لم يصبح العيش في أوروبا اليوم للعرب من باب الرفاهية أو الدراسة، بل ارتفعت أعداد المهاجرين العرب كلاجئين بسبب ما يحدث في أوطانهم. ما يضع أمام هذه الأسر المهاجرة نوعية جديدة من المشكلات.
وواحدة من بين الأمور الشائكة تلك؛ المثلية، يقول فراس (٣٣ عامًا) وهو سوريّ الجنسية ومقيم في كندا، بأنه كشف أولى مظاهر التعرف على الانجذاب العاطفي والجنسي لأقران من الجنس نفسه حدثت في مرحلة الطفولة: “خلال طفولتي كانت لديّ رغبات أنثوية نموذجية مثل تقليد الفتيات، ولبس الكعب العالي، ارتداء فساتين أمي القديمة، ووضع المكياج والحمرة، ولو كان ذلك في المنزل لبضع دقائق ثم إزالتها قبل أن يراها أحد”.
وعليه فإن الطفولة تبقى مرحلة اكتشاف ميول جنسية مثلية، وهو ما يعتبره بعض الأهالي العرب مشكلة في بلاد تدعم المثلية، وتمنع الأهالي من قمع أبنائهم أو فرض اختيارات بعينها، وتقول لمواطن، نجوى حيدر، مُعالجة نفسية وأسرية، مُقيمة في ألمانيا: “يُركز الأهل على تغيير توجهات أطفالهم الجنسية والتحكم بها -عندما يكتشفون ميولهم المثلية-“، وهو ما ينتهي بفشل الأهالي وفق رأي المعالجة النفسية.
صديقي لديه والدان ذكران!
تُخبرنا وفاء (٤٧ عامًا) أمٌّ لطفلين تعيش في ألمانيا، “يبلغ ابني الأكبر من العمر ثمانية سنوات، وبما أنه يذهب إلى المدرسة فقد اختلط بالألمان والمهاجرين الأجانب من مختلف الجنسيات والتوجهات، وأصبح بعضهم أصدقاء له، ونعلم أننا لا نستطيع التدخل في حياته الشخصية بحكم القوانين في ألمانيا، إلى أن جاءني يومًا ونحن على طاولة الغداء يُحدّثني عن صديقه الألمانيّ وسيارته والمزرعة التي يملكها والداه، لكنّ ما أثار دهشته أكثر من ألعابه وسيارته، أنّ له والدين ذَكَرين، وليس ذكرًا وأنثى كما هو الحال في بيتنا”.
وتابعت: “لحسن الحظ أنّ زوجي لم يكن قد حضر بعد، وأخوه الآخر كان نائمًا، وأنا لا أستطيع قبول ذلك أبدًا، أعرف أنهم يعيشون بحرية هنا في ألمانيا، ولكن أن تدخل هذه المفاهيم إلى منزلي وأطفالي، هذا ما لا يمكن أن أسمح به، حتى زوجي يمكن أن يطلقني إذا علم أنني لم أوجّه الطفل للطريق الصحيح”.
تتضارب مواقف الأهالي العرب في التعاطي مع موضوعات المثلية مع أطفالهم، عند السؤال من باب الفضول، أو ربما الإعجاب بالأمر، وبين ما يعتبره الأهل توعية دينية أو إرشاد نفسي، لكن يبقى السؤال المهم، هل يجب تثقيف الأطفال حول المثلية الجنسية؟
وعليه ما كان بمقدور وفاء إلّا أن تشرح الموضوع لطفلها من وجهة النظر الدينية ومحاولة اقناعه بمبدأ الحلال والحرام، وبعد عدّة جلسات توجيهية ووعظٍ ديني تشرّب الطفل أفكار والدته، وما كان منه غير أن ذهب إلى المدرسة وبادر بإلقاء ما تعلمه في بيته على زملائه، وكانت النتيجة نبذ زملائه وكادر مدرسته.
وفي قصةٍ مشابهة ترويها المعالجة النفسية نجوى حيدر: “من الحالات التي شاهدتها، طفل عمره عشر سنوات نقل ما تلقّاه في المدرسة حول المثلية إلى أهله، ليردوا عليه بأنّ هذا الأمر عيب وحرام وممنوع، لتأتيني شكوى من المدرسة أنّ الطفل لا ينفكّ يردد أمام زملائه أنّ المثلية حرام ومنافية للأخلاق”.
تستطرد: “وجهتُ كلامي لأهل الطفل وقلت لهم، ليس مطلوبًا منكم أن تقتنعوا بالمثلية أو تدافعوا عنها، الأهم عدم إيذائهم والتعرض لهم طالما أنهم لم يؤذوا أحدًا”.
“أمي.. هل أستطيع الزواج من صديقتي؟”
وفي سياقٍ متصل، تقول رحاب (٣٣ عامًا) طبيبة في الداخلية العامة في اللاذقية، تعيش في سوريا: “أتاني اتصال على المسنجر من إحدي السيدات في فرنسا، يوجد بيننا معارفُ مُشتركون، وكانت قد طلبَت مني استشارةً طبية عندما كانت في سوريا، كانت السيدة في أقصى حالات الانفعال والغضب وعدم التصديق، بعد أن سألتها ابنتها البالغة من العمر عشر سنوات إن كان بمقدورها أن تحبّ صديقتها وتتزوجها”.
حاولت رحاب تلطيف الموضوع وتهدئة الأمور على الأم الغاضبة، وأنّ الأمر قد يكون عابرًا: “في مثل هذه الحالات لا يمكن لي كطبيبة القول لها بأنّ لطفلتها الحرية الكاملة في أن تحب من تريد، وأننا لا نستطيع كأطباء مساعدة الأهل لتغيير ميول أطفالنا لتناسب أفكارنا ومعتقداتنا، مثل هذا الحديث يُعرّضنا لمخاطر يكون أقلها النبذ الاجتماعي وتشويه السمعة، أي طبيب يعتمد رزقه على سمعته بالدرجة الأولى، ولو كانت السيدة تعيش في فرنسا وأنا في سوريا”.
هل المسلمون معادون للمثلية؟
تصور المناقشات العامة المسلمين العرب المقيمين في أوروبا على أنهم معارضون عالميًا للمثلية الجنسية بسبب معتقداتهم الدينية. ويتجلى ذلك في دراسات واسعة النطاق تقول إن المسلمين يعارضون المثلية الجنسية أكثر من غير المسلمين، لكنّ دراسةً أشرف عليها باحثون من هولندا، رأت ربط الدين الإسلامي بمعارضة المثلية الجنسية، يعكس نظرة أحادية البعد، لذا عملوا على دراسة كل من “التدين” و”معارضة المثلية الجنسية” من زوايا مختلفة.
وتقول الدراسة التي تناولت 9000 عربي مسلم: “صحيح أنّ المشاركين يرفضون المثلية والمثليين؛ فإن واحدًا من كل خمسة يرفض المثلية الجنسية، ولكن لا يعترضون على وجود جيران مثليين”. وأظهرت التحليلات أن الارتباط الديني الديني يزيد من معارضة المثلية الجنسية والمثليين جنسيًا. لكنّ أبعاد التدين الأخرى التي تناولتها الدراسة (النصوص، وارتياد المساجد، ومبادئ الإيثار ومساعدة الآخر) تقلل أيضًا من بعض المعارضة. وخلصت الدراسة إلى أنّ الحجة القائلة بأن تدين العرب المسلمين لا يؤدي إلا إلى معارضة المثلية الجنسية ليس بالأمر الدقيق.
تحكي ندى (٣٩ عامًا) أمٌ لطفلٍ مراهق، ومهندسة معلوماتية تعيش في بيرلين، لمواطن: “يبلغ طفلي من العمر أربعة عشر عامًا، وقد أسرّ لي يومًا أنه لا يشعر بانجذاب للفتيات، وقبل أن يكمل أخبرته أنه يستطيع أن يحبّ ما يريد، وأنني أحبه كيفما كان، وسأبقى معه في أي طريقٍ يختاره في حياته”.
بحثت ندى في الكتب والمواقع الإلكترونية عن طريقة يمكنها من خلالها تغيير توجهات ابنها الجنسية، كما سألت أكثر من طبيب، وكانت الإجابة أنّ الأمر غير ممكن، عدا أختها الممرضة التي نصحتها بتشجيعه على الاندماج مع الفتيات، وتأمين خلوةٍ لهما إن أمكن ذلك، وأخذه إلى شاطئ البحر كي يرى النساء بملابس البحر، “لعلّ غريزته تعود إلى طبيعتها ورشدها”، لم تقتنع ندى كثيرًا بكلام أختها في النهاية. ومالت إلى تقبل الابن، وبما أنها مسلمة الديانة، يجعلها الأمر واحدة من هؤلاء الذين أشارت لهم الدراسة. الذين لا تعيقهم التعاليم الدينية عن تقبل المثلية بالضرورة. إلا أنها نماذج لا تمثل الأغلبية أيضًا.
يقول محمد كاظم هنداوي، محامٍ يعمل في ألمانيا، إنّ القانون الألماني الأوروبي والأميركيّ لا يتدخل بطريقة تربية الأطفال إلا في حال استخدام العنف في التربية أو التلويح به، ويؤكد أنّ الأب والأم يستطيعون حسب القوانين تربية أطفالهم بالطريقة التي يرونها مناسبة.
السؤال، هل يجب تثقيف الأطفال حول المثلية الجنسية؟
تتضارب مواقف الأهالي العرب في التعاطي مع موضوعات المثلية مع أطفالهم، عند السؤال من باب الفضول، أو ربما الإعجاب بالأمر، وبين ما يعتبره الأهل توعية دينية أو إرشاد نفسي، لكن يبقى السؤال المهم، هل يجب تثقيف الأطفال حول المثلية الجنسية؟، يقول عامر (٤٢ عامًا) طبيب نفسيّ فضل عدم الكشف عن اسمه الحقيقيّ لاعتبارات مهنية واجتماعية: “بصراحة هذا سؤالٌ كبير، ولا يمكن الإجابة عنه في بضعة أسطر. توصي المؤسسات الطبية الأوروبية بضرورة التثقيف الجنسي الشامل للأطفال في جميع المواضيع؛ بما فيها المثلية الجنسية، بصفتها أحد تنوعات التوجهات والميول الجنسية”.
ويضيف بما يخصّ الأطفال العرب المُهاجرين في أوروبا: “يبدو الأمر معقدًا، سينتفض للأهل في وجه أي محاولات جعل المثلية توجهًا جنسيًا موازيًا للغيرية، وقد يؤدي ذلك إلى أخذ سلطات البلد لطفلهم، وهذه مأساةٌ حقيقية في الثقافة العربية والإسلامية، وفي حال اقتناع الطفل بمعتقدات الأهل بأنّ المثلية شذوذ وحرامٌ وكفر؛ فإنه سيبقى في صراعٍ مستمر مع أصدقائه في المدرسة والمؤسسات الحكومية للبلد الذي يعيش فيه”.
وأضاف: “أما إذا تشرّب الطفل قوانين البلد واستساغها علنًا؛ فإنّ ذلك قد يحدث قطيعةً مع أهله وجاليته، وقد يتعرّض للاعتداء حسب درجة تزمت من حوله، ودوري كطبيب نفسيّ تقديم النصح والمشورة لحالة كل شخص على حدة”.
من جهةٍ أخرى ترد نجوى حيدر، على سؤالنا فيما إذا كان من الأفضل شرح مفهوم المثلية للأطفال: “هذا السؤال شائك ويختلف حسب الأهل وتقبلهم للأمر، في ألمانيا يبدأ التثقيف الجنسي في المدارس من الصف الرابع، ويكون بغرض توعية الطفل وحمايته وليس شرح كيفية الممارسة كما يعتقد البعض، وتُقدم المثلية على أنها نوع من أنواع التزاوج، هذا ما يُثير احتجاج الأهل؛ حيث يعتقدون أنه يُحرّض المثلية لدى الأطفال، وهو غير صحيح”.
وتضيف “في البداية؛ لسنا مُضطرين لشرح التفاصيل للأطفال، وننتظر ردة فعلهم وأسئلتهم لنجيب عنها، وأنا على سبيل المثال لم أتطرّق للموضوع مع أطفالي، واكتفيت بما يُقدم لهم في المدرسة من معلومات، ويجب ألا نخيفهم من الموضوع”.
وحددت اليونسكو أهداف التربية الجنسية على أنها تعليمُ وتعلُّمُ الجوانب المعرفية والعاطفية والجسدية والاجتماعية للحياة الجنسية، وتهدف إلى تزويد الأطفال والشباب بالمعرفة والمهارات والقيم التي ستمكنهم من تحقيق صحتهم ورفاههم وكرامتهم، وتطوير علاقات اجتماعية وجنسية صحية، والنظر في كيفية تأثير اختياراتهم على رفاهيتهم ورفاهية الآخرين، وفهم وضمان حماية حقوقهم طوال حياتهم.
وحول الطريقة الأفضل والأسلم لتربية الأهل العرب لأطفالهم في ألمانيا ودول أوروبا، يقول محمد كاظم هنداوي، محامٍ يعمل في ألمانيا، إنّ القانون الألماني الأوروبي والأميركيّ لا يتدخل بطريقة تربية الأطفال إلا في حال استخدام العنف في التربية أو التلويح به، ويؤكد أنّ الأب والأم يستطيعون حسب القوانين تربية أطفالهم بالطريقة التي يرونها مناسبة.
ويروي قصة سيدة عربية راجعته، بعد تكرار زيارات صديقة ابنتها إلى المنزل، وملاحظتها للحميمية الزائدة بينهما، وعندما واجهت الأم ابنتها كان الرد بأنها تفعل مثلما يفعل الجميع وتريد عيش حياتها كما تريد، ارتعبت السيدة وأخبرت زوجها بالحادثة، جُن جنون الأخير وانهال ضربًا على ابنته البالغة من العمر 18 سنة، إلى أن أتت الشرطة واعتقلته وحكمت عليه بالسجن لسنة ونصف، وأصبح بقية الأولاد مهددين بالسحب من قبل الشرطة لأنّ المحكمة اعتبرت الأهل غير مؤهلين لتربية أطفالهم.
يبقى موضوع المثلية من أكثر القضايا الشائكة في العالم العربي والإسلامي؛ خاصة مع هجرة هؤلاء العرب والمسلمين إلى أوروبا، ما يجعلهم أمام صراع بين عاداتهم وثقافتهم، والثقافات الأخرى، التي لا ترى المثلية أكثر من ميل جنسي؛ ما يجعل هذه الأسر تحاول البحث عن سبل أخرى غير تلك المعتادة في بلادهم للحديث مع أبنائهم حول الأمر.