التظاهر السلمي وإبداء الرأي”.. ممارسات ممنوعة في السعودية
على الرغم من أن الدستور السعودي ينص على حقوق سياسية للمواطنين، إلا أنه لا يسمح بكثير من الممارسات المرتبطة بتلك الحقوق، ومنها حق التعبير عن الرأي والاحتجاج، ووصل الأمر إلى تجريمه واعتباره عملاً إرهابيًا يهدد أمن البلاد وفقًا لقوانين جديدة تم تشريعها مؤخرًا. وتوعد ولي العهد محمد بن سلمان كل من يخالف هذه القوانين بالضرب بيد من حديد، واعتبر مثل هذه السلوكيات مساسًا بأمن واستقرار المملكة.
قامت السلطات السعودية بحل مجلس إدارة نادي الصفا في مدينة صفوى في المنطقة الشرقية، على خلفية أهازيج رددتها الجماهير خلال مباراة أقيمت في 24 من يناير 2024. وبحسب تقارير للمنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان ومنظمة القسط، تم اعتقال 10 أشخاص من رابطة المشجعين وإحالتهم إلى سجن القطيف العام، وإلزام النادي بدفع غرامة مالية قدرها 200 ألف ريال، إلى جانب منع الجمهور من حضور 5 مباريات للفريق.
بالإضافة إلى استدعاء والتحقيق مع أكثر من 150 شخصًا بسبب ترديدهم لأهازيج وهتافات دينية شيعية أثناء التشجيع، تم وصفها من قبل الوزارة بأنها تخالف المادة (1/8) من اللائحة الأساسية للأندية الرياضية، التي نصت على (الالتزام بالأنظمة واللوائح المعمول بها في المملكة). وارتأت منظمة القسط لحقوق الإنسان، أن الأهازيج لا تحوي أي عبارات طائفية أو مسيئة، كما وصفت الأمر بأنه، تعدٍ على الحريات الدينية، واستخدام للأنظمة والمواد القانونية بشكل تعسفي.
ويمتد الأمر في المملكة إلى ملاحقة كافة الحقوق المرتبطة بالتعبير عن الرأي؛ سواء بالاحتجاج والتظاهر أو حتى بكتابة أو توجيه أي نقد للحكومة، أو التوجه نحو تكوين أي جمعية مدنية، يمكن أن تكون نافذة لممارسة حق التعبير والاعتراض. وهو ما كان دافعًا لتنديد 15 مجموعة حقوقية بحظر الحكومة لأي شكل من أشكال التجمع السلمي، واستمرار إصدار وتنفيذ أحكام إعدام ضد الأفراد الذين يواجهون تهمًا، بما في ذلك المشاركة في التجمعات والمظاهرات التي حدثت سابقًا، منها تلك الواقعة الشهيرة الخاصة بإسراء الغمغام المسجونة منذ 11 عامًا، والذي كان المدعي العام يطالب بقتلها بعد توجيه عدة تهم منها المشاركة في المظاهرات.
أوضاع حقوقية متردية
تثير الأوضاع الحقوقية المتردية في المملكة، ردود أفعال منظمات دولية عديدة؛ منها منظمة العفو الدولية التي أصدرت تقريرًا عن الحالة في المملكة عام 2022، وأشارت فيه إلى استهداف السلطات أفرادًا بسبب ممارستهم السلمية لحقهم في حرية التعبير، ومحاكمة المحكمة الجزائية المتخصصة لأفراد قضت عليهم بالسجن لفترات طويلة بسبب تعبيرهم السلمي أو تشكيل منظمات مجتمعية.
"ما زال العشرات يواجهون أحكامًا بالإعدام وأحكامًا مطولة بالسجن على خلفية أحداث تعود إلى أعوام 2011 و2012، وإلى اليوم تبقى كافة أشكال التظاهر والتجمع ممنوعة"
وكانت المحكمة الجزائية المتخصصة حكمت على ما لا يقل عن 15 شخصًا -مواطنين وأجانب- بالسجن لمدد تتراوح بين 15 و45 عامًا بعد محاكمات صعبة، بسبب تعبيرهم السلمي أو تكوين الجمعيات، بما في ذلك التعبير السلمي عبر الإنترنت على إكس، ومنها الحكم على ناشطتين على الأقل في مجال حقوق المرأة بالسجن لمدد طويلة غير مسبوقة.
ويستمر التضييق بعد الإفراج عن هؤلاء بإجراءات تعسفية تشمل حظر السفر وإغلاق حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي. وكشف التقرير عن فرض لعقوبة الإعدام، بما في ذلك في حالات الأفراد الذين كانوا أطفالًا وقت ارتكاب ما اعتبرته جرمًا. وكان لهذه الممارسات ردود أفعال دولية غاضبة، وأعرب الاتحاد الأوروبي عن مخاوفه بشأن الزيادة الحادة في القضايا المتعلقة بحرية التجمع وتكوين الجمعيات واستخدام حظر السفر.
وإذا كانت الميادين والساحات العمومية محظورًا بها التظاهر؛ فإن الفضاء المعلوماتي في المملكة لم ينج من هذا الحظر؛ فلم يقتصر الأمر على تجريم الاحتجاج عبر التظاهر، ولكنه محظور حتى لو كان من خلال التعبير عن الرأي بكلمة أو عبارة مكتوبة على وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما أكدته حالات حديثة شهدها عام 2023، عندما أصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة في السعودية حكمًا بالإعدام على محمد الغامدي، لمجرد نشاطه على وسائل التواصل الاجتماعي. وتم التعامل معه في إطار مواجهة تهم تتعلق بالإرهاب.
وجاء ذلك استنادًا إلى تعليقات على متابعيه على تويتر (المسماة حاليا إكس) ويوتيوب، بحسب تقارير حقوقية؛ الأمر الذي دفع شخصيات شهيرة للدخول على الخط والإعراب عن رفضهم لهذا الأمر، كان من بينهم إيلون ماسك صاحب موقع “إكس” الشهير الذي علق قائلاً: إن حكم الإعدام الصادر في السعودية ضد المدرس المتقاعد محمد الغامدي البالغ من العمر 54 سنة، لمجرد نشاطه السلمي على وسائل التواصل الاجتماعي تصعيد جديد غير اعتيادي في القمع المتواصل لحرية التعبير في المملكة؛ سواء على شبكة الإنترنت أو على أرض الواقع.
أثر الربيع العربي
بطبيعة الحال فالأزمة ليست حديثة العهد، وإنما تعود جذورها لسنوات ماضية، وإذا كانت هذه الانتهاكات الحالية تحدث في ظل التطور الذي تسعى إليه المملكة لتغيير وتحسين صورتها أمام العالم؛ فلا شك أن الأوضاع السيئة الحالية كانت موجودة في الماضي وربما بصورة أسوأ.
في يناير عام 2009 اعتقلت السلطات السعودية الناشط السياسي خالد سليمان العمير، على خلفية رغبته في التظاهر مناصرة للقضية الفلسطينية، وصدر بحقه حكم بسجنه 8 سنوات، ورغم قضائه هذه المدة فقد بدأ إضرابًا مفتوحًا عن الطعام والزيارة، وذلك احتجاجًا على عدم إطلاق سراحه. وهو ما اعتبرته منظمات حقوقية استهدافًا للنشاط المدني والسياسي السلمي، وأن استمرار اعتقاله يفقد مواقف السعودية في مناصرة القضية الفلسطينية مصداقيتها.
وفي مارس عام 2011 شهدت بلدة العوامية السعودية على ساحل الخليج مواجهة ساخنة بين شرطة مكافحة الشغب ومتظاهرين، للمطالبة بالإفراج عن بعض السجناء، وأعلنت وزارة الداخلية في البلاد عبر التلفزيون الرسمي، أن قوات الأمن ستستخدم ما أسمته “كافة التدابير” لمنع أي محاولة للإخلال بالنظام العام.
"منع التظاهرات ليس فقط مجرمًا، ولكنه أيضًا يصنف وفقًا للقانون السعودي بأنه عمل إرهابي"
وفي تقرير تم نشره عام 2012 ذكرت منظمة هيومان رايتس فيرست الحقوقية الدولية أنه تم الحكم بسجن 15 شخصًا في المملكة السعودية بسبب احتجاجهم السلمي بهدف إطلاق سراح أقاربهم من سجن الطرفية، مشيرًا إلى أن النظام نجح بمهارة في ردع التغطية الإعلامية للاحتجاجات.
حتى الاحتجاجات الصغيرة التي تقف عند رفع لافتات للتعبير عن مطالب معينة لم تستثن من الحظر؛ ففي عام 2013 طالبت منظمة العفو الدولية، السلطات السعودية بالإفراج عن النساء المحتجزات بمنطقة “البُريدة” على خلفية مشاركتهن باحتجاجات صغيرة تطالب بإطلاق سراح أفراد من عائلاتهن. وعلق وقتها فيليب لوثر، رئيس برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فريقيا بمنظمة العفو الدولية: “لا يمكن للسلطات السعودية أن تبرر احتجاز أشخاص قاموا بممارسة حقوقهم بحرية التعبير والتجمهر.” وأصدرت “آمنستي” بيانًا مقتضبًا حول ذلك الحدث كشفت فيه أن عدد النساء اللواتي تم احتجازهن يبلغ 18 سيدة، بالإضافة إلى عشرة أطفال كانوا برفقتهن.
وقالت لمواطن، دعاء الدهيني، الباحثة الأساسية في المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان: “إن التظاهر غير مسموح به في المملكة السعودية، وأن وزارة الداخلية تعتبره مخالفًا للشريعة الإسلامية”.
وأضافت: “مع أحداث الربيع العربي عام 2011 و2012، شهدت مناطق عدة في السعودية مظاهرات تطالب بإصلاحات، وتمت مواجهتها بالقوة والعنف، وبعد إخمادها بدأت محاكمات واسعة وجماعية، انتهت بإصدار أحكام إعدام بتهم متعددة، كان العديد منها مستندًا إلى المشاركة في المظاهرات”.
وتكمل حديثها قائلة: “ما زال العشرات يواجهون أحكامًا بالإعدام وأحكامًا مطولة بالسجن على خلفية هذه الأحداث، وإلى اليوم تبقى كافة أشكال التظاهر والتجمع ممنوعة”.
سياسة انتقامية
وعلى الرغم من مرور 13 سنة على حالة الغضب الشعبي في المملكة، وانحسار المظاهرات والتحرّكات على الأرض، تظلّ أحكام الإعدام وسيلة للترهيب والتخويف، ومنع المواطنين من التعبير عن رأيهم أو عن مخاوفهم، وهو ما تؤكده تقارير من أرض الواقع للمنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، والتي تؤكد أن السياسات الانتقاميّة بحق المواطنين والسكان في هذه المنطقة ما زالت مستمرّة، وما زالت الهيئات الحكوميّة الرسميّة أداة هذه السياسة البارزة.
مواضيع ذات صلة
وعلق لمواطن، الحقوقي خالد إبراهيم، المدير التنفيذي لمركز الخليج لحقوق الإنسان: “إن السلطات السعودية تصادر الحريات العامة، وتعمد إلى اعتقال معظم المدافعين عن حقوق الإنسان أو نفيهم خارج البلاد”.
وأشار إلى أن اتخاذ الإجراءات العنيفة في مواجهة المتظاهرين السعوديين أو مظاهر التجمع السلمي، يمتد ليشمل الأجانب، مثل واقعة اعتقال النوبيين العشرة؛ في يوليو 2020 بعد محاولتهم تنظيم ندوة في المملكة؛ حيث تم تقديمهم للمحاكمة.
خط أحمر
حول هذا الوضع في بلاده علق الحقوقي السعودي د. عبد الله العودة، لمواطن: “إن القوانين في السعودية لقمع الحقوق، وعلى سبيل المثال لما كنا نطالب بقانون لحرية تشكيل الجمعيات، أصدرت الحكومة السعودية قانونًا، ليس لتنظيم الأمر، ولكن لكي يمنع تسيير الجمعيات إلا أن تكون حكومية، ومن ثم فقد ألغى أصلاً فكرة الجمعيات الأهلية والمدنية”.
وفيما يتعلق بالحريات الفردية مثل التعبير عن الرأي وخلافه؛ فقد أصدرت الحكومة ما عرف بقانون الإرهاب لأجل منع حرية التعبير وقانون الجرائم المعلوماتية، والذي يمنع كل أشكال التعبير على وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام وغيرها، فيما يتعلق بانتقاد الحكومة أو سياسة الدولة، وتُعدّ كلها مجرمة.
وأضاف العودة: “إن الدستور السعودي بشكل عام يتضمن كلامًا عامًا عن حماية الحقوق والحريات وغيرها، ولكن الإشكالية تكمن في الأنظمة الأخرى التي سمح الدستور بها وبتشكيلها عن طريق أوامر ملكية”.
وأوضح لمواطن، “أن منع التظاهرات ليس فقط مجرمًا، ولكنه أيضًا يصنف وفقًا للقانون السعودي بأنه عمل إرهابي، وبالتالي يتم التعامل معه وفقًا لهذا الاعتبار، لذلك تعتبر السعودية وضع التظاهر خطًا أحمر”.
واختتم قائلًا: “لا يوجد شعب في العالم إلا ويحتاج للحقوق السياسية، والتي تتفاوت في طبيعة دفع هذه الحقوق، وأعتقد أن الحكومة السعودية قد تؤجل غضب الناس ونقمتهم وتقف حائلاً دائمًا وأبدًا دون هذا المسار وهذا القدر”.
واقع الأمر أن هناك حالة من التناقض بين ما تحاول السعودية التظاهر به أمام العالم، من حرص على التطور والانفتاح على الثقافات الأخرى، والرغبة في التغيير نحو عالم أكثر تحللاً من تقاليد وأعراف الماضي، وبين ما يحدث من حالات عنف وتضييق أمني على الحقوق والحريات السياسية، وعلى رأسها حرية التظاهر والتعبير عن الرأي؛ فهل تستجيب المملكة لمطالب الشعب السياسية، حتى تتوافق خطوات التطور الذي تسعى إليه مع التحول نحو الديمقراطية؟