تحولات المنطقة المتداخلة، تحتاج إلى قراءة متبحرة وتحليل واسع، وأبعاد العلاقات بين الدول في حاجة إلى دراسات متعمقة، لاسيما تقارب بعض دول الخليج مع إيران ، وخاصة سلطنة عمان التي توصف علاقتها بطهران بالسلوك السياسي الأكثر تعقيدا، بعكس معظم دول الخليج.
في هذا السياق خرج الإخوان من اللعبة الدولية وانتهى أمرهم، وليس أمامهم فقط إلا المراجعة، لكن علمنة الخليج أمر يمكن استيعابه شريطة عدم الرضوخ لإملاءات غربية، وهذا شرط لإقامة دولة حديثة قوية ذات أنظمة ومؤسسات ودساتير واضحة تحترم هوية الأمة وثقافتها وعاداتها وتقاليديها ودينها.
كيف يمكن أن يكون الخليج في مأزق، بسبب الصراع التركي الإيراني من ناحية والصراع التركي الخليجي من ناحية أخرى؟ ولماذا أصبحت خيارات التحرر قليلة في المنطقة، في ظل سيطرة الهلال الشيعي الذي يسعى لابتلاع الخليج ودولها، وما بين النفوذ التركي الذي يسعى بنفس الوتيرة لأخذ نصيبه أيضا من المنطقة.
وعن محددات منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي وكيف يقف عند أبعاد ظاهرة العنف والإرهاب وكيف يمكن رسم مستقبل المنطقة والتعامل مع المستجدات والمتغيرات التي تطرا يوميا. حاورت مجلة “مواطن” الباحث المصري عمرو عبدالمنعم المتخصص في الشؤون السياسية والخبير في الحركات الإسلامية.
حوار: عبدالرحمن سعد
- تقارب السلطنة مع إيران الموضوع الأكثر تعقيدا في السلوك السياسي
- الإخوان راهنوا على المظلومية لكنهم خرجوا من اللعبة الدولية والوطنية والقومية
- مشروع الشرق الأوسط فوضى خلاقة يتلاقى مع أهداف داعش
- قوة الأنظمة السياسية كفيلة بتجفيف منابع الإرهاب
- التحدي أمام الدول العربية، يكمن في عدم الامتثال للإملاءات الغربية
- إن كان مصطلح “علمنة الخليج” مثيرا للجدل فلنستبدله بمسمى آخر
- الخليج بين سندان الهلال الشيعي ومطرقة النفوذ التركي
- بون شاسع بين الإخوان في الخليج والإخوان في مصر
- «داعش» تسرطن في النسيج الغربي، بعدما مزقت الدول العربية
- بقاء الأفكار الإرهابية مرهون ببقاء العطب الفكري والثقافي
- الخطاب الإفتائي كارثي
فإلى نص الحوار:
1- بداية كيف تنظر للواقع والمناخ السائد في دول الخليج على المستوى السياسي والجغرافي؟
الخليج في مأزق بسبب الصراع التركي الإيراني من ناحية والصراع التركي الخليجي من ناحية أخرى، والخيارات أصبحت قليلة في المنطقة؛ فما بين هلال شيعي يسعى لابتلاع الخليج ودولها وما بين نفوذ تركي يسعى بنفس الوتيرة للسيطرة على الدول وما بين هذا الثنائي يتم التعامل مع الموقف في الخليج.
2- بعد قرار المملكة للمرأة بقيادة السيارة وإنشاء هيئة الترفيه هل ترى أن هذا بداية لانتشار العلمانية في السعودية؟
السؤال هل علمنة أم تحديث الخليج؟ والإجابة لا فرق عندي إذا كان المقصود هو قبول الحداثة، لكن بما لا يفرض علينا شروطا وإملاءات خارجية، التوجه إلى دولة حديثة قوية ذات أنظمة ومؤسسات ودساتير واضحة، تحترم هوية الأمة وثقافتها وعاداتها وتقاليديها ودينها، وتطبق المعاهدات الدولية في مواجهة التطرف والإرهاب والغلو والتشدد، والتوقف عن التعاطف مع التفرقة المذهبية ولغة التحريض ومواجهة الفساد.
3- وبم تفسر ما يسمى بمشروع بن زايد وبن سلمان حول “علمنة الخليج“؟
أرى أن هذا المصطلح المسمى بـ”علمنة الخليج”، مثير للجدل عند البعض، لذلك يمكن أن نستبدله بمسمى آخر غير ذلك، لكن في النهاية لا مشكلة لدي على الإطلاق، المهم والأصل أن نتحول إلى كيانات عصرية تشترك مع العالم في مصالحها ومنافعها وقيمها وأنظمتها وعدلها بكل ما يجلب المنفعة ويقصي الضرر، وتحقيق ذلك ضرورة من ضرورات التنمية والقوة والبقاء في المجتمعات المعاصرة.
4- رغم الوصف الذي يطلق على سلطنة عمان بالـ‘‘الدولة المحايدة‘‘ لكن ألا تدعو العلاقة بينها وبين إيران للريبة؟
نعم هناك علاقات قديمة ومتواصلة بين طهران ومسقط تعتمد على تقارب كبير في الفكر والمنطلقات ويمكن الأيدولوجية، وقد انزعجت بعض الدول من التقارب ‘‘العماني – الإيراني‘‘ لهذا هذا الموضوع هو الأكثر تعقيدًا في الحديث عن السلوك السياسي للسلطنة التي تربطها علاقات ممتازة مع إيران بعكس معظم دول الخليج.
لكن في الوقت ذاته لا تستطيع عمان، إهمال علاقاتها بدول مجلس التعاون الخليجي، لذلك ليس من المفاجئ أن يأتي قرار عمان بالانضمام للتحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب بعد شهرين فقط من اتّهامها علنًا بالسماح لإيران بتهريب السلاح إلى الحوثيين، الأمر الذي أدّى إلى انتقاداتٍ لاذعة من قبل حلفائها من دول المجلس.
ولعشرات السنين، حافظ السلطان «قابوس» على الحياد والتوسّط والتوازن في السياسة الخارجية لبلاده، لذلك تمتّع بالدعم العسكري الإيراني، والدعم الأمني السعودي، والعلاقات التجارية مع كليهما، والانضمام إلى التحالف الإسلامي العسكري قد يضمن له مزيدا من الدعم.
5- إن تحدثنا عن الإخوان هل يمكن أن يكون لهم دور وتأثير على مجريات التحول السياسي في دول الخليج فيما يتعلق بدعم أو مقاطعة قطر؟
الإخوان راهنوا على خريطة طريق لهم خاطئة منذ البداية، قامت على معاداة الدولة الوطنية ثم الدولة القومية ثم الرهان على الدولة الرسالية (الدينية) ونسوا أن العالم الآن، مجرد قرية صغيرة وأن لعبة أرض المهجر والانطلاق منها لجهاد الدفع والضرر لن تجدي في عالم ما بعد الحداثة، كما أن لعبة السياسة والإعلام والتماهي مع العنف والإرهاب، وعدم وضوح المواقف لن يأتي إلا بالخسارة عليهم وعلى الدول المستضيفة مثل قطر وتركيا، لقد خسرت الدوحة نفوذها وما أنفقته على مدى سنوات، وبدأ الدور الذي ظلت تلعبه يتهاوى، لأن العالم لن يقبل بأن يستمر الخداع إلى الأبد، فخطر الإرهاب صار يهدد الجميع و«داعش» تسرطن في النسيج الغربي، بعدما مزق هذا السرطان بعض الدول العربية ولن يسمح الغرب ولا أمريكا لهذا السرطان أن يستشري. ويبقى القول إن الانقلاب القطري الناعم قادم وأظن أنه “بيدي لا بيدي عمرو” كما هو متضمن في بيان وإشارات الشيخ عبد الله آل ثاني ابن حاكم قطر مؤخراً.
6- لكن هل للإخوان في دول الخليج وخاصة الكويت علاقة بالتنظيم الدولي؟
لا.. أعتقد أن الإخوان في الإمارات والكويت انفصلوا عن التنظيم الأم منذ عشرين عامًا ولم يعد لهم علاقة به، بعد أن نصحهم الدكتور عبدالله النفيسي، أكثر من مرة بحل أنفسهم عن عبء التنظيم الدولي، ورؤية إخوان الخليج تعبر عن رؤية داخلية فقط، وهذا ما أدركته مؤخرًا حركة حماس، لذلك سمحت لهم مصر بعقد لقاءات مستمرة معهم لحل مشاكلهم.
النفيسي أكد أن التجربة الخليجية كانت رائدة في هذا المجال، عندما قرر تنظيم الإخوان هناك دراسة حالة للتجربة وتقييم مدى الحاجة لوجود تنظيم إخواني، وانتهت الدراسة إلى ضرورة التحول إلى تيار فكري إسلامي عام يخدم القضايا التربوية والفكرية في عموم المجتمع، وكتابات النفيسي عن ذلك مهمة جداً.
7- إذا ما الفارق بين إخوان الخليج وإخوان مصر؟
إخوان مصر، تحولوا إلى إسفنجة تمتص كل الطاقات وتجمّدها، إنهم حيثما كانوا يساهمون في تجميد الحالة النقدية والمراجعات الفكرية Freezing Factor وعدم الانطلاق إلى أي تجديد وفق معطيات الواقع، وبالتالي حدث لهم عجز كلي في استيعاب التحولات في المنطقة، عجز يعيشون فيه حتى الآن، إنهم يعيشون في الجب ويعيشون أيضاً في أزمة الاستضعاف والرؤية المخملية، هم تناسوا أنهم خرجوا من اللعبة الدولية بل الوطنية والقومية أيضا وانتهى أمرهم، وليس أمامهم فقط إلا المراجعة، مراجعة سياستهم الفكرية والفقهية، بعد أن انهزموا ولفظهم المجتمع.
8- في رأيك ما أهم تحدٍّ يواجه المنطقة العربية؟
التحدي أمام الدول العربية، يكمن في عدم الامتثال للإملاءات الغربية في ملف المصالحة العربية وعلى قطر اللحاق بركب الخليج، أفضل من الانغماس في مشاكل الغد والمستقبل، بدلاً أن يقال ويشار إلى دولة مثل قطر بأنها راعية الإرهاب ومأوى الجماعات الإرهابية في العالم العربي.
9- بم تصف الدور الأمريكي في المنطقة؟
“الفوضى الخلاقة” هي مخطط أمريكي يرمي إلى خلق شرق أوسط جديد، عن طريق تفكيك الدول العربية القائمة التي رسمت حدودها حسب مقاس اتفاقية “سايكس بيكو” لعام 1916 بين بريطانيا وفرنسا، لتخدم مصالح كل منهما.
وبهدف إعادة تقسيم ما قسمته اتفاقية “سايكس بيكو” إلى كيانات أصغر منها، تتناسب وتخدم المصالح الأمريكية الحالية بشكل عام، ومصلحة الكيان الصهيوني، إسرائيل، بشكل خاص.
ذلك التقسيم بالفعل سيصب أخيراً في صالح الغرب بشكل عام، لما سيحدثه من تفكيك الكيانات العربية الكبيرة لكيانات أصغر منها، يجعلها غير قابلة لحمل أخطار وشرور العرب والمسلمين إلى إسرائيل وأوروبا بحسب رأيهم.
10 – كثيرا ما تتحدث عن مشروع إدارة التوحش ماذا يعني ذلك المصطلح؟
هو مشروع تنظيمي القاعدة وداعش، يعتمد على إشاعة الفوضى وإدارة هذه الفوضى عن طريق التوحش في المدن والشوارع العربية؟ ونشر هذا المصطلح في عام 2009 في الكتاب الصادر عن القاعدة بعنوان “إدارة التوحش: أخطر مرحلة ستمر بها الأمة”، لمؤلفه أبو بكر ناجي، وفيه يستشرف حدوث فوضى في العالم العربي، ويحث الجهاديين عبره للاستعداد، لإدارة العالم والتحكم به عن طريق التوحش.
التنظيمان يسعيان لهدف واحد، هو تحطيم الجيوش وإزالة الدول، وإقامة إمارات ودويلات عرقية شعارها (فوضى/ توحش).
11- برأيك ما أكثر التحولات السياسية والثقافية التي شهدها الخليج العربي في الآونة الأخيرة؟
الخليج من المناطق المهمة في العالم العربي التي تأثرت كثيرًا بظهور النفط فيها في أربعينيات القرن الماضي وشهدت تحولات ملحوظة في العديد من المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وفي فترة زمنية قصيرة بمعيار أعمار الأمم والحضارات لا تتجاوزالأربعين سنة تقريبًا، انتقل الخليج حكومات وشعوبًا من مرحلة بداوة شديدة وقحط أشد إلى مرحلة شهدت الكثير من الرفاهية مع ما لذلك من نتائج غيرت العديد من المفاهيم والقيم. ولم يكن الخليج يعرف كثيرًا من مفاهيم ونظم الدولة الحديثة في فترة الأربعينيات وما قبلها، وكان مكتفيًا بنظام القبيلة في الحكم على الصعيد السياسي، ويعتمد على بعض الزراعة والرعي ومن ثم الغوص إلى اللؤلؤ على الصعيد الاقتصادي، في تصوري التحول الديمقراطي والانتقال السلس والاكثر هدوءًا إلى الديمقراطية؛ بجانب الرخاء الاقتصادي، والعلاقة التي ما تزال وثيقة ومتماسكة بين الشعوب من جهة والأسر الحاكمة من جهة أخرى هامة جدًا.
أيضًا بروز شخصيات أو أجنحة إصلاحية من داخل الأسر الحاكمة تدفع بأجندة التغيير الديمقراطي وفق رؤية وطنية تعمل على تأكيد شرعية هذه الأسر، ولكن عبر تقديم تنازلات جوهرية، أهمها تقاسم تسيير شؤون الدولة بين الأسرة الحاكمة ومؤسسات الدولة المنتخبة عامل آخر مهم جدًا.
12- ما فرص بقاء داعش والنصرة بعد انتهاء الحرب في العراق وسوريا، وماذا عن بقاء فكرهما؟
تعد ظاهرة داعش وأخواتها من النصرة والقاعدة ظاهرة قديمة في الفكر الإنساني تظهر فى كل الثقافات والحضارات فى كل المراحل التاريخية، باعتبار أن الإرهاب والتكفير ليس فقط غلوًا وتعصبًا وتطرفًا شاذًا فى الفكر وعطبًا فى العقلية والتطور الانفعالى السيكولوجي، وإنما أيضًا باعتبار الظاهرة دليلاً على العطب السياسي والاجتماعي والاقتصادي لدى الأمم والشعوب وبقاء هذه الأفكار مرهون ببقاء العطب الفكري والثقافي الذي تحياه شعوب المنطقة العربية والإسلامية وعدم وجود إبداع حقيقي في مجالات الفكر وبالمصطلح الشرعي الإسلامي التجدد “يبعث الله على رأس كل مائة عام من يجدد لهذه الأمة أمر دينها”.
13- وكيف ترى الحل الأمثل لتحجيم الإرهاب والقضاء على انتشاره في المنطقة العربية؟
يمكن تخفيف ظاهرة الإرهاب بمحاصرة أسبابه المباشرة والتي تتمثل فى الاحتقان السياسي وأسبابه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بشكل عام.
ولكن الحلول غير المباشرة تتعلق بقدرة النظام السياسى على تقديم النموذج والقدوة وعلى إنضاج الظروف المناسبة لاشتراك الجميع، وتقديم مقولة سياسية وعقائدية قادرة على التوحيد والدمج. وأعتقد أن خير وسيلة لتجفيف ظاهرة الإرهاب هى أن يكون النظام السياسى قويًا بما يكفي. قويًا بالمعنى الروحي والثقافي، حتى لا يمكن منافسته، ولهذا السبب كانت هذه الظواهر تغيب عندما تحضر الكاريزميات والشخصيات الدينية والثقافية المؤثرة.
14- إذا في النهاية ما أثر الفتاوى الشاذة على المجتمعات العربية وخاصة في دول الخليج العربي؟
الخطاب الإفتائي العام في العالم العربي ومن ثم دول الخليج، يعاني خللا واضحا ما بين تربص من الإعلام تجاه الدعاة والمفتين الذين أفتوا بمسائل مثل، مثل قضية ضرب المرأة والخلوة بالخادمة، وقيادة السيارة، وإرضاع الكبير، ووطء المرأة الميتة، ومعاشرة البهائم، وترك اغتصاب المرأة للمحافظة على النفس، ففقه الواقع غائب عن مثل هذه الفتاوى الكارثية.
كذلك لا يوجد رعاية إعلامية أو تدريبية لأدب الفتوى ونقلها من مظانها بأدلتها اليقينية المحسوبة على المفتي، لذلك يأخذ البعض من الفتاوى ما يشاء ويحاول بعض الإعلاميين مغايرة حقيقة الفتوى لـ‘‘الشوالإعلامي‘‘.
من الناحية السياسية يتجنب الفقهاء المعاصرين الخوض في السياسة مثل هل استعادة الخلافة واجب؟ وهل الاستعانة بالأجنبي تجوز؟ وهل وضع الأموال في البنوك الغربية يعد تغذية للعدو بالمال؟ وهل الديمقراطية هي الشورى؟ وهل الخروج على الحاكم بالمظاهرات مشروع؟ وهل المعارضة من الإسلام؟ وهل يجوز تكوين الأحزاب في ديار الإسلام؟
كل هذه الامور يتجنب كثير من الفقهاء الخوض فيها، وأصبح الشباب يلجؤون لمعين آخر وهو شيوخ التطرف والإرهاب، وتخيل كم الأسئلة التي يسألها العوام من الناس وكيف ترد عليهم مؤسسات حراسة الإسلام، وفي تقديري أن الإسلام شوكة والعلماء رأس هذه الشوكة، فإن لم يجد الناس العلماء اتخذوا لهم علماء كما في قول النبي “إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يترك عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا، فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا”.