منذ الثورة الإسلامية، تأثّرت السياسة الخارجية لإيران بعوامل مختلفة، بغضّ النظر عن التوجّهات السياسية. ورغم أنّ كل رئيس انتهج مقاربة خاصة؛ فقد ظلّت العلاقة مع المملكة العربية السعودية أولوية ثابتة. في مارس 2023، توصّلت السعودية وإيران إلى اتفاق لاستئناف العلاقات الدبلوماسية، إلا أنّ التطورات الأخيرة تشير إلى أنّ الطريق ما زال طويلًا أمام تحقيق تقارب حقيقي؛ فالعلاقة بين البلدين ما زالت محكومة بالتنافس والصراع؛ حيث يمتدّ خلافهما إلى التنافس الإقليمي على المكانة والنفوذ في العالم الإسلامي.
وفي خضم التحولات الجيوسياسية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، صرّح مستشار الأمن القومي الجديد، مايك والتز، لموقع “بريتبارت” الإخباري بأن الرئيس ترامب يعتبر اتفاقيات إبراهيم إنجازًا مهمًا، معربًا عن أمله في انضمام المملكة العربية السعودية إليها قريبًا. وأضاف والتز أن ترامب مستعد لاتخاذ خطوات جريئة في هذا الاتجاه.
السعودية والتطبيع
يظل ملف تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل محاطًا بتحديات سياسية ودينية معقدة. ويقول د. حمزة حداد لـ”مواطن”: “إنّ تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل يواجه تحديات كبيرة، نظرًا للمكانة الدينية التي تحظى بها المملكة باعتبارها راعية الحرمين الشريفين. ورغم ذلك، قبل اندلاع الحرب على غزة، صرّح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان؛ في مقابلة مع التلفزيون الأمريكي، بأنّ العلاقات مع تل أبيب “تتحسن يومًا بعد يوم”. كما أكد السفير السعودي في لندن أنّه يجب أن تكون هناك علاقة متينة بين الرياض وتل أبيب في المستقبل القريب.
لكن بعد السابع من أكتوبر، أصبح الحديث عن التطبيع أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى، إلا أنّ السعوديين سيواصلون طرحه، ولو بحذر؛ في محاولة لترضيّة الولايات المتحدة والغرب، لما لذلك من أبعاد سياسية واقتصادية تخدم مصالحهم الاستراتيجية.
يضيف د. علي المعموري، الباحث في جامعة دكن الأسترالية، أنّ السعودية لا تبدو متعجّلة في مسار التطبيع؛ إذ لا ترى في مصلحتها المضيّ قدمًا دون وجود حل عملي ونهائي للقضية الفلسطينية؛ فالتطبيع دون تسوية واضحة قد يُلحق ضررًا كبيرًا بمكانة المملكة في العالمين الإسلامي والعربي. لذا؛ فإنّ السيناريو الأكثر ترجيحًا هو صفقة شاملة تتضمّن حلًا نسبيًا للقضية الفلسطينية، مع دور خليجي بارز تقوده السعودية، في إعادة بناء الإدارة الفلسطينية وتمكينها من أداء مهامها الأمنية والسياسية والاقتصادية.
من جهة أخرى، تشعر إيران بالرضى حيال تقاربها مع الرياض، وتسعى إلى تعزيز هذه العلاقة على مختلف الأصعدة؛ ما يجعلها حذرة من اتخاذ أية خطوات قد تؤثر سلبًا على هذا التقارب. وعلى الرغم من رفضها لتوسيع مسار التطبيع مع إسرائيل في المنطقة؛ فإنّ ردّ فعلها سيقتصر -على الأرجح- على التصريحات الإعلامية العامة. أما العراق فلن يتأثر رسميًا بهذا المسار؛ إذ يعتبر علاقاته مع السعودية استراتيجية طويلة الأمد، ولن يضحّي بها لصالح إيران أو القضية الفلسطينية. حسبما يرى.
يؤكد الباحث في قضايا الشرق الأوسط د. علي نجات، أن طهران تتابع تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل بقلق بالغ؛ خاصة أن أحد أهداف إيران الرئيسية في تحسين علاقاتها مع الرياض كان وقف مسار التطبيع مع تل أبيب، وتقليص النفوذ الإسرائيلي في المنطقة، لا سيما في دول الجوار.
حتى اللحظة، لا توجد مؤشرات واضحة على تقارب سعودي-إسرائيلي وشيك؛ ما يجعل الحديث عن اتفاق قريب بين الرياض وتل أبيب أمرًا غير محسوم. وفي هذا السياق، يقول رئيس موقع “الشرق نيوز” فراس علاوي، لـ”مواطن”: “إنّ طهران ستتعامل ببراغماتية مع أي تقارب سعودي-إسرائيلي محتمل، لا سيما في ظل أزمتها الداخلية المتفاقمة، والتي تفاقمت أكثر مع تراجع نفوذ نظام الأسد، أحد أهم حلفائها وركيزة محور “الممانعة”.
ويضيف: “لكن إذا قررت الرياض المُضي قدمًا في التطبيع؛ فمن المؤكد أن طهران ستعيد حساباتها في علاقتها مع المملكة. ومع ذلك؛ فإنّ التصعيد ضد الرياض سيكون مكلفًا لطهران؛ إذ سيجعلها محاطة بـ”قوس ناري” على حدودها الشمالية والشرقية؛ فيما سيواصل المزاج الدولي بقيادة الولايات المتحدة، تحجيم ما تبقّى من نفوذ حلفائها في الشرق الأوسط”.
التطبيع وأبعاده الجيوسياسية
في ظل التغيرات المتسارعة في الشرق الأوسط، يشكل التقارب بين دول الخليج وإسرائيل محورًا استراتيجيًا يعيد رسم موازين القوى في المنطقة. ويرى د. محمد صالح أن التقارب والتطبيع بين دول الخليج وإسرائيل قضية استراتيجية حاسمة، تؤثر بشكل كبير على توازن القوى في المنطقة، وهو ما تعتبره إيران –بجميع أجنحتها– تهديدًا وجوديًا. ويوضح لـ”مواطن”، أن المملكة العربية السعودية بثقلها الاستراتيجي، ومساحتها الشاسعة، واقتصادها القوي، وكونها موطنًا لأقدس المواقع الإسلامية، تمثل “الجائزة النهائية” في حملة التطبيع الإسرائيلية، والتي تسعى الولايات المتحدة أيضًا لتحقيقها.
وأضاف: “وتدرك الرياض أهمية موقعها هذا، وتسعى إلى استغلاله للحصول على مكاسب استراتيجية، سواء أكان عبر الضغط على إسرائيل للقبول بحل الدولتين، أو عبر انتزاع ضمانات أمنية وتكنولوجية من الولايات المتحدة؛ مثل اتفاقية شراكة أمنية استراتيجية، ونقل التكنولوجيا المتقدمة في مجالات مثل الطاقة النووية والذكاء الاصطناعي. كما أن التقارب الخليجي-الإسرائيلي سيؤدي إلى تشكيل محور قوة جديد في المنطقة، تحت رعاية ودعم الولايات المتحدة، وهو أمر يثير قلق طهران”.
واستكمل حديثه: “رغم أن هذا المحور لم يتحول بعد إلى تحالف عسكري رسمي؛ فإن مجرد الاعتراف بإسرائيل، وتعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية والتكنولوجية، يمثل تحولًا جذريًا لم يكن من الممكن تصوره قبل عقد من الزمن. ومع ذلك؛ فإن هذه الخطوات قد تباطأت أو تأجلت بفعل الحرب على غزة. وبالنسبة للسعودية؛ فإن القيمة الأساسية للتطبيع تكمن في استخدامه ورقةَ ضغط لإقناع الولايات المتحدة بإبرام اتفاقية أمنية استراتيجية رسمية معها”.
إيران واستراتيجية الوكلاء
عندما تكون إيران غير راضية عن جهة فاعلة في المنطقة، سواء أكانت دولة إقليمية أو الولايات المتحدة؛ فإنها تلجأ إلى وكلائها الإقليميين لتنفيذ عمليات المضايقة والضغط. ويشكّل هذا النهج عنصرًا أساسيًا في استراتيجيتها لحساب التكلفة والعائد في علاقاتها الإقليمية. يسمح هذا الأسلوب لطهران بالاحتفاظ بدرجة من الإنكار المعقول؛ إذ تنأى بنفسها عن أي دور مباشر في الهجمات، مما يصعّب تحميلها المسؤولية رسميًا. وفي الوقت ذاته، عندما تواجه الجهات المستهدفة ردود فعل عنيفة؛ فإن الضربات عادةً تُوجَّه إلى وكلاء إيران بدلًا من استهدافها مباشرة، مما يجعلها في مأمن من العواقب المباشرة.وهكذا، تحقق طهران مكاسب مزدوجة؛ فهي تتمكن من توجيه الرسائل السياسية والعسكرية التي تريدها، دون الدخول في مواجهة مباشرة، أو دفع ثمن تصعيد شامل. تمنحها هذه الاستراتيجية هامش مناورة واسعًا؛ حيث تبقى قادرة على التأثير في التوازنات الإقليمية، مع تقليل المخاطر على نفسها. حسبما أشار تقريرًا منشورًا في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى.
البراغماتية والأيديولوجيا في السياسة الإيرانية
تواصل إيران إعادة تشكيل استراتيجيتها وفقًا لمزيج من البراغماتية والأيديولوجيا، دون أن تتخلى عن طابعها الثوري. ويقدم د. مصعب الألوسي رؤيته حول آليات عمل النظام الإيراني وكيفية إعادة تشكيل هويته السياسية بناءً على المصالح والمخاطر. ويرى أنّ الفصل بين البراغماتية والأيديولوجيا ليس أمرًا حتميًا؛ إذ يمكن للدولة أن تتبنى خطوات براغماتية ضمن إطار استراتيجيتها الأيديولوجية، وهو ما ينطبق على إيران.
ويضيف الألوسي: “لا يمكن الحديث عن “حلفاء” لإيران في العراق؛ بل عن “أتباع” يغيّرون مواقفهم تماشيًا مع توجهات طهران. وحتى “حزب الله”، الذي يتمتع بهامش من الاستقلالية، يبقى ملتزمًا بالسياسة الخارجية الإيرانية؛ ما يعكس طبيعة العلاقة التي تربط طهران بوكلائها في المنطقة”.
توضح الباحثة والخبيرة في الشأن الإيراني فرشته صادقي، أن طهران ستكتفي بإدانة التطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية ببيان معتدل، حرصًا منها على عدم الإضرار بالعلاقة الهشّة التي أعادت تأسيسها مع الرياض. ومع ذلك، وبما أن إيران ما زالت متمسكة بحماستها الثورية؛ فمن المتوقع أن تعزز دعمها المعنوي وربما العملي للفلسطينيين؛ في محاولة لترسيخ صورتها كداعم حقيقي للقضية الفلسطينية؛ في مقابل السعودية التي تسير في اتجاه مختلف. كما أشارت إلى أن إيران على الأقل لن تتخذ أي إجراء ضد الجماعات الموالية لها؛ بل قد تغضّ الطرف عن أي تحركات قد تقوم بها ضد المصالح السعودية، إذا رأت أنها تصبّ في إطار المواجهة غير المباشرة مع الرياض.
مخاوف إيرانية
يؤكد الباحث في قضايا الشرق الأوسط د. علي نجات، أن طهران تتابع تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل بقلق بالغ؛ خاصة أن أحد أهداف إيران الرئيسة في تحسين علاقاتها مع الرياض كان وقف مسار التطبيع مع تل أبيب، وتقليص النفوذ الإسرائيلي في المنطقة، لا سيما في دول الجوار.
ويشير “نجات”، إلى أن المملكة العربية السعودية ليست لاعبًا معزولًا في الشرق الأوسط؛ بل تحظى بعلاقات وثيقة مع الدول العربية والإسلامية، مما يعني أن تطبيعها مع إسرائيل لن يقتصر على العلاقات الثنائية؛ بل قد يدفع دولًا عربية أخرى في المنطقة تدريجيًا نحو توقيع اتفاقيات سلام وتعزيز التعاون مع تل أبيب.
وعلى الجانب الآخر، يرى أن وجود إسرائيل بالقرب من حدود إيران، بالإضافة إلى احتمال تشكيل تحالف دفاعي إقليمي تشارك فيه تل أبيب، سيخلق تهديدات أمنية كبيرة لطهران. كما أن تعزيز المحور العربي الإسرائيلي قد يؤدي إلى عزلة نسبية لإيران في المنطقة، وإضعاف علاقاتها مع دول الجوار، مما يغيّر ميزان القوى الإقليمي.
ويضيف: “مع توسع العلاقات العربية الإسرائيلية، سينخفض مستوى العلاقات العربية الإيرانية، لأن طهران ترى في الوجود الإسرائيلي في المنطقة؛ خصوصًا في دول الجوار، تهديدًا لأمنها القومي ومصالحها الاستراتيجية، وهو ما لا يتماشى مع سياساتها الإقليمية”.
الدور الأمريكي
ولدى د. جواد هيراننيا، مدير مجموعة الخليج الفارسي في مركز دراسات الشرق الأوسط، رؤية مختلفة بشأن تطبيع العلاقات بين العرب وإسرائيل؛ حيث يعتبره خيارًا استراتيجيًا من قبل العرب. وفي حديثه مع “مواطن”، يوضح هيراننيا أن “اتفاقيات إبراهيم” تم التوصل إليها في وقت كانت فيه السياسة الخارجية الأمريكية تركز على احتواء الصين، ولم تعد منطقة الشرق الأوسط تحظى بنفس الأهمية بالنسبة لواشنطن كما كانت في السابق. وبناءً على ذلك، سعت الولايات المتحدة إلى تعزيز التقارب الأمني والعسكري بين إسرائيل والدول العربية، من خلال إدخال إسرائيل إلى المنطقة، بهدف منع الصين وروسيا وإيران من ملء الفراغ الذي تركته. ويؤكد هيراننيا أن هذا التقارب بين دول الخليج العربي وإسرائيل، بتوجيه من الولايات المتحدة، يمثل تهديدًا خطيرًا لإيران.
لا تستطيع إيران أن تتخذ إجراءات جدية ضد تطبيع عرب الخليج العربي وإسرائيل، لكنها تحاول منع حدوث تقارب أمني وعسكري جدي بينهما. ويتبع هذا التقارب في شكل خطط مثل نظام الدفاع الجوي المشترك. تجدر الإشارة إلى أنه في الهجوم الصاروخي والطائرات بدون طيار الذي شنته إيران على إسرائيل، كانت هناك أيضًا تقارير عن تعاون بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل لصد هذا الهجوم. ورغم ذلك، شارك الأردن بشكل مباشر في تدمير الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية. وفقًا لـ”جواد”.
والذي أضاف: “حاولت إيران منع التقارب من خلال إرسال رسالة مفادها أن أي خطة تتجاهل إيران، ستؤدي إلى عدم الاستقرار في المنطقة. ولكن بينما يعمل عرب الخليج العربي على تحسين علاقاتهم مع إيران، كما يعملون أيضًا على تعزيز علاقاتهم مع إسرائيل؛ في الواقع، من ناحية، لا يريدون أن يتضرروا في الحرب المباشرة بين إيران وإسرائيل، ومن ناحية أخرى يعتبرون إيران ووكلاءها تهديدًا يستلزم التحالف مع إسرائيل.
وفي هذا السياق، ختم حديثه قائلًا: “ستحاول إيران زيادة مساعدة قواتها الوكيلة في المنطقة، بما في ذلك في العراق للتعامل مع التهديدات الجديدة. إن الحرب في غزة وهجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر، جعلت أهمية القوات الوكيلة لإيران أكثر وضوحًا. بالإضافة إلى ذلك؛ فإن هجوم إسرائيل من الجو العراقي على أهداف عسكرية في إيران سيغير معادلة طهران في نوع المساعدة لقواتها الوكيلة”.
يعتقد الباحث المشارك في “المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية” رمضان الشافعي غيث: أنّ “البرغماتية والثورية في سياسة إيران الخارجية متداخلتان بشكل كبير؛ حيث تستثمر إيران في كلتيهما؛ ففي حال تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، قد يتصاعد الصوت الثوري قليلًا، لكن البراغماتية ستظل تلعب دورًا في تهدئة الأوضاع لتجنب الخسائر الكبيرة؛ خاصة أن إيران قد خسرت الكثير من نفوذها وقوة وكلائها في سوريا ولبنان في عام 2024. أما فيما يتعلق بصفقة التطبيع بين الرياض وتل أبيب؛ فيعتقد الشافعي أن هذا التطبيع قد يؤجل إلى الأشهر الأولى بعد تنصيب الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، ومن الممكن أن تمر الصفقة بشروط مختلفة عن تلك المعلنة حاليًا”.
على المستوى العراقي، يرى الشافعي أن حلفاء إيران قد يتخذون مواقف سياسية سلبية تجاه التطبيع السعودي الإسرائيلي إذا تم، ولكنهم لن يبتعدوا كثيرًا عن هذا المسار. قد يركزون جهودهم على منع العراق من الانجرار نحو سيناريو التطبيع، وقد تُشكل مجموعات مسلحة لرفض التطبيع وتهديد مقاومته، إلا أن فعاليتها ستكون مشكوكًا فيها إذا لم تسمح السياقات الإقليمية بذلك.
ووفقًا له؛ فإن إيران الآن في وضع حرج بعد أن فقدت العديد من أوراقها في المنطقة، مع تحييد حزب الله في جبهة إسرائيل ولو بشكل مؤقت، وسقوط نظام الأسد. إلا أن وصول ترامب إلى السلطة قد يشكل تهديدًا لإيران، لكنه في الوقت ذاته قد يوفر فرصة لإيران للاستفادة من رجل الصفقات في عقد اتفاقات لتهدئة الوضع الحالي. ويشير إلى أن ترامب قد يكون أكثر ميلًا للصفقة من اتخاذ إجراءات عسكرية مباشرة ضد إيران، إلا أن ذلك يعتمد على قدرته على إنهاء الحرب في غزة، ومدى قدرة إسرائيل على دفع الولايات المتحدة نحو استهداف إيران عسكريًا”.
يرى الباحث في مركز الحوار للدراسات كميل أبو البوشوكة، وفقًا لتحليله لبنية النظام الإيراني، أن النظام قد أسس دولته المعاصرة على قاعدة زعامة الأمة الإسلامية وقيادة المنطقة. ويشير إلى أن إيران كانت وما زالت في صراع مستمر مع الدول التي تتنافس على هذا الدور، سواء أكانت إسرائيل أو تركيا أو أو السعودية. ويعيش النظام الإيراني الآن في وضع صعب للغاية، وهو في أسوأ حالة مر بها طوال العقود الأربعة الماضية؛ حيث يجد نفسه مخيرًا بين خيارين مرّين: إما قبول الهزيمة في مشروعه الإقليمي والانسحاب إلى دور دولة طبيعية، أو المضي في مزيد من التصعيد الذي يدرك تمامًا أن نهايته قد تؤدي إلى القضاء عليه سياسيًا.
ويضيف أبو البوشوكة، أن السلوك الأخير للنظام الإيراني يشير إلى ميله لتغليب صوت الحكمة والعقل والبراغماتية، والابتعاد عن التصعيد والانكفاء على الذات، رغم أن ذلك يتم بصعوبة وبمكابرة؛ حيث تقتصر ردود فعله على التوعد والتهديدات التي تفتقر إلى التنفيذ الجدي. كما يشير إلى احتمال وقوع صراع داخلي بين تيار الإصلاحيين والحرس الثوري داخل إيران. أما بالنسبة للعراق؛ فيعتقد الباحث أن الأغلبية هناك قد أدركت ضرورة الوقوف على الحياد في هذا الصراع، الذي يُراد فيه أن يصبح العراق مجرد “حطب لنار المعركة”.
كما أن “المشهد السياسي في الشرق الأوسط ما زال يشهد تحولات معقدة؛ حيث تتداخل المصالح الاستراتيجية للدول الفاعلة في المنطقة. وبينما تسعى السعودية لتعظيم مكاسبها من خلال الموازنة بين التقارب مع إسرائيل والحفاظ على مكانتها الإسلامية، تتابع إيران هذه التطورات بحذر، محاولةً احتواء أي تحالف قد يهدد نفوذها. ومع ذلك، يبقى مستقبل العلاقات السعودية-الإسرائيلية غير محسوم؛ خاصة في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية المتسارعة؛ ما يجعل المنطقة ساحة مفتوحة على احتمالات متعددة، تتراوح بين التقارب الحذر وبين بعض من التصعيد تارة أخرى”.
إن التقارب والتطبيع بين دول الخليج وإسرائيل قضية استراتيجية حاسمة، تؤثر بشكل كبير على توازن القوى في المنطقة، وهو ما تعتبره إيران –بجميع أجنحتها– تهديدًا وجوديًا. ويوضح “أبو البوشوكة” أيضًا لـ “مواطن”، أن المملكة العربية السعودية بثقلها الاستراتيجي، ومساحتها الشاسعة، واقتصادها القوي، وكونها موطنًا لأقدس المواقع الإسلامية، تمثل “الجائزة النهائية” في حملة التطبيع الإسرائيلية، والتي تسعى الولايات المتحدة أيضًا لتحقيقها.
وأضاف: “وتدرك الرياض أهمية موقعها هذا، وتسعى إلى استغلاله للحصول على مكاسب استراتيجية، سواء أكان عبر الضغط على إسرائيل للقبول بحل الدولتين، أو عبر انتزاع ضمانات أمنية وتكنولوجية من الولايات المتحدة؛ مثل اتفاقية شراكة أمنية استراتيجية، ونقل التكنولوجيا المتقدمة في مجالات مثل الطاقة النووية والذكاء الاصطناعي. كما أن التقارب الخليجي-الإسرائيلي سيؤدي إلى تشكيل محور قوة جديد في المنطقة، تحت رعاية ودعم الولايات المتحدة، وهو أمر يثير قلق طهران”.
واستكمل حديثه: “رغم أن هذا المحور لم يتحول بعد إلى تحالف عسكري رسمي؛ فإن مجرد الاعتراف بإسرائيل، وتعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية والتكنولوجية، يمثل تحولًا جذريًا لم يكن من الممكن تصوره قبل عقد من الزمن. ومع ذلك؛ فإن هذه الخطوات قد تباطأت أو أُجلت بفعل الحرب على غزة. وبالنسبة للسعودية؛ فإن القيمة الأساسية للتطبيع تكمن في استخدامها ورقة ضغط لإقناع الولايات المتحدة بإبرام اتفاقية أمنية استراتيجية رسمية معها”.
يعتقد الباحث المشارك في "المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية" رمضان الشافعي غيث: "إن البرغماتية والثورية في سياسة إيران الخارجية متداخلتان بشكل كبير؛ حيث تستثمر إيران في كلتيهما. في حال تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، قد يتصاعد الصوت الثوري قليلًا، لكن البراغماتية ستظل تلعب دورًا في تهدئة الأوضاع لتجنب الخسائر الكبيرة".
ما زال المشهد السياسي في الشرق الأوسط يشهد تحولات معقدة؛ حيث تتداخل المصالح الاستراتيجية للدول الفاعلة في المنطقة. وبينما تسعى السعودية لتعظيم مكاسبها من خلال الموازنة بين التقارب مع إسرائيل والحفاظ على مكانتها الإسلامية، تتابع إيران هذه التطورات بحذر، محاولةً احتواء أي تحالف قد يهدد نفوذها. ومع ذلك، يبقى مستقبل العلاقات السعودية-الإسرائيلية غير محسوم؛ خاصة في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية المتسارعة؛ ما يجعل المنطقة ساحة مفتوحة على احتمالات متعددة، تتراوح بين التقارب الحذر، وبين بعض من التصعيد تارة أخرى.