ما إن بدأ كأس العالم حتى انفجرت مطالبات بالجهاد الدعوي للإسلام، اعتبر البعض من كأس العالم في قطر 2022 فرصة دعوية، إثر تجمع أكبر كم من أصحاب المعتقدات الأخرى؛ وتعد الدعوة جزءً أساسيًا من تعاليم الإسلام، إلا أن هذه الدعوة لم تكن بريئة تمامًا لوجه الله، ويدخل فيها قدر من الاستخدام السياسي كترويج لجماعات بعينها، وحتى هذا الترويج لم يكن نزيهًا كفاية، واعتمد على بعض الشائعات؛ أشهرها إسلام الممثل الأمريكي مورجان فريمان الذي شارك في حفل الافتتاح.
بين إسلام المشاهير أو الأفراد العاديين، ما الإضافة؟
تعتمد إشاعات إسلام مورجان فريمان وغيره من الأجانب على جهلهم بالإسلام، فبمجرد أن يعلموا به كدين خلال أقل من عشر دقائق يرددون الشهادتين ويعلنون إسلامهم، وهذا ما دفع إعلاميًا مصريًا مثل عمرو أديب يتساءل: ما الذي يجعل إنسانًا يغير دينه وينتقل إلى دين في خمسة دقائق؟ بل وطالب أديب بطريقة تهكمية من المشايخ أن يعلنوا الخطاب المتسبب في الإسلام خلال دقائق حتى يعرضه في برنامجه ويؤمن ملايين المشاهدين من غير المسلمين أفواجًا.
ويعتمد في تقديم الإجابات على مجموعات من المختصين في بعض العلوم مثل علم النفس أو الأعصاب، ومجموعات أخرى من رجال الدين المنتمين لأديان مختلفة، مسيحيين وهندوس وبوذيين ومسلمين، إلخ.
ولد مورجان فريمان عام 1937 في تينيسي بالولايات المتحدة، فاز بجائزة الأوسكار لأفضل ممثل مساند عن دوره في فيلم Million Dollar Baby، وعلى الرغم من إعلانه أنه لا ديني؛ إلا أن الممثل الأمريكي يعتقد بمبدأ وحدة الوجود، وهو مبدأ فلسفي روحي يعتمد على أن الله موجود في الطبيعة وداخل الإنسان أيضًا، وهو تصور إلهي مطلق لا ينتمي لجماعة بعينها عن غيرها، كما لعب دور الله في فيلمي Bruce Almighty في عام 2003 و Evan Almighty في عام 2007.
وعن شائعات إسلام بعض الشخصيات مثل فريمان يعلق علي سالم، وهو اسم مستعار لباحث عماني مختص بالإسلاميات، فضل عدم ذكر اسمه: “القوي لا يحتاج إلى تبرير ذاته بالكذب والشائعات، من يعمل ذلك يعرف أنه في أضعف مراحل وجوده، وخطابه ضعيف، وإذا كان دينه يدعوه إلى الصدق؛ فكيف يكذب في تبليغ دينه؛ فهو يسئ إلى دينه، ويخالف ما أمر به”.
ويضيف سالم: “الإسلام يدعو كغيره من الأديان إلى الحجة والبرهان، “قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين”، ومن دخل مقتنعًا سوف يصدق، وليست العبرة بالكثرة؛ إنما بالصدق والاقتناع، سواء كان مع الإسلام أم مع غيره، ومن يتشبث ليخلق قصصًا وهمية مستغلاً بعض الرموز الفنية أو الرياضية أو السياسية؛ فهو يدرك أنه ضعيف الحجة والبرهان”.
لم تكن إشاعة إسلام مورجان فريمان الوحيدة؛ فقد انتشر خبر قبل افتتاح عن إسلام لاعب كرة القدم الإيفواري ديدييه دروغبا، وهو ما قام اللاعب بنفيه عبر التغريد على حسابه في تويتر، ما يجعل حالة التحفز واضحة، مثلما كانت هناك جماهير عربية كانت تنتظر المونديال لتشجيع منتخبات بعينها، كان هناك جمهور آخر يشجع منتخب الإسلام، يعتبر هذا الجمهور من كأس العالم فرصة مواتية لانتصار الإسلام بعيدًا عن منافسات كرة القدم.
This story is going viral 😅 but I haven’t changed religion.
— Didier Drogba (@didierdrogba) November 7, 2022
This was just me paying respect to my Muslim brothers i was visiting in my village. A moment of togetherness.
Much love and blessings to all 🙏🏾
“الفرح بإسلام هذا وذاك، يعبر عن مشاعر نقص، تحتاج إلى إثبات الذات وعظمة الذات، أكثر من كونها فرحة بهداية شخص حسبما يدعون، وإسلام شخص أو ترك شخص آخر للإسلام، لن يفرق كثيرًا مع أمة بها مليار شخص”. يعقب الباحث في الدراسات الإسلامية أحمد سعد زايد
ذاكر نايك.. ومنتخب الدعوة
ما أكد هذه الرؤى وكثفها حول اعتبارات فريق من المسلمين وتصوراتهم عن كأس العالم في قطر كمساحة منافسة عقائدية، هو حضور رأس حربة منتخب الدعوة للإسلام، ذاكر نايك قبل يوم من انطلاق كأس العالم، فيما نفت جهات قطرية استضافة نايك بدعوة رسمية، وأكد إعلاميون؛ منهم مدير مكتب قناة الجزيرة في الأردن، حسن الشوبكي تواجد ذاكر مع أجل تقديم محاضرات دعوية في قطر.
صورة متداولة للداعية الإسلامي الشهير الدكتور ذاكر نايك في #الدوحة قبيل انطلاق فعاليات كأس العالم في #قطر#الجزيرة_مونديال22 pic.twitter.com/beST8uLD58
— قناة الجزيرة (@AJArabic) November 19, 2022
وما إن ظهر ذاكر نايك وتم تدوال أخبار مزيفة وإعادة تدوير فيديوهات قديمة على أنها جديدة، توثق أهداف الداعية الإسلامي في قطر 2022، ومن جهة أخرى تداول فيديو عن تحريم ذاكر نايك لكرة القدم، وهو ما اعتبره معارضو فكره ضربة تظهر تناقضاته، لكن الحقيقة أن نايك لم يحرم كرة القدم، بل نقل أحد الآراء التي تحرمها، وأكد أنه لا يتفق كثيرًا معه.
ولد ذاكر في 1965 في مومباي بالهند، ويقدم نفسه كداعية إسلامي ومتحدث عام، اشتهر بقصف جبهات كل غير المسلمين، بل ومحاججتهم، لدرجة إشهار إسلامهم أمامه على المسرح الذي يقدم فيه محاضراته، عرف بالكثير من الآراء التي يعتبرها البعض مثيرة للجدل، بل أحيانا مهددة لسلم المجتمعات والبشر، مثل قتل المثليين والمرتدين عن الإسلام، بالإضافة لتأييده أسامة بن لادن.
وقد اتهم سابقا بجمع تبرعات من دول إسلامية بهدف رعاية المسلمين، لكنه اقتنى بها عقارات بأسماء أقاربه فى الهند، إلى جانب اتهامات بالترويج للتطرف ودعم الإرهاب، ونشر الكراهية ضد غير المسلمين.
وعن الدعوة إلى الإسلام من خلال ذاكر نايك أو آخرين، يعتقد أحمد زايد أن “من حق الجميع أن يدعو إلى ما يشاء ويظنه حسن”، ثم يعقب بأن هناك ملاحظتين: “الأولى فكرة المكياج بدعوة عن طريق نسخة جميلة من الإسلام، تؤمن بحقوق الإنسان والمرأة والبيئة، من الأولى دعوة المسلمين أولاً بهذه النسخة التي يحاولون ترويجها بين الغرباء، أما الملاحظة الأخرى هي أنك إذا أردت الدعوة لدين معين، فعليك أن تقبل بوجود باقي دعوات الأخرى ومساحات النقد أيضًا، فإذا أردوا الدعوة إلى الإسلام عليهم، أن يجعلوا من كأس العالم كرنفالاً للدعوة من أجل جميع الأديان، لا تحتكر الدعوة من دين واحد”. حسبما عقب لمواطن
“كأس العالم مساحة جماهيرية عالمية متعلقة بذات العالم، في جانب معين من جوانب الحياة، وهي الكرة، وهي مرتبطة بالإنسان ارتباطًا خارجيًا رياضيًا، فإذا خرجت عن هذا الجانب ضاقت، وإذا ضاقت تصارعت، لكونها تراجعت من سعتها كمساحة عالمية، إلى الأيدلوجيات الضيقة؛ فالكرة لا تدين أو تسيس أو تربط بعرق”. حسبما أكد علي سالم
يتسائل سالم الذي لا يختلف كثيرا عن وجهة نظر زايد: “هل يسمح بالتبشير إلى المسيحية أو البهائية، وفي المذاهب الإسلامية هل يسمح بالتبشير الإباضي والشيعي والصوفي كالسني لأن الحدث عالمي؟. ويكمل: “فإذا سمح للبعض يسمح للكل،لا ينبغي للبلد المضيف أن يدين أو يمذهب الحدث.
ويستطرد قائلا: “يأتي الناس إلى بلد المضيف أو ما جاوره، ويجدون الصدق والنظافة والنظام والعلم وحسن الأخلاق؛ سيبحثون في سبب ذلك، ويدركون أن الإسلام والعروبة لا تعني ما يصوره التخلف والفقر والجهل، وهذا أكبر تصحيح للإسلام والعروبة، ويغني عما يثار فيما نسمعه”.
هل تقيم قطر كأس العالم أم خلافة الإسلام؟
شهدت هذه النسخة من كأس العالم، نوعًا من التصادم الثقافي بين الغرب العلماني والشرق الأوسط بغالبية مسلميه؛ خاصة مع الروابط التي تجمع قطر مع جماعات الإسلام السياسي في المنطقة، ما جعل أنصار هذا التيار يرددون أخبارًا ليست دقيقة حتى لا تهتز صورة قطر بين السواد الأعظم لهذه التيارات، وجاءت الأخبار تتوالى عن الأفراد الذين يدخلون في دين الله أفواجًا، وحرب قطر على شعارات المثلية وتناول الخمور، في حين أن قطر نفسها نظمت شرب الخمور بضوابط وأماكن معينة، كما أكد رئيس اللجنة التنفيذية لمونديال قطر “ناصر الخاطر” على الترحيب بالمثليين في قطر وإظهار روابطهم الحميمية حتى، أو إمساك أيادي بعضهم في الشارع وفقا لمونت كارلو، مع تأكيد تقارير صحفية عن رفع حظر شعارات المثلية في الملاعب.
يضيف سالم: “جاءت الجماهير مشحونة بثقافات متباينة، دينية أو ثقافية سياسية، يمينية أو يسارية، راديكالية أو ليبرالية، والأصل في البلد المضيف توفير أقصى درجات الحرية في حماية هذا التدافع الثقافي، كما توفر أقصى درجات الأمن في حفظ الذوات، والحرية لا تنفصل عن حفظ الذات”
ويؤكد أن هناك فارق بين تدافع الشعوب، وبين الدولة التي تبتعد عن تديين الحدث أو تسييسه، كما أن تدافع الشعوب يكون وفق قوانين المضيف في الخارج والحدث، أو القوانين المتفق عليها من قبل الفيفا في الحدث.
"جاء الناس من العالم إلى قطر؛ إما مشجعين أو مشاركين أو متابعين أو قارئين للحدث، فكان ارتباطهم بالحدث الواسع، وأما خارج ذلك فهم أحرار كأفراد في التأمل في قطر وحضارتها وثقافتها، أو على مستوى أكبر فيما يتعلق بالخليج وثقافته، أو بالعروبة أو الإسلام".هكذا ختم سالم حديثه معي.
وحين تنظم قطر كأس العالم، بالقطع يعد الأمر فخرًا للخليج العربي والبلدان العربية عامة، لكن قطر بهذا التنظيم لا تمثل الخلافة الإسلامية، كما أن الأمر ليس منافسة دينية أو صراعًا ثقافيًا؛ فكأس العالم ذاته كرنفال رياضي ينتظره مشجعو كرة القدم كل أربع سنوات، بعيدًا عن الدعوات الدينية والحقوقية.
أخيرًا؛ مع التأكيد على حق الجميع في الدعوة إلى الإسلام، أو أي دين آخر، كما أن على الوافدين إلى أي بلد احترام ثقافة شعبها، لكن في النهاية لا يختلف كأس العالم هذا عن سابقيه، تواجد “إيفانا نول” ملكة جمال كرواتيا تخطف الكاميرات بملابسها المكشوفة، مثل جميع نسخ كأس العالم التي تصطاد فيها الكاميرات جميلات المدرجات في الاستاد، هذه الصورة كفيلة لإثبات أن ما يقام في قطر مباريات كأس عالم لا تأسيس خلافة المسلمين. وعلى الجميع الاستمتاع بالمباريات.