يشهد الفضاء الإلكتروني بسلطنة عمان أزمة تتعلق بجودة المحتوى الصحفي وغياب العدالة المهنية، مع انتشار صفحات إخبارية تسعى إلى الحصول على “الريتش”، وزيادة عدد المستخدمين وسحب البساط من تحت أقدام المنصات الإخبارية المعتمدة، والتي تتصف بالمهنية والتزام قواعد العمل الصحفي.
وفي تلك المنافسة غير العادلة تعاني منصات إخبارية تنتمي إلى صحف ومؤسسات صحفية كبرى من قلة عدد القرّاء/المستخدمين، وبالتالي تراجع الدخل المتحقق من الإعلانات في مقابل استحواذ الصفحات الأخرى على نصيب الأسد من المتابعين والمعلنين اعتماداً على تزايد مستخدميها وقدرتها على اعتلاء قمة “الترند” أغلب الوقت بغض النظر عن المهنية.
يحدث ذلك في مجتمع يستخدم 96% من سكانه تطبيقات التواصل الاجتماعي (تطبيق واحد على الأقل)، وذلك وفقًا لاستطلاع أجراه المركز الوطني للإحصاء والمعلومات بالتعاون مع وزارة الإعلام، والذي توصل إلى أن 96% من العمانيين استخدموا تطبيقًا واحدًا على الأقل من تطبيقات التواصل الاجتماعي المختلفة خلال الأشهر الـ3 الماضية، بينما يستخدم 99% من العمانيين تطبيق واتس أب كأكثر التطبيقات المستخدمة عام 2023م، وبمعدل 3 ساعات ونصف الساعة يوميًا.
كما بين الاستطلاع أن ارتفاع نسبة العمانيين المستخدمين لتطبيقات التواصل الاجتماعي، بسبب ارتفاع معدل استخدام الإنترنت، وكذلك ارتفاع معدل استخدام الهواتف الذكية خلال الفترة المصاحبة للاستطلاع.
وأوضح الاستطلاع أن خُمس العمانيين يستخدمون منصة x بشكل يومي، والسُدس يستخدمونها مرة أو مرتين في الأسبوع، ويقضي العمانيون حوالي ساعتين وخمس دقائق كمتوسط الوقت في استخدام التطبيق يوميًا، كما أن 60% من الأفراد العمانيين يستخدمون تطبيق إنستجرام يوميًا بمتوسط 3 ساعات، بينما أكثر من الثُلث يستخدمون يوتيوب بمتوسط ساعتين يوميا، و40% تقريبًا من الأفراد العمانيين يستخدمون تطبيق سناب شات يوميًا بمتوسط ساعتين و45 دقيقة.
منصات السوشيال ميديا تلك لاتوظف صحفيين ولا محررين ولا مراسلين ميدانيين ولا أي شئ، الأمر فقط مجرد 3 أشخاص يتناوبون على إدارة صفحة هي في أغلب الأحيان مشتراة من حساب سابق، وتم تغيير اسمها، وغالبًا لديهم متابعات كبير
ووفقًا للبيانات المنشورة في أدوات إعلانات Meta، -حسب وكالة راجح للتسويق والبرمجة- كان لفيسبوك 1.70 مليون مستخدم في سلطنة عمان في بداية عام 2024، بينما بلغ عدد مستخدمي منصة إكس مايقارب مليون مستخدم، وبلغ عدد مستخدمي إنستغرام بالسلطنة 2.40 مليون مستخدم في بداية عام 2024، وبلغ عدد مستخدمي تيك توك 1.94 مليون مستخدم تتجاوز أعمارهم 18 عامًا.
وفي مجتمع يعتمد كله تقريبًا على وسائل التواصل بشكل أو بآخر، خصصت المؤسسات الصحفية والإعلامية المختلفة منصات وصفحات لتواكب التطور التكنولوجي وتناسب مزاج الجمهور، الذي أصبح يستخدم هاتفه في عدة أغراض يومية أساسية لا غنى عنها. وفي زحام المنصات والصفحات التي تبيع مختلف السلع؛ سواء أكانت منتجات أو محتوى خبريًا أو ترفيهيًا، يجب على الجميع الدخول في سباق على المستهلك أو المستخدم.
منصات بلا صحفيين ولا محررين ولا مراسلين!!
يقول أ.ع، صحفي، لـ”مواطن” فضّل عدم ذكر اسمه: “تتمثل الأزمة في تلك المنصات الإلكترونية التي تدعي أنها إخبارية، ولكنها في حقيقة الأمر منصات لتحقيق الترافيك، أو أعلى معدلات الوصول بصرف النظر عن المحتوى، ولكنهم يستغلون محتوى الأخبار باعتبار أنه محتوى سهل الحصول عليه، وليست هناك مشكلة، إلا أنهم يضيفون بعض التأثيرات غير المهنية، وغير الموضوعية فيبدو الأمر أكثر سخونةً”.
يضيف: إنهم لا يوظفون صحفيين ولا محررين ولا مراسلين ميدانيين ولا أي شئ، الأمر فقط مجرد 3 أشخاص يتناوبون على إدارة صفحة هي في أغلب الأحيان مشتراة من حساب سابق، وتم تغيير اسمها، وغالبًا لديهم متابعات كبيرة، ومنها صفحة على سبيل المثال تضم عدد 4 مليون مستخدم، في حين أن عمان ليس بها هذا العدد، وبالتالي هناك تحدٍ كبيرٌ فيما يتعلق بالمنافسة غير العادلة بين الصحف والمواقع الإخبارية المعتمدة وبين هذه الحسابات التي تسمي نفسها حسابات إخبارية، وللأسف بعضها نجح في الحصول على تراخيص من وزارة الإعلام، في فترة من الفترات، وأنا أتمنى من الوزارة أن تراجع هذه التراخيص ومدى مهنية هذه الحسابات.
ويشير مدير التحرير إلى أن هذه الصفحات تعتمد على اللعب بالأخبار وبالألفاظ كي يبدو الأمر ساخنًا للحصول على أعلى معدل من المتابعة أو الريتش، في كثير من الأحيان ينشرون محتوى مثيرًا للجدل لجذب الريتش، رغم عدم منطقيته أو استحالة حدوثه، كأن يقترح أحدهم أن يكون هناك 3 أيام أجازة في الأسبوع، ليحصل على المتابعة المطلوبة، ومؤخرًا نشرت إحدى هذه المنصات اقتراحًا بتغيير مواعيد المدارس في الشتاء لأن بعض الطلاب قد يضطرون إلى الخروج من منازلهم مبكرًا جدًا.
ويضيف: هم لاينتبهون إلى أن هذا التحدي المتعلق بتغيير مواعيد المدارس يتعلق بفترة لا تستغرق أكثر من أسبوعين أو ثلاثة في العام بأكمله، ولكنهم يتبعون نهج الإثارة الممزوجة بالتضليل، لأنه بالفعل نوع من أنواع التضليل أن تقذف على الناس مقترحًا ليس منطقيًا، ويستحيل تنفيذه وأفكارًا تعكس عدم إلمام بالصورة الكاملة، وجهلاً بالتحديات وبالظروف الموضوعية لكل قضية يتحدثون فيها.
ويكمل بالقول: “الأمر الآخر يتعلق بالإعلانات والمنشورات الترويجية، وأسعارها المبالغ فيها، ويمكنني القول بصدق إنهم سحبوا البساط من تحت أقدام المنصات المهنية المعتمدة، وتحولوا إلى منافس غير شريف ويتقاضون مبالغ هائلة، وعلى سبيل المثال لا الحصر؛ إحدى هذه الصفحات تتقاضى في المنشور الواحد 500 ريال عماني، أي أكثر من 1250 دولار لصفحة لا تقدم أي محتوى به مضمون حقيقي، ولا تسهم في أية توعية من أي نوع؛ بل تقدم محتوى كله مسروق من المواقع الصحفية التي يعمل بها صحفيون ولديها قواعد مهنية”.
كذلك فإن هذه المنصات تلجأ إلى إعادة تدوير المحتوى وهذا أمر شديد الخطورة، وينسف المهنية ويصيبها في مقتل، لأن إعادة نشر الأخبار بطريقة توحي بأنها جديدة فهذا تحدٍ كبيرٌ يتعلق بمعايير المهنية.
ويختتم أ . ع بالقول: “بصفتي أعمل في مهنة الصحافة بالسلطنة منذ أكثر من 15 عامًا، أتمنى من وزارة الإعلام أن تراجع هذه الحسابات بشكل جيد جدًا، وأن تعيد النظر في التراخيص الممنوحة لها وأن تكون لدينا لجنة للرقابة الإعلامية؛ فليس معقولًا ألا تكون في عمان لجنة معنية بضبط الأداء والمهنية في مجال هو الأكثر انتشارًا الآن، ونحن بصدد الحديث عن أخطاء متعمدة لها الكثير من الآثار السلبية نتيجة الجهل وقلة المعرفة وقلة الوعي”.
إحدى هذه الصفحات تتقاضى في المنشور الواحد 500 ريال عماني، أي أكثر من 1250 دولار لصفحة لا تقدم أي محتوى به مضمون حقيقي، ولا تسهم في أية توعية من أي نوع؛ بل تقدم محتوى كله مسروق من المواقع الصحفية التي يعمل بها صحفيون ولديها قواعد مهنية".
كلي آمال من وزارة الإعلام؛ خصوصًا بعد صدور قانون الإعلام العماني الجديد، أن يتم مراجعة هذه الحسابات، وألا يسمح أبدًا لما يسمى بالكيانات المسماة بالحسابات الإخبارية؛ فلا شئ في العالم اسمه حسابات إخبارية، هناك مواقع مهنية إلكترونية إخبارية تتبع مؤسسات صحفية، هذا ما نعرفه ويجري في العالم أجمع ولذلك لا ينبغي لعمان أن تكون مغردة خارج السرب.
العناوين الجذابة والالتزام بالمهنية
ويقول حمود الطوقي رئيس تحرير مجلة الواحة لـ”مواطن”: “موضوع فوضى سوق السوشيال ميديا وتأثيرها على العمل الصحفي في سلطنة عمان، يعد من القضايا المهمة التي تستحق النقاش؛ خصوصًا في ظل التحديات التي تواجهها الصحافة المهنية والمرخصة في عصر الرقمنة والتواصل الاجتماعي؛ فلا شك أن التنافس بين وسائل الإعلام المرخصة وصفحات السوشيال ميديا غير المرخصة يمثل تحديًا كبيرًا؛ حيث تعتمد العديد من الصفحات غير المرخصة على العناوين الجذابة والمحتوى المثير لجذب المتابعين، بينما تلتزم وسائل الإعلام المرخصة بالمعايير المهنية والأخلاقية، مما قد يضعها في موقع أقل جذبًا من حيث المشاهدات والمتابعات”.
وحول تأثير هذه الفوضى على جودة المحتوى الصحفي يقول الطوقي: “إن انتشار الأخبار غير الموثوقة أو غير الدقيقة على السوشيال ميديا، يؤدي إلى انخفاض ثقة الجمهور في الإعلام بشكل عام، بما في ذلك الوسائل المهنية. هناك أيضًا ضغط التنافس؛ فقد تضطر بعض وسائل الإعلام المرخصة أحيانًا لمجاراة هذا التوجه على حساب جودة المحتوى، مما يؤثر سلبًا على مصداقيتها. من التأثيرات أيضًا ما يتعلق بتشويه الصورة؛ فقد تؤدي هذه الفوضى إلى خلط في المفاهيم لدى الجمهور بين الصحافة المهنية والصحافة الشعبوية، مما يقلل من احترام المهنة”.
ويقترح “الطوقي” من أجل تحقيق العدالة المهنية، أن يتم تنظيم المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي من خلال تطبيق قوانين صارمة لمحاسبة الصفحات غير المرخصة، التي تنشر أخبارًا غير دقيقة أو مثيرة. إضافة إلى رفع الوعي الإعلامي، من خلال توعية الجمهور بأهمية متابعة وسائل الإعلام المرخصة والمهنية ودورها في تقديم محتوى موثوق وهادف.
يقترح الطوقي أيضًا الاستثمار في الجودة ويقول: “على وسائل الإعلام المهنية التركيز على إنتاج محتوى عالي الجودة وجذاب من حيث الشكل والمضمون، مع الاستفادة من أدوات السوشيال ميديا لتوسيع نطاق الوصول. كذلك يمكن للحكومة والجهات المعنية أن تدعم وسائل الإعلام المهنية، من خلال مبادرات تسويقية أو شراكات مع المنصات الرقمية، وهو مايسمى بتعزيز التعاون، إضافة إلى إطلاق حملات تعريفية؛ كتنظيم حملات على مستوى المجتمع لتعريف الجمهور بكيفية التمييز بين المصادر الموثوقة وغير الموثوقة. ونتمنى أن يثمر النقاش حول هذا الموضوع عن حلول عملية تخدم مصلحة الإعلام العماني”.