شهد الشارع البحرين ترحيبًا واسعًا بقرار وزير الداخلية بتشكيل لجنة لمراجعة جميع حالات اكتساب الجنسية البحرينية، اعتبارًا من العام 2010، وذلك بعد أن “تبين وجود أشخاص تحصلوا على الجنسية البحرينية بالمخالفة للقانون، أو من خلال تقديم معلومات وبيانات غير صحيحة أو مستندات مزورة”. ذلك حسب ما جاء في بيان أصدرته الوزارة مطلع يونيو (حزيران) 2024؛ حيث تهدف اللجنة لـ”التأكد من صحة البيانات والمستندات التي تم على أساسها نيل الجنسية البحرينية لاتخاذ ما يلزم بهذا الشأن” كما أوضح البيان.
وكانت المعارضة البحرينية وجهت منذ سنوات اتهامات للحكومة بالمضي فيما أسمته بـ”التجنيس السياسي”، في محاولة لإحداث التغيير الديمغرافي في المملكة الصغيرة، بغية التحكم في نتائج الانتخابات البرلمانية وصنع القرار؛ ففي العام 2014، كشف منتدى البحرين لحقوق الإنسان أن أعداد المجنسين/ات بلغت 95,372 ألف أجنبي، ما نسبته 17,3% من عدد السكان خلال عشر سنوات (2004-2014).
وارتفع عدد السكان خلال الثلاثة عشر عامًا الماضية ما قدره 26.5٪، حسب الإحصاءات التي تشاركها الدولة على منصاتها الرسمية، والتي تشير إلى أن عدد البحرينيين كان 719.333 ألف نسمة في عام 2023؛ فيما كان عددهم 568.424 ألفًا في 2010، وهو ارتفاع سريع وغير طبيعي.
ردود الفعل
بشكل عام، رحبت مختلف القوى السياسية الموالية، والمعارضة الدينية واليسارية بالخطوة التي أطلقها وزير الداخلية، ودعت أغلبها للشفافية في عرض النتائج، والرغبة في أن تكون هذه اللجنة الخطوة الأولى في طريق التقليل من أثر التجنيس الذي حصل بوتيرة سريعة، خلال السنوات العشرين الماضية، كما قالوا في بياناتهم.
فقد اعتبر المكاتب السياسي لتجمع الوحدة الوطنية، وهو تيار سياسي قريب من الدولة، أن خطوة تشكيل اللجنة جاءت “انعكاسًا لرغبة المواطن وتطلعاته من الدولة للمراجعة وإعادة التقييم لقضية التجنيس بشكل عام، ووقف التلاعب والفساد الذي ترتبت عليه أضرار ملموسة على المواطن البحريني”، مؤكدًا أن الخطوة “تعبر عن رغبة جدية من الدولة في مكافحة الفساد الذي يشكل عائقًا رئيسا أمام التنمية والنهوض من خلال ما يتسبب فيه من إهدار لموارد الدولة، ومساس بالقانون، راجيًا أن تمتد يد التصحيح والإصلاح لملاحقة ومعاقبة المفسدين في جميع مؤسسات الدولة”.
فيما دعت جمعية الوفاق الوطني الإسلامية، -وهي حزب سياسي معارض تم حله ومنعه من العمل داخل المملكة- إلى “تشكيل لجنة وطنية برئاسة أعلى منصب في الحكومة، تتشكل من شخصيات وطنية معتبرة، لتعيد النظر في كل ملفات التجنيس السياسي منذ عام 2000 حتى الآن، وتُعرض نتائج المراجعة على شعب البحرين، وإلغاء كل التعديلات التي طرأت على القانون، وإعادة ضبط عملية التجنيس عبر قانون وطني يحكم عملية إعطاء الجنسية بضوابط صارمة وشفافة، مع إلغاء كل المعاملات السابقة التي تفتقد للبعد القانوني السليم”.
يرى النائب الأول لرئيس مجلس الشورى جمال فخرو، إنه بسبب عدم حصر العدد حتى الآن من الصعب القول بأنه سيكون لإسقاط الجنسية عنهم أثر اقتصادي يذكر، أو سياسي حتى.
ووصفت الوفاق في بيان لها على منصة x مشروع التجنيس في البحرين بأنه “من أكبر الجرائم التي ترتكب في البلاد بشكل سري منذ أكثر من ٢٥ عامًا، استوردت فيه أعداد هائلة من شعوب شتى لتتربع على كل مقدرات البلاد من امتيازات وخدمات، دون أي وجه قانوني أو إنساني، وتجاوزت خلاله السلطة كل القوانين والأعراف وسيادة البلاد وهويته الوطنية”.
كما اعتبرت أن ارتدادات التجنيس تركت آثارًا وتداعيات على الأمن الاجتماعي والعادات والتقاليد والوظائف، ومختلف الخدمات والحقوق وكل مقومات الحياة، واتهم الحزب السلطة بسعيها لـ”تغيير هوية البحرين والعبث بتاريخها ومستقبلها، والمتاجرة بملف التجنيس بهدف كسب المال وكذلك شراء الرقيق والتجارة غير الشرعية، مستغلة الأزمة السياسية لإدخال تعديلات غير قانونية على قانون الجنسية للتلاعب والعبث الذي فتح الباب على مصراعيه لحدوث أكبر عملية تزوير في تاريخ البحرين، عبر تجنيس عشرات الآلاف بطرق غير شرعية وغير قانونية”.
وأعلنت كتلة تقدم في البرلمان البحريني الممثلة لـلمنبر التقدمي -اليساري التوجه-، أنها تدعم وبقوة الخطوات التي أعلن عنها وزير الداخلية، وتعتبرها في الاتجاه الصحيح، وهي بكل تأكيد تتطلب المزيد من الشفافية والوضوح وتفعيل أدوات المحاسبة والمساءلة، وتستدعي تشديد أدوات الضبط والرقابة”.
وطالبت الكتلة القوى السياسية والبرلمانية الفاعلة بضرورة مراجعة ملف التجنيس وانعكاساته، مراعاة لمصالح الوطن والحرص على صون وحماية هويته من عبث العابثين، جراء ما أصبح ملموسًا نتيجة التراخي الواضح في الكثير من حالات إعطاء الجنسية البحرينية لفئات وشرائح متعددة ودخيلة على ثقافة مجتمعنا الآمن المستقر.. كما جاء في بيانها.
وأكدت رفضها “لأي نوع من أنواع العبث بهوية ونسيج وطننا الغالي”، كما طالبت بمحاسبة كل المتسببين والمستفيدين والمتاجرين بـ”هويتنا الوطنية مهما كانت مواقعهم؛ فذلك أمر لا يسقط بالتقادم، ولا يجب السكوت عنه”. حسب ما جاء في البيان.
وخصصت وزارة الداخلية خطًا ساخنًا للإبلاغ عن أي معلومة أو شكوى أو ملحوظة بشأن اكتساب الجنسية البحرينية بالمخالفة للقانون؛ حيث على المتصل الإفصاح عن هويته والتأكد من أن المعلومات والبيانات المقدمة قد تساعد في عمل لجنة مراجعة حالات اكتساب الجنسية البحرينية.
قالت مديرة مركز البحرين لحقوق الإنسان، نضال السلمان: "لقرار التجنيس انعكاسات كبيرة على أوضاع حقوق الإنسان في البحرين؛ لا سيما فيما يتعلق بقضايا المواطنة والانتماء والتمييز وانعدام الجنسية والانتهاكات بأكملها".
تأثيرات التجنيس
وفي تعليق له على قرار تشكيل اللجنة، قال النائب الأول لرئيس مجلس الشورى جمال فخرو: “من المنتظر أن تقف اللجنة على صحة الإجراءات واستحقاق من تم منحهم الجنسية خلال الفترة من 2010؛ حيث ستعتمد اللجنة على بحثها، ولكنها أيضًا ستنظر في أي معلومات قد يوفرها الأفراد للنظر في أي حالات مشكوك فيها؛ فيجب أن تكون كل عمليات التجنيس شرعية ووفقًا للقانون “.
ولا يعتقد فخرو كما بيّن لمواطن، “بأن حالات التجنيس غير الصحيحة ستكون كبيرة “لن يكون هناك تأثير اقتصادي إلا إذا كان عددهم كبيرًا، وبسبب عدم حصر العدد حتى الآن من الصعب القول بأنه سيكون لإسقاط الجنسية عنهم أثر اقتصادي يذكر، كما لا أرى أنه من الممكن تقدير أي أثر سياسي ما لم يعرف عدد الأشخاص الذين اكتسبوا الجنسية خارج القانون”.
وتختلف معه بالرأي الباحثة الاجتماعية الدكتورة منى عباس فضل، والتي ترى أن التجنيس “شكل ضغطًا كبيرًا لا حدود له على نظام الرعاية الصحي؛ حيث التأخير في حصول المواطنين/ات على مواعيد المراجعات في العيادات العامة والمشافي، وفي الحصول على الأدوية التي ينفد بعضها من حين إلى آخر، إضافة إلى الضغط على النظام التعليمي حيث اكتظاظ بعض المدارس بالتلاميذ، ومزاحمة المواطنين في فرص العمل في هذا القطاع التعليمي الهام والحساس، ناهيك عن المشكلات الاجتماعية التي تبرز هنا وهناك، بسبب طبيعة البنية الاجتماعية لهذه التكوينات”.
وتواصل حديثها لمواطن: “إلى جانب الضغط على نظام الحماية الاجتماعية فيما يتعلق بمخصصات الدولة للرعاية والضمان الاجتماعي للأرامل والمطلقات، ولذوي الاحتياجات الخاصة، وحتى مخصصات البطالة عن العمل، ومخصصات دعم ارتفاع أسعار بعض السلع الغذائية والكهرباء، والتمكين من فرص الحصول على السكن والقروض الميسرة له وغيرها، مما كان متوفرًا للمواطن البحريني وتستحقه الفئات المحتاجة من ذوي الدخل المتدني والفقيرة، وقد جاء من يزاحمها في الحصول على هذا الدعم”.
وتوضح : “غدا الهدر للموارد المالية والاقتصادية واضحًا ومؤثرًا في تراجع الاقتصاد والاستثمار وأثقلت الميزانية العامة، ولكل هذا وذلك بالطبع تداعيات خطيرة ومدمرة على المواطن البحريني من الناحية الاقتصادية والنفسية”.
لا طائل من اللجنة
وانتقد المعارض السياسي البحريني الذي يعيش في المنفى الدكتور عبدالهادي خلف عبر حسابه على منصة x، المرحبين بقرار السلطة بتشكيل لجنة “تختار السلطة أعضاءها من بين موظفيها وأزلامها لمراجعة قرارات السلطة نفسها”. مضيفًا: “هذه الفئة الطبالة ليست كغيرها من فئات شعبنا، من السنة والشيعة ومن أهالي المدن والقرى، التي صمتت وهي تشهد مخازي التجنيس السياسي خوفًا من سطوة قوى الأمن وبطشها، أو رغبة في الحفاظ على لقمة العيش أو بسبب سوء تقدير؛ فهي لن تتوانى عن الترحيب مستقبلًا بإعلان لجنة المراجعة الموعودة نتائج “مراجعتها؛ خاصة التأكيد على أن كل شيء على ما يرام؛ فكل ما في الأمر أن نفريْن ارتكبا أخطاءً إدارية وقد تمت محاسبتهما”.
ما الذي سيحدث؟
آلاف تم تجنيسهم خلال السنوات الماضية، تقول المعارضة إنهم غير مستحقين لها، وكان الهدف من وراء تجنيسهم سياسيًا، ولا تنطبق عليهم القوانين والأنظمة؛ فما الذي سيحدث عندما يتم الكشف عن كل تلك المعاملات؟
مديرة مركز البحرين لحقوق الإنسان نضال السلمان تعلق: “لقرار التجنيس انعكاسات كبيرة على أوضاع حقوق الإنسان في البحرين؛ لا سيما فيما يتعلق بقضايا المواطنة والانتماء والتمييز وانعدام الجنسية والانتهاكات بأكملها”.
وأضافت لمواطن: “شهدت سياسات التجنيس السياسي وسحب الجنسيات تمييزًا ملحوظًا على حقوق الإنسان، وما زالت قضية مثيرة للجدل؛ حيث سلطت العديد من التقارير الصادرة عن منظمات حقوق الإنسان الضوء على الآثار السلبية على المتضررين/ات”.
وبيّنت السلمان أن تشكيل لجنة التحقيق يثير عدة توقعات ومخاوف من الناحية الحقوقية، فيما يتعلق بالشفافية والعدالة، قالت: “من المهم أن تعمل اللجنة بشفافية وتضمن إجراءات عادلة، وكذلك المطلوب تصحيح المظالم السابقة من خلال سحب الجنسية التي أعطيت لأناس وأشخاص؛ فقط لإحداث تغيير ديمغرافي، وحتى لأشخاص لا يعيشون في البحرين، وكذلك إعادة الجنسية للأفراد الذين جردوا من جنسيتهم بشكل غير عادل؛ فهذا من شأنه أن يساعد في إعادة بناء الثقة في التزام الحكومة بحقوق الإنسان والنزاهة القانونية”.
ودعت السلمان اللجنة ليتوافق عملها مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، “ومنع الانتهاكات في المستقبل، لذلك ينبغي أن يؤدي التحقيق إلى إصلاحات في سياسات التجنيس في البحرين، وينبغي التدقيق ووضع معايير واضحة وعادلة دون تمييز”.
وختمت حديثها معتبرة أن قرار تشكيل لجنة لمراجعة عمليات اكتساب الجنسية في البحرين “خطوة حاسمة، ويمكن أن تعالج انتهاكات حقوق الإنسان السابقة، وتمنع الانتهاكات في المستقبل، إلا أن نجاح هذه المبادرة يعتمد على التزام اللجنة بالشفافية والعدالة والمعايير الدولية لحقوق الإنسان”.
وفي شرح للمحامية البحرينية فاطمة الحواج، بيّنت أن القانون البحريني يسمح بسحب الجنسية البحرينية لمن أعطيت له بمرسوم بناءً على عرض من وزير الداخلية إلى مجلس الوزراء في سبع حالات وهي: إذا قدم معلومات كاذبة للحصول على الجنسية، إذا حصل عليها بالغش، إذا قدم مستندات مزورة، إذا أخفى معلومات جوهرية، إذا صدر عليه حكم جنائي نهائي بات في جريمة مخلة بالشرف والأمانة، إذا استرد جنسيته الأصلية دون موافقة وزير الداخلية، إذا تخلى عن الإقامة في البحرين لمدة خمس سنوات متصلة وبدون موافقة وزير الداخلية وبدون عذر.
يذكر أن السعودية اشتكت في 2018 من “منافسة عدد ممن يحملون جوازات بحرينية لأصحاب الأعمال بالسعودية، مستغلين في ذلك التسهيلات التي تقدم لمواطني دول مجلس التعاون الخليجي، مما أدى إلى إلحاق الضرر بمصالح المواطنين السعوديين”؛ فأمر وزير الداخلية في ذلك الوقت بـ “سرعة التحري حول هذا الأمر، بالتعاون مع وزارة الداخلية السعودية، للوقوف على حقيقة الوضع واتخاذ ما يلزم لتصحيح ذلك”.
Wonderful beat I wish to apprentice while you amend your web site how could i subscribe for a blog web site The account aided me a acceptable deal I had been a little bit acquainted of this your broadcast provided bright clear idea