد جرت العادة منذ الستينات ألا يناقش، وما يناقش هو الخطاب الأميري الذي يلقيه ولي العهد”.
“ثم دخلنا في حقبة جديدة من التعدي، وهو اختيار الوزراء، وهي قضية نص عليها الدستور بشكل صريح بأنها من صميم عمل أمير الكويت، لكن بدأ البعض يقول إن على سمو الأمير أن يختار، ولنا أن نحدد من هو ولي العهد عبر عملية التصويت، وبالتالي هناك تعديات متلاحقة”، على حد قوله.
ما الآثار القانونية المترتبة على الحل؟
يترتب على حل مجلس الأمة عدد من الآثار القانونية، لعل أهمها هو انتهاء مدة عمل أعضاء مجلس الأمة الحاليين و تعليق العمل ببعض مواد الدستور، بما في ذلك تلك المتعلقة بصلاحيات مجلس الأمة، وانتقال صلاحيات مجلس الأمة إلى الأمير ومجلس الوزراء؛ حيث يتولى الأمير ومجلس الوزراء خلال فترة حل مجلس الأمة جميع الاختصاصات التشريعية والرقابية التي كانت منوطة بمجلس الأمة، ويفترض أن تصدر القوانين خلال هذه الفترة بمراسيم أميرية، دون الحاجة إلى موافقة مجلس الأمة.
وبحسب د. مختار غباشي: يعني حلّ المجلس غياب المُشرّع لفترة زمنية قد تُعيق إصدار القوانين وتطوير التشريعات، كما يمنح حلّ المجلس صلاحيات واسعة لأمير الكويت فيما يتعلق بإصدار القوانين وإدارة الدولة خلال فترة تعطل عمل المجلس.
يهدف حلّ مجلس الأمة الكويتي إلى كسر جمود الأزمة السياسية، وتفعيل مسيرة الإصلاحات، لكنّه يُثير مخاوف حول تعطيل العمل التشريعي، وتمركز السلطة بيد أمير الكويت، وتُعلق آمال البعض على مراجعة الدستور، لإيجاد حلول جذرية تُعزّز التوازن بين السلطات، وتُرسّخ الديمقراطية في الكويت.
ملامح المرحلة الانتقالية
ينوه الخبير الدستوري د.محمد الفيلي إلى أن بلاده بصدد مرحلة دستورية انتقالية، حددت مدتها بأربع سنوات كحد أقصى، يعتمد الدستور الانتقالي خلالها على مكونات أساسية من دستور 1962، بما في ذلك نظام الحكم وتأكيد حكم آل مبارك (المادة 4)، ويؤكد على مبدأ سيادة الشعب وأنه مصدر السلطات جميعًا (المادة 6)، الفصل الثالث، الحقوق والواجبات العامة وحقوق الإنسان، وهي استلهام لمبادئ من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ثم الفصل الخاص بالسلطة القضائية.
تتميز المرحلة الانتقالية وفق الأمر الأميري باستمرار جزء كبير من مواد دستور 1962، مع نقل الاختصاص التشريعي للسلطة التنفيذية، ولم يُعيَّن حد أدنى للمرحلة؛ بل حد أعلى هو 4 سنوات، لذلك فمن المحتمل أن تنتهي قبل ذلك.
ويفند الفيلي مكونات النظام القانوني الدستوري للبلاد خلال المرحلة الانتقالية كالتالي: الفصل الأول، يشمل الدولة ونظام الحكم، بما فيها أن يكون الحكم وراثيًا، الفصل الثاني: يتضمن مقومات المجتمع الكويتي، الفصل الثالث يشمل الحقوق والواجبات العامة، الفصل الرابع يمثل السلطة التشريعية، الفصل الخامس يشمل دور السلطة التنفيذية، الفصل السادس السلطة القضائية، وأخيرًا الأحكام الختامية.
وفي هذا السياق ينوه غباشي إلى أن القرار الأميري قد عطل العمل ببعض مواد الدستور التي كانت دائمًا موضع خلاف بين مجلس الأمة ومجلس الوزراء، وتشمل المواد 56 (فقرة 3) و 107 و 174 و 181 من دستور 1962.
بموجب المادة الثانية من المرسوم الأميري، يُمكن لأمير الكويت إصدار قوانين بصيغة مراسيم أو أوامر أميرية، وذلك خلال فترة تعطل عمل مجلس الأمة، وتنصّ المادة الثالثة على تشكيل لجنة من الخبراء لمراجعة وتعديل الدستور خلال 6 أشهر.
ويفترض أنه بعد إنجاز مراجعة الدستور، سيتمّ طرحه للاستفتاء الشعبي، وبعد إقرار الدستور المُعدّل، سيتمّ الدعوة لانتخابات جديدة لمجلس الأمة.
جدل دستوري وسياسي
أثارت عملية حل مجلس الأمة جدلًا واسعًا حول مدى دستورية هذا القرار. يرى بعض المختصين أن القرار دستوري، وأن أمير الكويت يتمتع بسلطة واسعة لحل مجلس الأمة؛ خاصة في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد. بينما يرى آخرون أن القرار غير دستوري، وأن الأمير قد تجاوز صلاحياته، وأن حل مجلس الأمة يعد مساسًا بمبدأ الفصل بين السلطات.
واعتبر سياسي كويتي تحدث لمواطن، -شريطة عدم ذكر اسمه خشية التهديدات الأمنية- أن ما حدث يُعدُّ انتهاكًا للدستور والقانون، وانهيارًا لمبدأ الفصل بين السلطات الذي ينص عليه الدستور الكويتي، معبرًا عن حالة من الاستياء يشهدها الوسط السياسي، لكنْ هناك خوف شديد بسبب التهديدات المباشرة بالاعتقال حال انتقاد قرار الأمير.
ويكمل السياسي الكويتي: “إنه لا يوجد مبرر كافٍ لحل مجلس الأمة في الوقت الحالي، كما يحذر من أنّ حل مجلس الأمة قد يُؤدّي إلى المزيد من عدم الاستقرار السياسي في البلاد.
وفي نفس السياق يعبر الكاتب الكويتي أنور الرشيد عن استيائه من الوضع السياسي الحالي في الكويت، ويُحمل تعديل قانون الانتخابات المسؤولية؛ حيث أدى ذلك إلى تفاقم الظواهر السلبية مثل الطائفية والقبلية والابتزاز السياسي.
ويقول لمواطن: “إن قانون الانتخابات الحالي، المعروف بقانون “بوصوت”، قد فشل في تمثيل إرادة الشعب الكويتي بشكل حقيقي، مؤكدًا أنّ هذا القانون أدّى إلى تفاقم بعض الظواهر؛ مثل الطائفية والقبلية والابتزاز السياسي؛ ما أدى إلى عدم استقرار حكومي وبرلماني.
ويُحمّل الكاتب الكويتي الحكومة مسؤولية كبيرة لعدم تعديل قانون الانتخابات رغم تحذيرات العديد من الخبراء، مشيرًا إلى أنّ الأمة تتحمل أيضًا جزءًا من المسؤولية لعدم مشاركتها بشكل فعّال في الضغط على الحكومة لتعديل القانون. ويُشدّد على أنّ أيّ تعديل دستوري لا يأخذ في الاعتبار تعديل قانون الانتخابات لن يحلّ الأزمة السياسية في الكويت.
ختامًا، ما زال الجدل حول حلّ مجلس الأمة الكويتي مُستمرًّا، ولم يتمّ حسم الجوانب القانونية للقرار بشكل نهائي، وفي حين تُشير بعض التّحليلات إلى أنّ حلّ المجلس قد يُؤدّي إلى فترة من عدم الاستقرار السياسي في الكويت، تبقى التطورات خلال الفترة المُقبلة حاسمة لتحديد مسار الديمقراطية في الكويت، وكذلك تداعيات هذا القرار على المدى الطويل.