الإبادة الصحفية.. استراتيجية إسرائيلية لتعمية الرأي العام
هذا التحقيق جزء من “مشروع غزة”، الذي نظمته “فوربيدن ستوريز” وشاركت فيه أريج مع 50 صحفياً وصحفية يمثلون 13 مؤسسة.
تحقيق ليان بيروشون بإسهام: آرثر كاربنتييه (لومونج) وجايل فور (وكالة الأنباء الفرنسية) وسارة بنهيده (وكالة الأنباء الفرنسية) وبينوا توسان (وكالة الأنباء الفرنسية) وجان مارك موجون (وكالة الأنباء الفرنسية) ومارك جوردييه (وكالة الأنباء الفرنسية) وهدى عثمان (أريج) وفرح جلاد (أريج) وماريا ريتر (Paper trail Media) وماريا كريستوف (Paper trail Media) ودجانا كوليج (Paper trail Media) وفريدريك أوبرماير (Paper trail Media) وكريستو بوششيك (Paper trail Media) ووليد البطراوي (قصص محظورة) ومانيشا جانجولي (الجارديان)
عند الساعة الثانية صباحاً من يوم 10 تشرين الأول/أكتوبر 2023، أجرى الصحفي في وكالة الأنباء الفرنسية عادل الزعنون، اتصالاً بزملائه يحمل أخباراً مقلقة؛ فقد تلقى فريق الوكالة أمراً من الجيش الإسرائيلي بضرورة إخلاء مكتبها في برج حجي الواقع في قلب مدينة غزة، في إشارة إلى احتمال تعرض المبنى للقصف.
قبل ساعات قليلة، كان المدير التنفيذي للوكالة فابريس فرايز، قد أشار إلى عنوان المبنى في رسالته إلى المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي؛ لتجنب أي استهداف محتمل.
في المكالمة التي جمعت بينهما، سأل الزعنون مدير مكتب وكالة الأنباء الفرنسية في القدس مارك جوردييه “هل يجب علينا الإخلاء أم البقاء في المبنى؟”، ليجيب الأخير: “لا تضيعوا دقيقة واحدة، واخلوا المبنى، وأنا سأتصل بالجيش وأعود إليكم في أقرب وقت ممكن”.
في نهاية المطاف، أنقذ المبنى هذا اليوم من الاستهداف، لكن غارة إسرائيلية أخرى وقعت على بعد بضع مئات من الأمتار من المبنى أودت بحياة ثلاثة صحفيين فلسطينيين، جاءوا لتغطية الهجوم الذي كاد أن يقع. واتصل الجيش الإسرائيلي بمارك جوردييه في وقت لاحق من هذه الليلة؛ ليخبره بأن المبنى صنف ضمن المواقع “الممنوع استهدافها”.
لم تكن هذه الحالة هي الأولى من نوعها التي تصدر فيها أوامر للصحفيين بضرورة إخلاء مكاتبهم المهددة بالقصف؛ فيذكرنا مدير البرامج في لجنة حماية الصحفيين كارلوس مارتينيز دي لا سيرنا، بأن “الجيش الإسرائيلي يحتفظ بتاريخ من الهجمات على مقرات المؤسسات الإعلامية”؛ ففي أيار/مايو 2021، استهدفت القوات الإسرائيلية برجاً يضم مكاتب قناة الجزيرة ووكالة الأنباء الأميركية “أسوشيتد برس” بثلاثة صواريخ؛ بزعم أن المبنى أصبح يشكل مصدراً للتهديد؛ لوجود عناصر من حماس بداخله. ولم يقدم الجيش دليلاً عما ادعاه، عند استجوابه علناً بشأن الحادثة.
ومنذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، اتخذت هذه الظاهرة أبعاداً غير مسبوقة؛ فرداً على الهجوم الإرهابي الذي شنته حماس على الأراضي الإسرائيلية، أقدم الجيش الإسرائيلي بلا هوادة
على قصف قطاع غزة الذي تبلغ مساحته 365 كيلومتراً مربعاً، وهو أكبر قليلاً من مساحة دولة مالطا. ومنذ ذلك الحين، أصبحت التغطية الإخبارية في القطاع محدودة للغاية.
يقول مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير “عندما تنظر إلى أي صراع في العالم، ستجد وسائل الإعلام الدولية حاضرة في الميدان”، مضيفاً أن في حالة غزة :”لم يسمح لأي منها بالوصول إلى الميدان، أو أنها تصاحب الجيش الإسرائيلي”.
وحدهم الصحفيون في غزة هم من يمكنهم تغطية ما يحدث في القطاع، إنهم يجاهدون من أجل البقاء وإيجاد أماكن يلجأون إليها، ولم تعد أماكن عمل الكثيرين منهم غير موجودة؛ فوفق نقابة الصحفيين الفلسطينيين، فإن نحو 70 بنية تحتية صحفية -بما في ذلك محطات الإذاعة المحلية ووكالات الأنباء وأبراج البث ومراكز تدريب الصحفيين- قد دمرت -جزئياً أو كلياً- منذ بداية الحرب.
وأجرت فوربيدين ستوريز (قصص محظورة) هذا التحقيق بالتعاون مع وكالة الأنباء الفرنسية وأريج، ولوموند، ووسائل إعلام دولية أخرى، في إطار مشروع غزة. واستناداً إلى تحليلات الخبراء في مجالد المقذوفات والصوتيات، يخلص التحقيق إلى الإستراتيجية التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي لتقييد الوصول للمعلومات في غزة؛ وهي الإستراتيجية التي تتمثل في تدمير البنية التحتية الصحفية.
توقف البث
في 13 تشرين الأول/أكتوبر 2023، أمر الجيش الإسرائيلي مليون شخص بإخلاء شمال قطاع غزة. وبعد نحو ثلاثة أيام من ترك مكاتبهم منتصف الليل؛ هجر موظفو وكالة الصحافة الفرنسية برج حجي، الواقع في حي الرمال الراقي بشمال غربي غزة. فريق الوكالة المؤلف من ثمانية صحفيين ومصوريين، وصحفيي فيديو وموظفين آخرين، هم من سكان غزة الذين عملوا لسنوات مع الوكالة؛ وهي إحدى الوكالات الدولية القليلة التي لديها مكاتب بالقطاع.
وقالت المتحدثة باسم نقابة الصحفيين الفلسطينيين شروق أسعد: ” في كل الأحوال لا توجد وسائل إعلام أجنبية تعمل داخل غزة؛ فوكالات الأنباء الدولية تعمل من خلال صحفيين محليين”.
وقبل مغادرة مكتب وكالة الصحافة الفرنسية؛ ترك العاملون كاميرا مُثبتة على حامل ثلاثي الأرجل بالطابق العاشر من المبنى، تعمل بألواح شمسية. كان الهدف من تشغيل هذه الكاميرا، هو الحصول على بث مباشر من غزة على مدار أيام الأسبوع. ورغم انقطاع البث في بعض الأحيان بسبب مشكلات تقنية، إلا أنه كان أحد آخر مصادر الصور الحية من غزة، ولطالما لجأت إليه وسائل إعلام عالمية.
وفي الثاني من تشرين الثاني/نوفمبر 2023، عند الساعة 12:09 ظهراً بالتوقيت المحلي، وبينما كانت الكاميرا تلتقط صوت الطائرات وتصور أعمدة الدخان المنبعثة من المباني شمال غزة، اهتزت الصورة فجأة، وحجب الدخان عدسة الكاميرا. سجلت الكاميرا ضربة وقعت على بعد أمتار قليلة فقط منها، وهي لقطات أمكن مشاهدتها في جميع أنحاء العالم.
وعند وقوع الحادث، سارع الرئيس التنفيذي لوكالة الصحافة الفرنسية، فابريس فرايز، بكتابة منشور على منصة إكس (تويتر سابقاً)، قائلاً: “موقع المكتب معروف للجميع، وذكّرنا به الحكومة الإسرائيلية عدة مرات خلال الأيام القليلة الماضية؛ لمنع مثل هذا الهجوم، والسماح لنا بمواصلة البث المباشر من الأرض”. وكان الجيش الإسرائيلي قد أكد للوكالة -في بداية الحرب- أن المبنى “غير مستهدف”.
وأُرسلت إحداثيات المبنى إلى الجيش الإسرائيلي عدة مرات، مثلها مثل إحداثيات العديد من المكاتب الإعلامية والمستشفيات والمواقع الإنسانية الأخرى في القطاع. ورداً على سؤال وجهته وكالة الصحافة الفرنسية إلى الجيش الإسرائيلي بشأن الاستهداف، نفى المتحدث باسم الجيش في بيان وقوع هذه الضربة، قائلاً: “يبدو أن غارة إسرائيلية قد وقعت بالقرب من المبنى، بغرض القضاء على مصدر تهديد مفاجئ”.
تعرض المبنى لأضرار كبيرة، ويظهر حجم الدمار الهائل من خلال صور حصرية التقطتها وكالة الصحافة الفرنسية، الشريكة في مشروع غزة. تهشمت جدران المبنى، وتناثرت الشظايا في كل مكان بمبنى الوكالة، الذي اكتسى بالغبار.
ورغم أن الجيش الإسرائيلي ينفي قصف البرج، أصيب المبنى بعدة ضربات، وقع بعضها على بعد أمتار قليلة من الكاميرا؛ وفق تحليل البث المباشر الذي حصل عليه اتحاد فوربيدن ستوريز.
استهداف البث المباشر
اكتشفت فوربيدن ستوريز، أنه في الثاني من تشرين الثاني/نوفمبر 2023، لم يكن هناك هجوم واحد مباشر على المبنى، بل اثنان على الأقل، وقعا بين الساعة 11:55 صباحاً و12:09 ظهراً. وتظهر اللقطات المباشرة للضربتين؛ وميضاً سريعاً لمقذوف في الأفق، أعقبه دوي انفجار بعد أربع ثوانٍ تقريباً.
بفضل نتائج البحث عبر المصادر المفتوحة التي أجرته لوموند، وبدعم من منظمة “إيرشوت” -وهي منظمة غير ربحية متخصصة في إنتاج التحقيقات الصوتية للدفاع عن حقوق الإنسان- تمكنا من تحديد مصدر المقذوفات. نفذت الضربات دبابات إسرائيلية كانت متمركزة في منطقة مهجورة، على مسافة ثلاثة كيلومترات من البرج، حيث مثّل المكان خطاً واضحاً لإستهداف البرج؛ وفق ما أكدته الصور التي التقطها مزود صور الأقمار الصناعية MAXAR، والتي تظهر فيها الدبابات. عند عرض النتائج على خبراء المقذوفات في منظمة TKTK، توصلوا إلى أن الدبابات أطلقت قذائف مثبت عليها أجهزة تفجير زمنية، وظيفتها قتل أو تدمير أيّ شيء يقع خلف الجدران.
أفضى تحليل البث المباشر إلى اكتشاف آخر؛ فقبل دقائق قليلة من الهجمات الأربع على مكاتب وكالة الصحافة الفرنسية، وقع انفجار آخر في مبنى برج الغفري المجاور، الذي كان نقطة للبث المباشر أيضاً، عن طريق كاميرات مُثبتة.
في الطابق السادس عشر من هذا البرج -أحد أطول الأبراج في قطاع غزة- تقع مكاتب المجموعة الإعلامية الفلسطينية، التي كانت تزود وسائل الإعلام بإطلالة كاشفة لغزة، عبر اللقطات المُسجلة بكاميراتها. قبل الساعة العاشرة من صباح يوم الثاني من تشرين الثاني/نوفمبر 2023، سجلت كاميرات مثبتة في النوافذ الأربع لمكتب المجموعة الإعلامية الفلسطينية، صوت انفجار تناقلته مباشرة العديد من خدمات الأخبار الدولية؛ بما في ذلك رويترز والعربية.
في ذلك الصباح، كان إسماعيل أبو حطب يعد قهوته، ويعمل على تخزين لقطات الأمس. كان صحفياً مستقلاً، ينام ليلته في مكاتب المجموعة الإعلامية الفلسطينية. وفي صباح هذا اليوم، وأثناء استعداده ليوم عمل جديد. يقول أبو حطب لفوربيدن ستوريز: “أمسكت بالكاميرا، ثم لم أرَ ولم أسمع شيئاً، كل ما أتذكره هو وميض ضوء أصفر”.
صور صحفي آخر المشهد، حيث غطى دخان كثيف المكاتب، حتى تعذر رؤية حامل الكاميرا القريبة. أصيب حطب في ساقه، ونقل إلى مستشفى الشفاء، الذي كان لا يزال يعمل في ذلك الوقت، ولم يعد إلى مكتب المجموعة الإعلامية الفلسطينية.
ورداً على سؤال عن الدوافع المحتملة وراء الهجوم على الطابق السادس عشر من البرج، حيث يقع مكتب المجموعة الإعلامية الفلسطينية، يقول رئيسها التنفيذي حسن المدهون لفوربيدن ستوريز، إن الدبابات الإسرائيلية وصلت إلى شمال غزة في 31 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وكان الجيش بصدد أن يبدأ عملياته العسكرية؛ وبالتالي يريد منع أيّ تصوير يُظهر حجم الدمار والجرائم المُرتكبة.
يضيف المدهون: “لذلك استهدفوننا… نحن نبث الصورة كما هي من دون أيّ تعليق، ولكن يبدو أن الصورة تزعج الجيش الإسرائيلي”.
تواصلت فوربيدن ستوريز مع الجيش الإسرائيلي بشأن هذه الضربة، فقال المتحدث باسم الجيش إنهم لم يكونوا على علم بوقوع غارة في الموقع والتاريخ المذكورين.
رغم أنها لا تشكل دليلاً رسمياً على وجود استراتيجية ينتهجها الجيش الإسرائيلي، إلا أن سلسلة الضربات التي استهدفت موقع وجود كاميرات المجموعة الإعلامية الفلسطينية، التي تقع على بعد أمتار فقط من كاميرا وكالة الصحافة الفرنسية في برج حجي، تنطوي على عدد من المؤشرات؛ فقد طلب مسؤول في برج حجي، وكالة الصحافة الفرنسية بوقف البث المباشر لفترة؛ خوفاً من تعرض المبنى لمزيد من الضربات. ومع عدم تمكن أيّ شخص من العودة إلى المكتب لإعادة تشغيل البث، توقف البث نهائياً عند الساعة 10:31 صباحاً من يوم 12 تشرين الثاني/نوفمبر. ولم يعد هناك بث مباشر من غزة على الإطلاق.
تقول مقررة الأمم المتحدة الخاصة، المعنية بحرية الرأي والتعبير، أيرين خان: “عندما يكون هناك احتمال قوي لارتكاب جريمة حرب، يصبح البث المباشر دليلاً حاسماً”.
يبدو أن استراتيجية الجيش الإسرائيلي لا تقتصر على إعاقة العمل الصحفي في غزة؛ ففي 21 أيار/مايو 2024، صادرت السلطات الإسرائيلية معدات بث وتصوير فريق وكالة أسوشيتد برس الأميركية، الموجود في إسرائيل، بزعم انتهاكه قانون الإعلام الجديد، من خلال تزويد قناة الجزيرة بلقطات مباشرة. وقبل وقت قصير من مصادرة المعدات، كان الفريق يصور ويبث لقطات عامة لشمال غزة من مدينة سديروت، التي تبعد نحو كيلومتر واحد من قطاع غزة.
ذكرت منظمة “مراسلون بلا حدود” على موقعها الإلكتروني في عام 2021، أن الجيش الإسرائيلي -من خلال تدميره المتعمد لوسائل الإعلام- لا يلحق فقط الضرر المادي غير المقبول بعملية إنتاج الأخبار، ولكنّه أيضاً يعرقل على نطاق أوسع التغطية الإعلامية للصراع؛ ما يؤثر مباشرة في حياة المدنيين.
وعلى إثر الضربات التي تعرضت لها وكالة الصحافة الفرنسية، والمجموعة الإعلامية الفلسطينية -على وجه التحديد- تعرّض الصحفيون للصدمة، بعدما كانوا يأملون في العودة إلى عملهم يوماً ما. يصف الصحفي يحيى حسونة، الذي يعمل لدى وكالة الصحافة الفرنسية منذ 2009، برج حجي بأنه المكان الذي يمثل كل حياته.
ملاذ الصحفيين
لطالما كان “بيت الصحافة”، القريب من برج الاتصالات بحي الرمال في مدينة غزة، ملاذاً للصحفيين، ومحطة للقاء الزملاء، وللتزود بالطعام والاتصال بالإنترنت والحصول على سترات واقية. تصف المتحدثة باسم نقابة الصحفيين الفلسطينيين، شروق أسعد، المكان بأنه “بالفعل كان أحد أكثر الأماكن أماناً للصحفيين” في غزة، قبل وقوع الهجوم الإسرائيلي.
بعد أن عززت حماس سلطتها في عام 2007، في أعقاب فوزها في الانتخابات التي أدت إلى اشتباكات بينها وبين السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس (فتح)، كان يُصنف الصحفيون بناء على ولائهم السياسي، وكان من الصعب الحصول على اعتمادات أو حتى تغطية مؤتمر صحفي لأيّ شخص لا ينتمي إلى فصيل أو آخر. في هذا المناخ ولدت منظمة “بيت الصحافة” عام 2013. يقول المراسل السابق لوكالة أسوشيتد برس في غزة، وعضو مجلس إدارة المنظمة، إبراهيم برزق: “لم يكن هناك مكان أو مظلة للصحفيين المستقلين، والأشخاص الذين ليس لديهم انتماء على الإطلاق”.
ترجع فكرة إنشاء هذا الكيان المنعزل عن الضغوط السياسية إلى بلال جاد الله. يقول صديقه حكمت يوسف، واصفاً إنشاء المنظمة: “لقد حقق جاد الله إنجازاً مذهلاً… لهذا يحبه الصحفيون، يسمونه الأب الروحي للصحفيين؛ لأنه لم يخذل أحداً طوال مسيرته الصحفية”.
منذ البداية، أراد جاد الله أن يجعل من “بيت الصحافة” مكاناً مستقلاً يمكن لأيّ شخص أن يجتمع فيه. قتل جاد الله في سيارته في 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، أثناء محاولته الانضمام إلى عائلته جنوب القطاع.
كان جاد الله “وبيت الصحافة” معروفين خارج غزة، وتشهد صور الدبلوماسيين الألمان والفرنسيين والدنماركيين المنشورة على حسابات “بيت الصحافة” على وسائل التواصل الاجتماعي، على ما نالته المنظمة من تقدير دولي. وتُعدّ دول كندا، والنرويج -التي اعترفت بالدولة الفلسطينية في 28 أيار/مايو- وسويسرا، بالإضافة إلى اليونسكو والاتحاد الأوروبي، من أبرز المانحين والداعمين لبيت الصحافة، وفق الموقع الإلكتروني للمظلة المستقلة للصحفيين في فلسطين.
يقول المشرف على المنحة التي قدمتها النرويج روبن أندريه يوهانسن: “نحن نمول أوجه الأنشطة المرتبطة ببناء قدرات الصحفيين الشباب، الذين تخرجوا حديثاً في مؤسسات التعليم العالي في غزة، ونمول شراء معدات حماية الصحفيين”.
"لقد كانت مثل خلية النحل"
في التاسع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، سيطر الذعر على الصحفيين في غزة؛ فلجأ العشرات منهم إلى “بيت الصحافة” لتجهيز أنفسهم بوسائل الحماية، ولاتخاذه ملاذاً آمناً يتجمعون فيه. يقول برزق: “قرر جاد الله تحويل بيت الصحافة إلى مقر عمل للصحفيين، يمكنهم اللجوء إليه، واستخدام المولد الكهربائي، والحصول على خدمة الإنترنت المجانية بالطبع”.
في المجمل، استلم الصحفيون في غزة نحو 80 سترة واقية من الرصاص، تحمل شعار “بيت الصحافة” وعليها كلمة “صحافة”. يقول رئيس تحرير “سوا نيوز” -وهي وسيلة إعلام مستقلة مقرها المنظمة- يوسف: “كان المقر أشبه بخلية نحل”.
وبعد بضع ساعات، دمرت غارة جوية المبنى المجاور، الذي يضم شركة “بالتل”، وهي إحدى مزودي خدمة الإنترنت الرئيسيين في غزة. كما تعرض “بيت الصحافة” للقصف، وانقطع الإنترنت بشكل دائم؛ وفقد بعدها الصحفيون كل وسائل الاتصال بالعالم الخارجي.
وبعد أربعة أيام، وتحديداً في 13 تشرين الأول/أكتوبر 2023، أخلى الصحفيون “بيت الصحافة” -مثلهم مثل زملائهم بوكالة الصحافة الفرنسية- تنفيذاً لأوامر الجيش الإسرائيلي، وأخذوا طريقهم رفقة النازحين القادمين من الشمال نحو جنوبي غزة في مسيرة قسرية.
ومنذ ذلك الحين، ساد الصمت “خلية النحل هذه”. وإلى جانب جاد الله، قُتل أحمد فطيمة، ومحمد الجاجة، وهما موظفان في “بيت الصحافة”. ومن بين 80 صحفياً تلقوا سترات واقية من الرصاص من “بيت الصحافة”، قُتل 11 منهم منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، بحسب المصور بالمنظمة والمسؤول عن عمليات الطوارئ حاتم رواغ.
تمكنا من الوصول إلى آخر شخص أقام في “بيت الصحافة”، وهو مدير الشؤون المالية محمد فارس، الذي وعد جاد الله برعاية المكان في حال مقتله، وقد لجأ إلى “بيت الصحافة”، حيث أقام عدة أشهر مع عائلته، ووصف معاناتهم في هذه الفترة في عدة مقابلات أجرتها معه فوربيدن ستوريز. وفي 29 كانون الثاني/يناير 2024، اكتشف أن القوات الإسرائيلية تتمركز على بعد مئة متر فقط من “بيت الصحافة”.
يقول فارس: “وقفت دبابة في الشارع عند الساعة الخامسة صباحاً، وكانت فوهة مدفعها متجهة نحو بيت الصحافة مباشرة، ولمدة ثلاثة أيام، كان الموت يحاصرني من كل اتجاه”. وفي الأول من شباط/فبراير 2024، استغل فارس لحظة هدوء قصيرة، وتمكن من مغادرة “بيت الصحافة” في لحظات هي الأصعب، وهو غير متأكد مما سيحدث للبيت من بعده.
وبعد 11 يوماً من احتلال المنطقة، انسحب الجيش الإسرائيلي؛ فعاد فارس في العاشر من شباط/فبراير 2024، إلى “بيت الصحافة” مستقلاً دراجته، فوجد كل شيء مدمراً؛ من أجهزة الكمبيوتر والمكاتب والراديو. يقول فارس إن المبنى دُمر عمداً باستخدام المتفجرات، مضيفاً: “لم تتضرر أيّ من المباني المحيطة ببيت الصحافة”.
استهداف الجيش الإسرائيلي المرافق والمعدات الصحفية كافة، لا يعرقل نقل الصور والمعلومات من غزة إلى العالم فحسب؛ بل يُعرّض أيضاً حياة الصحفيين هناك للخطر، من خلال وقف الخدمات اللوجستية التي يحتاج إليها الصحفيون لتأدية عملهم.
قبل اندلاع الحرب، اُفتتح معرض عن جمال مدينة غزة -طرقاتها ومتنزهاتها وحدائقها وسواحلها كما تراها عيون مصوري غزة- في حديقة “بيت الصحافة”. والآن، وبعد تسعة أشهر، تقبع هذه الصور تحت الأنقاض.
أُنجز هذا التحقيق بدعم وإشراف من أريج – إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية.
Wonderful beat I wish to apprentice while you amend your web site how could i subscribe for a blog web site The account aided me a acceptable deal I had been a little bit acquainted of this your broadcast provided bright clear idea