“نستهدف 100 مليون سائح لتوفير ثلاثة ملايين وظيفة. ونستهدف كذلك مضاعفة الاستثمارات الأجنبية. لن يأتي السياح والمستثمرون والعقول والقدرات البشرية إذا اخترعنا قوانين غير المتعارف عليها عندهم”.
“إذا لم تستطع هويتك أن تصمد مع التنوع الكبير في العالم فمعناه أن هويتك ضعيفة ويجب أن نستغني عنها، وإذا هويتك قوية وأصيلة تستطيع أن تنميها وتطورها وتعدل السلبيات التي فيها وتحفز الإيجابيات التي فيها معناه انت حافظت على هويتك وطورتها. هويتنا قوية للغاية ونفتخر بها”.
"باب الاجتهاد مفتوح للأبد. الشيخ محمد بن عبد الوهاب لو خرج من قبره ووجدنا نلتزم بنصوصه ونغلق عقولنا للاجتهاد ونؤلهه أو نضخمه لعارض هذا الشيء".
ثلاثة تصريحات واضحة، محددة، وموجزة من حوار الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، مع الإعلامي عبدالله المديفر، وبثه التلفزيون السعودي وعدد من القنوات العربية في الثامن والعشرين من شهر أبريل/نيسان عام 2021 تعبر بوضوح عن متغيرات كثيرة تشهدها المملكة العربية السعودية على المستوى الاقتصادي، والاجتماعي، والديني ضمن مشروع طموح للأمير الشاب تحت شعار رؤية السعودية 2030.
في هذا الحوار ظهر ابن سلمان بصورة بسيطة مرتديًا الزي السعودي التقليدي من جلباب أبيض، وغترة، وعقال وحذاء مفتوح، وتحدث بقوة وحكمة رجل دولة يسعى للانتقال من العصور الوسطى حيث الحكم للقبيلة، والأعراف والتقاليد، إلى دولة حديثة تحكمها القوانين، والرؤى، والاستراتيجيات، والخطط، والأهداف…، دولة ”إسلامية” بصورة عصرية، لكن يبقى السؤال الجوهري هل ينجح الأمير الشاب في إحداث كل هذه التغيرات؟ وهل تكفي هذه التصريحات “المنفتحة” لبناء جسور تواصل مع القوى العالمية تمحو ماضيه المحمل بجرائم الحرب اليمنية، واتهامات باغتيال واعتقال المعارضين لحكمه سواء من داخل الحاكمة أو خارجها.
اقرأ أيضا: هل يؤسس محمد بن سلمان لدولة سعودية رابعة
المقابلة التي امتدت على مدار ساعة وعشر دقائق انقسمت إلى أربعة محاور:
- التحديات الاقتصادية التي تواجه المملكة حاليًا ومستقبلًا والإجراءات الاستثنائية لمواجهتها من تخفيض للدعم، وزيادة ضريبة القيمة المضافة لثلاثة أضعاف، وإعادة هيكلة الوزارات والهيئات الحكومية.
- خطط المملكة العربية السعودية الاقتصادية والاجتماعية ضمن مشروع السعودية 2030، ومن أبرز ملامحها مشروعات الإسكان الحكومية، وتنويع مصادر الدخل، وتشجيع الاستثمار الأجنبي.
- قراءة عصرية للدين لا تتعارض مع سياسات وخطط التحديث مما يعني نزع العديد من الصلاحيات والامتيازات التي كان يحظى بها التيار الوهابي “السلفية” السعودية، وتأسيس شرعية دينية جديدة.
- السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية وعلاقتها بكل من الولايات المتحدة الأمريكية، وإيران، وحربها المستمرة منذ سنوات ضد جماعة الحوثيين في اليمين.
شرعية جديدة
الجرأة في حديث الأمير الشاب حول الكثير من الأمور التي كانت بمثابة تابوهات مغلقة منذ سنوات، فمن كان يتخيل أن تستهدف المملكة العربية السعودية في خططها التنموية استقطاب ملايين من جمهور السياحة الشاطئية، أو تسعى لبناء منظومة قانونية تتوافق مع العالم الحديث، أو يتحدث ولى عهدها فتح باب الاجتهاد الديني وعدم تقديس التراث الفقهي بما يعنيه من انقلاب ضمني على التحالف التاريخي بين آل سعود، وأتباع الشيخ محمد عبد الوهاب ”الوهابية” الذين استحوذوا على الشأن الديني في مقابل استحوذ آل سعود على منظومة السلطة.
هذه المحاصصة الراسخة التي تأسست عليها شرعية الحكم في المملكة العربية السعودية لعقود طويلة، يحاول الأمير الشاب استبدالها بشرعية جديدة شعارها “سعودية بلا وهابية” من خلال مجموعة من الإجراءات، والقوانين، والقواعد الجديدة بدءًا من السماح للمرأة بقيادة السيارة، مرورا بنزع صلاحيات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وصولا للانفتاح الاجتماعي، والثقافي، والفني بفتح دور السينما والمسرح وتنظيم حفلات فنية مختلطة يمكن للرجال والنساء حضورها سويًا.
لكن يبقى السؤال ما مصير التيار الوهابي السعودي الذي تمدد على مدار الخمسة عقود الماضية في صورته “السلفية” و”الجهادية” في كل مدن المملكة وشتى بقاع العالم، وصار له ملايين من الأتباع الذين لا تجمعهم منظومة عقائدية فقط، ولكن صلات نسب، واستثمارات مالية، وعلاقات عمل، وبنية تراتبية “شرعية” هذه المنظومة المتكاملة وقواعدها الجماهيرية هل ستصمت، وتقبل بالوضع الجديد بدون أي مقاومة؟ ولكن هذا هو الوضع الجديد الذي يريده ولي العهد الشاب للتيار الوهابي، هل يريد القضاء عليهم تمامًا أم تحييدهم سياسيًا فقط؟
يبدو أننا بصدد استنساخ للتجربة المصرية في التعامل مع التيار السلفي من خلال السماح لهم بالعمل والحركة تحت مظلة الدولة وقوانينها التي توازن بين المصالح الدنيوية والدينية
للإجابة عن سؤال ما مصير ووضع التيار “الوهابي” في منظومة حكم محمد بن سلمان، يبدو أننا بصدد استنساخ للتجربة المصرية في التعامل مع التيار السلفي من خلال السماح لهم بالعمل والحركة تحت مظلة الدولة وقوانينها التي توازن بين المصالح الدنيوية والدينية، فالدستور المصري في مادته الثانية ينص على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسي للتشريع، وعلى الجانب الآخر تدار شؤون الدولة وفقا لمنظومة من السياسات والقوانين المتوافقة مع شكل المجتمعات الحديثة.
وهذا التصور تحدث عنه الأمير الشاب بوضوح عندما قال “القرآن هو دستور المملكة العربية السعودية” وهنا تأكيد وتطمينات للمجتمع والتيار الوهابي أن خطوات الإصلاح والتحديث ستحافظ على التحالف القديم بين رجال السلطة والدين ولكن بصورة وصياغة جديدة أكثر انفتاحًا وعصرية تصبح معها الأمور والقضايا الدينية مسؤولية محل نقاش وفقًا لمصالح السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية للدولة لذلك أكد في تصريح آخر على أن “اليوم لا نمو، ولا سياحة، ولا جذب رؤوس أموال، ولا تقدم بوجود فكر متطرف. إذا تريد ملايين الوظائف، والبطالة تنزل، والاقتصاد ينمو، دخلك يتحسن يجب أن تستأصل هذا المشروع لمصلحة دنيوية”.
طموح الأبدية
“هذا رجل جاء ليبقى” عبر هذا التوصيف المستعار من كتابات الأستاذ الراحل محمد حسنين هيكل، يمكننا أن نقرأ حديث الأمير الشاب وتأكيده في أكثر من موضع على الخطط المستقبلية طويلة الأمد لتنمية وتطوير المملكة، وظهر ذلك بوضوح عندما سأله المذيع: “وماذا بعد 2030؟؛ فأجاب محمد بن سلمان مازحًا “2040” بهذه البساطة تحدث محمد بن سلمان عن مشروعات طموحة وعن خطط ممتدة لسنوات طويلة قادمة.
السؤال الذي بدا عفويا، والإجابة التي بدت تلقائية ومعبرة عن طموح الأمير الشاب، قد تكون في حد ذاتها لغمًا ينفجر في أي لحظة تعطل طريق الوصول للملك، فالأمير الشاب مازال في منتصف العقد الرابع وبالتالي وصوله للحكم يعني بقاءه فيه إلى ما شاء الله من العمر، وهو أمر قد لا يحتمله المجتمع السعودي وخاصة جيل الشباب الذين يراهن عليه محمد بن سلمان كقاعدة شعبية، فضلا عن العالم الخارجي الذي يريد نظامًا سياسيًّا وقواعد واضحة لتداول السلطة في المملكة، وصول الأمير الشاب لكرسي الحكم يعني تغير القواعد الحاكمة لمنصب الملك طوال العقود الماضية حيث توارث العرش أبناء الملك المؤسس عبد العزيز الفيصل آل سعود.
في ظل انشغال محمد بن سلمان بالقفز للمستقبل في حواره مع الإعلامي عبدالله المديفر تناسى الأمير استحقاقات الجيل الحالي الذي يعيش تحولات كبيرة على المستوى الاقتصادي، والاجتماعي، والديني في مواجهة عقد اجتماعي جديد لم يعد يتيح الحياة الراغدة، والاستمرار في اقتصاد ريعي قائم على عوائد النفط والسياحة الدينية إلى ما لا نهاية، هذه التغيرات الاقتصادية المتسارعة التي يتم تحميلها للمواطن ربما تستدعي تغيرات أكبر يطالب بها المواطنين تأكيدا لمفهوم “لا ضرائب بدون تمثيل” وبالتالي قد تتصاعد حركات ودعوات لفتح المجال السياسي والمطالبة بتغيرات حقيقة على أرض الواقع مما يعني احتمالية اضطرابات وتغيرات لا يعرف أحد مداها قد تشهدها المملكة العربية السعودية في السنوات القادمة.