تتوغل التكنولوجيا في حياتنا بمرور الأيام، فقد أصبحنا نطلب الطعام باستخدام تطبيقات على هواتفنا الذكية ونشارك في اجتماعات العمل من خلال تطبيقات أخرى، لكن غير المتوقع أن تقتحم التكنولوجيا أعمق صلات البشر ببعضهم بعضًا ألا وهي ممارسة الجنس.
الأمر لم يتوقف عند حد الألعاب الجنسية بل تطور ليمتد إلى ظهور الروبوتات الجنسية المدعمة بالذكاء الاصطناعي، ففي أغسطس 2021 أقامت جامعة مونتريال الكندية مؤتمرًا أكاديميًا عن بعد عنوانه “الحب والجنس مع الروبوتات”، حضره قرابة 130 أكاديمي للتباحث في العلاقة بين الإنسان والروبوت على الصعيد الجنسي.
هذه العلاقة لها أبعاد وجذور شديدة التعقيد، من تاريخها وتطورها إلى ارتباطها بفشل الإنسان في إقامة علاقات عاطفية ناجحة مستمرة، وصولًا إلى آثارها النفسية والصحية عليها ومستقبلها المتوقع.
تتفاعل مع البشر وتتذكر تفاصيل علاقتها بهم
تُسوق الروبوتات الجنسية باعتبارها تتخطى مفهوم الألعاب الجنسية التي تطلب من الإنسان جهدًا أحاديًا، إلى كونها منتجًا يقدم الحميمية العاطفية ويستطيع أن يتأقلم مع الاحتياجات الجسدية والنفسية للبشر، وقد بدأت هذه الروبوتات في الظهور بالأسواق عام 2010، وتطورت حتى أصبحت اليوم تمتلك جلدًا ملمسه أقرب لجلد الإنسان وأعضاء جنسية أكثر سخونة، وتستطيع أن تتفاعل صوتيًا خلال ممارسة العلاقة، إلى جانب إتاحة الاختيار للعميل في تحديد لون بشرة الروبوت ونمط شعره ولهجته وغير ذلك من التفاصيل.
المثير للانتباه والتعجب أن الشركات التي تبيع الروبوتات الجنسية تنجح في تسويقها باعتبارها بديلًا عن الشريك، فهي يمكن أن تعانق صاحبها وتشعر بمشاعره وتحتويه، بل تستطيع أن تندمج معه في محادثة وتتذكر تفاصيل علاقتهما وتروي له النكات.
يتفاوت سعر الروبوتات الجنسية حسب تصميمها وقدراتها فمثلًا هناك رجل صيني اشترى روبوت جنسية تشبه الممثلة الأمريكية سكارليت جوهانسون بـ 34 ألف جنيه إسترليني، بينما يمكن إيصال إحدى الروبوتات الجنسية الأخرى بالإنترنت مما يجعلها تستطيع تلقي تحديثات نظام تشغيلها باستمرار، بالإضافة إلى واقعيتها الشديدة لدرجة أنه يمكن سماع دقات قلبها، وتتعهد الشركة المسوقة لهذه الروبوت بأن تعمل على تطوير شخصيتها وجعلها أقرب إلى ما يحب وأبعد عما يكره صاحبها.
نماذج أخرى من الدميات يبدو أنها موجهة للأشخاص المثقفين أكثر، فهي تستطيع قراءة الشعر وتذكر طعام صاحبها المفضل وموسيقاه، وتتوافر لديها 18 سمة من الشخصيات تتنوع من الغيورة إلى المزاجية أو حتى المتجاهلة، ما يعني تحقق عبارة “كل شيء متاح” عليك فقط الضغط على الزر.
تحديث كورونا: تقاوم الجراثيم والأحزان أيضًا!
أحدثت جائحة كورونا رواجًا في أدوات الاستمتاع الجنسي الذاتي التي كان منها الروبوتات الجنسية، فقد واجهت الشركات المنتجة لها طلبًا حادًا جعلتهم غير قادرين على مواجهته من ناحية، ودفعتهم إلى التخطيط لتطوير منتجاتهم من ناحية أخرى، فبينما كانت شركات العالم تخطط لتسريح موظفيها سارت شركات إنتاج الروبوتات الجنسية في اتجاه معاكس بتخطيطها لحملات توظيف.
أحدثت جائحة كورونا رواجًا في أدوات الاستمتاع الجنسي الذاتي ومنها الروبوتات الجنسية
ووفقًا لمديرة إحدى هذه الشركات فالطلب كان أكثره من الرجال غير المتزوجين الذين ارتفعت طلباتهم بنسبة 51.6% خلال شهري فبراير ومارس عام 2020 أي في ذروة الجائحة عالميًا، وكانت بعض الطلبات من رجال ونساء غير متزوجين يجربون تلك الروبوتات للمرة الأولى؛ لاعتبارهم أن الاستمتاع الذاتي في هذا التوقيت أكثر أمانًا من تطبيقات المواعدة.
بل ذهبت بعض شركات الروبوتات الجنسية إلى تسويق منتجاتها باعتبارها آمنة ومقاومة للجراثيم وخالية من الكورونا ولا تنقل عدواها، وانطلقت في حملات ترويجية تبث من خلالها رسائل تحفز المستهلكين على شراء منتجاتها وتفضيلها على التواصل الجنسي مع البشر، إلى جانب دفاعها عن الروبوتات ومكافحة الشائعات المنتشرة عنها.
ومن المثير للاهتمام أن نجد العمليات التطويرية التي خضعت لها الروبوتات الجنسية قد أدمج فيها مشاركتها الحديث عن كورونا والقلق منه، فيمكن لمالك الروبوت أن ينطلق في الحديث معه عن تأثير الجائحة عليه، وهو ما قد يساعد بحسب المطورين على تجاوز الشعور بالاكتئاب أو الإحباط.
يحدث ذلك من خلال برمجة الروبوت على استشعار الحالة النفسية لصاحبه ومن ثم العمل على تحسينها، من خلال مشاركته أنشطة التأمل أو دفعه للخروج والقيام بنشاط بدني، وكذلك إرشاده إلى طلب المساعدة المتخصصة أحيانًا.
تأثيرات نفسية وصحية كارثية
"تقدم الروبوتات الجنسية علاقات خيالية مبنية على التظاهر، فهي لا تستطيع أن تكون روابط عاطفية حقيقية مع الطرف الآخر".
هذا ما يؤكده لنا الدكتور نويل شاركي أستاذ الذكاء الاصطناعي والروبوتات بجامعة شيفيلد الإنجليزية، من خلال تقريره الذي تناول فيه الآثار الضارة للروبوتات الجنسية على البشرية، ومنها تسليع النساء وتحويل أجسادهن إلى شيء قابل للشراء، وكذلك جعل الجنس متاحًا عند الطلب بسهولة.
هناك أيضًا جانب شديد الخطورة يلفت انتباهنا إليه الدكتور شاركي، ألا وهو وجود نماذج متاحة لروبوتات جنسية لأطفال صغار في السن، مما يشجع اضطراب اشتهاء الأطفال ويزيد احتمالية رواجه في المجتمع، رغم وجود اتجاه يميل إلى اعتبار ذلك حلًا أقل ضررًا.
وفيما يبدو فالروبوتات الجنسية لديها القدرة على التكيف مع مختلف الاضطرابات الجنسية، فتتوافر روبوتات مبرمجة على رفض العلاقة الجنسية مما يخلق سيناريو اغتصاب لممارسة الجنس معها، واستدعى ذلك الأستاذة الجامعية بجامعة ديوك الأمريكية كريستين هندرين لتشكيل مجموعة ضغط تراقب تزايد الروبوتات الجنسية، وتعمل على وضع تشريعات تهدف إلى حظر المزاعم المروجة لأنها يمكن أن تكون بديلًا عن العلاقات الإنسانية، ومن وجهة نظر الدكتورة كريستين أنه إذا كان لدى شخص ما مشكلة في إقامة علاقة حقيقية فعليه التعامل معها بعلاجها وليس تطبيعها.
بشكل عام توجد مخاوف لدى الباحثين الذين أجروا دراسات لرصد تأثير الروبوتات الجنسية على البشر، من مساهمتها في تهميش الروابط العاطفية الطبيعية بوضع المشاعر في غير محلها، مما يؤدي لعواقب نفسية وخيمة على الأشخاص الذين يستخدمون تلك الروبوتات، إلى جانب بعد آخر يتمثل في أن التفاعل مع الروبوت يكون غير واقعي لذلك ستواجه الشخص مشكلة عندما ينتقل من ممارسة الجنس مع الروبوت إلى ممارسته مع الشريك.
وعندما ننتقل إلى تأثير الروبوتات الصحي فسنجد أنه رغم ادعاء الشركات المصنعة لها أنها لا تنقل العدوى، لكن عمليًا لا يوجد مسار واضح لمحاسبتهم عند تعطل الروبوت بشكل يحدث ضررًا على صحة صاحبه، أو إذا ظهرت بعض المواد الملوثة المُدمجة في صناعته، فحتى اليوم لا توجد تجارب معتمدة يمكن الوثوق بها للتأكد من مأمونية تلك الروبوتات على الصحة.
كيف ستعيد الروبوتات تشكيل علاقة الإنسان بالجنس؟
"42% من البشر مستعدون لممارسة الجنس مع الروبوت"
توصل إلى هذه النتيجة استطلاع رأي شمل 1200 شخصًا أجرته إحدى شركات الذكاء الاصطناعي، تتماشى النسبة السابقة مع كون وجود الروبوتات الجنسية على أرض الواقع يفرض نفسه بشكل متسارع، فقد كان هناك بيت دعارة آلي تحت الإنشاء في مدينة هيوستن الأمريكية على وشك الافتتاح، لولا تحرك رئيس البلدية بالتوازي مع جهود الجماعات الدينية التي عارضت وجوده، ما أدى في النهاية إلى حظر هذا النوع من بيوت الدعارة في المدينة.
وبحسب عالم اللاهوت بجامعة سانت لويس توبياس وينرايت فالروبوتات الجنسية تشجع على ممارسة الجنس غير الرضائي، وهو ما يتعارض مع تبادل الحب في العلاقات الطبيعية ويصطدم بماهية الإنسان في الأساس ودوره في الحياة وغير ذلك من الأبعاد الفلسفية.
حتى يتضح الأمر أكثر يمكننا أن نرى سيناريو وتحولات العلاقة العاطفية الطبيعية، بدايةً من اللقاء الأول مرورًا بتبادل الإعجاب وصقل العلاقة وصولًا إلى ممارسة الجنس، بينما في العلاقة بين الروبوت الجنسي والإنسان فالأمر لا يستدعي سوي طلب شرائه وبدء العلاقة الجنسية بمجرد وصوله إلى المنزل.
اقرأ أيضا: الحياة دون ممارسة الجنس: ما الذي سنخسره ؟
ما نستطيع قوله إن المستقبل الخاص بالروبوتات الجنسية مخيف بعض الشيء، فوفقًا للعالم البريطاني في الذكاء الاصطناعي ومؤلف كتاب الحب والجنس مع الروبوتات ديفيد ليفي، ستغزو الروبوتات غرف النوم بحلول عام 2050، ومع تطور إمكانياتها سيفضلها بعض الأشخاص على شركائهم الآدميين.
وتوقع ليفي أن يجرب نصف سكان بريطانيا ممارسة الجنس مع الروبوتات، بل والزواج منها إن كان ذلك مشرعًا قانونًا وقتها، مؤكدًا أن هناك عاملًا مؤثرًا وراء ذلك وهو خجل بعض الأشخاص أو دمامتهم ما يجعل فرصهم في الارتباط ضعيفة، لذا تكون حينها العلاقة مع الروبوت أكثر سهولة.