تعرض محمد السيد في إحدى المرات لحادث أثناء العمل، وبدلًا من أن يتم نقله إلى المستشفى بشكل عاجل، طُلب منه الاستمرار في العمل حتى نهاية اليوم. شعر حينها بالإهانة الشديدة، وكأنه لا يساوي شيئًا. لم يكن لديه أي تأمين صحي يغطي إصابته، وعندما حاول المطالبة بالرعاية، لم يجد من يستمع إليه. أصبحت إصابته مصدر ألم دائم، ولكنه كان مضطرًا للاستمرار في العمل.
قبل نحو 10 سنوات سافر السيد للعمل في مجال المعمار بإحدى دول الخليج بحثًا عن مصدر دخل وحياة أفضل، ليعيش فترة قاسية وصعبة مع نظام الكفالة الذي ينظم العمل هناك، ويصف سنواته العشر بأنها الأسوأ في حياته، بسبب الضغوط والظلم الذي تعرض له خلالها، لكنه مضطر للتحمل ولا يملك أي خيار للعودة إلى بلده مصر بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة والتزامه بنفقات أبنائه في مراحل التعليم المختلفة.
يتمتع الكفيل بالتحكم في العديد من حقوق العامل الأساسية، بما في ذلك حقه في تغيير الوظيفة أو مغادرة البلاد، مما يحد بشكل كبير من حرية العامل وكرامته.
يحكي لمواطن: “جئت إلى هنا مليئًا بالأمل، كنت أرى أن العمل في الخارج هو طوق النجاة لي ولعائلتي، لنعيش حياة كريمة بعيدًا عن براثن الفقر، تركت زوجتي وأطفالي في مصر، ووعدتهم بأن أرسل لهم المال الكافي لبناء حياة كريمة، لكن الواقع كان أصعب بكثير مما توقعت”.
ويضيف: “منذ اللحظة التي وصلت فيها، بدأت أشعر أنني مقيد، وليس فقط بالعمل الذي وقعت عليه في العقد؛ بل بنظام كامل يجعلني في يد الكفيل كأنني ملكية خاصة، كان الكفيل يملك الحق في كل شيء: متى أعمل، كيف أعيش، وحتى متى أخرج من البلاد. في البداية حاولت التكيف، ولكن مع مرور الوقت، أصبحت الحياة هنا أشبه بالسجن”.
يكمل: “كنت أعمل لساعات طويلة تصل إلى 12 أو 14 ساعة يوميًا دون أي أجر إضافي، لم يكن هناك أيام راحة ثابتة، وغالبًا ما كانت أيامي تمر دون أن أرى الشمس أو أتمكن من التواصل مع عائلتي، لم يكن لي أي قدرة على الاعتراض؛ فإذا تحدثت عن حقوقي، كان التهديد بالطرد أو الترحيل هو الرد الدائم. شعرت بأنني لا قيمة لي، أنا مجرد رقم في قائمة العمال”. الأمر نفسه لم يكن مختلفًا عند تأخر الأجر لشهور حسب قوله، كانت تقابل متطلباته؛ إما بالتجاهل أو المماطلة من الكفيل.
ما هو نظام الكفالة؟
يُعرف نظام الكفالة في دول الخليج العربي بأنه إطار قانوني وتنظيمي يُستخدم لإدارة العمالة الأجنبية؛ حيث يقوم الكفيل؛ سواء أكان شخصًا أو مؤسسة، برعاية العمال الوافدين، ويتحمل مسؤولية تنظيم أوضاعهم في الدولة.
ويُلزم نظام الكفالة العمال بأن يكونوا تحت رعاية هذا الكفيل طوال فترة عملهم وإقامتهم، مما يمنح الكفيل سيطرة قانونية على عدة جوانب من حياة العامل؛ مثل إصدار التأشيرات، تجديد الإقامة، وتحديد إمكانية مغادرة البلد أو تغيير الوظيفة، ويُعتبر هذا النظام محوريًا في استقدام وإدارة العمالة الأجنبية في الخليج، لكنه تعرض للعديد من الانتقادات؛ خصوصًا من جانب المنظمات الحقوقية الدولية.
يعود تاريخ تطبيق نظام الكفالة في دول الخليج إلى فترة ما بعد اكتشاف النفط في أوائل القرن العشرين، عندما بدأت هذه الدول في تطوير بنيتها التحتية والاقتصاد، وهو ما أدى إلى ازدياد الحاجة إلى العمالة الأجنبية؛ خصوصًا في قطاعات مثل البناء والنفط والخدمات المنزلية.
في هذه المرحلة، كان النظام بمثابة حل عملي لتنظيم استقدام العمالة الأجنبية وضمان مسؤولية الكفيل المحلي تجاه العامل الوافد. بمرور الزمن، أصبح النظام ركيزة أساسية في إدارة العمالة الوافدة؛ حيث تم استخدامه لضمان أن العمال لا يشكلون تهديدًا للأمن أو الاقتصاد المحليين، ولتسهيل إجراءات الإقامة والعمل.
في البداية، كان نظام الكفالة يُعتبر وسيلة فعالة لتنظيم تدفق العمالة الأجنبية إلى الخليج؛ حيث منح الكفلاء القدرة على مراقبة العمال والتأكد من التزامهم بالعقود الموقعة، ومع ذلك، مع تزايد أعداد الوافدين واعتماد الدول الخليجية بشكل متزايد على العمالة الأجنبية، ظهرت عدة تحديات متعلقة بحقوق الإنسان؛ ما دفع إلى مطالبات مستمرة لإصلاح هذا النظام. خلال العقود الأخيرة، تزايد الانتقاد الدولي لنظام الكفالة؛ حيث اعتبرته منظمات حقوق الإنسان غير عادل وغير إنساني في العديد من جوانبه.
تُعتبر دول مجلس التعاون الخليجي وجهات رئيسة للوافدين؛ حيث تُظهر الأرقام تفاوتًا كبيرًا في أعدادهم. في السعودية، يُقدر عدد الوافدين بحوالي 10-12 مليون؛ ما يمثل 30-35% من إجمالي السكان. تليها الإمارات؛ حيث يصل عدد الوافدين إلى حوالي 8-9 مليون، مما يشكل نحو 88% من السكان. في قطر، يُقدر عدد الوافدين بحوالي 2.5-3 مليون، بنسبة تصل إلى 75% من السكان. بينما في الكويت، يتواجد حوالي 3-4 مليون وافد؛ ما يعادل حوالي 70% من السكان. وفي عُمان، تُقدر أعداد الوافدين بحوالي 1-1.5 مليون، بنسبة 30% تقريبًا. أخيرًا؛ في البحرين، يوجد حوالي 700-800 ألف وافد، مما يمثل 50% من عدد السكان. تعكس هذه الأرقام أهمية العمالة الوافدة في دعم اقتصادات هذه الدول.
انتقادات حقوقية
واجه نظام الكفالة انتقادات واسعة النطاق؛ خاصة من جانب منظمات حقوق الإنسان الدولية؛ مثل منظمة العمل الدولية و”هيومن رايتس ووتش”، ومن أبرز الانتقادات الموجهة لنظام الكفالة هو أنه يمنح الكفيل سلطة كبيرة على حياة العامل، مما يجعله عرضة للاستغلال وسوء المعاملة، كما يتمتع الكفيل بالتحكم في العديد من حقوق العامل الأساسية، بما في ذلك حقه في تغيير الوظيفة أو مغادرة البلاد، مما يحد بشكل كبير من حرية العامل وكرامته. يعتبر هذا النظام أيضًا مصدرًا للعمل القسري؛ حيث يتم احتجاز جوازات السفر، مما يحد من قدرة العامل على التنقل بحرية أو العودة إلى بلده الأصلي دون إذن الكفيل.
يقول الحقوقي البحريني سيد يوسف المحافظة، لمواطن: “إن نظام الكفالة الذي هو في الأساس فكرة بريطانية انطلقت في البحرين، عندما كانت بريطانيا تستعمرها، و تم استخدامه لتنظيم عمل الغواصين الذين كانوا يأتون من أجل صيد اللؤلؤ، وكذلك لاحقًا من أجل العمل؛ خصوصًا بعد اكتشاف النفط في البحرين و الطفرة النفطية التي فتحت أبواب العمل فيها، ثم انتقلت هذه الفكرة إلى بقية دول الخليج النفطية.
يؤكد المحافظة، أن هذه الفكرة تنتهك حقوق الإنسان وتنتهك حق العامل؛ فيما تسعى منظمة العمل الدولية جاهدة مع حكومات دول الخليج من أجل إلغاء هذا النظام، وقد بدأت البحرين بعمل نظام الفيزا المرن، أو تصريح العمل المرن من أجل تصحيح أوضاع الأجانب الذين يعملون بشكل غير قانوني، وهي خطوة نوعية حصلت فيها البحرين على إشادات دولية من منظمة العمل، وكذلك من قبل وزارة الخارجية الأمريكية في تقريرها حول مناهضة الاتجار بالبشر، وكذلك بدأت السعودية خطوات بصدد إلغاء نظام الكفيل، وكذلك الإمارات وسلطنة عمان وقطر، ولكن ما زالت الكويت تطبق هذا القانون وسط انتقادات حقوقية دولية.
ويصف الحقوقي البحريني، نظام الكفالة بأنه نظام عبودية، يسلب العامل حرية التنقل من وظيفة لأخرى، ويجعل مصير العامل في يد الكفيل، والمطلوب هو إلغاء هذا القانون وإجراء إصلاحات تجعل تنظيم سوق العمل من مسؤولية وزارة العمل، أي الدولة هي الحامي لحقوقه، وهي التي تحدد طبيعة العلاقة بما يحمي حقوقه في العمل، مع مراعاة الأجور لقانون البلد وفقًا للمعايير الدولية المتبعة في حماية حقوق العمال.
وفي يونيو/حزيران الماضي، قدمت هيومن رايتس ووتش تحذيرًا هامًا للسلطات السعودية والشركات العالمية بشأن الانتهاكات المتوقعة بحق العمال الوافدين، وذلك بعد تقديم “الاتحاد الدولي لعمال البناء والأخشاب” شكوى ضد الحكومة السعودية حول ظروف العمل الجبري. تتضمن الشكوى مزاعم بسرقة الأجور وظروف العمل والمعيشة الاستغلالية؛ خاصة أن العمال الوافدين يمثلون أكثر من 13.4 مليون شخص في البلاد. يشير التقرير إلى أن نظام الكفالة يعزز من سلطات أصحاب العمل على العمال، مما يجعلهم عرضة للانتهاكات.
تتناول الشكوى أيضًا قصصًا واقعية لعاملين واجهوا انتهاكات عديدة؛ مثل حجب الأجور والتهديد، تبرز “هيومن رايتس ووتش” الحاجة الملحة لإصلاحات حقيقية؛ خاصة مع اقتراب استضافة السعودية لكأس العالم 2034. تدعو المنظمة الشركات العالمية إلى اتخاذ العناية الواجبة لحماية حقوق العمال، محذرة من أن عدم القيام بذلك قد يؤدي إلى تفاقم الانتهاكات في ظل المشاريع الكبرى المرتبطة بـ “رؤية 2030”.
من جهته يرى رئيس مركز الخليج لحقوق الإنسان، خالد إبراهيم، أن نظام الكفالة في الدول الخليجية يمثل نموذجًا صارخًا للعبودية المعاصرة، وهو انتهاك واضح لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية. يُفرض هذا النظام على العمال الوافدين، مما يمنح أصحاب العمل سلطات واسعة على حياتهم ومصائرهم؛ فيتحول هؤلاء العمال إلى رهائن لا يملكون القدرة على تغيير وظائفهم أو حتى مغادرة البلاد دون إذن، معتبرًا أن التقييد يعكس صورة مأساوية للعمال الذين يأتون إلى الخليج بحثًا عن فرص أفضل لإعالة أسرهم.
ويضيف لمواطن: “تتجلى مشكلات نظام الكفالة في العديد من الانتهاكات الواضحة، بما في ذلك تأخير أو حجب الأجور، وظروف العمل غير الإنسانية. يعيش العديد من العمال تحت ضغط دائم؛ حيث يُجبرون على العمل لساعات طويلة دون أي تعويض مناسب؛ ما يجعلهم عرضة للاستغلال من قبل أرباب العمل. ومن المؤسف أن الحكومات في المنطقة، رغم الوعود بالإصلاح، لم تتمكن من معالجة هذه القضايا بشكل فعلي”.
ويؤكد أن “الاستمرار في هذا النظام يُظهر عدم احترام لحقوق الإنسان، ويجب أن يكون هناك تحول جذري في كيفية إدارة قضايا العمال. نحن بحاجة إلى سياسات تضمن حرية العمال في التنقل والتفاوض، وتحميهم من الاستغلال. يجب أن تتضافر الجهود على المستوى المحلي والدولي للضغط من أجل إلغاء نظام الكفالة، واستبداله بنظام أكثر إنسانية”.
كما يتعين على الدول الخليجية، وفق إبراهيم، أن تتبنى ممارسات تضمن كرامة جميع العمال، وتؤمن لهم حقوقهم الأساسية. إن الاستمرار في تجاهل هذه القضايا لن يؤدي إلا إلى تفاقم الانتهاكات وازدياد الاستياء بين العمال الوافدين، مما قد ينعكس سلبًا على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في المنطقة.
قصص مأساوية
يحكي سامي (42 عامًا)، من الهند، ويقيم في إحدى الدول الخليجية، ويعمل محاسبًا في مطعم، لمواطن: منذ 5 سنوات، قررت السفر إلى الخليج لتحقيق حلمي وحلم عائلتي الصغيرة، كنت أطمح لبناء مستقبل أفضل لأولادي الثلاثة، وتأمين تعليم جيد لهم، ولكن ما حدث لي هنا لم يكن في حسباني، عندما وصلت، اكتشفت أن الواقع مختلف تمامًا عما كان مكتوبًا في عقد العمل، كنت أتقاضى نصف الراتب المتفق عليه في العقد، دون أي توضيح أو تفسير؛ في البداية، حاولت الصمت لأنني كنت بحاجة إلى المال بأي طريقة، ومع مرور الوقت، بدأت أشعر بالعجز، ساعات العمل كانت طويلة ولا تُطاق، والكفيل كان يتحكم في كل تفاصيل حياتي”.
ويضيف: “في كل مرة أردت أن أتحدث معه حول مستحقاتي أو أطلب إجازة، كان التهديد بالترحيل هو الرد، كنت أخشى أن أُرحل دون الحصول على مستحقاتي أو أن أعود إلى بلدي خالي اليدين، كانت الضغوط النفسية عليّ هائلة؛ خاصة عندما علمت أن زوجتي مريضة وأنني لن أتمكن من السفر لزيارتها بسبب تعنت الكفيل، كنت أعيش في خوف مستمر، لا أستطيع التحرك بحرية، ولا أستطيع حتى الحديث عن حقوقي؛ في بعض الأحيان، كان تأخر الرواتب يتركنا بلا مال للطعام. لم يكن بإمكاني حتى إرسال المال إلى عائلتي بانتظام، كانوا ينتظرون مني الدعم، وأنا هنا عاجز، كل يوم كنت أسأل نفسي: هل كان هذا يستحق كل هذا العناء؟”.
يُعيق نظام الكفالة وصول العمال إلى العدالة؛ حيث يواجهون صعوبات قانونية ولغوية تحول دون تقديم شكاوى ضد الكفلاء الذين ينتهكون حقوقهم.
أما ياسر(29 عامًا)، مصري يعمل في الخليج منذ عامين، بمجال التكييف والتبريد يقول، لـمواطن: “سافرت بعد أن ضاقت بي الحياة في مصر، كنت أريد بداية جديدة وفرصة أفضل لأعيل والدتي المسنة، ولكنني وجدت نفسي في وضع لا أُحسد عليه، كان الكفيل يعدني منذ البداية بظروف عمل جيدة، ولكن سرعان ما اكتشفت أنني لا أملك أي حرية، كان يتحكم في كل شيء؛ في الأجر؛ في أوقات الراحة، وحتى في المكان الذي أعيش في، كنت أعيش مع مجموعة من العمال في سكن غير آدمي، مكتظ للغاية، وكان الهواء بالكاد يصل إلينا، لم يكن لدينا سوى القليل من الخصوصية، وكانت الظروف الصحية سيئة”.
ويضيف: “كان عليّ العمل في ظروف صعبة وخطرة، دون أي معدات سلامة كافية، أصبت في أحد الأيام خلال العمل، ولكن لم يُسمح لي بالراحة أو العلاج اللائق، كنت مضطرًا لمواصلة العمل رغم الألم، لأنني إذا توقفت فلن أحصل على راتبي، عندما حاولت التحدث إلى الكفيل عن تحسن الظروف، قام بخصم مبلغ من راتبي كعقاب لي على التذمر، شعرت بالإذلال الشديد، لم أعد أشعر أنني إنسان، كنت مجرد آلة للعمل بلا أي قيمة أو كرامة، لم يكن بإمكاني ترك العمل، لأن ذلك كان يعني فقدان إقامتي وترحيلي، لم أعد أرى مخرجًا من هذا الوضع إلا بالصبر أو الهروب، وكلاهما مرير”.
أما عبد الله، اللبناني الذي يعمل في الخليج كحارس أمن ويبلغ من العمر (30 عامًا)، يقول، لـمواطن: “سافرت إلى الخليج للعمل كحارس أمن، كنت أظن أن العمل سيكون بسيطًا، ولكنني لم أكن أعرف أنني سأعيش في عالم مغلق بعيد عن الحرية أو العدالة، كان يوم العمل يبدأ من الساعة 6 صباحًا ويستمر حتى 6 مساءً، دون أي راحة تذكر، ساعات الوقوف الطويلة أرهقتني جسديًا، ولم يكن هناك اهتمام بسلامتي أو راحتي، كانت التعليمات صارمة جدًا، وإذا أخطأت في شيء بسيط، كان الخصم من الراتب هو العقاب الدائم”.
ويضيف: “لم يكن هناك مجال للتواصل مع عائلتي بشكل منتظم، كنت أعمل دون توقف، وفي أوقات كثيرة لم أكن أستطيع حتى الخروج لشراء الضروريات، شعرت بالعزلة التامة، كان نظام الكفالة أشبه بالسجن، إذا أردت أن أترك العمل، كان الكفيل يرفض إعطائي تأشيرة خروج، شعرت أنني محاصر بين الجدران، لا أستطيع الهرب ولا أستطيع العيش بكرامة”.
تأخرت الرواتب لأشهر، وكنت مضطرًا للعيش على القروض التي أطلبها من زملائي. في النهاية، بعد عامين من العذاب، قررت أن أترك العمل وأبحث عن فرصة جديدة، ولكنني لم أستطع. رفض الكفيل نقلي إلى مكان آخر، وكان الحل الوحيد أمامي هو الهروب، لكني كنت أخشى العقاب والترحيل”.
يقول حقوقي خليجي، تحدث إلى مواطن، وفضل عدم ذكر اسمه: “إن أبرز المشكلات التي أُثيرت حول نظام الكفالة هو مصادرة جوازات السفر، وهي ممارسة شائعة في العديد من دول الخليج؛ حيث يُطلب من العمال تسليم جوازات سفرهم للكفيل بمجرد وصولهم”.
هذه الممارسة تُعتبر انتهاكًا واضحًا لحقوق الإنسان، إذ تحد من حرية التنقل وتجعل العامل في حالة من الاعتماد التام على الكفيل. بالإضافة إلى ذلك، يُعاني العديد من العمال من تأخير دفع الأجور أو عدم تلقي رواتبهم على الإطلاق، وهو انتهاك آخر يُضاف إلى سجل نظام الكفالة، كما أن غياب آليات تقديم الشكاوى الفعالة يزيد من تفاقم المشكلة، إذ يجد العمال أنفسهم في موقف ضعيف عند محاولة المطالبة بحقوقهم.
من أبرز عيوب نظام الكفالة هو القيود التي يفرضها على حرية العمال في التنقل والعمل، العامل الوافد لا يمكنه تغيير وظيفته دون موافقة الكفيل، وحتى في حالات التعرض لسوء المعاملة أو الانتهاكات الجسدية، يظل العامل مضطرًا للحصول على إذن من الكفيل إذا أراد تغيير وظيفته أو مغادرة البلاد. يضع هذا النظام العامل في موقف هش ويجعله عرضة للاستغلال؛ حيث قد يستخدم الكفيل سلطته للضغط على العامل لقبول ظروف عمل غير لائقة، أو حتى العمل دون أجر.
ويشير إلى عيب آخر؛ هو أن نظام الكفالة يُعتبر تمييزيًا بطبيعته؛ فغالبًا ما يُعامل العمال الوافدون كمواطنين من الدرجة الثانية مقارنة بالمواطنين المحليين. في العديد من دول الخليج، هناك تفاوت واضح في الأجور وظروف العمل بين العمال الوافدين والمواطنين، حتى إذا كانوا يؤدون نفس العمل. هذا التمييز يجعل العمالة الوافدة تعيش في ظروف غير مستقرة اجتماعيًا واقتصاديًا، مما يزيد من معاناتهم في بيئة العمل.
إلى جانب ذلك، يُعيق نظام الكفالة وصول العمال إلى العدالة؛ حيث يواجهون صعوبات قانونية ولغوية تحول دون تقديم شكاوى ضد الكفلاء الذين ينتهكون حقوقهم. غياب الآليات المستقلة لتقديم الشكاوى يجعل العمال عرضة للاستغلال دون حماية كافية. كما أن التمييز ضد العمالة الوافدة من جنسيات معينة يُسهم في تعميق الانقسامات الاجتماعية، ويزيد من الفجوة بين العمال وأرباب العمل.
محاولات للإصلاح ببعض دول الخليج
في السنوات الأخيرة، وبفعل الضغوط الدولية والمطالبات المتزايدة بتحسين ظروف العمالة الوافدة، بدأت بعض دول الخليج في تنفيذ إصلاحات على نظام الكفالة. من بين أبرز هذه الدول قطر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية؛ حيث أدخلت هذه الدول تغييرات تهدف إلى تحسين حقوق العمال وتقليل التبعية المطلقة للكفيل.
في عام 2020، قامت قطر بإلغاء نظام الكفالة التقليدي، وأعلنت عن إصلاحات تسمح للعمال بتغيير وظائفهم دون الحاجة لموافقة الكفيل، كما رفعت الحد الأدنى للأجور للعمال الوافدين. هذه الإصلاحات جاءت في إطار استعدادات قطر لاستضافة كأس العالم 2022؛ ما دفعها لتحسين سمعتها الدولية فيما يتعلق بحقوق العمالة. كما أطلقت قطر آليات جديدة لحل النزاعات بين العمال وأرباب العمل، مما يمنح العمال قدرة أكبر على الدفاع عن حقوقهم.
الإمارات العربية المتحدة أيضًا قامت بإجراء إصلاحات على نظام الكفالة؛ حيث سمحت للعمال بتغيير وظائفهم في حالات معينة دون الحاجة إلى موافقة الكفيل، كما أنشأت الإمارات منصات إلكترونية تسهل على العمال تقديم شكاوى وحل النزاعات بشكل أسرع وأكثر شفافية. بالإضافة إلى ذلك، ركزت الإمارات على تعزيز حماية العمال من خلال تحسين ظروف العمل والسكن، وضمان حصول العمال على أجورهم في الوقت المحدد.
المملكة العربية السعودية أعلنت عن إصلاحات كبيرة في إطار رؤية 2030، التي تهدف إلى تقليل الاعتماد على العمالة الوافدة، وتوفير بيئة عمل أكثر إنصافًا، وتم استحداث ما يسمى ببرنامج “تحسين العلاقة التعاقدية” الذي يمنح العمالة الوافدة حرية أكبر في التنقل بين الوظائف دون الحاجة إلى إذن الكفيل. كما ألغت السعودية نظام “الخروج النهائي” الذي كان يتطلب من العمال الحصول على إذن لمغادرة البلاد. هذه الإصلاحات تهدف إلى تحسين بيئة العمل في السعودية وتقليل انتهاكات حقوق العمال.
وعلى الرغم من الإصلاحات التي بدأت بعض دول الخليج في تنفيذها لتحسين أوضاع العمالة الوافدة؛ فما زالت التحديات كبيرة. تهدف الإصلاحات إلى تقليل التبعية المطلقة للكفيل، لكن الانتقادات تستمر نتيجة التطبيق الضعيف للقوانين والقيود التي تحد من حرية التنقل والعمل.