على منصة “psych” تتحدث إيليس فان دن هوفن في قصةٍ شيقة حول دراسة قامت بها وزملاءها حول التغيير الذي تحدثه الأجهزة الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي في تغيير أنماط وطبيعة حياتنا وعلاقاتنا، ومنها التغيير الذي أحدثته تلك الوسائل على أشكال الانفصال التقليدية في العلاقات العاطفية ما قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي وسيطرة العالم الرقمي على حياتنا.
ترجمة: شيماء محمد
سواء كنتم معًا لسنوات أو لمدة قصيرة، فالانفصال أمر سيئ، خصوصًا إذا كان حبيبك السابق هو من قرر إنهاء العلاقة. خلال العلاقة، تصبحون متورطين في حياة بعضكم بعضًا، وتطورون أنشطة وعلاقات صداقةٍ مشتركة، وفي العلاقات طويلة الأمد على وجه الخصوص، يصبح إحساسك بالذات متشابكًا مع شريكك. والانفصال يعني انتزاع نفسك من شخص آخر عمليًا وعاطفيًا، وهذا قد يعني فقدان جزء من هويتك.
كان الانفصال في الماضي يحدث بخصوصية إلى حد كبير بينكما أنتما، وبين عائلاتكم وأصدقائكم المقربين. أما في عصر وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية، فقد تغيرت تجربة الانفصال. عندما تسير الأمور على ما يرام، تقوم منصات الوسائط الاجتماعية بعمل رائع في ربط الأشخاص والحفاظ على العلاقات، وتساعدكم الهواتف الذكية على إنشاء سجل رقمي ثري لحياتكما معًا دون عناء، ولكن عندما تنفصلان، وتحتاجان أيضًا للانفصال بشكلٍ عملي وعاطفي، ستجدان بأنكما محاصران في شبكة رقمية معًا أيضًا.
أردت أنا وزملائي دانيال هيرون وويندي مونكور أن نفهم بشكل أفضل كيف تجعل التكنولوجيا الانفصال أكثر صعوبة، وتأثير ذلك على الأفراد الواقعين فيه. تحدثنا في إحدى الدراسات إلى 26 شخصًا تتراوح أعمارهم بين الـ 18 والـ 52 عامًا، تراوحت فترات علاقاتهم بين ستة أشهر و29 عامًا، في ثلاث دراسات بحثية. أجرينا مقابلات معهم حول انفصالهم وكيف تعاملوا، أو لم يتعاملوا، مع الجانب الرقمي لعلاقاتهم في أعقاب ذلك.
أردنا أن نفكر في تجاربهم، وكيف يمكن للأشخاص أن يصبحوا قادرين على المضي بشكل أفضل في المستقبل. كانت إحدى المشكلات الأكثر شيوعًا التي ظهرت تتعلق بالصور، سواءً الموجودة على شبكة الإنترنت أو خارجه. ففي الأوقات السعيدة يقدر الناس هذه “المقتنيات الرقمية”، لأنها تساعد على خلق شعور بالألفة، وتعمل كمحفز لتذكر التجارب المشتركة الإيجابية، وهي رموز ملموسة للعلاقة. لكن هذه الفوائد الدقيقة هي التي تجعل الصور مؤلمة للغاية عندما ينفصل الناس، لا نريد أن نتذكر أي شيء باستمرار، أو أن نكون على اتصال بشكل رمزي. لذلك، غالبًا ما تتضمن محاولات تخطي شريك سابق اتخاذ قرار بشأن الاحتفاظ بأشياء أو حذفها مثل الصور الرقمية، ويميل الأشخاص الذين يختارون حذفها إلى تحسين ظروفهم الجديدة بشكل أفضل.
على سبيل المثال، بعد شهرين من انفصاله عن حبيبه، قرر رايان المشارك في الدراسة أنه بحاجة إلى حذفه من حسابه على فيس بوك، ولكن حتى بعد حذف كل صورة له من حسابه الشخصي، أدرك رايان أن هذا لم يكن كافيًا، يقول: “لقد لاحظت أنه كان موجودًا في الصور حتى تلك التي لم تكن تخصني؛ مثل صوري وصور أمي التي قام بالتعليق عليها، إلى كل شيء، حتى تلك الأشياء الصغيرة هي التي تذكرك… بنظرةٍ إجمالية، الأمر كله حول هذه الأشياء الصغيرة التي تستمر بتذكيرك”.
في بعض الأحيان، قد تشعر أن التكنولوجيا تريدك أن تتذكر ولا تنسى. تظهر الأبحاث أن حذف الذكريات الرقمية أمر شاق جدًا ومرهق عاطفيًا، لدرجة أن بعض الأشخاص يتخلون عنها ببساطة دون إكمال المهمة. لكن أولئك الذين يصرون غالبًا ما يجدون أنفسهم يحاربون التكنولوجيا التي تريدهم أن يتذكروا.
بعد الانفصال عن حبيبته قام إيثان المشارك في الدراسة بحذف عدد كبير من الصور من جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص به فقط ليكتشف أن جهاز الكمبيوتر الخاص به قد قام تلقائيًا باستعادة الملفات التي تم حذفها بنجاح. استخدم إيثان برنامج “Time Machine” على جهاز ماك الخاص به، والذي يتضمن ميزةً تعمل تلقائيًا على نسخ الملفات احتياطيًا للحفاظ عليها آمنة قابلة للاسترداد. هذه الميزة مفيدة في الحفاظ على الملفات، لكن إيثان كان محبطًا عندما اكتشف أن البرنامج كان يحتفظ بصور محذوفة لحبيبته السابقة أيضًا، مما أدى إلى إقامة اتصال بينه وبين شريكه السابق من تلقاء نفسه.
يقول إيثان “أنا فقط لا أعرف ما يجب القيام به، يبدو الأمر كما لو أن جهاز ماك يريد المساعدة بقول: “قد ترغب في استعادة هذا” لكني أحب أن أقول: ” أنا بخير، أنا حقًا لا أريد ذلك مرة أخرى، فقط دعه يمضي”.
هذا على افتراض أنه يمكنك حتى الوصول إلى الصور. أما الصور التي التقطتها حبيبتك السابقة وحملتها، فإن أفضل ما يمكنك فعله هو إزالة الإشارة إليك بنفسك – لكنها لا تزال موجودة في الأثير الرقمي ليراها الآخرون. أدركت ناتالي فقط بعد انفصالهما أن خطيبها السابق يحوز ملكية فريدة لحياتهما الرقمية. كان يمتلك كاميرا عالية الجودة، لذلك كان هو الشخص الذي يلتقط الصور ويحملها على وسائل التواصل الاجتماعي. قالت: “في النهاية، هذه صوره، وله اليد العليا على ذكرياتي”.
غالبًا ما يكون القلق بشأن الذكريات، في نهاية المطاف، متعلقًا بالمستقبل – خاصةً عندما يتعلق الأمر بشركاء جدد. بالنسبة لرايان، فقد قام بإزالة زوجته السابقة من حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي على وجه التحديد، بسبب ما قد يفكر فيه الشركاء في المستقبل: “إذا كنت أواعد وأردت مقابلة شخص آخر، فلن أرغب في تسجيله في ملفي الشخصي ورؤية كل شيء من علاقتي به، سيكونون مثل: “يا إلهي، هذا كثير قليلًا!”.
الأسوأ باقٍ
تعني وسائل التواصل الاجتماعي أنه يمكنك الآن معرفة متى انتقل شريكك. أرادت بيلا وحبيبها السابق أن يبقيا أصدقاء بعد انفصالهما، واتخذا قرارًا مشتركًا بعدم إلغاء صداقة بعضهما البعض من وسائل التواصل الاجتماعي. على الرغم من أن البقاء على اتصال بهذه المنصات بدأ بشكل جيد، إلا أنه أصبح مشكلة عندما بدأ حبیب بيلا السابق في مواعدة شخص جديد: “الأسوأ هو العثور على صور لهما مع أشخاص جدد. کان هذا مزعجًا. كان من المفيد لو لم يشعر فیس بوك بالحاجة إلى إخباري”.
بالنسبة لبيلا، فإن رؤيتها لحبيبها السابق على الإنترنت ضاعف من إحساسها بالحزن. وبالنسبة لآراء الآخرين، فإن فرصة البقاء على تواصل بالشركاء السابقين يتحول إلى شيء أكثر شرًا. يمكن أن يصبح فیس بوك والأنظمة الأساسية الأخرى وسيلة لشخص ما لمراقبة شريكهم السابق. الأشخاص الذين يزورون الحسابات الشخصية لشركائهم السابقين على فيس بوك كثيرًا، أو الذين يصلهم إشعار متى حدّث شريكهم السابق ملفه الشخصي، يميلون إلى الشعور بالانزعاج أكثر بشأن الانفصال.
في أقصى حالة، يصبح هذا الأمر أشبه بمطاردة الكترونية، والتي تعني “استخدام الإنترنت أو التكنولوجيا لمضايقة أو ترهيب شخص ما”. حاولت إيما وهي إحدى المشاركات لدينا تجاهل الرسائل المتكررة من زوجها السابق الذي يطلب لقاءها. ثم أرسل إليها رسائل تهديد عبر تطبيقات مختلفة، فقامت بحظره، لكن هذا لم يكن كافيًا.
على شركات التقنية مراعاة كيف يمكنهم مساعدة الناس في البقاء غير مرتبطين رقميًا
بدأ زوج إيما السابق في إرسال الرسائل النصية وأخبرها عن مكان وجودها في الوقت الحالي. قالت لنا إيما: “تلقيت مئات الرسائل، أشياء مثل “أراك في منزل [صديق] الليلة؟” و”من الأفضل أن تجدي مكانًا آخر لإيقاف سيارتك”.
افترضت أنه كان يتابعها شخصيًا، حتى أخبر صديقًا مشتركًا لهما بما كان يفعله، وعرفت إيما أخيرًا ما كان يجري. عندما كانا معًا، شاركت إيما وزوجها السابق في الوصول إلى بيانات الموقع الخاصة بهما على خرائط Google، بحيث استبدلت عمليات الفحص السريع للنصوص مثل “هل أنت على وشك العودة إلى المنزل من العمل؟”، على الرغم من أن إيما نسيت هذه العلاقة، إلا أن زوجها السابق لم يفعل ذلك.
بمجرد أن علمت بما يجري، تمكنت من إلغاء وصوله والسيطرة على الموقف، وأخيرًا قطع آخر سبیل لتواصلهم الرقمي. فتكمن المشكلة الآن، في أن قطع التواصل الرقمي يقع على عاتق الفرد بشكل مباشر؛ فالفرد هو الذي يجب عليه أن يلغي الذكريات ويمحوها، وإلغاء الوصول، والتواصل بأحبائه السابقين لفعل الشيء نفسه.
الحل ليس التصرف بشكل مختلف أثناء العلاقة: “لا ينبغي لأحد أن يفكر “ماذا لو انفصلنا؟” عندما ينشرون صورًا أو يشاركون حياتهم معًا عبر الإنترنت. بدلًا من وضع عبء الجهد على عاتق المستخدم، يجب على شركات التكنولوجيا التفكير في كيفية دعم الأشخاص بشكل أفضل في قطع الاتصال رقميًا. بالنسبة لمنصات الوسائط الإجتماعية مثل فيس بوك وانستجرام، قد تكون هذه مجموعة أكثر دقة من عناصر التحكم لإزالة آثار حبيب سابق من ملف التعريف. على سبيل المثال، إتاحة مجموعة أكثر تفصيلًا من الخيارات فيما يتعلق بما يبقى وما يتم حذفه عند تغيير حالة العلاقة؛ “أشياء مثل إزالة العلامات أو إزالة أنواع معينة من البيانات الوصفية من المنشورات، إبقاء المشاركات مرئية للبعض دون الآخرين، أو إبداء التعليقات والردود والمشاركات المخفية”. بالنسبة للتطبيقات التي تشارك البيانات بين المستخدمين، مثل خرائط قوقل، فقد يكون الأمر بسيطًا مثل تذكير المستخدمين كل بضعة أسابيع أو أشهر لمراجعة من يمكنه الوصول إلى بياناتهم.
لذلك لا تكمن المشكلة في الاستخدام لحظة بلحظة – فمن الطبيعي أن نرغب في تسجيل ومشاركة العلاقات المهمة في حياتنا، وإنما تكمن المشكلة فيما بعد ذلك، وينبغي لشركات التكنولوجيا أن تزود الأشخاص بأدوات أفضل للتحكم بهوياتهم على الإنترنت والتحكم فيها في أعقاب الانفصال. لن توقف مثل هذه الأدوات حقيقة كون الانفصال مؤلمًا للغاية، لكنها قد تساعدنا، على الأقل، على المضي قدمًا.