تواجه النساء التمييز كل يوم وخاصة النساء العربيات مع تصنيف الدول العربية من بين أدنى الدول في حقوق المرأة في العالم. عند مناقشة القضايا العامة التي تواجه المرأة، يتم التطرق إلى العديد من الموضوعات، ولكن عادةً ما يتم تجاهل موضوع كراهية النساء المستبطنة. التمييز والتحيز الجنسي لا يمارسان فقط من قبل الرجال ضد النساء بالقدر الذي تمارسه النساء ضد النساء الأخريات. تُعرف هذه الظاهرة باسم کراهیة النساء المُستَبطنة.
ينعكس كره النساء المُستبطن في المواقف والمعتقدات والقيم الجنسية المتأصلة بعمق في حياتنا اليومية. وفي كثير من الحالات، نحن – النساء – نستعرض كراهية النساء المُستَبطنة على أنفسنا في كثير من الأحيان أكثر مما نمارسها على النساء الأخريات.
لماذا نفعل ذلك؟
يشيع استخدام السمات "الأنثوية" كإهانات وتنسب إلى الضعف، لكن السمات "الذكورية" يُنظر إليها على أنها مجاملات وترتبط بالشجاعة والقوة
من المهم أن نوضح أن التمييز الجنسي المتأصل ثقافيًا ليس خاصًا بالمجتمعات العربية أو الشرق الأوسط، فهو موجود في معظم الثقافات والمجتمعات. أعتقد أن السبب الجذري الفعلي للتمييز على أساس الجنس هو النظام الأبوي الذي ينتشر بدوره ويُمارس على نطاق واسع في الشرق الأوسط، ومتجذر في العديد من جوانب الحياة في هذه المنطقة. تم دمج التحيز الجنسي في أدوار الجنسين، وفي ثقافتنا؛ حيث تحكم الأعراف الأبوية والمحافظة بين الجنسين، يتم تربية الفتيات ليشعرن بالدونية تجاه الأولاد. علاوة على ذلك، يلعب المجتمع والدين دورًا قويًا في زرع بذور هذه الأيديولوجية الجنسية التي تتبناها النساء العربيات لا شعوريًا.
نحن، ككائنات اجتماعية، نربى على التقليد، وبالتالي فإن قدرًا كبيرًا مما نكتسبه نتعلمه من خلال القيام بما يفعله الأشخاص من حولنا، وخاصة الأشخاص الذين نعتبرهم قدوة؛ مثل أفراد الأسرة والمعلمين والشخصيات الدينية. تسمع الفتيات والنساء عددًا لا يحصى من التعليقات والأكاذيب والصور النمطية عن النساء من تلك النماذج التي يحتذى بها على مدار حياتهن بأكملها.
يشيع استخدام السمات “الأنثوية” كإهانات وتنسب إلى الضعف، لكن السمات “الذكورية” يُنظر إليها على أنها مجاملات وترتبط بالشجاعة والقوة. “مكان المرأة في المطبخ”، “الفتيات درامية أكثر من اللازم”، “لا تستطيع النساء القيادة”، أو “هل هو هذا الوقت من الشهر”، تعليقات كارهة للنساء تسمعها النساء والفتيات طوال الوقت تشكل معتقدهن بأن امتلاك هذه الخصائص يجعلهن ضعيفات وبالتالي أدنى من الرجال، وعندما يكتسبن هذه المعتقدات الجندرية، تبدأ النساء في التصرف تجاه أنفسهن والنساء الأخريات بنفس الطريقة المتعصبة والمتحيزة المكتسبة.
علاوة على ذلك، يعامل الناس في مجتمعنا، وخاصة الرجال، النساء على أنهن أداة جنسية، ويعلقون باستمرار على طريقة لبس النساء والفتيات، ویعیبون أي امرأة “لا تتستر”، وغالبًا ما تُقال هذه الملاحظات بطريقة مذلة ومهينة ولا تمنح المرأة خيارًا سوى الشعور بالخجل من جسدها. بالتالي، فإن هذا العار يدفع النساء إلى الاعتقاد بأن شكل أجسادهن يمثل شيئًا أساسيًا حول هويتهن كأفراد، وفي كثير من الحالات يتم استخدامه كذريعة لتبرير التحرش الجنسي.
إن الاغتصاب والاعتداء الجنسي الذي يرتكبه الرجال منتشر في مجتمعنا المحافظ، وغالبًا ما يتم تبريره بالطريقة التي ترتدي بها المرأة والتي يتم تعليلها بـ “من الواضح أنها طلبت ذلك”. هذا يجعل النساء والفتيات يشعرن بعدم الأمان وعدم الراحة من بشرتهن، ويحد من حريتهن في الحركة في الأماكن العامة. النساء اللواتي يعتقدن أنهن أقل شأنا ولا يستحققن السلامة الجسدية، يقودهن هذا الشعور إلى معاملة أنفسهن والنساء الأخريات كما لو أن قيمتهن تستند إلى مظهرهن الجسدي.
بالإضافة إلى الجانب الاجتماعي والثقافي، تعد كراهية النساء المؤسسية أحد الأسباب الرئيسية للتمييز المتأصل في المنطقة العربية؛ فالتحيز الجنسي مبني على الأعراف والممارسات الثقافية لمجتمعنا، ولكن في كثير من الأحيان في قوانينه أيضًا، وتحد القوانين في العديد من الدول العربية من حق المرأة في الالتحاق بالمدارس أو شغل بعض المهن، وإضفاء الشرعية على العنف الجنسي الزوجي والحد من الحقوق الجنسية والإنجابية. في العديد من البلدان العربية على سبيل المثال لا تزال النساء محرومات من حق منح جنسیتهن لأزواجهن وأطفالهن.
علاوةً على ذلك، فإن التحيز المؤسسي على أساس الجنس يمنع النساء من تولي مناصب رفيعة في الحكومة والمؤسسات، هذا واضح ويمكن رؤيته في مجتمعاتنا؛ حيث يشغل الرجال بشكل متفاوت مناصب قيادية رئيسية في الحكومة والمناصب السياسة، وتُظهر هذه القوانين التمييزية عدم المساواة المتجذر بعمق بين الجنسين؛ مما يزيد من التأكيد على فكرة أن المرأة دون الرجل في مجتمعنا. ومع وجود هذه المفاهيم الجندرية في أذهانهن، تكبر الفتيات على الاعتقاد بأنهن غير جديرات وغير مستحقات للتمتع بحقوقهن الكاملة، ودفع النساء إلى التعبير اللاشعوري عن الكراهية لأنفسهن وللنساء الأخريات، وينتهي الأمر بالنساء بالتصرف تجاه بعضهن بعضًا ومع أنفسهن بنفس الطريقة التي يعاملهن بها النظام الأبوي.
لماذا هي خطرة؟
التحيز المؤسسي على أساس الجنس يمنع النساء من تولي مناصب رفيعة في الحكومة والمؤسسات، هذا واضح ويمكن رؤيته في مجتمعاتنا وحكوماتنا
كراهية النساء المُستَبطنة تؤدي إلى اضطهاد داخلي؛ فيحدث الاضطهاد عندما يتعلم الأفراد من مجموعة مضطهدة أنظمة الاضطهاد ويتصرفون بطرق تعزز هذه الأنظمة. لذلك، في إطار التحيز الجنسي الداخلي هذا، فإن الضحايا هم أيضًا جناة، بعبارة أخرى، من خلال التقليل من شأن النساء الأخريات جعلنا – كنساء- نحبط أنفسنا معهم في نهاية المطاف.
تعمل هذه السلوكيات من قبل النساء على دعم النظام الأبوي والرأي القائل بأن المرأة أدنى من الرجل أو تخضع له، هذا يدفع الفتيات والنساء إلى الاعتقاد بأن خياراتهن مقيدة بالخيارات المناسبة لـ “الدور الأنثوي”، والفشل في إدراك قوتهن، ونتيجة لذلك يقيد إنجازات المرأة الواضحة في مجموعة من المجالات المهمة.
كيف نتوقف؟
بصفتي نسوية عربية مطالبة بالمساواة، كنت أؤمن بجرأة لفترة طويلة بأنني أرى الجميع على قدم المساواة وأنه لا توجد طريقة يمكن أن أكون فيها متحيزة جنسيًا. ولكن دعونا نواجه الأمر؛ فكره النساء المستبطن موجود في مكان ما في معظمنا. إن مواجهة التمييز الجنسي الداخلي الخاص بنا يضعنا في موقف غير مريح، يتطلب منا تغيير ما تعلمناه واكتسبناه بشكل صريح وضمني طوال حياتنا. ومع ذلك، عندما أصبحت أكثر وعيًا بالمفهوم، بدأت ألاحظ أنني أحكم على نساء أخريات، تعلمت التراجع والتفكير في الموقف وتغيير طريقة تفكيري.
إن عواقب التحدي والاستدعاء للتمييز الجنسي ليست دائمًا سهلة، وفي بعض الأحيان يكون لها عواقب وخيمة علينا نحن النساء على وجه الخصوص. عندما نصرخ في وجه السلوكيات غير المقبولة، يتم تصنيفنا على أننا “مجنونات” أو “غير منطقيات”. ثم مرة أخرى؛ في مجتمع تتعرض فيه المرأة باستمرار للقمع والعار والاستبداد، يعود الأمر إلينا نحن النساء العربيات لأن نكون لطفاء مع أنفسنا ومع بعضنا البعض وأن نحترم خصوصية النساء الأخريات وتفردهن.