Logo
ar

عقود من التكسير الهيدروليكي في مصر

ضحيتها المياه الجوفية

صيف عام 1999، تصدر الصفحات الأولى بجريدة الأهرام العريقة، خبر إعلان الحكومة المصرية استخدام تقنية "التكسير الهيدروليكي" لأول مرة في حقل الأبيض الواقع بالصحراء الغربية.

تفاخر وزير البترول المصري آنذاك، حمدي البنبي قائلًا: "الشباب يشقون طبقات الصخر بالتكسير الهيدروليكي، تكنولوجيا عالمية حديثة لمضاعفة إنتاج احتياطات الغاز خمس مرات بأقل التكاليف".

وصف الوزير المشروع الذي تم بالتعاون بين الهيئة العامة للبترول، مُتمثلة في عدة شركات وشركة شل الذي مولته بـ 675 مليون دولار، أنه تم استخدام هذه التقنية الجديدة، لإحداث تشققات في الطبقات الصخرية ذات التراكيب الجيولوجية الصعبة الحاملة للغازات على أعماق 4 آلاف متر تحت سطح الأرض، والمتكثفات البترولية، الأمر الذي أدى لمضاعفة الإنتاج والاحتياطي من الطبقات.

لم يكن هذا الإعلان حالة فردية؛ فخلال الخمس وعشرين عامًا المُنصرمة، منذ استخدام التكسير الهيدروليكي أول مرة، توالت إعلانات الشركات المصرية والأجنبية بفخر استخدام التكسير الهيدروليكي في ربوع مصر، لمضاعفة الإنتاج في الحقول ولكن نتائج ومخاوف استخدام هذه التقنية يتم تجاهلها؛ سواء في أرشيف الأخبار أو الدراسات العلمية.



في جنوب مصر، وعلى بعد 851 كم من القاهرة، مازالت قرية فارس تعيش نتائج استخدام التكسير الهيدروليكي في الحقول القريبة منها منذ أن بدأت قبيل عقد تقريبًا؛ إذ يؤكد أبو القاسم عبد الشكور، عمدة فارس، لمعدي التحقيق، أن أرضه التي ورثها على أجداده في القرية الجنوبية "بارت"( جدبت)، ولم يعد بإمكانه زراعتها مجددًا بسبب أزمة المياه التي تعيشها القرية منذ سنوات.

بدأت القصة منذ سنوات عديدة، عندما شرعت شركات النفط في تجارب التنقيب واستخراج البترول والغاز باستخدام التكسير الهيدروليكي وفقًا لشهادات العديد من أهالي القرية الذين تحدثوا مع معدي التحقيق، مما أدى إلى حدوث تشققات وتصدعات عرضية وطولية في باطن الأرض تسببت في إنفجار المياه الجوفية، وأدى ذلك إلى غرق المنازل والأراضي الزراعية، حتى أنها طالت الموتى في مقابرهم.

يؤكد أبو القاسم، إنه بسبب طبيعة الأرض الرملية في القرية، فقد تسببت المياه الناجمة عن التكسير الهيدروليكي في تدميرها؛ فرغم كل محاولات إصلاح الوضع الحالي من إنشاء مصرف بالقرية، لم يعد بإمكان الأهالي استرداد كل ما تم فقده منذ أعوام.

تطل قرية فارس على نهر النيل مباشرة، تشتهر القرية بزراعة المانجو؛ حيث يتم جمع أكثر من 25 نوعًا من المانجو كل عام، إضافة إلى التمور والدوم وغيرهم، يعتمد معظم سكانها على الزراعة كمصدر أساسي للدخل؛ بل ويفتخرون بإنتاج المانجو الخاص بهم ويقيمون مهرجانًا سنويًا له.

تتولى شركة كوم امبو للبترول حقل البركة القريب من قرية فارس - والذي تسببت عملياته في غرق القرية-، ويساهم فيها شركات جنوب الوادي القابضة للبترول و شركتا “سي دراجون ” و دانة غاز الإماراتية"، قبل أن تبيع الأخيرة حصتها إلى شركة ميدي تيرا الكندية عام 2014.

لا يتوقف أثر التكسير الهيدروليكي على المياه الجوفية فقط؛ بل يطول أيضًا سمك "البلطي" النيلي في مصر، وخصوصًا في المناطق المطلة على النيل مباشرة مثل قرية فارس.


ذكر مقال بحثي بعنوان "تأثير كيماويات التكسير الهيدروليكي على أسماك البلطي النيلي في مصر" منشور عام 2019، أن كميات كبيرة من مائع التكسير الهيدروليكي يمكن أن تتسرب إلى البيئات المحيطة، بما في ذلك موارد المياه الجوفية والسطحية، أثناء مرحلة الخلط الكيميائي لدورة مياه التكسير الهيدروليكي، بسبب تعطل المعدات أو خطأ بشري. وذكرت الدراسة على وجه التحديد تطبيق التكسير الهيدروليكي في مصر من قبل شركات مثل أباتشي وعجيبة بتروليوم ودانة غاز، وأثارت مخاوف بشأن التهديدات المحتملة لأنظمة المياه الجوفية المهمة ونهر النيل بسبب استخدام تكنولوجيا مماثلة في المنطقة.

كما ناقشت الدراسة تأثير مواد التكسير الكيميائي على النظم البيئية المائية، بما في ذلك التغيرات المرضية والوراثية الخلوية والدموية في أسماك البلطي النيلي، نتيجة التعرض لهذه المواد الكيميائية. كما قامت أيضًا بتقييم التأثيرات الوقائية لـ Spirulina Platensis ضد مخاطر المواد الكيميائية التكسيرية على الحالة الصحية للأسماك، وكشفت الدراسة أن وجود المواد الكيميائية التكسير في البيئة المائية أدى إلى نتائج ضارة مختلفة في البلطي النيلي، ولكن وجود سبيرولينا في النظام الغذائي قلل من مخاطر هذه المواد الكيميائية.

من الجنوب للشمال

على بعد 774 كم من قرية أبو القاسم، يعيش وليد بقرية سيلا بالفيوم، الذي يكتفي بذكر اسمه الأول فقط. يؤجر وليد أرضه الزراعية منذ سنوات لشركات النفط من أجل استخراج البترول منها. وهو ليس الوحيد في ذلك، حاله حال عدد من سكان قرية سيلا، الذين يقومون بتأجير أرضهم أو أجزاء منها من أجل استغلالها من قبل شركات نفطية، ولكن بعد انتهاء العمل فيها من قبل الشركات، شكا المزارعون أن الأرض لا تعد كما كانت من قبل؛ حيث تقل الإنتاجية، فضلًا عن جفاف المياه المستخدمة في القرية منذ سنوات عديدة.

قبل عامين من الآن، وتحديدًا في أغسطس 2022، أعلنت شركة بتروسيلة بالتعاون مع شركتي نصر وساسبيكو إجراء تكسير هيدروليكي في حقل غرب أوبرج 1-1 الواقع في الفيوم وبالقرب من الأراضي الزراعية الموجودة بقرية سيلا.

ليست بتروسيلة الوحيدة التي تستخدم التكسير الهيدروليكي في الصحراء الغربية، قام معدو التحقيق بجمع الشركات التي تعلن استخدام التكسير الهيدروليكي في حقولها بالصحراء الغربية من أرشيف الأخبار والدراسات العلمية السابقة التي تنشرها الشركات.

ضمت قائمة الشركات التي تعلن استخدام التكسير الهيدروليكي، خالدة، قارون، بترول بلاعيم، الحمرا، وشل والنصر ودانة غاز سابقًا وأباتشي، والنصر وسابيسكو وبتروملك وغيرهم.

يعترف مصدر يعمل بشركة أمريكية -تزود معظم الشركات العاملة في مصر بالتكسير الهيدروليكي- أجرى حوارًا مطولًا مع معدي التحقيق بشرط عدم ذكر اسمه، أن تقنية التكسير تستخدم منذ سنوات عديدة في مصر لرفع كفاءة الآبار في عمليات الغاز والنفط التقليدي.

ولكنها زادت خلال الفترة بين 2014 و 2017، مع إعلان توقيع مصر عقودًا مع شركتي أباتشي وشل مصر لاستخراج الغاز الصخري بالتكسير الهيدروليكي عام 2014، باستثمارات تتراوح بين 30 إلى 40 مليون دولار.

يشرح المصدر: أن حجم إنتاج البئر يتزايد عن استخدام التكسير الهيدروليكي بدلاً من استخدام الطرق التقليدية، لأنه يسمح بزيادة الإنتاج عند استخدام التكسير الهيدروليكي لإنتاج النفط والغاز التقليدي، لأن هذه التقنية تسمح باستخراج الموارد من التكوينات الصخرية التي يصعب الوصول إليها؛ حيث تتيح العملية الوصول إلى احتياطيات النفط والغاز التي لم يكن من الممكن الوصول إليها في السابق باستخدام طرق الحفر التقليدية، من خلال إحداث شقوق في الصخور؛ فيعمل التكسير الهيدروليكي على تعزيز تدفق النفط والغاز بشكل كبير؛ ما يؤدي إلى زيادة معدلات الإنتاج.

ولكن يرفض المصدر أن يكون للتكسير الهيدروليكي الذي يتم في مصر أي أثر على المياه الجوفية، كما يحدث في الولايات المتحدة الأمريكية، ويبرر ذلك قائلًا إن خزانات المياه الجوفية في مصر توجد على أعماق أبعد من طبقات النفط والغاز وبالتالي من الصعب أن تتأثر.



أيضًا من خلال صور الأقمار الإصطناعية، وجد معدو التحقيق أدلة على حدوث التكسير الهيدروليكي في الحقول الموجودة، وفي الحقول التي من المقرر أن تبدأ في الاستخراج في المستقبل.

تتركز عمليات الحفر في مصر على أكبر حقل غاز بري، الأُبيض الذي يقع جنوب غرب مرسى مطروح، وعدد من الأصول الأصغر في الصحراء الغربية مثل حقل أبولونيا بالصحراء الغربية، وفقًا لبيانات من شركة Urgewald، والتي تم الرجوع إليها مع بيانات من GlobalData ومعلومات من Rystad. وتشمل الشركات المشاركة في هذه الأصول شركة النفط البريطانية كابريكورن إنرجي وشركة النفط المصرية "شيرون بتروليوم" "بيكو سابقاً" (في حقل الأبيض)، وشركة النفط المصرية طيبة للخدمات البترولية(في حقل أبولونيا).

Image

تُظهر الصورة أعلاه من حقل أبولونيا، ثلاثة خزانات كبيرة للسوائل، مما يشير إلى حدوث عمليات التكسير الهيدروليكي في هذا الموقع. ويلاحظ في الجزء العلوي الأيسر من الحواجز وجود ما لا يقل عن أربعة آبار بجانب بعضها البعض، مما يشير إلى حدوث عمليات الحفر الأفقي.

Image

كما هو موضح في الصور أدناه، يتضمن حقل الأبيض عدة برك تملأها سوائل بصورة واسعة النطاق، مما يشير إلى حدوث عمليات التكسير الهيدروليكي، بالإضافة إلى ذلك تظهر أدلة على وجود مواقع حفر آبار متعددة، مما يشير إلى الحفر الأفقي اللازم لعملية التكسير.

خزانات جوفية

في ورقة صادرة عن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية عام 2014، سلطت ريم لبيب، الباحثة البيئية في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، الضوء على القلق الرئيسي المتمثل في تلوث المياه الجوفية في الصحراء الغربية، والتي تضم جزءً كبيرًا من المياه الجوفية الاستراتيجية في مصر.

تشمل خزانات المياه الجوفية في الصحراء الغربية في مصر طبقة المياه الجوفية من الحجر الرملي النوبي، والمغرة، وطبقة المياه الجوفية الكربونية المتشققة، وطبقة المياه الجوفية الصخرية الصلبة المتشققة في عصر ما قبل الكمبري.

وتلعب هذه الخزانات دورًا حاسمًا في توفير المياه الجوفية لمناطق مختلفة داخل الصحراء الغربية، مثل الوادي الجديد والمنطقة الصحراوية على حافة غرب الدلتا.

وبحسب المبادرة المصرية للحقوق الشخصية: من المتوقع تأثر اثنتين منهما بالتكسير الهيدروليكي. ويعد خزان الحجر الرملي النوبي مصدرًا هامًا للمياه بالمنطقة؛ حيث يقدر مخزونه بحوالي 522 ألف مليار متر مكعب من المياه، وخزان المغرة هو الخزان المتجدد الوحيد في مصر؛ حيث يتلقى المياه من خزان دلتا النيل. وقد قامت دراسة شاملة أجريت عام 2011 بتقييم موارد المياه الجوفية في منطقة وادي الفريج، وأشارت إلى إمكانية استخراج المياه على المدى الطويل بمعدل 152 مليون متر مكعب سنويًا لأغراض الري. ومع ذلك؛ فإن خطر التلوث الناتج عن التكسير الهيدروليكي آخذ في التزايد، وتعاني مناطق الداخلة والفرافرة وسيوة من فيضان مستمر للمياه الجوفية، ما قد يؤدي إلى تلوث السطح بالمياه الجوفية الملوثة.

يعلق د. أبو طالب ذكي، باحث في جامعة وسترن متشجن، بالولايات المتحدة، لمعدي التحقيق، أن منسوب النفط على مستوى عميق جدًا مقارنة بالمياه الجوفية، وبالتالي من الصعوبة أن تتأثر المياه الجوفية الموجودة بالصحراء الغربية بعمليات التكسير الهيدروليكي.

ويضيف أبو طالب، أن الاتصال الرئيسي يكون بين الخزانات الجوفية سواء العميقة أو السطحية؛ فمثلا أن ننتج من خزان سطحي على عمق 200 متر، مع أن منبع المياه يكون على عمق كيلومتر أو كيلومترين؛ فبالتالي من الممكن أن تتأثر هذه المياه مع مرور الوقت بسبب عمليات التكسير الهيدروليكي. ولكنه يؤكد أن هذا الأمر لم يدرس مسبقًا في مصر، وبالتالي لا يمكن التأكيد على إمكانية تأثرها بعمليات التكسير الهيدروليكي.

ويقول أبو طالب، إن الأنشطة البترولية إن كان لها أثر على خزانات المياه الجوفية في الصحراء الغربية؛ فإن المنطقة التي يتوقع أن تكون أكثر تأثرًا هي واحة سيوة، لأن المياه الجوفية هناك بالفعل موجودة على السطح ومتأثرة بشكل كبير.

يؤكد أبو طالب أن أثر التكسير الهيدروليكي على المياه الجوفية بالصحراء الغربية، غير مدروس في مصر، وذلك بسبب نقص وشح البيانات المتاحة للباحثين؛ سواء أماكن وأحجام حدوث التكسير الهيدروليكي أو المواد الكيميائية المستخدمة.

يقول أحمد الصعيدي، المحامي البيئي ورئيس مكتب الصعيدي للمحاماة والاستشارات القانونية، إن قانون البيئة المصري وضع قواعد عامة تحكم القضايا البيئية بشكل عام، ولكن لا يوجد هناك أية لوائح قانونية للتحكم في عمليات التكسير الهيدرليكي.