في اليمن، يعمل الصحفيون في بيئة غير آمنة على الإطلاق، إذ فرضت التداعيات السياسية والأمنية التي تشهدها البلاد منذ أكثر من ثمانية أعوام قيودًا كثيرة ومتشعبة، حدّتْ من حرية الصحافة، وأجبرت الكثير من الصحفيين على ترك أعمالهم، وألزمت من فضَّل العمل في ظل تلك الظروف بقيود جمة.
“فضلت البقاء بلا عمل، عن العمل متقيدًا في ظل ظروف قمعية، يغيب عنها الشعور بالمسؤولية والالتزام الصحفي”. هكذا قال لـ مواطن مبخوت الهادي، الذي تخرج في كلية الإعلام عام 2015، وكان يحلم أن يعمل صحافيًا يعبر عن آرائه ومشاكل مجتمعه بحرية، لكن واقع الحال فرض عليه مسارًا آخر لم يكن في الحسبان.
لم يجد “مبخوت”في اليمن مؤسسة إعلامية تتيح له ممارسة عمله الصحفي بحرية، دون التقيد بسياسة الصوت الأوحد، والنمط المفروض على المؤسسات الصحافية من السلطات ومراكز القوة.
وحتى كمراسل خارجي لم يجد ضالته؛ إذ سيبقى مرتبطًا بمراجعة مواده من قبل الهيئة الإعلامية لجماعة الحوثيين قبل النشر، وحال لم تتم هذه المراجعة؛ فإنه يصبح معرضًا للخطر، فآثر لنفسه وحياته السلامة.
أعلنت نقابة الصحفيين اليمنيين في تقرير نشرته في مايو من العام الحالي، توقف أكثر من ١٦٥ وسيلة إعلامية، حسب دراسة ميدانية نفذتها النقابة والاتحاد الدولي للصحفيين؛ من بينها ١١٩ صحيفة ومجلة.
كذلك هو الحال أيضًا بالنسبة لـ “دارس طحاطح”، أحد المتربعين على رصيف البطالة منذ قرابة عامين، بعد العمل لأكثر من ستة أشهر في موقع محلي كمحرر للشؤون الاجتماعية والإنسانية، رفض مؤخرًا العمل مع وكالة صحفية خارجية، لنفس مخاوف الهادي من تبعات مثل هذا العمل؛ في بلد لا أمان على حياة الصحفيين فيه.
"الحرب مقصلة الصحافة، والصحفي المستقل عدو"
يقول لمواطن الصحفي اليمني نبيل الشرعبي: “إن الحرب في اليمن تحولت إلى مقصلة ضد الصحافة، ويعتبر الصحفي عدوًا في نظر جميع الأطراف المتصارعة إذا عمل دون انحيازات”.
لم تترك الحرب في البلاد وما آلت إليه الأوضاع مجالاً للصحف والصحفيين؛ خاصة بعد تدهور الأوضاع الاقتصادية، وشح الإمكانات المادية وانقطاع الرواتب؛ ما أدى إلى توقف الكثير من الوسائل الإعلامية اليمنية، وفقد الكثير من الصحفيين لأعمالهم.
وصل إجمالي الانتهاكات التي وثقتها نقابة الصحفيين اليمنيين منذ عام 2015 وحتى 2021 أكثر من 1400 حالة انتهاك طالت الحريات الإعلامية، كما رصدت النقابة 20 حالة انتهاك جديدة خلال الفترة من 1 يناير إلى 30 مارس عام 2023.
أعلنت نقابة الصحفيين اليمنيين في تقرير نشرته خلال مايو من العام الحالي، توقف أكثر من ١٦٥ وسيلة إعلامية، حسب دراسة ميدانية نفذتها النقابة والاتحاد الدولي للصحفيين؛ من بينها ١١٩ صحيفة ومجلة من أصل ٣٦٥ وسيلة إعلامية استهدفتها الدراسة.
ولا يعمل في اليمن اليوم سوى ١٣ صحيفة فقط، منها خمسة صحف في صنعاء، وست صحف في عدن وصحيفتين في تعز، ومن ضمن هذه الصحف عشر صدرت خلال فترة الحرب.
“في ظل تلك الظروف يحاول الصحفيون اليمنيون العمل بشكل إيجابي، والتعايش مع واقعهم”، حسبما عقبت لمواطن رئيسة تحرير اليمن الاتحادي، بشرى العامري.
وأشارت إلى أن الصحفيين اليمنيين يعانون من مشاكل كثيرة ومتعددة، لكن المشكلة الاقتصادية المتمثلة في انقطاع الرواتب من قبل الحكومة المعترف بها دوليًا تظل الأبرز، بالإضافة إلى الفصل التعسفي من قبل الخدمة المدنية التابعة لجماعة أنصار “الحوثيين”.
وتضيف خاتمة: “مخاوفنا حاليًا أن تعلن الحكومة اليمنية عجزها عن صرف مرتباتنا مرة أخرى، بعد أعوام من القطيعة والوعود المتكررة”.
انتهاكات مستمرة
شهدت الساحة الإعلامية خلال سنوات الحرب حالة مفزعة، تعرض على إثرها الكثير من الصحفيين للاختطاف والسجن والتعذيب والقتل، وغيرها من الانتهاكات التي طالت الحريات الصحفية في اليمن.
وصل إجمالي الانتهاكات التي وثقتها نقابة الصحفيين اليمنيين منذ عام 2015 وحتى 2021 أكثر من 1400 حالة انتهاك طالت الحريات الإعلامية، كما رصدت النقابة 20 حالة انتهاك جديدة خلال الفترة من 1 يناير إلى 30 مارس عام 2023.
وعلى الرغم مما توصلت إليه الأطراف السياسية مؤخرًا بشأن الصحفيين المعتقلين، والإفراج عن خمسة صحفيين كانوا في معتقلات الحوثيين منذ بداية الحرب؛ إلا أن الانتهاكات لا تزال مستمرة.
وثق مركز “مرصد اليمني” للحقوق والحريات الأسبوع الماضي حالات انتهاكات جديدة، تمثلت في أوامر القبض بحق رئيس موقع المصدر أونلاين الصحفي علي الفقيه، ورئيس تحرير موقع مأرب برس الصحفي أحمد يحيى عائض، ورئيس تحرير صحيفة مأرب برس الصحفي محمد مسعد الصالحي، على خلفية قضايا نشر حول فساد السلطة القضائية في محافظة مأرب التابعة لحكومة المجلس الرئاسي.
ويقول لمواطن، رئيس مركز العاصمة الإعلامي نبيل صلاح: “إن العمل الصحفي في اليمن حاليًا مجازفة، قد تكلف الصحفي حياته، وفي أقل التقدير تصيبه بخسائر نفسية ومادية ومعنوية”.
ويضيف “أن الصحافة في اليمن قيمة معنوية فقط، يتظاهر بها الصحفيون، وما دون ذلك فإن الصحفيين في الحقيقة فقدوا كل ما تحمله الصحافة من معنى في ظل الحرب”.
وعلى الرغم من كل هذا فما زال "مبخوت" و"دارس" وغيرهم من الصحفيين، يأملون بغدٍ أفضل، وبيئة تتيح لهم العمل كصحفيين مستقلين.
نقابة الصحفيين هي الأخرى.. لم تسلم من القمع والانتهاك
“إن نقابة الصحفيين وأعضاءها لم يسلموا من الانتهاكات، وأغلقت مكاتب النقابة في مختلف المحافظات اليمنية في صنعاء وتعز والحديدة من قبل جماعة الحوثيين، وفي عدن تم الاستيلاء على مقر النقابة من قبل المجلس الانتقالي”. حسبما قال عضو مجلس نقابة الصحفيين اليمنيين “نبيل الأسيدي” لـ “مواطن.
كما أشار إلى أن النقابة قادة الحملات التضامنية بشراكة مع الاتحادات العربية والنقابة العربية والدولية، وكان لها دور مؤثر في إيصال صوت الصحفيين إلى مجلس حقوق الإنسان، وإلى المنظمات الدولية.
ويضيف: “لعبت النقابة دورًا في الإفراج عن عدد من الصحفيين، إما عن طريق الاتصال المباشر، أو عن طريق الضغط من خلال البيانات، والمساهمة في إيقاف أحكام الإعدام ضد بعض الصحفيين”. ويختم بأن النقابة تعمل جاهدة، حتى تحافظ على تماسك الوسط الصحفي واستقلاليته.
اليمن، ضمن أخطر دول العالم على حياة الصحفيين
في اليوم العالمي لحرية الصحافة 3 مايو 2023، أصدرت منظمة مراسلون بلاحدود تقريرها المعني بالتصنيف العالمي لحرية الصحافة، والذي يُقَيِّم ظروف ممارسة النشاط الإعلامي في 180 بلدًا، وتُظهر المؤشرات أن الوضع في اليمن “خطير للغاية”، والتي جاءت في المرتبة 168 من أصل 180 دولة، لتكون من أخطر بلدان العالم على سلامة وحياة الصحفيين، وبلغ عدد الصحفيين الذين قتلوا منذ عام 2015 وحتى 2023 أكثر من 36 صحفيًا، و13 معتقلاً، و 54 رهينة و10 مفقودين.
لم يقتصر الأمر على ذلك فحسب؛ بل إن هناك جملة من التحديات التي أدت إلى الحد من حرية الصحافة وتراجع دورها مقارنة بباقي الدول الأخرى، سوى كان ذلك فيما يخص ما تقدمه الصحافة، أو من خلال نسبة ما تتمتع به من حرية الرأي.
يقول الصحفي عبدالرحمن غنام لمواطن: “إن الإعلام الرسمي يواجه تحديات الميزانية والتمويل، وفيما يخص التوظيف لا يتم ذلك حسب معايير مهنية علمية؛ إنما يعتمد بشكل كبير على الانتماء السياسي”.
ويضيف: “يتم اختيار الصحفيين من بوتقة واحدة ذات لون واحد، وهذا ناتج عن رؤية السلطات لمهنة الصحافة؛ إذ ترى أن الإعلام إذا لم يكن إعلامًا موجهًا لخدمتهم؛ فإنه ضدها، ويظهر ذلك من خلال نماذج التصاريح التي تمنح لمراسلي الوسائل الإعلامية الخارجية”.
وحتى هؤلاء الصحفيين الذين يكتبون بالقطعة لمواقع من خارج اليمن، يعانون بشكل كبير من أجل استلام أموالهم؛ فالحوالات البنكية شبه معطلة، ولا يتمكن الصحفيون اليمنيون من تحصيل أموالهم إلا عبر وسيلة أو وسيلتين من وسائل التحويل المالي المباشرة. كما انتشرت تقارير مطلع العام عن حوالات مالية منسية، تم تعطيلها والاستيلاء عليها، بدلًا من تسليمها لأصحابها.
يمكننا أن نخلص إلى تعدد صعوبات العمل الصحفي في اليمن؛ من ضعف رواتب غير موجودة بالأساس، لعمل يشكل تهديدًا صريحًا للحياة والأمن الشخصي، وحتى المنافذ المتاحة؛ مثل المراسلين لوكالات أجنبية؛ يخضعون لرقابة على محتواهم.
والصحفيون الذي يكتبون لمواقع صحفية خارج اليمن بخلاف ذات الصعوبات التي يتعرض لها جميع الصحفيين المستقلين في اليمن؛ يعانون الأمرّين من أجل الحصول على أموالهم؛ مما يحطم أحلام صغار الصحفيين، ويهدد استقرار أصحاب الخبرة منهم؛ فلا يمكن العمل في اليمن بشكل مستقل بعيدًا عن الانحيازات السياسية؛ بل وأحيانًا بعيدًا عن حسابات القبيلة.
وعلى الرغم من كل هذا فما زال “مبخوت” و”دارس” وغيرهم من الصحفيين، يأملون بغدٍ أفضل، وبيئة تتيح لهم العمل كصحفيين مستقلين.