ماذا يعني أن تكون فقيرًا في بلد خليجي؟ وهل بالفعل هناك فقراء في دول الخليج؟ هذا النمط من الأسئلة قد لا يطرق مسامع الخليجي أو الخليجية إلا من باب المزاح، على اعتبار أن هذه الدول ثرية وليست على قائمة الدول المصنفة بالفقيرة.
فالدول الست مصدرة للنفط والغاز الطبيعي، الذي تعتمد عليه دول العالم، وما يخلفه من فائض أموال النفط، يوضع في خزائن حكومات الخليج.
وبالنسبة للشعوب الأخرى فلا ترى الخليجي إلا ثريًا عربيًا، لديه زكائب من الأموال، وهذا الانطباع يشتمل على كل دول العالم، وكأن لكل مواطن من عرب الخليج بئرًا من النفط وسيارة فاخرة وخيمة وخدمًا كثرًا.
وكشفت "الإسكوا" أن الفقر طال واحدًا من كل 7 مواطنين في السعودية، وواحدًا من كل عشرة في عمان، وواحدًا من كل 13 مواطنا في البحرين."
وجاءت تلك الصورة من أفلام هوليود التي لا ترى في الخليج إلا صحاري وخيامًا في غالبها، إلا أن ما شهدته دول الخليج من تطور تكنولوجي وبنى تحتية، غير كثيرًا من هذه الصورة؛ وبالأخص مع استضافة قطر لكأس العالم 2022، وامتلاكها لخدمات تضاهي ما هو موجود في دول الغرب، بالإضافة إلى نجاح دبي في جذب رؤوس المال والمشاهير من كل أنحاء العالم، نهاية بالسعودية التي بدأت تأسس لدوري كرة قدم به لاعبون عالميون، إلا أن كل هذا زاد من الانطباع عن ثراء أهل الخليج، ولو كسر انطباع أن حياتهم بين الخيم والصحاري.
وفي مقابل الازدهار الخليجي اقتصاديًا، جاء في (24 مايو- ايار 2023) تقرير اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)-الذي عنون بـ “3.3 مليون مواطن في بلدان مجلس التعاون الخليجي يعيشون بين براثن الفقر”.
حمل تقرير الاسكوا عنوانًا قويًا، لكنه لم يغطّ الكثير من التفاصيل أو يطرحها بشكل كامل؛ مثل؛ الفساد وتدني مداخيل الأفراد، والحد الأدني للأجور وحماية المظلة الاجتماعية، ودور الصناديق الخيرية، ومساعدات وزارات التنمية الاجتماعية، والقروض وفرض الضرائب والرسوم، وعزوف المواطن عن خدمات التعليم والصحة المجانية بسبب تدني مستواها، والذهاب إلى القطاع الخاص مما أصبح يشكل عبئًا على كاهل الأسرة. جميعها عوامل تصاحب المشهد الحالي في هذه الدول، وهي قد تختلف بطبيعة الحال من دولة إلى أخرى.
في الخليج، ما الفقر؟ ومن الفقير؟
يقول الباحث والمحلل الاقتصادي البحريني د. حسن العالي لـ مواطن: “الفقر هو أن مستوى دخل الفرد أو العائلة، لا يكفي لسد الاحتياجات المعيشية؛ مثل الأكل والملبس والسكن والصحة والتعليم”.
ويوضح أنه “لا يمكن الحديث عن كافة دول الخليج بصورة متساوية؛ فبعض الدول مثل قطر والإمارات والكويت تتمتع فيها العائلة بمستوى دخل جيد وبشبكة حمائية جيدة. وعندما نتحدث عن الفقر في الخليج؛ فنحن نتحدث عن مستوى ثراء الدولة بالمقارنة مع عدد السكان”.
أما عن البحرين تحديدًا د .العالي “وبتطبيق التعريف الذي تناولناه؛ فإن متوسط دخل أغلب العوائل، لا يفي باحتياجاتها الأساسية، نتيجة تدني مستوى الرواتب وضعف الشبكة الحمائية، وآخر مرة تم فيها زيادة الرواتب في القطاع العام كان في العام 2011؛ أي قبل 12 عام”.
وتسجل سلطنة عمان والسعودية أعلى نسبتين للفقراء؛ حيث يعيش 10.1% و13.6% من مواطني هذين البلدين على التوالي في فقر، وتحتل البحرين المرتبة الثالثة بنسبة فقراء تبلغ 7.5%.
ويضيف: “خلال هذه الفترة الطويلة ارتفعت تكلفة المعيشة بشكل كبير نتيجة التضخم في أسعار كافة الاحتياجات المعيشية، قابلها فرض ضريبة القيمة المضافة بنسبة 10٪ والعديد من رسوم الخدمات. أما القطاع الخاص؛ فرواتبه متدنية في أغلب القطاعات؛ حيث يفضل الاعتماد على العمالة الرخيصة”.
ويستطرد: “بالمحصلة، حدث تآكل حقيقي وكبير في مستوى معيشة العائلة، ووسع من دائرة الفئات التي يمكن أن نطلق عليها “عوائل فقيرة“؛ خاصة أن الخدمات التي يحصل عليها المواطن وخاصة الرعاية الصحية، تدنت مستوياتها وينجم عنها معاناة مضاعفة للعوائل”.
وذكر تقرير الإسكوا تراجع معدلات الفقر في بلدان مجلس التعاون الخليجي، باستثناء البحرين والكويت؛ إذ خرج 528000 مواطن من دوامة الفقر، لكن لم يذكر تفاصيل ذلك أو حتى ذكر اعتماده على مؤشر أكسفورد لقياس مستويات الفقر الذي تم اعتماده مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وجامعة أكسفورد في العام 2010.
وأشارت الأمينة التنفيذية للإسكوا د. رولا دشتي في التقرير ذاته إلى أن: “مستوى الدخل أو الإنفاق وتوزيعه بين السكان هما العاملان الأساسيان اللذان يساهمان في معدلات الفقر. فإن إنفاق أغنى 10% من المواطنين يتجاوز 16 ضعف إنفاق أفقر 10% منهم في بعض بلدان الخليج”. وأضافت أن التقرير اعتمد على خطوط الفقر في -الفترة 2010 –2021″، كما صرحت في حديث لها بأن التقرير اعتمد على خط الفقر في كل دولة على حدة.
وكشفت “الإسكوا” أن الفقر طال واحدًا من كل 7 مواطنين في السعودية، وواحدًا من كل عشرة في عمان، وواحدًا من كل 13 مواطنا في البحرين.”
وتسجل سلطنة عمان والسعودية أعلى نسبتين للفقراء؛ حيث يعيش 10.1% و13.6% من مواطني هذين البلدين على التوالي في فقر، وتحتل البحرين المرتبة الثالثة بنسبة فقراء تبلغ 7.5%. وذكر التقرير أن معدلات الفقر في الكويت والإمارات وقطر تقل عن 2%.
ورأت الباحثة والناشطة البحرينية د. منى عباس فضل أن التقرير لم يبذل سوى القليل من الجهد في التحقيق بمدى انتشار الفقر وعمقه”، وذكرت في تدوينة بعنوان “الفقر في البحرين: حين تتحدث الأرقام”، بأن الإسكوا استندت في تحديد خطوط الفقر الخليجي على “مقياس دخل الأسرة والإنفاق الاستهلاكي”، على الرغم من وجود معارضين لهذا المقياس، لأنه لا يعكس صورة واقعية وحقيقية عن مستوى حرمان الأسرة ذات المداخيل المتدنية”.
وتنقل الباحثة البحرينية د. “فضل” تحذير البعض من فخ البيانات الإحصائية بشأن تراجع معدلات الفقر؛ ليس في هذا التقرير فقط، وإنما في التقارير الوطنية والدولية أيضًا، وتؤكد على أن الفقر “يشكل ظاهرة مركبة اقتصاديًا، اجتماعيًا، سياسيًا، نفسيً، وثقافيًا، وغالبًا ما يخضع في دراستها لاعتبارات الوضع السياسي وما يحدده من مؤشرات بما لا تعبر عن حقيقة الفقر وتنوعه”.
حول الفقر ومسبباته
ويعلق الكاتب السياسي وعضو الحركة التقدمية في الكويت أحمد الديين لـ مواطن: “عندما يأتي الحديث عن الفقر في الخليج؛ فلا بد من أخذ عين الاعتبار بالفقر غير مرتبط بمؤشر ما أحادي الجانب، ولكن هناك عوامل أخرى تتعلق بمستوى الدخل و أسلوب الحياة والمعيشة والتعليم، من لديه سكن خاص أو يعاني من إيجارات مرهقة أو لديه امكانية توفير مدخرات أو شبكة من القروض والديون الكثيرة التي تثقل كاهله”، ويكمل بأنها عوامل تحدد من هو الفقير في الخليج.
ويضيف: “لكن برأي العنصر العنصر الأهم، هو مدى تركز الثروة بيد “القلة” في الخليج، يعني مثلًا مؤشر “معامل جيني” لقياس توزيع مستوى الدخل “قياس عدم المساواة الاقتصادية، وقياس عدالة توزيع الدخل القومي”.
ويضرب مثالًا بأنه عندما يحصل شخص واحد فقط من السكان على الدخل جميعه، مع عدم حصول الآخرين على أي شيء مطلقًا، ( تتراوح قيمة المعامل بين 0-1 أو بين 0%-100%)؛ ففي العام 2018 ووفق معامل جيني؛ فقد وصل توزيع دخل في الكويت إلى نسبة 80.9%، وهو أمر مهم ويعني أن الثروة مرتكزة بيد العشر.
ويذكر أن غالبية الناس تعاني من أثر القروض الاستهلاكية والأقساط، وكثرة المتعثرين وفق بيانات الدولة تصل إلى 12 ألف مقترض في الكويت، بينما عدد الباحثين عن عمل وصل إلى 27 ألف كويتي، والأجور منذ العام 2012 إلى اليوم لم تتم زيادتها، مع أن القانون يفرض زيادة الرواتب مع متغيرات مستوى المعيشة”.
وذكر التقرير أن معدلات الفقر في الكويت والإمارات وقطر تقل عن 2%.
ويضيف أكثر حول مظاهر وأسباب الفقر بأن: “هناك قائمة انتظار طويلة تصل إلى 95 ألف عائلة في الكويت، تنتظر دورها في الحصول على بيت من الدولة، ويقطن البعض مع عوائلهم، وهناك من يدفع إيجارات باهظة”، ويختم بإنه “لابد من وضع معايير ومقاييس لمن يعاني الفقر، وهذا حتى اليوم غير موجود في الكويت”.
ويعزو تقرير اتجاهات الفقر في دول مجلس التعاون الخليجي المنشور في مركز الخليج لسياسات التنمية، مسببات الفقر في دول الخليج إلى عدة عوامل؛ كالبطالة، والثقافة الاستهلاكية وارتفاع مستوى المعيشة، أو بعض الإجراءات التقشفية بسبب صدمات أو خسائر اقتصادية، ويذكر أن الأخيرة ظاهرة مستحدثة، لا يمكن أن يكون لها دور كبير في إيجاد الفقر، إلا أنها في المستقبل القريب، ستزيد من عدد الفقراء. وطرح التقرير مجموعة من الحلول لمكافحة الفقر، عن طريق نظام ضرائب عادل، وإصلاح سياسات الدعم، بالإضافة إلى توفير المزيد من فرص العمل.
قد يكون تقرير الاسكوا أو غيره من التقارير الأخرى جرس إنذار لمزيد من المتغيرات الاجتماعية/الاقتصادية في بلدان الخليج، وهو ما يشدد على ضرورة توفير الخيارات، التي لا تثقل من كاهل المواطن؛ بل تدفع لمزيد من الشفافية والرقابة والمساءلة؛ خاصة أنه لم يعد من الممكن إخفاء أن هناك فقرًا وفقراء في الخليج.