في بريد الجمعة لعبد الوهاب مطاوع بجريدة الأهرام، خلال حقبة التسعينيات، روى قصة ملخصها؛ أن موظفًا ينتمي إلى إحدى القرى في ريف مصر، تقلد إحدى الوظائف بالمدينة، وعندما فكر في الزواج قال في نفسه إن بنات المدن بلا حياء، وهذا ما دفعه للزواج من القرية، فهناك عائلات محافظة. تزوج واصطحب زوجته إلى المدينة، لكنه اكتشف أن الزوجة لم تكن بالأخلاق التي تخيل أن تكون عليها، والسبب هو طلب الزوجة الزائد للعلاقات الجنسية، وهذا ما دفعه للشك في أخلاقها، حتى أنه تكلم مع صديق مقرب له عن خصوصياته مع زوجته والشكوك التي تأكل عقله من ناحيتها وطلب منه مراقبتها، بعد فترة لاحظ أن زوجته امتنعت عن طلب ممارسة الجنس إلا لو طلب منها وهذا ما جعل شكه يزداد، وظل يسأل نفسه ما هي أسباب تغيرها، وهنا قرر أن يراقبها بنفسه.
فاكتشف أن صديقه المقرب الذي طلب منه مراقبة زوجته، أصبح صديق الزوجة الجنسي؛ هذه القصة ربما تشير إلى تفسيرات واضحة إلى تفكير الرجل الشرقي، فالمجتمع يرى أن من العيب أن تكون للمرأة غريزة جنسية من الأساس، أو يكون لها تفضيلات جنسية، بسبب الخوف من أن يكون لها علاقات سابقة، وكلما كانت ثقافة المرأة الجنسية متدنية كلما حصلت على صكوك أعلى من الأخلاق والتربية. وفي هذا التقرير نستعرض رؤية خبراء العلاقات الأسرية والاجتماعية العرب حول هذه المسألة.
هل علينا تدريس التربية الجنسية لأبنائنا ؟
تقول أسماء مراد، -مدربة على الوعي الأنثوي وأخصائية في علم اجتماع المرأة-، إن المجتمعات العربية تربي أبناءها على التعتيم للثقافة الجنسية التي يجب أن يعرفها الشاب والفتاة قبل الزواج، والتي لابد وأن يبدأ تدريسها وتعليمها لهم في سن المراهقة. وتضيف: يجب أن تكون هناك تربية جنسية تعلم الشباب والشابات كيفية التعامل مع البلوغ الجنسي، لأن المعتقدات والأعراف القديمة حطمت هذه الثقافة ووضعتها في مأزق أخلاقي كبير، إذ أننا نجد من شروط الأخلاق أن تكون الفتاة التي لم يسبق لها الزواج ليس لديها ثقافة جنسية من أي نوع.
تكلمت ( س, ص) -امرأة في منتصف العقد الخامس-، وتنتمي إلى محافظة المنيا، عن رغبتها في إنجاب طفل، وهذا الأمر بالطبع مشروط بإقامة علاقات جنسية مع زوجها، لكن زوجها لا يطلب منها إقامة علاقة، وهي لا تجد في نفسها القوة لتطلب منه هذا الحق الشرعي لها، إذ ترى أنه من العيب أن تطلب مثل هذا الطلب من زوجها وتخشى أن يراها امرأة بلا حياء.
تعلق أخصائية علم اجتماع المرأة، على هذه القصة بأن تلك الأفكار انتقلت إلى المرأة بسبب وأد الأنوثة وزراعة المجتمع مخاوف لدى الفتاة من أنوثتها، ومن التفكير فيها، وتشرح البداية الفكرية التي تصل بالمرأة إلى هذا الحد من الحرج، إلى السد المنيع الذي وضعته الأعراف الاجتماعية الرجعية، والتي بموجبها منعت المدرب الأول والمؤهل النفسي والجنسي الأول في حياة الفتاة وهي أمها، على التواصل معها وشرح المفاهيم الجنسية والعلاقات الجنسية وكل ما يتعلق بها كثقافة إلى ابنتها، وتضيف، فنجد أن الأمهات يرفضن الحديث مع بناتهن عن الجنس، بل ويحذرن الفتيات من الحديث عن الجنس، لأنه كبيرة من الكبائر الأخلاقية، ولا يجب أن تفتح الفتاة هذا الصندوق الأسود حتى مع زوجها بعد الزواج، حتى إن المرأة المتزوجة لا تسمح لنفسها بالحديث عن الجنس مع زوجها بسبب الأفكار التي حملتها قبل الزواج وبسبب مخاوف في داخلها من أن يراها زوجها عديمة الأدب؛ فتتحول المرأة إلى خادمة تلبي رغبات البيت والأسرة فقط.
لماذا تخاف الفتيات من ليلة الدخلة؟
تحكي ( ن ، ع ) أنها ذهبت قبل زواجها بفترة بسيطة إلى طبيب نساء، وكان سبب الزيارة هو الاطمئنان على عذريتها أي أنها مازالت آنسة، وأخبرت الطبيب أن بقع من الدم قد وجدتها في ملابسها الداخلية بعدما سقطت من فوق سطح منزلهم، وأخبرها الطبيب أن كل شيء على ما يرام، لكن ماذا كان يحدث إن لم تكن آنسة؟ تقول: ( ن ، ع ) أنها وبكل بساطة كان سيتم قتلها، وهذا يؤكد الذعر التي تعيش فيه الفتاة لو سبق لها تجربة جنسية قبل الزواج، أو تعرضت لحادث أصاب هذا المنطقة ببعض السوء، فإن لم تؤدِ الغرض المطلوب ليلة الدخلة وتنزف الدماء على سرير الزفاف قد يصبح مصيرها الموت، رغم أن الرجل قد تسبق له العديد من العلاقات الجنسية قبل الزواج ولا أحد يجرؤ أن يعاتبه، وإن كان شرف المرأة بين فخذيها؛ فأين يا ترى شرف الرجال؟!
يقول الدكتور أحمد علام، استشاري العلاقات الأسرية والصحة النفسية، مخاوف الفتاة من ليلة الدخلة تنقسم إلى قسمين:
الأول يتعلق بالشعور اللإرادي لدى الفتاة؛ إذ يرى أن بعض الفتيات يخفن من الحمل والإنجاب وما سيحدث بعد ذلك، وهذا يدفع الفتاة للخوف من قيام العلاقات الجنسية مع الزوج، وهي مشاكل نفسية حقيقية، مشيرًا إلى المعلومات الخاطئة التي تتداول بين الفتيات بخصوص العلاقات الجنسية تجعلها خائفة وتدفعها للهرب من العلاقة نفسها. كما لفت “علام” إلى مخاوف الفتاة من الرجل الذي تعيش معه نفسه خاصة عندما يكون الزواج قد تم بدون رغبة منها، كما لفت إلى تجارب الفتاة السيئة السابقة مثل تعرضها للتحرش الجنسي الذي يسبب لها عقدة وخوفًا مختزنًا إلى جانب المشاكل الصحية التي تصيب بالتحديد المهبل وتجعل الفتاة خائفة من العلاقة، وهناك بعض الفتيات مصابات بالرهاب من الذكور ما يدفعهن للخوف من اقتراب الذكور منها وتحديدًا عند العلاقة الجنسية.
ويعود استشاري العلاقات الأسرية والصحة النفسية، إلى السبب الثاني الذي يدفع الفتاة للخوف من ليلة الدخلة، هو خوف متعمد تظهر الفتاة مخاوف مقصودة، ويرتبط ذلك بمخاوف الفتاة في مجتمعاتنا من إظهار ثقافتها الجنسية حتى لا توصم بالعار، إذ تدعي الجهل حتى لو كانت في عمر النضوج الفكري، ويشير إلى اكتساب الفتاة خبرات من قصص صديقاتها المتزوجات والذي ينتج عنه تكوين الرغبة في التجربة وانتظار ليلة الدخلة، لكنها تمتنع عن إظهار ذلك خوفًا من ظنون زوجها التي قد تصل به إلى الشك في ممارستها للجنس من قبل، إلى جانب الشك في أخلاقها وعدم احترامها لجسدها، لذلك فإنها تدعي الجهل بالجنس وتدعي الحرج ويؤكد علام، أن الكثير من الفتيات ينصحن صديقاتهن المقبلات على الزواج بألا يندفعن على الزوج ليلة الدخلة ولا يظهرن حاجتهن الجنسية ويتعاملن أنهن جاهلات تمامًا ولا يعرفن أي شيء عن الجنس.
من جانب آخر يتحدث علام، عن دور التنشئة الأسرية في تكوين الثقافة الجنسية أو إعدامها لدى الفتيات؛ حيث إن الفتاة تتربى على ثقافة العيب، الذي يعتبر الحديث عن الجنس انحلالاً أخلاقيًا، والحل من منظور علام، هو تدريس التربية الجنسية، حتى يتفهم الدارس أن طلب الزوجة للجنس ليس عيبًا ولا يقلل منها في شيء، كذلك فإن تدريس التربية الجنسية يزيل مخاوف الفتاة من هذه الثقافة ويجب نشر الدورات الثقافية التي تساهم في توعية الناس بالثقافة الجنسية.
الختان والخوف من ممارسة الجنس
بعض النساء اللائي تعرضن للختان يخفن من ممارسة العلاقات الجنسية، بسبب الصدمة النفسية التي تسيطر عليهن ومخاوف أخرى من الآلام التي قد تعيشها الواحدة منهن نسبة إلى الألم الجسدي والنفسي الذي تعيشه الفتاة بعد إجراء عملية الختان.
تعتبر الباحثة المغربية فدوى خلا، استشاري التنمية البشرية والصحة النفسية، أن ليلة الدخلة من التابوهات المسكوت عنها حتى الآن، لكن الخوف يصيب الرجل والمرأة على حد السواء، وهذا يرجع إلى الموروثات الثقافية المغلوطة داخل مجتمعاتنا العربية، وتضيف، حولت الثقافة العربية ليلة الزفاف، من ليلة الفرح والمشاعر، إلى مزيج من المخاوف المزيفة، كذلك يمكن أن نتطرق إلى ثقافة العيب والحشمة التي لازالت مسيطرة حتى الآن في مناطق معينة من كل بلد عربي، وكذلك داخل المجتمعات العربية وهذه الثقافة تدخل بين الأم وابنتها المقبلة على الزواج، لأنه كان من الممكن أن تقدم لها نصائح وتكون السبيل الآمن للحصول على المعلومة، لأن العديد من الأمهات يرفضن الحديث عن الجنس مع بناتهن بسبب ثقافة العيب.
ليلة الدخلة من التابوهات المسكوت عنها حتى الآن، لكن الخوف يصيب الرجل والمرأة على حد السواء
كما تحدثت “خلا”، عن فوبيا الآلام التي تصاحب العديد من الفتيات قبل الزواج، رغم أن الكثير من البحوث العلمية أكدت أن غشاء البكارة هو غشاء رقيق وتوجد به بعض الشعيرات الدموية البسيطة، وأن عملية فضه لا تستحق كل هذا الكم من المخاوف، لكنها مرتبطة فقط بالثقافة الفكرية السلبية والمغلوطة والمسيطرة داخل المجتمعات.
وترى أن المخاوف من الزواج وليلة الدخلة يتشارك فيها الرجل والأنثى، حتى إن كان الرجل لا يظهر أي مخاوف؛ لكنه من الداخل يعيش نفس مخاوف الفتاة، ولذلك تنصح قائلة: يستوجب على الفتاة أن تتخلص من المشاكل النفسية التي تستحوذ على تفكيرها قبل الزواج ، حتى الذكور أيضًا يحتاجون إلى الاستعداد النفسي للزواج والابتعاد عن الخرافات والأساطير المؤلفة وعدم الأخذ بها.
هل تولد بعض الفتيات دون غشاء البكارة؟
تجيب “خلا”، على هذا السؤال موضحة أن تنوع أشكال غشاء البكارة بين الأغشية المطاطية التي لا يمكن فضها بسهولة، والأغشية العادية، مضيفة إلى ذلك أن هناك فتيات يولدن بدون غشاء من الأساس، وتؤكد خلا، أن تدريس التربية الجنسية للرجال تجعل الرجل لديه دراية مسبقة عن أنواع أغشية البكارة حتى لا يقع في مأزق مستقبلًا، وتضيف أنه يمكننا في المستقبل أن نتخلص من الثقافة الرجعية المنتشرة في الكثير من المجتمعات العربية؛ وذلك عن طريق استغلال التكنولوجيا الحديثة لتوصيل المعلومات إلى الشباب بشكل مباشر وغير مباشر، فيمكن أن نلاحظ اختفاء الأساطير والخرافات القديمة التي أضاعت حقوق المرأة ورفعت من سلطة الرجل عليها.
وعن ازدواجية الرجل الشرقي في النظر للعذرية وأهميتها بين فتيات الشرق والغرب يوضح علام، أن الرجل العربي يظن أن زواجه من امرأة أجنبية يساهم في تحسين صورته الاجتماعية، ويرى أنه ذو قيمة كبيرة، بغض النظر عن تجاربها الجنسية السابقة التي لا يهتم بها ولا يسأل عنها من الأساس ولا يعتبرها سيئة الخلق أو منحرفة، ويرى أن زواجه من أجنبية شيء مرموق ونقلة نوعية تحدث في حياته بسبب الاستفادة المادية التي ستعود عليه، لذلك فهو يقبل ببعض التنازلات التي لا يمكن قبولها على الفتاة العربية، ولأن المرأة الغربية مجهولة بالنسبة لمجتمعه ولعائلته كذلك فإن المجتمعات الغربية ليس لديها أعراف ثقافية تحرم ممارسة الجنس بدون زواج، بخلاف الثقافات في البلدان العربية.
الزواج التقليدي وتعزيز سيطرة المجتمع الذكوري
تؤكد “خلا”، أن الموروثات الاجتماعية والثقافية المغلوطة السلبية ليست وحدها التي تدفع الفتاة للخوف، بينما تناولت شرح سيطرة المجتمع الذكوري في مجتمعاتنا العربية التي تتيح للرجل الحق في التحليل والتحريم، في الوقت الذي يحجم فيه هذه المجتمعات مختلف حقوق المرأة، وتضيف، مجرد أن تقوم المرأة بالإفصاح عن رغبتها الجنسية، غالبا ما يسيطر العقل الذكوري الفاسد، إذ يظن الرجل أن لهذه المرأة لديها تجارب جنسية سابقة أخذت منها التجربة، بالرغم من أن المعلومة في الوقت الحالي أصبح الحصول عليها أمرًا ممكنًا؛ فيمكن لأي فتاة أن تحصل على كافة المعلومات التي تتعلق بمختلف المجالات من خلال نوافذ البث الإلكترونية، لكن العقل المتحجر للرجل الشرقي هو الذي يجعله يفكر بهذه الطريقة السلبية، ويعني ذلك أنه كلما كانت المرأة متفتحة ولديها معلومات عامة عن الثقافة الجنسية ظن بها الرجل سوءً.
من زاوية قانونية، يقول محمد عبدالرحمن، -محام حر-، إن الكثير من قضايا الطلاق التي وُكلت إليه، من قبل سيدات، كانت بسبب الشكوك غير المنطقية التي وردت عن أزواجهن وفق دوافع لا مبرر لها، ويرجع عبدالرحمن، ذلك إلى الزواج التقليدي، الذي يحدث بدون سابق إنذار بين الطرفين، ولا يوجد بينهما أي ثقافة متبادلة، مما ينتج عنه رهبة وخوف من قبل الزوجة على وجه التحديد، وشكوك من قبل الزوج، إذ يرى أن الزواج التقليدي يعد علاقة قشرية تتعرض للكسر من أقل خدش يصيبها، في الوقت نفسه يؤيد المعرفة السابقة قبل الزواج التي تكسر الكثير من الحواجز على حد تقديره.
اقرأ أيضا : العذرية وغشاء البكارة.. وهم ثقافي أم حقيقة علمية
” وأنا اللي فاكرك مؤدبة” جملة قالها اللمبي، “محمد سعد” إلى نوسه “حلا شيحا” في أحد مشاهد فيلم اللمبي، 2002، حينما ظن أنها تفكر في الجنس، عندما اكتشفت بالخطأ أنه يخونها قبل الزواج ببضعة أيام، جملة بسيطة توضح مفهوم الأدب الذي يجب أن تتحلى به الفتاة في مجتمعاتنا، وهو البعد عن الجنس وعدم التفكير فيه وعدم الاقتراب من هذا السرداب إلا ليلة الدخلة وعليها أن تتصنع كثيرًا وتظهر مشاعر غير حقيقية لزوجها حتى يتأكد أنها شريفة عفيفة طاهرة، حتى وإن لم يكن هو بالأساس طاهرًا وشريفًا، لكن.. إلى متى تظل هذه الأفكار الظالمة سائدة داخل كل مجتمع عربي؟ إلى متى يتوجب على الفتاة أن تبقى سجينة الأعراف الظالمة؟