كان عائدًا إلى بيته، في بلدة أودلا جنوب نابلس بالضفة الغربية المحتلة، لكن جيش الاحتلال الإسرائيلي قاطعه ورشق جسده بالرصاص. بعد ساعاتٍ قليلة، يقف والده أمام جثته، يدنو من رأس ولده والدموع تغالب كلماته، ويبكيه: ” ربي يرحمك”.. ويمضي لدفنه.
في البيت يزاحم الحزن تعابير الوجوه: قتل الاحتلال الفتى المدافع سعيد عودة ابن الـ 16 عامًا.
حتى الـ 5 من أيار/ مايو، كان الفتى سعيد عودة لاعب كرة قدم مجتهدًا يحلم بالشهرة والاحتراف.
قبل 5 سنوات، التحق سعيد بأكاديمية “بيليه الألمانية” في مدينة نابلس، وتدرج بفضل مهارته، حتى بات ضمن فريق نخبة الأكاديمية، ولاعبًا في فريق “شباب بلاطة” الفلسطيني. شارك في العديد من البطولات المحلية والدولية، أقيم بعضها في تركيا والأردن، وكان يتحضر لبطولاتٍ دولية مقبلة خلال الأشهر القادمة.
يقول أصدقاؤه وعائلته، كان الفتى مولعًا بكرة القدم، ويسعى للاحتراف العالمي. مدربه، عاهد عبد الرحيم، يحكى أن الفتى “كان لاعبا شغوفا يعشق الكرة، ويتابع كل ما يتعلق باللعبة بشغف، ويحلم أن يكون واحدًا من النجوم الدوليين في المستقبل القريب”.
اقرأ أيضا: نعيش خريف التضامن العربي
خلال الأيام الماضية، مرّ سعيد بتدريباتٍ مكثفة، استعدادًا للبطولات القادمة “التي كان ينتظرها على أحر من الجمر” على حد وصف أقربائه.
فوق ذلك كله، يشيد أقرباء وأصدقاء الفتى بأخلاقه العالية التي صنعت له مكانة اجتماعية استثنائية بينهم.
يوم الأربعاء 5 مايو/أيار، ثمة خبرٌ كان يشغل بال الفتى سعيد عودة أكثر من غيره، بل لم يكن هناك ما يشغل باله أكثر منه. إذ كان ينتظر وصول خبر اختياره ضمن أسماء فريق الأكاديمية المشارك في دوري بطولة “شرم الشيخ العالمية لكرة القدم”. وهي بطولة ستعقد بمشاركة 12 دولة عربية، وستقام في الثاني عشر من شهر حزيران/يونيو المقبل.
حتى مساء اليوم ذاته، كان الترقب في دخيلة الفتى على حاله، إلى أن انتزعت الحياة من عقله، فلم يعد لفكره كله وجود.
بكرا الموت بياخذني، وبصير ذكرى عند الكل
جنوب نابلس قرب بلدته أدولا، اقتحمت دوريات جيش الاحتلال الإسرائيلي المكان بالرصاص، وأصابت الفتى، وابن خالته، ولم يكتفِ الاحتلال بالإصابة بل نكل بالمصابين، وتركهم ينزفون بعد منع سيارات الإسعاف من الوصول للمكان. بعد ربع ساعةٍ من الإصابة، غادرت دوريات الاحتلال المكان، ووصلت طواقم الإسعاف، لكن دون أملٍ يرجى. كانت الجثة مغطاة ببطانية. يظهر لقاء تلفزيوني، أن المسعف الذي حضر، كان خال الشهيد.
رحل الفتى، دون أن يسمع الخبر الذي شغل باله طوال الفترة الماضية.
قبل مدة، نشر سعيد، صورة على حسابه الشخصي في “فيس بوك” وعنونها بـ: “بكرا الموت بياخذني، وبصير ذكرى عند الكل”. ولم يدرِ الفتى أنه كتب مرثية لرحيلٍ قريب، كان أقصر من كل أحلامه الواسعة.
بحزنٍ كامن، تفضحه الملامح ونغمة الصوت، يقول الوالد يوسف عودة: “لم أصدق أنه استشهد لكن هذا قدر الله. أي خطر شكله سعيد على القوات المدججة بالسلاح، حتى يقتل بدم بادر، وتُمنع الطواقم الطبية من الوصول لجثمانه؟”.
قَتَل الاحتلال سعيد “محبوب الجميع” كما يُعرف بين أصدقائه، و”صاحب القدم اليمنى التي لا ترحم الحراس في الملاعب” كما يُقَدم في أوساط الكرة، وحُلمِه الذي يخطو يوميًا معه، وأهدى الحزن لعائلته ورفاقه، والوحشة للملاعب التي كان يركض فيها.
“تُوحِش فكرة تخيل الملاعب دون سعيد”، يقول زميله في الفريق حمد الله حشاش (16 عاما)، مُكملًا: “كيف ستكون مباراتنا المقبلة من دونه؟ محبوبنا، وأفضل اللاعبين”.
يمثل سعيد بكل أحلامه التي صدها الاحتلال بالرصاص، حكاية كل فلسطين، وحياة أهلها وأحلامهم المرهونة بحركة بنادق ومدافع وطائرات الاحتلال التي تجوب فلسطين من جنوبها إلى شمالها.
تذكرنا حكاية سعيد، أيضًا بالسؤال المستمر: كم سعيدًا قتل الاحتلال، في غزة، والضفة الغربية والقدس والداخل الفلسطيني؟ كم قلبًا، زرع فيه الاحتلال الرصاص بدلًا من الأحلام؟
على صلة، تقول الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال، فرع فلسطين، إن قوات الاحتلال استهدفت سعيد دون أن يشكل أي تهديد، وإن القوات أطلقت نيرانها صوب القاصر لدى اقترابه من مدخل بلدته.
وأشارت إلى أن سعيد عودة هو ثاني قاصر تقتله قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ بداية العام الجاري. وفي العام الماضي، قتل الاحتلال 9 قاصرين في الضفة الغربية، بما فيها مدينة القدس الشرقية وقطاع غزة.
وكل هؤلاء وغيرهم، كانوا يملكون أحلامًا واسعة، قبل أن يدفنها الاحتلال إلى الأبد.
Muwatin Media Network
Beyond Red Lines
United Kingdom – London
Muwatin Media Network
Beyond the Red Lines
United Kingdom – London
Contact us:
Executive Director and Editor-in-Chief:
Mohammed Al Fazari
All rights reserved to Muwatin Media Network ©
شبكة مواطن الإعلامية
ما بعد الخطوط الحمراء
المملكة المتحدة – لندن
للـتواصل معـنا: [email protected]
المدير التنفيذي ورئيس التحرير: د. محمد الفزاري [email protected]
لتصلك نشرتنا الشهرية إلى بريدك الإلكتروني
شبكة مواطن الإعلامية
ما بعد الخطوط الحمراء
المملكة المتحدة – لندن
للـتواصل معـنا: [email protected]
المدير التنفيذي ورئيس التحرير: د. محمد الفزاري [email protected]
جميع الحقوق محفوظة لشبكة مواطن الإعلامية©