Logo
ar

"تحت الرمال"

الجزائر تستخدم التكسير الهيدروليكي
لاستخراج الغاز الحبيس في الصحراء

تمتلك الجزائر احتياطيات هائلة من الغاز الصخري غير المستغلة، تقدر بـ 20 تريليون متر مكعب، وهو ثالث أكبر مخزون من الغاز الصخري في العالم، ولكن بعد أن أعلنت الحكومة لأول مرة عن نيتها البدء في تكسير الموارد في عام 2014، حتى خرجت الاحتجاجات اعتراضًا على هذه التقنية الجديدة في مختلف ربوع الجزائر.

بين ديسمبر/كانون الأول 2014 ومايو/أيار 2015، ظهر آلاف المتظاهرين كل يوم في بلدة عين صلاح الريفية؛ في قلب الصحراء (1262 كم من الجزائر العاصمة)، للاحتجاج على مشروع التكسير الهيدروليكي بقيمة 70 مليار دولار، وسط تغطية واسعة النطاق على القنوات التلفزيونية العربية ووسائل التواصل الاجتماعي. وأعرب سكان الصحراء - وهم مجموعات مهمشة بالفعل مقارنة بأولئك القادمين من الشمال الأكثر ازدهارًا - عن مخاوفهم من أن تهدد تجربة التكسير الهيدروليكي إمدادات المياه وسبل عيشهم.

تم القبض على العديد من المحتجين؛ إذ يؤكد صالح دبوز، محامي جزائري بارز - يعيش الآن في بروكسل - في حوار مع معدي التحقيق، أنه بسبب التكسير الهيدروليكي تم القبض الكثير من المواطنين وترهيب البقية، ومن ضمن المعتقلين محمد قاسمي، الناشط من مدينة أدرار جنوب الجزائر ويقبع حتى هذه اللحظة في زنزانة السجن.

يقول دبوز: شارك قاسمي في الحركة ضد الغاز الصخري، والتي اندلعت بسبب عمليات الحفر – فازداد الضغط على السلطات الجزائرية بسبب رفض استخدام هذه التقنية لأسباب بيئية واجتماعية واقتصادية.

في عام 2019، عندما خرج الحراك إلى الشوارع لمعارضة الولاية الرئاسية الخامسة لعبد العزيز بوتفليقة والدعوة إلى تغيير النظام، كان القاسمي أحد الشخصيات الرئيسية في أدرار.

يقول المحامي والناشط في مجال حقوق الإنسان، صلاح دبوز: " تأكد قاسمي منذ البداية أن استغلال الغاز الصخري سيكون على حساب المقيمين بالصحراء الجزائرية، وانضم للحراك من أجل تأمين حقوق هؤلاء المظلومين".

وقد أثبتت الاختبارات نجاحها التي بدأتها الجزائر لاستخراج الغاز الصخري من الصحراء ومن المناطق القريبة من السكان، ولكن الحكومة استسلمت للمتظاهرين وأعلنت أن خطط التكسير الهيدروليكي لن تستمر. ومع ذلك، فقد كانت هناك علامات مبدئية على أن هذه ليست نهاية القصة.

خطط رسمية غير معلنة

يقول براناف جوشي، رئيس فريق الأبحاث في أفريقيا في شركة ريستاد الاستشارية: "لا توجد خطط حكومية رسمية لاستخراج موارد الصخر الزيتي، لكن الحكومة أنشأت نظامًا ضريبيًا منفصلًا للشركات في مجال الغاز غير التقليدي، مما يشير إلى أنه لا يزال هناك بعض الاهتمام".

في عام 2023، أشارت شركة الطاقة الحكومية سوناطراك إلى أنها “ملتزمة” بزيادة الاستثمار في النفط الصخري، بينما أعلنت شركة إكسون موبيل في بداية عام 2024 أنها تجري “محادثات” لاستكشاف فرص جديدة في البلاد.

قام معدو التحقيق بسؤال شركة "إكسون موبيل" عما إذا كانت الخطط المستقبلية في البلاد ستشمل التكسير الهيدروليكي؛ فقال متحدث باسم شركة إكسون موبيل إن الشركة: "لا تعلق على تفاصيل الاستراتيجية التجارية".

من المؤكد أن الناشطين يظلون قلقين للغاية بشأن آفاق التكسير الهيدروليكي. يقول حمزة حموشان، وهو ناشط جزائري مقيم في المملكة المتحدة لمعدي التحقيق: "هناك شعور بأنه عندما قالت الحكومة إنها لن تتابع عملية التكسير الهيدروليكي في العقد الماضي، كان ذلك في الواقع مجرد إسكات للسكان وتوجيه الاهتمام إلى أماكن أخرى".

ويضييف: "ومنذ ذلك الحين، لم تكن هناك معلومات من مصادر رسمية، والصحفيون أو الناشطون الذين يبحثون في الأمر؛ إما في السجن أو خائفون للغاية من النظر إلى أنفسهم. هل كانت الجزائر تخضع للتكسير الهيدروليكي؛ فلا أحد يعرف".

يقول حموشان إن التكسير الهيدروليكي يشكل "مصدر قلق كبير" بسبب المخاوف المتعلقة بإمدادات المياه في المناطق الصحراوية؛ حيث تجري الأنشطة الاستخراجية في الجزائر. ويضيف أن الطلب الأوروبي على مصادر جديدة للغاز الطبيعي هو المحرك الرئيسي للحكومة الجزائرية: "يعتمد النظام الجزائري على استخراج الغاز والعملة الأجنبية التي يتلقاها من الصادرات الأوروبية من أجل وجوده".

وأضاف: «في الوقت نفسه، تخشى الحكومة من أن يلتهم الطلب المحلي على الغاز الكثير من المعروض مع نمو السكان، وبالتالي فإن أي فرصة لزيادة الصادرات تعتبر ذات أهمية بالغة بالنسبة لهم".

باستخدام صور الأقمار الاصطناعية، حصل معدو التحقيق على أدلة على أن الجزائر تقوم بالفعل بالتكسير الهيدروليكي لتعزيز التوسع في الغاز الطبيعي، مع خطط لزيادة القيام بذلك في المستقبل.

وفقًا لنيلز بارتش، رئيس أبحاث النفط والغاز في مؤسسة أورجوالد الألمانية غير الربحية؛ فإن التكسير الهيدروليكي المعروف والذي يحدث في الجزائر ليس في موارد الصخر الزيتي، ولكن بدلًا من ذلك في موارد الغاز "الحبيسة.

تشير موارد الغاز الحبيسة إلى الغاز الطبيعي المحصور داخل التكوينات الصخرية ذي النفاذية المنخفضة للغاية، مما يجعل عملية الاستخراج صعبة. تتطلب هذه الخزانات، عادة من الحجر الرملي أو الحجر الجيري، تكسيرًا هيدروليكيًا كبيرًا لتعزيز النفاذية وتسهيل تدفق الغاز.

تعتبر التكوينات الغازية الضيقة أقدم بكثير من رواسب الغاز التقليدية؛ حيث يعود تاريخها إلى حوالي 248 مليون سنة.

يتضمن الاستخراج الحفر الأفقي أو الاتجاهي للوصول إلى رواسب الغاز، وتُستخدم تقنيات مثل التكسير الهيدروليكي والتحميض لتحفيز الإنتاج عن طريق تفتيت الصخور وتحسين النفاذية، ويمكن حفر آبار متعددة لتحقيق أقصى قدر من استخلاص الغاز من هذه التكوينات الحبيسة.



أيــــــن يقـــــــع الغاز الحبيس؟

الغاز الحبيس بالجزائر

تم إدراج حقل تيميمون بجنوب غرب الجزائر، كمورد نشط لاستخراج الغاز الحبيس في كتاب حقائق شركة توتال الفرنسية الكبرى لعام 2020، وكذلك في تقريرالإدارة المتكاملة لعام 2022 لشركة البترول الإسبانية متعددة الجنسيات "سيبسا". وتعمل الشركتان في الحقل بالتعاون مع شركة سوناطراك الجزائرية، وفقًا لقائمة GlobalData. ووفقاً لبيانات من مؤسسة أورجوالد، والتي تم التحقق منها مقابل بيانات من GlobalData، يعتبر حقل العسل بمنطقة حوض بركين جنوب شرق مدينة حاسي مسعود بولاية ورقلة، مورد آخر لاستخراج الغاز الحبيس، ويجري تطوير هذا المورد بالتعاون بين شركة سوناطراك الجزائرية وشركة النفط الروسية الكبرى غازبروم. وأعلنت سوناطراك أيضًا عن خطط للاستخراج من حقل آخر يسمى (أحنيت) وفقًا لـ GlobalData.

ومن خلال تحليل صور الأقمار الاصطناعية من "سكاي تروث" ، وجدنا بعض الدلائل حول أنشطة التكسير الهيدروليكي التي تجري في البلاد.

Image

تُظهر الصورة أعلاه لحقل تيميمون، الملتقطة في نوفمبر 2023، عدة علامات تدل على ذلك. بداية، يشير وجود خزان سوائل كبير مربع الشكل بعيد عن أي منطقة سكنية، ويمتد على مسافة عدة مئات من الأمتار، إلى تخزين السوائل اللازمة لعمليات التكسير الهيدروليكي.

في الجزء العلوي الأيمن من الخزان يظهر وجود مدخنة، تستخدم لحرق الغاز المتسرب، وفي الجزء العلوي الأيمن من المدخنة يمكن رؤية موقع حفر يحتوي على ثلاثة آبار محفورة بجوار بعضها البعض، يبدو أن هذا التصميم لن يكون له فائدة تذكر ما لم يتم إجراء التكسير الأفقي في هذا الموقع.

Image

تحليل صور أخرى لحقل تيميمون، تظهر وجود خزانات كبيرة لاحتجاز السوائل، وهذا يعزز الاحتمالية بأن عمليات التكسير الهيدروليكي تحدث في جميع أنحاء الحقل. تظهر الصورة أن الأنشطة الاستخراجية في هذا المجال تقع بالقرب من مدينة حاسي مسعود، مما قد يهدد إمداداتها المائية في منطقة من البلاد تعاني أصلا من ندرة المياه.

Image

تُظهر الخريطة أعلاه مركز حقل أحنيت، والذي من المقرر أن يجرى فيه عمليات التكسير الهيدروليكي، وهو حقل ضيق يقع بالقرب من البلدات والمستوطنات-، ويبعد بضعة كيلومترات فقط عن مدن أولف، وأقبلي، وتيط، وإن غار، وعين صالح، فقارة الزاوية.

قام معدو التحقيق بإرسال أسئلة للحصول على رد من شركات غازبروم وسوناطراك وتوتال إنيرجي جميعها عن أنشطة التكسير الهيدروليكي في الجزائر، عبر البريد الإلكتروني، ولكنها لم تقدم ردًا بخصوص ما توصلنا إليه من خلال الأقمار الإصطناعية.

وفي الوقت نفسه، قال متحدث باسم شركة (Cepsa ) سيبسا: "سيبسا لا تشارك في أنشطة النفط الصخري. "في الماضي، وتمت تجربة تقنية التكسير الهيدروليكي متعدد المراحل في بئرين منتجين غير صخريين في تيميمون، وهو الحقل الذي تمتلك فيه شركة سيبسا حصة أقلية. ليس لدى Cepsa أي خطط حالية لتطبيق تقنية التكسير الهيدروليكي متعدد المراحل في أي من عمليات الإنتاج الخاصة بها، أو في أي عمليات إنتاج يكون لها فيها حصة.

لا ينفي المحامي الجزائري صلاح دبوز، إمكانية استخدام التكسير الهيدروليكي في الجزائر، قائلًا: "الصحراء الجزائرية شاسعة، مساحتها كبيرة ويسيطر الجيش على معظم العمليات المتعلقة بالنفط والغاز، لذلك فليس من الغريب أن تحدث عمليات تكسير هيدروليكي دون أن نعلم عنها شيئًا".