أعاد الفوز التاريخي للرباع القطري ذي الأصول المصرية فارس حسونة بذهبية أولمبياد طوكيو 2020 في منافسات رفع الأثقال للرجال وزن 96 كيلوجرام، الحديث من جديد حول التجنيس الرياضي وما تطرحه من أسئلة عديدة اجتماعية وقومية ورياضية.
ففي ظل سيادة العولمة ونظام رأسمالي عالمي تحكمه قوانين العرض والطلب يُخشى أن تفقد المنافسات الرياضية قيمها الإنسانية وتتحول إلى سلعة مادية يحصل عليها من يملك ثمنها فقط، وبالتالي تسطو الدول الغنية على المواهب الرياضية من أبناء الدول الفقيرة تحت مسمى “التجنيس” ليصبحوا ممثلين لها.
القصة الرائجة في ساحات السوشيال الميديا والمواقع الإخبارية مدفوعة بوقود التراشق القومي والخلافات السياسية المصرية القطرية كشفت عن وجه آخر ليس له علاقة بفقر الإمكانيات، بقدر ما يتعلق بهيمنة منظومة الفساد والمحسوبية في العديد من الاتحادات الرياضية بدول العالم الثالث.
فوفقًا لتصريحات الكابتن إبراهيم حسونة مدرب منتخب مصر السابق والمنتخب القطري حاليًا فإن نجله لم يحظَ فارس بدعم من الاتحاد المصري لرفع الأثقال، وأضاف: “وافقت أن يلعب باسم قطر لأن في مصر لم يسأل عنه أحد”. وسجل فارس حسونة (177) كيلوجرام في منافسات الخطف، و(225) كيلوجرام في منافسات النتر، بوزن إجمالي (402) كيلوجرام وهو رقم قياسي أولمبي جديد.
قصة فارس لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة؛ فالعديد من الأبطال الرياضيين محاصرون بين مطرقة واقع مجتمعهم المأزوم وبين الوفرة المالية والدعم الكبير الذي تمنحه الدول الغنية، فوفقًا للأرقام المتداولة حصل فارس حسونة على مكافأة بلغت (22) مليون ريال قطري ما يعادل (100) مليون جنيها مصريًا، بينما في حال فوزه بالميدالية الذهبية ممثلًا للمنتخب المصري فالجائزة مليون جنيه فقط وفقًا للوائح المصرية.
التوطين
أزمة التجنيس المتصاعدة خلال العقدين الماضيين خاصة في دول الخليج بسبب الأعداد المتزايدة من اللاعبين المجنسين، قضية مطروحة منذ عقود طويلة في المجتمعات الغربية المتقدمة؛ فالكثير من اللاعبين المشاهير في مختلف الرياضات من أصول متنوعة ومجتمعات وثقافات مختلفة وتم دمجهم وأسرهم في المجتمعات الجديدة وأسهموا في تطوير المنظومة الرياضية على المستوى المحلي.
في هذا السياق تحاول العديد من دول العالم الاعتماد على مفهوم “التوطين” كبديل للتجنيس، ونعني بالتوطين حصول الأشخاص على الجنسية بناء على استحقاقه ذلك بشكل دستوري، ومن دون وجود غايات تتعلق بمشاركته في أية منافسات كانت، بحيث تكون هذه الجنسية دائمة ويتساوى صاحبها بالحقوق والواجبات مع أي مواطن، ومن خلال هذه التجارب يمكننا رصد بعض الجوانب الإيجابية للتوطين/التجنيس:
- اكتشاف وتنمية مواهب كثيرة قد لا تحصل على فرصة في بلدانهم
- العوائد المادية يستثمرها بعض اللاعبين في تنمية الرياضة في بلدانهم الأم،
- تسليط الضوء على فساد بعض الاتحادات المحلية الطاردة للأبطال،
- الانفتاح على ثقافات مختلفة وتعزيز روح التنوع والتعددية داخل المجتمع،
- إدخال رياضات غير موجودة في هذه الدول، بفضل الرياضي المجنس.
تحديات
على الجانب الآخر يرى معارضو “التجنيس” العديد من السلبيات خاصة في النسخة الخليجية التي تعتمد على مفهوم “التجنيس” وليس التوطين ومن أبرز هذه السلبيات:
- حرمان الرياضيين المحليّين من حق تمثيل دولهم،
- الإفراط في التجنيس يقتل الرياضة المحلية،
- الإخلال بمبدأ عدم تكافؤ الفرص بين اللاعبين،
- تعزيز فكرة المنفعة المادية على أي قيمة رياضية أو إنسانية،
- التشكيك في ولاءات الرياضيين المجنسين، وعدم تقبل إنجازاتهم.
في محاولة لتجنب التلاعب بالجنسية وتعزيز مفهوم التوطين كبديل للتجنيس وضع الاتحاد الدولي لكرة القدم “الفيفا” مجموعة من المعايير والقواعد المنظمة لعملية التجنيس/التوطين ومن أبرزها:
- أن يكون اللاعب ولد في الدولة التي يتبع لها الاتحاد الوطني، أو أن تكون أمه البيولوجية، أو والده البيولوجي أو أحد الأجداد ولد في الدولة التي يتبع لها الاتحاد الوطني.
- أن يكون اللاعب مقيمًا لفترة متواصلة في الدولة التي ينتمي لها الاتحاد الوطني المعني، لمدة لا تقل عن (5) سنوات، وذلك بعد بلوغه سن (18) عاماً.
- يحق للاعب اختيار منتخب يمثله لو كان يحمل أكثر من جنسية شرط ألا يكون قد لعب بشكل رسمى مع أي من المنتخبات التي يحمل جنسيتها.
- اللاعب الذي شارك مع منتخب بلاده في مراحل الشباب والناشئين لا يمكنه تغيير جنسيته وتمثيل أي منتخب آخر.
ورغم قواعد “الفيفا” فالأمر لم يخلُ من التلاعب والاتهامات المتبادلة بين الاتحادات والمنتخبات الوطنية، ففي كأس آسيا لكرة القدم عام 2019 تقدمت دولة الإمارات العربية، بشكوى لعدم قانونية تجنيس اثنين من لاعبي المنتخب القطري، وهما المهاجم من أصل سوداني المعز علي، والمدافع من أصل عراقي بسام الراوي، وذلك بعد هزيمة كبيرة للمنتخب الإماراتي من نظيره القطري، في الدور قبل النهائي للبطولة، بأربعة أهداف نظيفة.
اقرأ أيضا: أنس جابر.. نسوية تونس تنتصر
المفارقة أن كلًا من المنتخبين لديه العديد من اللاعبين المجنسين، ورغم ذلك تصاعدت حدة الصراع الخليجي الخليجي منتقلة من الساحة السياسية إلى الساحات والملاعب الرياضية، وتحول “التجنيس” من خطوة في بناء وتوطين ثقافة التنوع والتعددية وتطوير منظومة الرياضة في هذه المجتمعات إلى صراع واتهامات متبادلة.