في صورةٍ مثيرةٍ للدهشة، وصل قطار انتصارات الجماعة الإسلامية المتشددة في أفغانستان، طالبان، للعاصمة كابل بعد مواجهاتٍ هزيلة من قبل الجيش الأفغاني الذي سلم المعسكرات تباعًا فيما فر آلاف الجنود باتجاه الحدود الإيرانية في الشمال والحدود الطاجيكية شرق البلاد، منتهيةً بوصول قوات الحركة الجهادية للعاصمة وفرار الرئيس الأفغاني ونائبه من البلاد، قبل أن ينتهي الموعد الرمزي لإنهاء التواجد الأميركي في أفغانستان الذي كان من المقرر إعلانه في الـ11 من سبتمبر القادم.
متحدث الجماعة ذات الخلفية الإسلامية الجهادية والمتشددة، أعلن عن عزمها إقامة حكومةٍ إسلامية تطبق أحكام الشريعة وتنسج علاقاتٍ جيدة مع دول العالم، ومن ضمنها خصمهم السابق، الولايات المتحدة، شرط رفض التدخل في شؤون البلاد الداخلية.
رغم تطمينات المتحدث الرسمي للحركة، ذبيح الله، والاتفاقات الموقعة بين الحركة والجانب الأميركي في قطر العام الماضي، التجربة الأفغانية لحكم طالبان خلال تسعينات القرن الماضي تثير المخاوف تجاه تحول أفغانستان لعش وملاذٍ آمنٍ للجماعات الإرهابية المسلحة، كالقاعدة وداعش، وتأثيرها على حقوق وحريات الشعب الأفغاني ونمط معيشتهم.
الحدث المفاجئ والمرتقب بخصوص استيلاء حركة طالبان على مقاليد السلطة في أفغانستان بعد توسعها وسيطرتها على مناطق مختلفة من البلاد خلال الشهرين الماضيين، لاقى ردود أفعالٍ دولية وإقليمية واسعة بين مواقف التحفظ والتخوف والصدمة ومواقف أخرى. تسلط “مواطن” في هذه القصة الضوء على ردود الأفعال العربية في أوساط حركات الإسلام السياسي والشخصيات الدينية والسياسية الأبرز في أوساط هذه الحركات في المنطقة.
المفتي العماني
البداية من عمان؛ إذ تمتلك المؤسسة الدينية في عمان نفوذًا كبيرًا في الشأن الداخلي، إلا أنها اعتادت عدم التدخل في الشؤون الخارجية للبلاد أو الشأن السياسي. يصف مراقبون للشأن العماني لمواطن بأن المؤسسة الدينية وعلى رأسها مفتي البلاد، أحمد الخليلي، توسع مؤخرًا نفوذها في البلاد في ظل توتراتٍ بدأت تطفو على السطح بين المؤسسة الدينية والسلطة في عمان، في سببٍ يعزونه لضعف السلطة الحالية على العكس منه أيام السلطان العماني السابق، قابوس بن سعيد.
المفتي العماني، وفي تطورٍ لافت، بدأ بإطلاق موقفٍ سياسيٍ، من النادر حدوثه من شخص المفتي أو المؤسسة الدينية في عمان، من الأحداث في أفغانستان، في الوقت التي تتحفظ سلطات بلاده عن التعليق على سيطرة طالبان على العاصمة كابل، إذ وجه الخليلي تهنئةً للشعب الأفغاني بعد إعلان دخول الحركة الجهادية المتشددة للعاصمة وسيطرتها عليها.
نهنئ الشعب الأفغاني المسلم الشقيق بالفتح المبين والنصر العزيز على الغزاة المعتدين
أحمد بن حمد الخليلي
المفتي أحمد بن حمد الخليلي في بيان تهنئته الذي وصِفَ بأنه موجهٌ للحركة الإسلامية، طالبان، عبر عن سقوط الحكومة الأفغانية والعاصمة بيد طالبان، بخطابٍ ديني، بأنها تحقيقٌ للوعد الإلهي للمسلمين بالنصر الذي وصفه في نص بيانه بالفتح المبين والنصر العزيز، راجيًا منهم التوحد وتطبيق الشريعة الإسلامية على أعقاب هذا النصر حد وصفه؛ فقال: “نهنئ الشعب الأفغاني المسلم الشقيق بالفتح المبين والنصر العزيز على الغزاة المعتدين، ونتبع ذلك تهنئة أنفسنا وتهنئة الأمة الإٍسلامية جميعًا بتحقيق وعد الله الصادق، ونرجو من الشعب الأفغاني المسلم الشقيق أن يكون يدًا واحدة في مواجهة جميع التحديات..”.
اقرأ أيضا: طالبان: هل يتحول الوحش إلى حمامة سلام ؟
مضيفًا رجاءه من الشعب الأفغاني بالتوحد ونبذ كل ما له صلة بمخلفات الأميركيين والحكومة في السلطة، التي أشار إليها بشريعة الطاغوت الخاسرة “.. والاعتصام بحبل الله بتطبيق شريعة الله العادلة، والتمسك بكتابه وبسنة نبيه، ونبذ كل ما له صلة بشريعة الطاغوت الخاسرة”.
حاملة نوبل السلام
من مقر إقامتها في الولايات المتحدة، علقت النوبلية اليمنية ذات الخلفية الإسلامية، توكل كرمان، على أنباء سقوط العاصمة الأفغانية بيد طالبان، بأنها فعلت الصواب الذي لم تفعله حركات الإسلام السياسي في العالم العربي بعد سقوط جماعة الإخوان في بلدان الربيع بعد سنين من وصولهم للحكم مطلع العقد الماضي.
توكل كرمان، وهي مؤسِّسةٌ لمنظمة صحفياتٍ بلا قيود، حائزة على جائزة نوبل للسلام لعام 2011، وتحمل إلى جانب جنسيتها اليمنية الجنسية التركية منذ العام 2012.
بمواقف متضاربة، علقت توكل كرمان على الأحداث لجماعة الحوثي في صنعاء بوصفها كأنها لجماعة طالبان، ووصفت بأن ذلك مؤامرةٌ غربية على حركات الربيع في العالم العربي والشرق الأوسط كما تآمرت على ثورات الربيع العربي حد وصفها.
وفي منشورٍ آخر لها على صفحتها في فيسبوك، قالت توكل مقارِنةً بين فشل جماعات الإخوان في المحافظة على السلطة في مصر واليمن، انتهاءً بحركة النهضة في تونس، وظفر طالبان بالسلطة في أفغانستان، مخاطبةً متابعيها: “الحقيقة أن حركات إسلامية كثيرة ستندم أنها اتبعت نهج حركة النهضة، ولم تفعل ما فعلته حركة طالبان، للأسف هذا هو الدرس الأسوأ على الإطلاق، صباحكم حرية وثورة مستمرة”.
يوسف القرضاوي واتحاد المسلمين
اتحاد علماء المسلمين، وهي هيئةٌ تجمع رجال دينٍ من مختلف دول العالم يترأسها رجل الدين المصري المقيم في قطر، يوسف القرضاوي، بارك على صفحته الرسمية في تويتر سيطرة طالبان على العاصمة الأفغانية، ووجه تهنئةً خاصة لقيادة طالبان، إذ قال بأن الاتحاد متفائلٌ بما يحدث في أفغانستان.
الله أكبر، وانتصرت طالبان المجاهدة
وجدي غنيم
وجدي غنيم
الداعية المصري المنتمي لجماعة الإخوان، وجدي غنيم، نشر مقطعًا مصورًا على قناته في يوتيوب مشاركًا أنصار الجماعة سعادته بانتصار طالبان إذ قال فيه: “الله أكبر، وانتصرت طالبان المجاهدة”، واصفًا سقوط العاصمة الأفغانية بيد الجماعة بأنه انتصارٌ إلهي للمجاهدين الأفغان على الدول الغربية التي وصفها في مقطعه المصور بالكافرة، متحدثًا عن فضائل الجهاد في الدين الإسلامي الذي يرى بأن الحركة الأفغانية هي خير من يمثله.
إخوان اليمن، سعادةٌ حذرة
جماعة الإخوان المتمثلة في حزب الإصلاح لم تصرح ببيانٍ رسميٍ على الأحداث، إلا أن متابعات لآراء أبرز رموزها تابعتها “مواطن” تحفل كما هي بقية امتداداتها بانتصار طالبان، إذ نشر رجل الدين اليمني، محمد عبدالمجيد الزنداني، ابن الرئيس السابق لهيئة حزب الإصلاح وعضوها الحالي ورئيس هيئة علماء اليمن، وهي هيئةٌ تضم رجال الدين اليمنيين، منشورًا على صفحته الرسمية في فيسبوك، خبر سقوط العاصمة الأفغانية بيد جماعة طالبان مبشرًا أنصار الجماعة وشاكرًا الله على ذلك، ليقوم بإزالة منشور التهنئة لاحقًا.
يذكر أن رجل الدين عبدالمجيد الزنداني كان أحد المطلوبين على قائمة الإرهاب في الولايات المتحدة، وكان له نشاطٌ مؤثرٌ في تحشيد المجاهدين اليمنيين والخليجيين للحرب في أفغانستان ثمانينيات القرن الماضي، كما ربطته علاقةٌ وثيقةٌ بتنظيم القاعدة وزعيمها السابق، أسامة بن لادن، فيما يقيم حاليًا في تركيا منذ فراره من سلطات الحوثيين العام 2015.
ردود أفعال ناشطي حركات الإسلام السياسي في المنطقة العربية اتسمت بالتفاؤل بين المواقف المعلنة والتعليقات الحذرة مع انتظار وضوح ردود الفعل الدولي، في حين تتحدث تقارير دولية عن أن سقوط السلطة بيد طالبان يعني ملاذًا آمنًا لجماعات الإسلام السياسي العربية وصفته بجنة الإرهابيين.