عقب موجة احتجاجاتٍ شعبية واسعة عصفت بالعالم العربي وواقعه السياسي، أدت إلى سقوط أنظمة وظهور أخرى، كانت دول الخليج هي الأخرى ليست بمنأى عن امتداد هذه الاحتجاجات إليها، وعلى رأسها سلطنة عمان التي شهدت موجة احتجاجاتٍ واسعة عمت البلاد وعرفت بالربيع العماني. في السابع عشر من يناير 2011 انطلقت المسيرة الخضراء الأولى في العاصمة العمانية مسقط، والتي خرج فيها المتظاهرون للمطالبة برفع الحد الأدنى للأجور وتحسين الأوضاع المعيشية وإيجاد إصلاحات اقتصادية تكبح جماح ارتفاع الأسعار.
تجاهلت السلطات العمانية الاستجابة للمطالب الشعبية مدة شهرٍ كامل قبل أن تعلن رفع الحد الأدنى للأجور في الخامس عشر من فبراير 2011 في القطاع الخاص لمائتي ريالٍ عماني، ما يعادل 519 دولارٍ أميركي شهرياً. في الثامن عشر من فبراير خرجت المسيرة الخضراء الثانية التي شملت مطالب إصلاحية أكثر من سابقاتها وشعارات تطالب بإصلاح النظام وتحسين معيشة العمانيين والنظام التعليمي في البلاد، كما رفعت شعارات تبرر حق الخروج بوصفه حقاً في التعبير عن الرأي المنصص عليه في النظام الأساسي. قامت قوات الأمن بحماية التظاهرتين ولم تمارس معها أساليباً قمعية أثناء التظاهر.
في الـ 25 من فبراير 2011، خرجت الاحتجاجات في جنوب عمان في مدينة صلالة وامتدت في اليوم التالي إلى صحار والعاصمة مسقط مطالبة بإصلاحات اقتصادية وسياسية في البلاد، ثم السابع والعشرين من فبراير الذي شملت مطالب بالإصلاح السياسي، لتواجهها قوات الأمن بالقمع في حينه ويسقط شابٌ متظاهر قتيلاً على أيدي قوات الأمن. استمرت عمليات القمع للمتظاهرين على أيدي قوات الأمن فيما أنكرت وزارة الصحة العمانية عن وقوع أي قتلى في التظاهرات وأكدت وكالة رويترز عن سقوط ستة قتلى في مدينة صحار على أيدي قوات الأمن أثناء مشاركة الضحايا في التظاهرات.
بالإضافة للقمع المفرط الذي مارسته قوات الأمن مع المتظاهرين، قامت السلطات العماني باعتقال المئات من المتظاهرين وممارسة سلوك الاختفاء القسري للكثير منهم على مدى أشهر والتعذيب معهم ومحاكمة بعضهم في محاكم غير عادلة.
تلت عملية قمع المتظاهرين وسقوط قتلى وجرحى في صفوفهم اعتصامات واحتجاجات اجتاحت المدن العمانية من العاصمة مسقط ومدينة صحار وصلالة والبريمي، ليضطر السلطان قابوس لإجراء تعديل حكومي بتغيير ستة وزراء واتخاذ مجموعةٍ من القرارات لتحسين الوضع المعيشي للطلاب الجامعيين والأسر العمانية المستبعدة من الضمان الاجتماعي. استمرت التظاهرات والاعتصامات طوال شهر مارس 2011، كما نظمت تظاهرات أمام مجلس الشورى العماني للمطالبة بتنظيم دستورٍ للحكم في البلاد تكون فيه مشاركة شعبية ويمنح دوراً رقابياً لمجلس الشورى المنتخب وحق منح وسحب الثقة للوزارة.
أثناء الاحتجاجات، أعلن مجلس التعاون في العاشر من مارس 2011 عن منحة لدعم كلٍ من عمان والبحرين اللتان تشهدان حركة احتجاجاتٍ واسعة، خوفاً من امتدادها لبقية دول مجلس التعاون. حيث أعلنت دول مجلس التعاون عن منحة بقيمة عشرين مليار دولار للبلدين.
في الثاني والعشرين من مارس 2011 قامت قوات الأمن بفض اعتصام في مدينة صحار واعتقال 85 شخصاً، لتتوسع حركة الاعتصامات والتظاهرات في العاصمة مسقط في اليوم التالي في أماكن متعددة. استمرت التظاهرات ومحاولات العودة للاعتصامات في مدينة صحار والعاصمة مسقط، فيما كثفت قوات الأمن من حظورها في شوارع مدينة صحار والعاصمة مسقط لمنع التظاهرات والتجمعات، وأعلنت السلطات عن محاكمتها لمن أسمتهم بمثيري الشغب.
كما وثقت وسائل إعلام ومنظمات حقوقية مواجهة النظام العماني القمعية المفرطة للاحتجاجات، حيث وثقت مواطن في قصصٍ سابقة قيام النظام بقمع الاحتجاجات السلمية واعتقال ناشطين عمانيين وتعرضهم للاختفاء القسري والتعذيب على أيدي أجهزة النظام الأمنية، وتعرض معظمهم لمحاكمات غير عادلة أو قانونية.
على الجانب الآخر، قام النظام العماني بمناوراتٍ لتهدئة الشارع، ابتداءً بإنزال 50 ألف درجةٍ وظيفية حكومية للشباب العاطل عن العمل، في خطوةٍ وصفت باليائسة وغير العقلانية، فيما ستقوم عليه من تحمل عبء 50 ألف فرصة عمل في القطاع الحكومي. كما أعلن السلطان الراحل قابوس بن سعيد عن تعديل النظام الأساسي للحكم في عمان بإضافة مادةٍ تنص على مرور القانون بمجلس الشورى لإبداء الرأي فقط وليس التصويت عليه.
الآن وبعد مرور 11 عامًا على أحداث الربيع العماني، تقرأ مواطن الواقع العماني بقياسٍ مقارن في عملية قياس ما الذي تحقق من وعود بالإصلاح وعرض صورةٍ للواقع العماني على المستوى الاقتصادي، الحقوقي، والسياسي. هذه القصة تحاول قراءة وعي النظام العماني لأسباب الحراك الثوري الذي قاد حركة الربيع العماني العام 2011 ومدى تقبلها لأهمية الإصلاح وتجاوزها لهذه الأسباب تفاديًا لحدوث زعزعةٍ لاستقرار البلاد.
مدى استجابة النظام للمطالب والتحولات
تعتبر معالجات النظام الهادفة لتهدئة غضب الشارع كعرض فرص وظيفية في القطاع الحكومي إجراءً يزيد من تفاقم المشاكل التي تحرك الشارع على المدى البعيد؛ حيث إن غياب سياسة حكومية لتنفيذ إصلاحاتٍ اقتصادية تفتح المجال أمام سوق مستقرة واستثمارات وفرص عمل في القطاع الخاص، إذ تعاني عمان من أعلى معدل بطالة في أوساط الشباب حسب تقارير البنك الدولي، والتي تصل لنسبة 50% من الشباب.
في العام 2012، أقدمت السلطات على اعتقال 11 مواطنٍ عمانيٍ على خلفية مشاركتهم في وقفة احتجاجية تطالب بالإفراج عن مجموعة من الناشطين الذينق امت السلطة باخفائهم، لتعرف لاحقاً بقضية التجمهر. شرعت الحكومة تحت عنوان التجمهر بحملة اعتقالاتٍ واسعة طالت 45 مواطناً تحت تهم التجمهر وإعابة الذات السلطانية، فيما أصدرت بحقهم أحكاماً قضائية بالسجن لفتراتٍ تفاوتت بين العام والعام والنصف. أٌدم السلطان قابوس في ذكرى اعتلائه العرش بإصدار عفوٍ عن المعتقلين في قضايا الاحتجاجات في العامين 2011-2012، إلا أن الاعتقالات استمرت وطالت حتى المفرج عنهم ممن صدر بحقهم قرار العفو.
في نهاية مايو 2021، اندلعت احتجاجاتٌ جديدة أعادت للأذهان احتجاجات الربيع العماني في العام 2011؛ حيث تصدرت الاحتجاجات الجديدة مجاميع الشباب العاطل عن العمل. ابتدأت حركة الاحتجاجات في مدينة صحار والتي تعامل النظام معها بذات الأسلوب القمعي الذي واجه فيها احتجاجات الربيع بالاعتقالات وتفريق التظاهرات، الأمر الذي أطلق حملة تضامن شعبية واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي وجعل حركة الاحتجاجات تمتد لمدن عمانية أخرى. تكرر الاحتجاجات تم عزوه لغياب سياسة حكومية لتوفير فرص العمل للشباب العماني وأثر للحلول التلفيقية بإثقال كاهل القطاع الحكومي كتلك التي تم اعتمادها لتهدئة احتجاجات الربيع.
عقب توسع موجة الاحتجاجات، قامت السلطات العمانية بمحاولات تغيير تعاملها أمام وسائل الإعلام مع الشباب المتظاهرين، لتعلن السلطات في وقتٍ لاحق عقب أيام من استمرار التظاهرات بتوفير ألفي فرصة عملٍ للكفاءات في القطاع الحكومي، وهو الحل غير الجذري ذاته الذي قامت باتخاذه للتعامل مع احتجاجات الربيع العماني والذي يفاقم من أعباء السلطة؛ حيث تفيد التقارير بأن واحدًا من كل أربعة عمانيين يعتمد على الدخل الحكومي.
الواقع الاقتصادي
رؤية عمان 2040
وفق تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تعتبر عمان أكثر دولة شهدت تقدمًا في التنمية البشرية في العالم بين عامي 1970 و2010. على الرغم من ذلك، كانت أزمة اقتصادية كأزمة جائحة وباء كوفيد 19 العالمية كافية لكشف هشاشة السياسات الحكومية التي كانت تدير الاقتصاد العماني طوال العقود الماضية، حيث بلغ ارتفاع معدل الدين فيه بالنسبة للدخل من 5% إلى أكثر من 80% مع التراجع الحاد في أسعار النفط، وكشفت الأزمة عن الضرورة الملحة لتحقيق تحولٍ في بنية الاقتصاد العماني وتحويله من الاقتصاد الريعي إلى الإنتاجي، وهو ما يتحدث عنه النظام في رؤيته “عمان 2040”.
من جهةٍ أخرى تواجه الرؤية مجموعةً من الإشكالات التي تنطوي على سياسة النظام العماني التقليدية في العمل بعيدًا عن المشاركة المجتمعية وتهميش دور المؤسسات الرقابية ووسائل الإعلام في الرقابة على الرؤية. وتعمل الحكومة العمانية في تنفيذ برنامجها قصير المدى 2020-2024 لتنويع مصادر الدخل للاقتصاد بشكلٍ منفرد ومفاجئ لمجلس الشورى الذي يفتقر قانونيًا وفق النظام الأساسي الجديد للصلاحيات في الرقابة على الحكومة.
أمام غياب الدور الإعلامي والتعتيم الحكومي، شهد برنامج توازن الحكومي غيابًا للشفافية وتخبطًا في اتخاذقرارات مرتبطة بالبرنامج، مثل تاريخ إقرار ضريبة القيمة المضافة ورفع الدعم الحكومي عن السلع بتأجيله وإقراره في تواريخ مختلفة حتى تم إقرارها مطلع العام 2021. فيما انتقد نواب عمانيون في مجلس الشورى سياسة الحكومة في البرنامج الذي وصفته النائبة طاهرة اللواتي في تصريحٍ لها في ديسمبر 2020، بأنه معتم وغير واضح؛ حيث قالت بأن الحكومة لا تفصح عن خططها للمجلس أو الرأي العام.
وأمام الواقع الإعلامي وسياسة التعتيم الحكومية يشكك ناشطون في مدى نجاح الرؤية العمانية لعام 2040 في تحقيق أهدافها المعلنة، في الوقت الذي تتحفظ الحكومة عن الإعلان عن خططها ومشاركتها مع وسائل الإعلام والمؤسسات المنتخبة في البلاد. هذا فضلًا عن عدم وجود مشاركة مجتمعية في إعداد الرؤية وفرضها كسياسة تغيير من أعلى لأسفل.
الواقع السياسي
مع رحيل السلطان قابوس بن سعيد وخلافة السلطان هيثم بن طارق له في يناير 2020، عقدت الآمال على السلطان الجديد في البدء بتحقيق إصلاحات سياسية؛ وخصوصًا بعد انضمام السلطان الجديد لاتفاقات دولية مرتبطة بحقوق الإنسان امتنع عنها سلفه. ضمن هذه الإصلاحات، كانت عملية انتقال السلطة واحدةً من أهم التعقيدات التي يواجهها النظام الأساسي للحكم بالإضافة لدور مجلس عمان بشقيه؛ الشورى والدولة.
بعد مرور عامٍ على تولي السلطان هيثم مقاليد السلطة، وتحديدًا في يناير 2021، أعلن السلطان الجديد عن نظامٍ أساسي جديد للحكم في البلاد، وهو بمثابة قانونٍ أساسيٍ للحكم في البلاد، يحل محل النظام الأساسي السابق الذي كان قد أقره السلطان الراحل قابوس مطلع تسعينات القرن الماضي.
النظام الأساسي الجديد واجه كثيرًا من الانتقادات التي وصفته بالمخيب للآمال. قام السلطان هيثم بن طارق بإقراره دون أي مشاركةٍ سياسية شعبية سواءً في صياغته أو في إقراره، باعتبار السلطان صاحب الحق الوحيد في هذا الأمر، كما أن السلطان تجاهل حتى السلطات المنتخبة كمجلس الشورى في إشراكها في عملية صياغة وإقرار النظام الأساسي الجديد للحكم في البلاد.
وعلى عكس التطلعات، جاء النظام الأساسي الجديد لترسيخ السلطوية المطلقة في حل معضلة انتقال السلطة التي كان النظام الأساسي السابق يواجهها، حيث نص النظام الجديد على توريث الحكم للابن الأكبر للسلطان. بصورةٍ عامة، جاء النظام الجديد مشابهًا للنظام الأساسي السابق، ما خلا تعديل مسألة توريث الحكم داخل العائلة الحاكمة وتحديدها، أما من ناحية السلطات التشريعية والقضائية؛ فقد كانت مشابهة للنظام الأساسي السابق حاملًا معه مزيدًا من القيود على مجلس الشورى وفقًا لوصف أعضاء في مجلس الشورى، كانت “مواطن” قد نقلت تصريحاتهم في قصصٍ سابقة عند إقرار النظام الأساسي؛ حيث وصف نائب رئيس مجلس الشورى يعقوب الحارثي ذلك بأنه سلب للحق في الدور الرقابي للمجلس من حقٍ دستوري قانوني بعد أن ألغى النظام الأساسي الجديد النصوص المتعلقة بدور مجلس عمان وجعلها تنظم في قانون منفصل.
من جهةٍ أخرى ظهر النظام الأساسي الجديد المشابه لسابقه مخيبًا للآمال في إحداث نقلة للواقع الحقوقي سياسيًا وإنسانيًا في عمان؛ مثل المساواة والحريات العامة والشخصية، حيث بقيت خاضعةً للقوانين السابقة التي تحدد تطبيقات نصوص النظام الأساسي وحدوده. فيما أظهرت ممارسات النظام الرقابية والقمعية لحقوق المواطنين تشاؤمًا من حقيقة رغبة النظام في قيادة حركة الإصلاح في البلاد.
استمر مؤشر الحرية العالمي الصادر عن “Freedom House” في تصنيف عمان كدولةٍ غير حرة ولا يتمتع فيها المواطنون بحرياتهم؛ حيث تستمر السلطات في فرض قيود على الحريات العامة وحرمان المواطنين من المشاركة السياسية.
الواقع الحقوقي
مر على أحداث الربيع العماني 11 عامًا، إلا أن ممارسات وسلوك النظام العماني مع المواطنين لا يبدو أنها تتقدم أيضًا وتستجيب للتحولات العالمية والتزاماته الدولية في مجال حقوق الإنسان والحريات. مواطنون عمانيون لا يزالون فارين من سطوة النظام في بلدان اللجوء، والواقع الحقوقي وحريات الصحافة والتعبير في الداخل أيضًا لا زالت تشهد تدهورًا وقمعًا ممنهجًا يعبر عن سياسة النظام في التعامل مع مسألة المواطنة.
واقع الصحافة
على الرغم من الآمال التي يعلقها قطاع الصحافة الحرة والمستقلة على إمكان حدوث تحسنٍ بالتقادم في حرية الصحافة والتعبير في عمان، كان العام 2021 واحدًا من أسوأ أعوام حرية الصحافة في عمان. حيث قامت السلطات العمانية بفرض مزيدٍ من القيود على وسائل الإعلام واستمرت في حجب وسائل إعلام أخرى مثل “مواطن” التي تم حجبها في عمان للمرة الثانية.
في اجتماع مع أعضاء بمجلس الشورى، نوفمبر 2021، اشتكى صحفيون ووسائل إعلام من قيام وزارة الإعلام وجهات أمنية بالتواصل معهم ومنعهم من نشر أخبار مجلس عمان وفرضها الرقابة عليهم. فيما قامت في وقتٍ لاحقٍ في ديسمبر 2021، بنشر تعميمٍ يمنع وسائل الإعلام من تغطية ونشر وقائع جلسات المحاكم العمانية عقب تداول وسائل الإعلام أخبار توجيه الاتهام لثمانية مسؤولين حكوميين بارتكاب تجاوزات وفسادٍ في وزارة النقل.
على مؤشر حرية الصحافة العالمي الصادر عن منظمة “مراسلون بلا حدود”، جاءت السلطنة في المرتبة 133 في قائمة حرية الصحافة لعام 2021؛ حيث وصف المؤشر بأن الرقابة الذاتية قاعدة أساسية في تعامل النظام مع الصحافة والصحفيين، مع الأخذ في الاعتبار بأن الصحفيين العمانيين يواجهون مخاطر السجن والمحاكمات السرية التي يستمر النظام بارتكابها لقمع حرية الصحافة، فيما يعتبر توجيه النقد للسلطان هيثم وسلفه قابوس والعائلة الحاكمة أمرًا لا يتسامح معه النظام البتة.
واقع الحقوق والحريات
في أغسطس 2020، انتشر مقطعٌ مصورٌ لمواطن عماني ينعت السلطان هيثم فيه بالحاكم الظالم، ليتم لاحقًا الإعلان عن اختفاء المواطن خميس الهطالي صاحب المقطع المصور، لتفيد مصادر خاصة لــ “مواطن” لاحقًا قيام السلطات باعتقاله بتهمة إعابة ذات السلطان، وهي تهمة يواجه من تثبت عليه قيامه بها الحكم بالسجن لفترةٍ من ثلاث لسبع سنوات وفقًا لقانون الجزاء العماني.
في يوليو 2021، رصدت “مواطن” قيام السلطات العمانية باعتقال أحد الناشطين العمانيين على وسائل التواصل الاجتماعي غيث الشبلي، وهو مواطن عمانيٌ كان قد نشط في الحديث عن نقد الموروث الدين في مساحات النقاش الصوتية على تويتر. تم استدعاء غيث الشبلي لأحد مراكز الأمن ليختفي بعدها. ليتم وفقًا لمصادر خاصة لــ “مواطن” توجيه أربع تهمٍ له منها الدعوة لممارسة الرذيلة والإساءة للأديان.
عبد الله، وهو شابٌ عماني من مدينة صحار، قامت لاحقًا السلطات عقب اختفاء غيث الشبلي باعتقاله لذات الأسباب التي تم بموجبها اعتقال غيث ووجهت له ذات التهم وفق مصادر خاصة لمواطن في حينه. كما قامت في سلسلة حملة اعتقالات طالت مجموعةً من الشباب الناشطين على مساحات النقاش الصوتية على تويتر وكلوب هاوس باقتحام شقة فتاةٍ تدعى مريم وتفتيشها واعتقالها.
الاعتقالات على خلفية التعبير عن الرأي في مساحات النقاش طالت الكثير من المشاركين فيها، الأمر الذي يظهر حجم الرقابة التي تفرضها السلطات العمانية على المساحات الضيقة للتعبير عن الرأي في وسائل التواصل الاجتماعي. تجدر الإشارة أيضًا إلى أن السلطات قامت بحجب برنامج كلوب هاوس في عمان بعد أشهر من إصداره العام الماضي.
أما على مؤشر المشاركة السياسية في الخليج الصادر عن مركز الخليج للدراسات، فقد أشار المؤشر إلى تسجيل عمان تراجعًا في مقياس الرأي والتعبير العام 2021 عما كانت عليه في العام 2020.
هذه المؤشرات والوقائع تؤكد التوجه الحكومي الممنهج في قمع حريات الرأي والتعبير وحريات الصحافة بفرضها المزيد من القيود على المواطنين ووسائل الإعلام والصحافة وخضوعها للرقابة واتباعها الخطاب العام للسلطة.
انضمام عمان لاتفاقيات دولية
عقب تولي هيثم بن طارق السلطة في البلاد بعد رحيل السلطان قابوس، قامت عمان بالانضمام لمجموعةٍ من الاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان والحريات، والتي كانت سلطنة عمان واحدةً من الدول القليلة غير المنضمة إليها. كان العام 2020 وبعد تولي السلطان الجديد مقاليد الحكم بشهرٍ واحد، عامًا حافلًا بالكثير من التطورات التي حدثت في التزامات عمان الدولية، حيث انضمت للاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري واتفاقية مناهضة التعذيب والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
طفرة الانضمامات العمانية للاتفاقيات الدولية مع قدوم السلطان الجديد، والرغبة في التمتع بمزاياها الاقتصادية ومكانتها في المجتمع الدولي، لم تخل أيضًا من كم التحفظات التي تبدو تحفظاتٍ يتجنب النظام العماني تكوين التزامٍ بمبادئ حقوقية مهمة تتضمنها الاتفاقيات.
بموجب المرسوم (44/2020)، أعلن النظام العماني انضمامه إلى الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، والتي تحفظ النظام العماني فيها على الالتزام باختصاصات لجنة الاتفاقية المتعلقة بزيارة البلد الطرف في الاتفاقية عند وجود معلومات مصدقة بحدوث حالات اختفاء قسري. وقد أشار المرسوم السلطاني إلى عدم اعتراف النظام العماني باختصاص اللجنة المعنية في المادة الثالثة والثلاثين من الاتفاقية.
في فبراير من العام 2020، انضمت عمان وفق المرسوم (45/2020) لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة لعام (1984-1987)، ولكن مع تحفظٍ على المادة العشرين من الاتفاقية، والتي تخول لجنة مناهضة التعذيب الدولية القيام بتحقيقٍ سري إذا ما وردت معلومات عن حدوث عمليات تعذيب تقوم بها إحدى الدول الأطراف في الاتفاقية، وزيارة الدولة المعنية وتقديمها للتسهيلات لعملية التحقيق إذا ما ثبت تورطها في عمليات كهذه.
المرسوم تضمن تحفظًا آخر أيضًا يتعلق بالنزاعات في تفسير نصوص الاتفاقية حال التنازع بين دولتين أو أكثر حولها، حيث تشير الفقرة الأولى من المادة 30، على أن التحكيم يكون الفاصل في نزاع تفسير هذه النصوص ضمن الدول الأطراف، وجعلت من محكمة العدل الدولية المرجع في هذا التحكيم إذا لم يتم حله في خلال ستة أشهر. المرسوم السلطاني الخاص بالانضمام للاتفاقية أعلن عن أن عمان غير ملزمة بأحكام هذه الفقرة من المادة الثلاثين، كما أن النظام العماني قد تحفظ على نصٍ آخر يتضمن هذه المسألة في اتفاقية حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري.
في العام 2020، وبموجب المرسوم السلطاني (46/2020)، انضمت عمان للعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام (1966-1976)، إلا أن النظام العماني أعلن تحفظه على البنود (أ، د) من الفقرة الأولى من المادة الثامنة من العهد، والتي تعطي العمال والموظفين الحق في تكوين النقابات والإضراب، وأشار المرسوم السلطاني إلى أن هذا التحفظ متعلقٌ بالموظفين في القطاع الحكومي، وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن الحق في تكوين النقابات لموظفي القطاع العام أمر محظور في القانون العماني.
على الرغم من انضمام السلطات العمانية لهذه الاتفاقيات الدولية، تظهر شكوك دولية في الأوساط الحقوقية والحكومية بشأن مدى ترجمة السلطات العمانية التزاماتها في هذه الاتفاقيات لقوانين وبرامج داخلية فعلية تعمل على توفير بيئةٍ أفضل لحقوق الإنسان والحريات للمواطن العماني.
عقب انضمام السلطات العمانية لهذه الاتفاقيات قامت بجملة من الانتهاكات الحقوقية في الداخل العماني، من ضمنها فرض رقابة على وسائل التواصل الاجتماعي وحجب وسائل إعلامية واعتقالات تعسفية وحالات اختفاء قسري بالإضافة لفرض مزيد من القيود على وسائل الإعلام، والتي كانت مواطن قد رصدتها في قصص وتقارير سابقة وأشارت إليها في هذه القصة أيضًا.
حكومة المملكة المتحدة، وبعد عامٍ من انضمام النظام العماني للمعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، أصدرت بيانًا أواخر يناير 2021 يثني على السلطات العمانية في التقدم الذي أحرزته بشأن مكافحة الاتجار بالبشر. دعا البيان أيضًا السلطات العمانية لترجمة مضامين المعهد الدولي والاتفاقيات التي انضمت إليها عمان مؤخرًا لواقع عملي وقانوني في عمان، كما دعت النظام للانضمام للمعهد الدولي الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.