أربعة أعوام قضاها محمد إبراهيم، اسم مستعار، (42 عامًا)، منذ أن انشق عن تنظيم الإخوان في الكويت عام 2020، بمحاولة العودة إلى حياته الطبيعية، بعد أن خضع لعلاج تأهيلي ونفسي محاولًا تعديل أفكاره التي تم تشويهها بسبب التنظيم، على حد وصفه، يقول لمواطن: “ربما لا يُظهر تنظيم الإخوان في الكويت حقيقته كبقية الأفرع في المنطقة العربية، وعادة ما يحاول نفض اتهامات الإرهاب والتطرف عن نفسه، لكن في الحقيقة جماعة الإخوان المسلمين تسير على نفس الأفكار، ويُطلب من أتباعها الانسياق الأعمى دون تفكير أو تدبر أو مناقشة، ومن يفكر أو يسأل لمجرد الفهم، يتم إقصاؤه وممارسة كافة أساليب الضغط النفسي عليه”.
يُشبه إبراهيم تجربته بالكثيرين ممن انشقوا عن التنظيم في مصر والخليج، يقول: “خدعنا بشعارات الدين، وتم تضليلنا وغسل أفكارنا، واعتقدنا أن لدى التنظيم قضية، وفي الكويت تحديدًا عادة ما يدعي الإخوان أنهم منفصلون عن الجماعة الأم في مصر، لكن مع مرور الوقت والاندماج، وجدنا أن كل أفرع التنظيم هي نتاج فكرة واحدة، وتعمل وفق آلية عمل ممنهجة يضعها التنظيم الدولي ولا تراعي مصالح الدولة الوطنية.
ويعد تنظيم الإخوان المسلمين واحدًا من أكثر الحركات الإسلامية إثارةً للجدل في المنطقة؛ حيث يصنفه العديد من الدول على أنه تنظيم إرهابي يهدد الاستقرار الاجتماعي والسياسي، لعل أبرزها مصر والإمارات والسعودية والبحرين، إلا أن التنظيم في الكويت ممثلًا في “الحركة الدستورية الإسلامية” (حدس)، يحظى بحماية نسبية، تثير تساؤلات حول مدى تأثيره الفعلي على الأمن القومي واستقرار المنطقة؛ خاصة أن التنظيم قد بدأ مؤخرًا في تدشين حراك سياسي، يصفه مراقبون بأنه لا يتفق مع سياسات الدولة؛ في أعقاب حل مجلس الأمة الكويتي قبل عدة أشهر.
يبدو أن حركة الإخوان المسلمين في الكويت تقف عند مفترق طرق حاسم، وسط تحديات داخلية وإقليمية تسلط الضوء على استراتيجيتها وقدرتها على التأقلم مع المتغيرات السياسية.
في ضوء هذه التحركات، يدفع مراقبون بأن الجماعة قد تحاول تحريك المياه الراكدة في المشهد السياسي الراهن لصالح أجندتها السياسية، وذلك باستغلال بعض الأحداث؛ منها حل مجلس الأمة وتوظيف الوضع الراهن في غزة؛ فيما يرى آخرون، أن تحركات التنظيم ستبقى سرية وبطيئة حتى لا يصطدم بالدولة ويفقد ملاذه الآمن (الأخير) والأهم داخل الخليج في الوقت الراهن.
بداية السقوط
في انتخابات مجلس الأمة الكويتي في أبريل 2024، شهدت (حدس)، التي تمثل فرع جماعة الإخوان المسلمين في الكويت، خسارة كبيرة في عدد المقاعد البرلمانية، وقد تراجعت إلى مقعد واحد فقط، بعد أن كانت تحظى بتمثيل أربعة مقاعد على الأقل في الدورات السابقة، يعزى هذا التراجع إلى تزايد المنافسة بين التيارات السياسية المختلفة في البلاد؛ فيما يرى مراقبون أن أبرز العوامل الأخرى التي قد ساهمت في تراجع “حدس” هو التركيز المتزايد على القضايا الوطنية الكويتية، وتراجع التأثير الإقليمي لجماعة الإخوان بعد سلسلة من الأزمات في دول المنطقة.
ويقول الصحافي الكويتي نايف السالم: “إن خسارة الحركة تُعدّ أكبر بكثير من حجم المقاعد، لأنّها عكست بجلاء الاستياء الشعبي من سياساتها والسأم من لعبة “تبادل الأدوار” التي تنسجها للحفاظ على مصالحها الحيوية في الدولة؛ مثل السيطرة على المناصب والتغلغل في وزارات مثل الأوقاف والتربية والتعليم العالي وجامعة الكويت من جهة، والاستمرار برفع الشعارات الإسلامية البرّاقة (مثل نصرة غزة والدفاع عن المسلمين في كلّ مكان) من جهة ثانية.
يتفق معه الكاتب السياسي خير الله خير الله؛ في مقال نشرته “إيلاف”؛ إذ يرى أن الإخوان فشلوا في الانتخابات لأنهم فشلوا سابقًا في أدائهم البرلماني بلعبة إمساك العصا من المنتصف بين الحكومة والبرلمان، وحصلوا على مزايا مثل التعيينات في الإدارة، إضافة إلى عدم اختيارهم الصحيح للمرشحين، والأهم أنهم تصدروا الدعوات إلى تحريك الشارع الكويتي بعد 7 من تشرين الأوّل – (أكتوبر) 2023 وأحداث غزة؛ إذ من المعروف أن الكويتيين يتعاطفون مع القضية الفلسطينية، لكنهم يرفضون جر البلاد إلى جبهات الصمود والتصدي والممانعة وإلى تحركات تؤدي إلى “ربيع عربي” جديد.
بداية الصدام مع السلطة
لكن الخلاف بين جماعة الإخوان المسلمين في الكويت والسلطة بدأ في مرحلة مبكرة عن الانتخابات، تحديدًا عندما شاركت الحركة في حملة “نَبِّيها خمس” عام 2007، التي طالبت بتقليص الدوائر الانتخابية من 25 إلى 5 للحد من الفساد السياسي المتعلق بشراء الأصوات، وهو ما تحقق بالفعل؛ في حين تصاعد الخلاف بين الإخوان والحكومة بعد إلغاء عقد “كي –داو” مع شركة داو كيميكال عام 2008؛ حيث تم تحميل وزير النفط آنذاك، محمد العليم، المسؤولية كوسيلة لحماية الحكومة من التصعيد النيابي.
مع تزايد الخلاف بين أقطاب الحكم، وخصوصًا بين رئيس الوزراء الشيخ ناصر المحمد الصباح، ونائبه الشيخ أحمد الفهد الصباح، تزايدت الاحتجاجات الشعبية، والتي بلغت ذروتها في نوفمبر 2011 إثر فضيحة “الإيداعات المليونية”، هذه الفضيحة أدت لاستقالة ناصر المحمد وحل مجلس الأمة، استمرت جماعة الإخوان، من خلال الحركة الدستورية الإسلامية (حدس)؛ في قيادة المعارضة في “مجلس الأغلبية” لعام 2012، ولكن هذا المجلس لم يستمر سوى أربعة أشهر.
قامت المعارضة، بما فيها الإخوان، بمقاطعة انتخابات 2012 و2013، احتجاجًا على تدخل السلطة الحاكمة في الحياة السياسية، وطالبت بإصلاحات سياسية تقلص من سلطة الأسرة الحاكمة لصالح الشعب. ومع ذلك، لم تتمكن المعارضة المتنوعة فكريًا وسياسيًا من الاتفاق على خطوات واضحة للإصلاح، رغم وجود مشروع “الإصلاح السياسي الوطني” الذي كان يسعى إلى إقامة نظام ديمقراطي برلماني كامل.
وخلال السنوات القليلة الماضية، شهدت العلاقة بين الإخوان والسلطة في الكويت توترات مستمرة من إخوان الداخل؛ حيث ألقت السلطات القبض على عدد من القيادات المحسوبة على التنظيم مؤخرًا، منهم وليد مساعد الطبطبائي، على خلفية تغريدة له عبر موقع (إكس)، اعتُبرت مسيئة لأمير الدولة.
لكن التحول الأبرز في علاقة الكويت بالإخوان كان إبان عام 2020، عندما قررت السلطات تسليم مجموعة من العناصر التابعة للتنظيم إلى مصر، عُرفت باسم (خلية الكويت)، التي شملت عددًا من المطلوبين أمنيًا لدى القاهرة؛ في ضوء تنسيق متبادل بين الأجهزة الأمنية في البلدين؛ الأمر الذي أثار غضب قيادات التنظيم داخل الدولة حينها بشكل كبير، كان أبرز الشخصيات التي هاجمت إجراء وزارة الداخلية الكويتية، النائب السابق ناصر الدويلة، الذي وجه انتقادًا لوزير الداخلية ردًا على توقيف أفراد “الخلية”.
وفي يونيو 2023، ألقت السلطات الكويتية القبض على رجل أعمال إخواني مصري حاصل على الجنسية التركية فور وصوله لمطار الكويت؛ فيما تحدثت مصادر آنذاك عن تسليمه للقاهرة في ضوء التنسيق بين البلدين.
بحسب الكاتب عبد الله بن بجاد العتيبي في مقاله المنشور بصحيفة الشرق الأوسط، تنبهت الكويت مؤخرًا للخطر الذي تمثله جماعات الإسلام السياسي في الداخل، في مقدمتها جماعة الإخوان؛ ما دفع أمير الكويت للمضي قُدمًا في إجراءات من شأنها حماية الدولة، وصد المخاطر ضدها.
يقول العتيبي: “جماعة الإخوان وجماعات إيران أو الإسلام السياسي بشقيه السني والشيعي في الكويت، شكلوا خطرًا ممتدًا لعقودٍ من الزمن، ومن ينسى أن رموزهم كانوا ضيوفًا بارزين في “خيمة القذافي” للتآمر على الكويت دولةً وأميرًا وشعبًا، والتسجيلات المسربة حكت الكثير عن حاكم المطيري ومبارك الدويلة، وعناصر تنظيم القاعدة، وورثهم عناصر تنظيم داعش؛ إذ كانت شعارات داعش ترفع علانيةً في شوارع الكويت، وبعض الشخصيات المعروفة تخطب وتصدر الفتاوى وتجمع الأموال من داخل الكويت تأييدًا للتنظيم الإرهابي”.
من جهته يقول الكاتب السياسي الكويتي أنور الرشيد، لـمواطن: “إن فكر جماعة الإخوان المسلمين دخل الكويت في الأربعينيات من القرن الماضي، من خلال عبد العزيز علي المطوع، الذي التقى حسن البنا في مصر، وبدأ في تجنيد الكويتيين للانضمام للحركة، ومن خلال جهود المطوع، تم تأسيس أول مبنى للجماعة في الكويت عام 1947، وأُسست جمعية الإرشاد الإسلامي عام 1952، التي ركزت على نشر الثقافة الإسلامية.
ويشير الرشيد إلى أن الحكومة قد لعبت الحكومة دورًا في دعم الجماعة بعد تعليق الحياة البرلمانية في الستينيات، مما سمح للإخوان بتعزيز حضورهم السياسي.
في البداية، رفض الإخوان المسلمون والسلفيون المشاركة في الانتخابات البرلمانية لأنها لا تتماشى مع الشريعة الإسلامية، لكنهم غيّروا موقفهم في عام 1981 وشاركوا في الانتخابات، مشددين على ضرورة تعديل المادة الثانية من الدستور لجعل الكويت دولة إسلامية تطبق الشريعة، ومع ذلك؛ فشلت جهودهم بسبب حكمة السلطة التي رفضت هذا التعديل، خشية فقدان سيطرتها على البلاد.. وفق الرشيد.
وخلال ثورات الربيع العربي، حاول إخوان الكويت استغلال التحولات الإقليمية لتعزيز موقفهم، بحسب الرشيد، وخرجوا إلى الشارع في تظاهرات، ولكن تحالفهم مع السلطة انتهى بشكل درامي، بعد أن أدركت الحكومة الكويتية خطورة الجماعات ذات الأيديولوجية الدينية على السلطة.
في السنوات الأخيرة، بدأ الإخوان في الكويت يفقدون قوتهم؛ خاصة بعد حل اتحاد الطلبة في الجامعة؛ حيث سيطروا عليه لمدة نصف قرن. ومع انهيار التحالفات الإقليمية للإخوان في دول مثل مصر والسعودية، أصبحت الكويت الملاذ الآمن الأخير لهم؛ حيث ما زالت السلطة تراقب تحركاتهم
كيف تتحرك الجماعة في الوقت الراهن؟
تنتهج جماعة الإخوان آلية جديدة للعمل في الكويت خلال السنوات الماضية، تسعى من خلالها إلى تجاوز التضييقات الأمنية والسياسية المفروضة عليها؛ في ضوء حالة النبذ الشعبي وفقدان الأرضية السياسية.
في هذا السياق، تسلط ورقة حملت عنوان: “إخوان الكويت: من الدّين إلى السّياسة”، ترجمها الدكتور حمد العيسى وألفتها الدكتورة كورتني فرير، وهي باحثة ما بعد دكتوراه؛ في جامعة إيموري الأمريكية، ودكتوراه في العلوم السياسية من جامعة أكسفورد، الضوء على رد فعل حركات الإخوان عندما تقلص سقف المجال السّياسي أمامها، وكيف قامت بتلطيف أجندتها الإسلاموية (برنامجها) لتسهل انضمامها إلى “المعارضة” الكويتية العريضة.
تعمل المعارضة الكويتية على أجندة خلاف أجندة الإخوان التقليدية، ولكن الإخوان اضطروا للدخول في طيف المعارضة الواسع عبر اتباع تلطيف الخطاب الديني، لكنها تميزت عن بقية فروع الإخوان في عدم كونها مطالبة بتقديم دعم مادي للحصول على أتباع، باستثناء فترة الاحتلال العراقي للكويت، بحسب الدراسة.
وركز إخوان الكويت على التواصل الاجتماعي والتعليم، وعلى التربية كوسيلة لإعادة أسلمة المجتمع، كما حاولوا رعاية مجموعة متنوعة من الأنشطة الاجتماعية الشائعة بين الجماعات الإسلاموية، وهي نشاطات تساعد في تعزيز الدّعم الانتخابي للجماعة.
في ظل عجز إخوان الكويت عن تحسين الرفاهية الاقتصادية لأتباعهم، بسبب سخاء الدّولة الهائل؛ فقد استخدموا وسائل لزيادة شعبيتهم، وقدموا تنازلات وعملوا مدفوعين بتغيير تكتيكي على زيادة اعتدالهم وتعاونهم مع الكتل السياسية العلمانية.
من جهته يرى الباحث في الإسلام السياسي والإرهاب أحمد سلطان أن سلوك جماعة الإخوان المسلمين في الكويت خلال الفترة الأخيرة لا يمكن اعتباره تصعيدًا ملحوظًا؛ بل يرى أن الجماعة تحركت ضمن الإطار المعتاد لها، وأحيانًا بأقل من ذلك، لتجنب أي تصعيد قد يؤدي إلى نتائج غير مرغوبة في الظروف الراهنة.
يشير “سلطان” إلى أن الأمير الكويتي، الذي يتمتع بخبرة أمنية طويلة، وهو مؤسس جهاز الأمن الدولي في الكويت، لعب دورًا محوريًا في تحييد التهديدات من خلال التعاون مع الأجهزة الأمنية الإقليمية وتبادل المعلومات؛ فيما يرى الأمير أن الأحداث الأخيرة أثرت سلبًا على الجهاز الإداري للدولة، ما يستدعي اتخاذ إجراءات استثنائية لإعادة الأمور إلى نصابها.
ويضيف أن جماعة الإخوان التقطت هذه الإشارات من الأمير في وقت مبكر، لذا لم تقم بأي رد فعل معارض أو تصعيدي تجاه حل مجلس الأمة؛ بل اكتفت ببعض البيانات المحددة التي تضمنت انتقادات خفيفة ومقبولة من قبل مؤسسة الإمارة.
ويعتقد أن الجماعة كانت تدرك أن أي تصعيد قد يؤدي إلى عواقب وخيمة، ولهذا فضلت تجنب التصعيد، والحديث عن تحركات مكثفة للجماعة في الكويت لا يبدو دقيقًا. ومع ذلك، استثمرت الجماعة في قضية الحرب على غزة، نظرًا لأن هذه القضية تلقى دعمًا واسعًا من قبل السلطة الكويتية، ما سمح لها بإظهار حماسها تجاهها دون إثارة أي أزمات.
وأكد أن الإخوان في الكويت يتجنبون أي تحركات قد تؤدي إلى تصعيد أو مشكلات مع مؤسسة الإمارة؛ خاصة وأن الحملة الراهنة لا تستهدف استئصال الجماعة؛ بل تهدف إلى احتواء نفوذها والعمل على إصلاح الجهاز الإداري، مع الأخذ في الاعتبار القضايا الاقتصادية والتحولات التي تشهدها البلاد.
وأشار إلى أن “الاستثناء الكويتي” فيما يتعلق بجماعة الإخوان ما زال قائمًا، لكن المناخ السياسي الحالي لا يسمح لهم بالتوسع، يتضح ذلك من نتائج الانتخابات الأخيرة؛ حيث شهدت الجماعة تراجعًا واضحًا مقارنة بالانتخابات السابقة، وفقدت بعض المقاعد الهامة، وهو ما يعكس ضعفها النسبي داخل المجتمع.
وأضاف سلطان أن جماعة الإخوان في الكويت ما زالت تواجه العديد من التحديات؛ سواء أكان في التعاطف مع بعض قياداتها أو في تعاملها مع الحركات المعارضة الأخرى، ومع ذلك؛ فإن فرع الإخوان في الكويت يظل ذا أهمية خاصة للتنظيم الدولي، ويُعد هذا الفرع نقطة انطلاق لتأسيس التنظيم العالمي الموحد في السبعينيات والثمانينيات، وما زال يضم أحد أهم مكاتب رابطة الإخوان المصريين في الخارج، بالإضافة إلى مشاركة أعضائه في مجلس الشورى العالمي للجماعة.
ورغم شح المعلومات حول هيكلية التنظيم الدولية وتغييرات القيادة التي حدثت مؤخرًا، يؤكد “سلطان” أن الفرع الكويتي لم يصبح هامشيًا؛ بل ما زال يحتفظ بأهمية محورية للتنظيم الدولي، هذا يجعل الجماعة تتبنى سياسة الحذر والحكمة في التعاطي مع المتغيرات السياسية في الكويت، كما أن الجماعة في الكويت أصدرت توجيهات لأعضائها بعدم انتقاد حل مجلس الأمة بشكل علني، خلافًا لبعض فروع الجماعة في الخارج، التي انتقدت هذا القرار، وذلك لتجنب أي ارتدادات سلبية قد تؤثر على وضعها داخل البلاد.
هل الصدام مع الدولة سيناريو متوقع؟
تحت عنوان “ميكافيلية إخوان الكويت”، يطرح الكاتب الكويتي أحمد الطراح سيناريوهات المواجهة بين الدولة والتنظيم في ضوء التصعيد الراهن، متوقعًا أن تتجنب الجماعة مرحلة الصدام حتى لا تخسر المزيد. يقول الطراح: “تعد الكويت الملاذ الآمن لجماعة الإخوان المسلمين في الكويت، لذلك يحرصون على تفادي الصدام السياسي مع الحكومة والتيارات السياسية الأخرى؛ خصوصًا بعد حل مجلس الأمة وتعليق بعض مواد الدستور”.
ويضيف: “الإخوان المسلمون تنظيم يجيد اللعبة السياسية والدينية، ويجيد أيضًا توظيف الظروف والمستجدات السياسية؛ خاصة لاقتناص الفرص في التودد لأصحاب القرار لطالما تتطلب مصالحهم ذلك وأكثر!”.
في ظل عجز إخوان الكويت عن تحسين الرفاهية الاقتصادية لأتباعهم، بسبب سخاء الدّولة الهائل؛ فقد استخدموا وسائل لزيادة شعبيتهم، وقدموا تنازلات وعملوا مدفوعين بتغيير تكتيكي على زيادة اعتدالهم وتعاونهم مع الكتل السياسية العلمانية.
ويصف الكاتب والمحلل السياسي الكويتي عبد العزيز خربيط المشهد، السياسي في الوقت الحالي بأنه “يخيم عليه الترقب”، ويقول في تصريح لـمواطن: “خلال الأشهر الماضية، خيم الهدوء على الساحة السياسية دون ظهور أي تحركات واضحة أو ملموسة، مما يشير إلى حالة من الترقب والانتظار بين الفاعلين السياسيين لمعرفة المسار القادم، هذا الصمت قد يعكس أيضًا انشغال القوى السياسية بالتحضير للمرحلة الانتخابية المقبلة، أو إعادة تقييم استراتيجياتها في ظل المستجدات الإقليمية والمحلية”.
وبشأن المناخ السياسي في الكويت، يقول “خربيط”: “إن الوضع الحالي في الكويت معقد؛ حيث يعتبر النظام السياسي الكويتي منفتحًا نسبيًا مقارنة بدول خليجية أخرى، ولكن في الوقت ذاته هناك رقابة قوية على النشاطات السياسية؛ خصوصًا عندما يتعلق الأمر بالتنظيمات والجماعات، كما أن التحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجهها الكويت تجعل من الصعب تحديد مدى السماح بالتمدد، لكنهم يحاولون استغلال أي فراغ أو فرصة سياسية”.
ولمواجهة التهديدات والضغوط التي تواجه الدولة، يشدد “خربيط” على أهمية تعزيز دور المجتمع المدني، ودعم المجتمع المدني والإعلام الحر يمكن أن يساعد في زيادة الوعي حول طبيعة تحركات الجماعات السياسية وأهدافهم.
كذلك يؤكد على ضرورة تعزيز الرقابة السياسية، وقد تعمل الجهات الأمنية على مراقبة التحركات السياسية للجماعة عن كثب؛ خاصة فيما يتعلق بمحاولاتهم استغلال الأوضاع الإقليمية مثل حرب غزة ولبنان، والعمل على وحدة الصف الوطني، وتعزيز التماسك الوطني من خلال تحالفات سياسية ومجتمعية تُركّز على الأولويات الداخلية، يمكن أن يقلل من تأثير أجندات الجماعات الخارجية.
يبدو أن حركة الإخوان المسلمين في الكويت تقف عند مفترق طرق حاسم، وسط تحديات داخلية وإقليمية تسلط الضوء على استراتيجيتها وقدرتها على التأقلم مع المتغيرات السياسية، ورغم أنها استفادت من هامش الحريات السياسية الذي تتميز به الكويت مقارنة بجاراتها، إلا أن الأزمات الأخيرة؛ مثل قضية “خلية الكويت” وتراجعها الانتخابي، أظهرت حدود تأثيرها السياسي الحالي؛ بل ودعت إلى إعادة تقييم نهجها وتكتيكاتها.
اليوم، تواجه الجماعة ضغوطًا تدفعها إلى الحذر والمواءمة مع توجهات الدولة؛ خاصة في ظل الخطوات المتزايدة لتعزيز الأمن القومي والمصالح الوطنية. في المقابل، تبقى استراتيجيتها معقدةً؛ فهي تحاول الحفاظ على قاعدتها الشعبية؛ خصوصًا في ظل الحساسية الشعبية تجاه قضايا معينة كالقضية الفلسطينية، وفي ذات الوقت تحاول تفادي المواجهة مع السلطة لتضمن استمرارها داخل المشهد السياسي الكويتي.
وختامًا؛ فإن مستقبل الإخوان في الكويت سيعتمد إلى حد كبير على كيفية استيعابهم للمتغيرات السياسية المحلية والإقليمية، وقدرتهم على تقديم خطاب معتدل ومقبول يتوافق مع مصالح الدولة.