إلى أي حد يجب أن يصل التضامن مع غزة؟ هل يجب إيقاف المهرجانات والعروض الفنية؟ أم أن إقامتها لا تتعارض مع مساندة فلسطين؟ وإذا كان الفنان يؤدي عمله، فلماذا هو الوحيد المطالب بالتوقف عنه، على عكس المهندس والصحفي والطيب؟
بدأت كل التساؤلات مع ظهور الممثل المصري، محمد سلام، والذي أعلن عدم قدرته على الرقص والغناء والضحك، في ظل ما يحدث من إبادة للفلسطينيين.
“مش متخيل إني هروح أعمل مسرحية وأهزر وأغني وأرقص، وأخواتنا في فلسطين عمالين بيتقتلوا ويدبحوا ومفيش حاجة بتحصل، أنا مش هقدر أسافر طبعًا، أنا كنت على أمل طول الفترة اللي فاتت، إن موسم (الرياض) يتلغي أو يتأجل زي ما حصل في مهرجان الجونة والقاهرة، أو يحصل إن الموضوع يهدى في فلسطين”، كان هذا مجمل حديث سلام، اعتراضًا على مشاركته في عرض مسرحية “زواج اصطناعي”، خلال فعاليات موسم الرياض.
وموسم الرياض هو مهرجان ترفيهي سعودي، يقام به عدد من العروض الفنية كل عام، وافتتحت النسخة الرابعة من الموسم في 27 من أكتوبر 2023، وهو ما تزامن مع حرب غزة، وجعل الموسم والقائمين عليه محل انتقاد من الجماهير، ودشن وسم #غزة_تباد_والرياض_تحتفل، للتعبير عن الغضب تجاه عدم إلغاء المهرجان السعودي.
ومع زيادة الانتقادات، خرج تركي آل شيخ، رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه في السعودية، وكتب في منصة فيسبوك، “هناك نقطة مهمة أعتقد يجب الإشارة إليها بوضوح، وأنا في الفترة الأخيرة لم أتحدث كثيرًا، لكن أعتقد من المهم الحديث الآن؛ سنة 1967 م، عندما احتُلت دول لم يتوقف أي شيء، وعند حرب لبنان لم يتوقف أي شيء، وعندما حاربت بلدي 7 سنوات لم يتوقف فيها شيء، ودم السعودي أغلى لدي من أي شيء”.
هل كان يجب إقامة موسم الرياض، أم كان الأفضل إلغاؤه؟ وهل ثمة تعارض بين إقامة المهرجانات الفنية والتضامن مع الغزيين؟
وأضاف: “عندما يزايد التافهون علينا يجب أن نوضح الحقيقة، لا أعرف متى تنتهي مسخرة استخدام اسم المملكة أو اسمي أو اسم موسم الرياض في أي شيء كشماعة لتحويل الأنظار عن حدث آخر، أو وضع آخر؟ وإلى متى السماح للغلط على شخصيات اعتبارية في بلدي والبكاء عند الرد؟ وإلى متى ترهيب كل من يتعاون معنا في عمل شريف مثله مثل أي عمل آخر”. إلا إنه قام بحذف المنشور من حسابه.
وتعالت أصوات المعارضين للمهرجان، ورئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه، على وسائل التواصل الاجتماعي، جراء إقامة المهرجان في ظل ما يحدث من موت ودمار يومي للشعب الفلسطيني، فيما اقترح البعض تغيير موعد مهرجان الرياض، وألا يكون في خضم الأحداث بهذه الطريقة، وتظهر الإدارة السعودية وكأنها غير مبالية بما يحدث في غزة.
فيما دافع آخرون عن إعلان المملكة إطلاق موسم الرياض؛ مؤكدين أن هناك مواعيد وحجوزات مخططًا لها من قبل، وأن هناك صعوبة في تأجيل هذه الحجوزات، وأن التأجيل أو الإلغاء سيؤثر على سمعة المملكة واقتصادها بشكل كبير عقب هذه الاتفاقات .
وأكد مغردون سعوديون، أن بلادهم لم تقصر يومًا في حق فلسطين، حتى يتم توجه الاتهامات لها بهذا الشكل، ولكن على كل دولة أن تراعي مصالحها الخاصة أيضًا، ولا تتوقف الحياة بها لأجل شعوب دول أخرى.
هل علينا إيقاف العروض الفنية، تضامنًا مع غزة؟
يرى الناقد الفني السعودي عبد الرحمن الناصر أن إيقاف الفن والحياة وترفيه المجتمع من أجل أحداث هنا أو هناك، سيساهم في تراجع فكرة بناء المجتمع بشكل سليم؛ ففي مصر مثلًا وسوريا ولبنان لم تتوقف جميع سبل التطوير الإبداعي وترفيه المجتمع في مِحنها وحروبها السابقة.
ويضيف لمواطن: “مايحدث حاليًا هو شعارات عدائية ضدّ المملكة وضدّ التطور الأفقي، نعم كلنا متفقون بالمشاعر مع الأزمات في كل الأوطان، لغتنا إنسانية خالصة، لكن هذا لا يمنعنا من النهضة ومدّ جسر التواصل وجذب تعاطف الناس في كل مكان بالعالم، وبأدواتنا المختلفة، كـالفن والإعلام والترفيه”.
ويستكمل حديثه: “تكمن المشكلة في أن أبناء الوطن العربي عاطفيون، ويريدون أن تتوقف الحياة ونجلس لنشاهد الأخبار فقط، ليس هذا الأمر منطقيًا ولا يتواكب مع حياة العامة من البشر.
ويختم، “فالخطوط التي تدار من قبل الدول سياسية أو عسكرية، لا علاقة لها بمجتمعات تريد أن تعيش بجودة عالية من الحياة، وخلط الأمور في الوطن العربي وانفتاحنا على وسائل التواصل الاجتماعي، ساعد وساهم في تأجيج لغة الرفض التي تتنقل من أحزاب؛ إما معادية أو منساقة خلف العاطفة، التي تريد أن تتوقف الحياة عند الجميع”.
ولا يختلف مع الناصر في الرأي، الناقد الكويتي، د.علي العنزي، الذي أكد أن الثقافة والفنون مصدر رئيسي من مصادر الوعي والتنوير، الذي يحتاج إليه البشر في الأزمات، خاصة العرب والمسلمين، موضحًا أنه ليس مع وقف النشاطات والفعاليات الفنية.
ويضيف العنزي: “حينما تعرضت هاييتي لنكبة الزلزال المدمر، كان أهم وأروع ما قاله الروائي لافريير الكندي/ الهاييتي الشهير داني لافريير، الثقافة هي الحقيقة الأبدية التي لا تسقط ولا تعترف بالزلزال، وهي التي ستنقذ الشعب الهايتي، لأنها روح وجوده وماهيته. الثقافة ليست شيئًا كماليًا؛ بل بفضلها يمكن أن نبقى على الحياة”.
المهرجانات العربية الفنية.. مواقفها جراء الحرب
وعلى الرغم من مضي المملكة وتمسكها بإقامة مهرجان الرياض، ألغي عدد من المهرجانات العربية الفنية جراء حرب غزة؛ منها مهرجان الموسيقى العربية في القاهرة، ومهرجان الجونة السينمائي الدولي، ثم مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، ومهرجان قرطاج السينمائي، بالإضافة إلى مهرجان أجيال السينمائي، والذي يقام في قطر.
ويرى الناقد الفني المصري/ الكويتي فاروق عبد العزيز، أنه كان يجب على القائمين على المهرجانات والفعاليات التي لم يتم إلغاؤها، أن يراعوا مشاعر الشعوب العربية المتأججة حاليًا، ولا يتم الضغط عليهم ومهاجمتهم بهذا الشكل، الذي خرج بها القائمون على واحد من أهم الفعاليات في المنطقة.
وأضاف لمواطن: “بالرغم من أن الفن آلية عالمية للتعبير عما يتعرض له شعب غزة من إبادة خلال الأسابيع الماضية؛ إلا أن الوضع حاليًا متأجج بشكل كبير، ويرى أغلب الشعب العربي أن ما يحدث هو أزمة عربية، وليست خاصة بوطن محدد، وبالتالي حدثت حالة الهجوم الحالية على كل من قرر إقامة فعالية فنية”.
ولم يتفق الناقد السعودي، عبد الرحمن الناصر مع رأي الناقد المصري، موضحًا أن الذي أوقف بعض المهرجانات، هي مؤسسات ترعاها، أو بإيعاز من الدولة، لكن مثل هذه القرارات، ربما قد تساهم في تعطيل حركة النمو الإبداعي والفني؛ فقد واجه العالم أسوأ سنة في حياته أيام كوفيد 19، ومع ذلك قامت كل المهرجانات بطرق مختلفة خلف تقنية الاتصالات، كان هذا خوفًا من تراجع المرحلة الفنية!
واستكمل الناصر حديثه، قائلًا: “بشكل صريح، حينما استشهد الجنود على الحدود اليمنية، والمواطنون الذين ليس لهم علاقة خلال سبع سنوات، هل توقفت الحياة عند من يطالبون الآن بوقف موسم الرياض؟ أبدًا لا؛ فالحياة كانت مستمرة وتتطور، وهو ما كنت أقصده، نحن قريبون في الربع الأول من القرن الجديد، والحياة اختلفت، التطور الاجتماعي مهم والحركة الترفيهية أهم، لما لها من دفع للحركة الاقتصادية”.
على الرغم من تقديم المملكة التبرعات والدعم المالي إلى غزة؛ إلا أن قطاعًا واسعًا من الجمهور العربي، اعتبر إقامة مهرجان الرياض استهتارًا بدماء الفلسطينيين.
ورأت بعض المهرجانات في التزام الصمت حلًا وسطًا، مثلما قرر مهرجان مراكش السينمائي في المغرب، والمقرر إقامته في ديسمبر القادم، في انتظار تطورات الأوضاع مع الحفاظ على الاستعدادات لإقامته، وكذلك المهرجان الدولي للفيلم، والذي تستقبله مدينة فاس بالمغرب من 21 حتى 26 من فبراير، قرر أن يستمر في مسيرته ويفتتح أبوابه أمام دورته الجديدة، دون أن يقرر الإلغاء أو الامتناع.
ويرى الناقد المغربي عبد الكريم واكيم، أن مهرجان مراكش انتصر على المهرجانات التي تم إلغاؤها، وذلك لأنه حافظ على قرار إقامته حتى الآن في موعده، منوهًا إلى أن تفويت مهرجان من أهم ثلاثة في الوطن العربي، يعد أمرًا خاطئًا، وتفويت فرصة حقيقية، ومهمة للتسويق لمدينة مراكش سياحيًا بعد كارثة الزلزال التي وقعت غير بعيد من هذه المدينة، والتي تضررت منها مراكش أيضًا.
وكانت المفاجأة مهرجان الزمن الجميل، الذي أعلنت عنه دولة الإمارات العربية المتحدة، بشكل مفاجئ وخفي على حد سواء؛ فلا يمكن أن نجد عنه معلومة واضحة عبر صفحات التواصل الاجتماعي، أو المنصات الرسمية، وما هو إلا بعض الإعلانات عن الحفلات في الخفاء، والتي يُعرف عنها بالصدفة، وهو ما شارك به عدد من المطربين العرب؛ منهم المصري تامر عاشور، واللبناني وائل كافوري، وآخرون.
مهرجان الرياض، الأكثر صخبًا وتعرض للانتقاد
مثلما بدأ الترند ضد مهرجان الرياض بموقف الفنان المصري محمد سلام، عاد من جديد للواجهة بكلمة الفنان المصري بيومي فؤاد، بعد عرض المسرحية التي رفض سلام المشاركة بها، وقال بيومي: “من حقك تعتذر عن المسرحية، لكن مش من حقك تغلط في فنك، إحنا بنقدم فننا، إنتوا بتحترمونا وإحنا بنحترمكم جدًا، شيء عظيم أن الفنان يكون له جمهور في كل الدول، شيء عظيم إني أتصور مع شاب أو سيدة سعودية أنا بتشرف بهذا”. وتعرض فؤاد لحملة هجوم قوية من الجماهير، على اعتبار أن حديثه بعد العرض تملق للمملكة والمسؤولين فيها.
ويبدو أن موقف بعض الجماهير العربية تجاه المملكة كان أكثر حساسية؛ لا بسبب غياب الموقف الدبلوماسي القوي لمساندة الغزيين، وهو الأمر الذي تشترك فيه كل الدول العربية تقريبًا؛ لكن سبب الغضب يمكن أن يعود إلى تداول أخبار تطبيع السعودية مع إسرائيل، والتي تشير تقارير إلى تعطيلها بسبب عملية طوفان الأقصى.
وعلى الرغم من تقديم المملكة التبرعات والدعم المالي إلى غزة؛ إلا أن قطاعًا واسعًا من الجمهور العربي، اعتبر إقامة مهرجان الرياض استهتارًا بدماء الفلسطينيين، بينما جاءت وجهة نظر المؤيدين إقامة المهرجان متفقين مع وجهة النظر السعودية، بأن الحياة الفنية وفعاليتها، لا يجب أن تتوقف جراء الحرب، ليبقى السؤال مطروحًا؛ هل كان يجب إقامة موسم الرياض، أم كان الأفضل إلغاؤه؟ وهل ثمة تعارض بين إقامة المهرجانات الفنية والتضامن مع الغزيين؟